الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عقيدة العصمة بين النص والأفتراض ج3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أنواع المعصومية عند المسلمين
لم يخصص المسلمون عموما المعصومية للرسل والأنبياء فقط، فقد منحوا أو أضافوا المعصومية أيضا للملائكة والكتاب، وإن كانوا كذلك لأنهم أي الملائكة والكتاب لا حول لهم ولا قوة في الفعل، فالملائكة مأمورون بالطاعة المطلقة مع عدم إمكانية أو حتى تصور إمكانية القدرة على المعارضة أو التخلف، لأن ليس لهم شأن إلاّ إجراء الأمر الإلهي في مجراه وتقريره في مستقرّه، فهم مجبورون على الطاعة، ومن ما دل على ذلك قول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) و قوله (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)، أما الكتاب فهو جماد أو لنقل من الأشياء التي لا إرادة لها فيما عدا محمولها، فهي معصومة بمعنى أنها أساسا لا تملك إشاءة ولا تفعل بخيار، هناك آيات أُخرى تصف القرآن الكريم بأنّه مصون عن الخطأ والاشتباه حيث يقول سبحانه (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ويقول أيضاً (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)، فهذه الأوصاف ونظائرها تنص على مصونية القرآن من كلّ خطأ وضلال وأنّه يتصدر المرتبة العليا من العصمة والنزاهة.
ولكن ما زاده الشيعة من عموم المسلمين أن المعصومية أيضا مفترضة ومفروضة للأئمة من علي وأل علي من فاطمة حصرا، فحسب اعتقادهم إنّ الإمامة هي استمراراً لوظيفة النبوّة والرسالة، والإمام يملأ جميع الفراغات الحاصلة جرّاء رحلة النبيّ، ما عدا تلقي الوحي والإتيان بالشريعة، فإنّ العقل يقتضي أن يكون معصومًا في حفظ شريعة رسول الله، فلذلك عصم الله الائمة من الخطأ والهوى والميول العاطفية، للوثوق الناس بقولهم، والاطمئنان بصحّة كلامهم، فإذا جاز عليهم الخطأ والنسيان والمعصية والخلاف، لم يحصل الوثوق بأفعالهم وأقوالهم، وضعفت ثقة الناس به، فتنتفي الغاية من نصبه التي هي هداية الأُمّة إلى الطريق المهيع. لذلك اعتبر الشيعة صفة العصمة اساسية في الائمة كما هي اساسية في النبي محمد.
يستدل الشيعة بآية التطهير على وجود العصمة في رسول الله وفي فاطمة الزهراء وأئمتهم من أهل البيت. والآية هي (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) وهو ما يعرف بدليل التطهير الوارد في النص، فلزوم الطهارة يعني لزوم ما يمنع منها أو يؤدي إليها مباشرة أو بالأثر أصلا أو لحوقا، سواء أكانت الطهارة معنوية "عصمة من الخطأ والذنب" أو طهارة مادية الخلاص من الرجس والنجس والخبائث، فالعصمة المعنوية والمادية طهارة تامة من شروط الهداية ومستلزماتها، وعلى الهادي المهدي أن يكون طاهرا معصوما حتى تثبت أحقيته بالهداية، وبذلك يتوضح المراد بالعصمة، ذلك أنّها أساس في الهداية، فكيف بشخص يدّعي الهداية وهو غير معصوم، وكيف له أن يهدي الناس وهو لا يعرف الهداية وقد قال تعالى (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون) يونس 35.
وللرد على هذا الزعم ومن نفس الدليل المساق هنا في آية الهداية نجد أن الله يجزم بثلاثة قضايا جزما مبرما ما له من محيص:.
الأول_ نفي الهداية للحق عمن سواه (قل هل من شركائكم من يهدي للحق) هذا النفي الأستنكاري متعلق بمنن يشركونهم في أمرهم، وهم الأرباب والآلهة التي يزمون أنهم تقربهم زلفى، وليس غيرهم، وبالتالي فهي مقارنة بين الله وشركائهم.
الثاني _ التأكيد الجازم والقاطع أن الله وحده هو من يهدي للحق، والهداية للحق مطلقا تختلف من حيث السنخية والدلالة والمعنى عن الهداية لأمره والذي هو في عرض الإيمان ولبس في طوله، فالدين هو الحق مطلقا والحق مطلقا ليس هو الدين وحده، فالهداية للحق قدس الله وحده لا يشاركه فيه أحد بدليل قوله تعالى (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) الأعراف (178).
الثالث _ الإتباع محصور فيمن يملك الهداية الأصلية أي الحق (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ)ـ فهنا يكون الله هو الهادي المتبع حصرا وتنصيصا دون سواه على مفهوم طول الهداية وليس في عرضها.
ومن فهمنا لهذا النص بمقاصده وقصدياته المعنوية المحكمة لا نجد ما يشير إلى أن الإمام الهادي مفترض المعصومية لأنه مختص بالهداية دون غيره من الناس، بالتالي فلا دليل هنا في هذه الآية على عصمة مفترضة لبشر من الله سببها الهداية أو واجب الهداية، بالرغم من أن مفهوم الهداية قد أضيف لبشر على أنها الدليل إلى معرفة ما يريد الله وينذرنا منه ويحذرنا مخالفته، وليس الهداية لمطلق الحق كما في قوله تعالى (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، الهاد هنا إتباع الإنذار بغياب المنذر.
ومن الدلائل الظرفية الأخرى تأويل قول الله تعالى في سورة البقرة آية 44 وإن كان المخاطب بها غير المسلمين، وهي من باب السؤال الأستنكاري لتقبيح عقيدة المخاطب، ولكن بعض علماء الشيعة جعلها دليل للعصمة فيما يخص الرسول ومعه الأئمة من أل البيت دون رابط أو حجة سوى المفهوم العام من الآية (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ)، فإنّه لو لم يكن النبي معصوماً لكان محل إنكار ومورد عتاب كما في قوله تعالى ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ﴾، وأيضاً قوله تعالى ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُون كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾، فمن الطبيعي أن يكون النبي معصوماً يأتمر بما يأمر وينتهي عمَّا ينهى حتى لا يُنكر عليه من أحد وحتى يحصل الوثوق به وبتبليغه، ويُعتمد عليه في إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
في الدليل المزعوم هنا لا رابط بينه وبين العصمة المزعومة أيضا، فالنص وإن كان ظرفيا زمنيا يخاطب بني إسرائيل ولكنه من حيث التوجه خطاب عام أخلاقي ونقبل به، لكن دلالته هنا أن بني إسرائيل وممن يشملهم الخطاب أمروا الناس بالبر دون أن يعملوا به هم، والبر في كتاب الله ومفاهيم القرآن ى يعني فقط عدم القدرة على الخطأ والذنب بل ولا علاقة له، البر في القرآن الكريم جاء بالمعاني التالية:.
فقد ورد في القرآن الكريم في اثنين وثلاثين موضعاً، جاء في ثلاثين منها بصيغة الاسم، بالإضافة إلى قوله تعالى السابق {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} فقد جاء في موضعين فقط بصيغة الفعل، الأول قوله عز وجل {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا} (البقرة:224). والثاني: قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم} (الممتحنة:8)، ومن السياق العام نجد أن المعنى تردد على أكثر من أستدلال وفصد منها".
1. البَرُّ -بفتح الباء- خلاف البحر، جاء على هذا المعنى في عدة مواضع من ذلك قوله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر} (القصص:41). وقوله عز وجل: {وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} (المائدة:96). وأكثر ما جاء لفظ {البر} على هذا المعنى في القرآن الكريم.
2. البَرُّ -بفتح الباء- اسم من أسماء الله، بمعنى اللطيف، جاء على هذا المعنى في قوله تعالى {إنه هو البر الرحيم} الطور28، يعني: اللطيف بعباده.
3. البَرُّ -بفتح الباء- الصدق في فعل ما أمر الله، وترك ما نهى عنه، من ذلك قوله تعالى {إن كتاب الأبرار لفي عليين} المطففين:18، {الأبرار} جمع بَرٍّ: وهم الذين صدقوا الله بأداء فرائضه، واجتناب محارمه. نظيره قوله تعالى: {إن الأبرار لفي نعيم} الانفطار:13، أي إن الذين صدقوا بأداء فرائض الله، واجتناب معاصيه لفي نعيم الجنان، ينعمون فيها، ومنه أيضاً قوله عز وجل {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} الإنسان:5، يعني المؤمنين الصادقين في إيمانهم، المطيعين لربهم.
4. البِرُّ -بكسر الباء- بمعنى طاعة الله سبحانه وتعالى، من ذلك قوله تعالى {وتعاونوا على البر والتقوى} المائدة:2، أي: تعاونوا على طاعة الله، وفعل ما يُرضيه. وعلى هذا المعنى أيضاً قوله عز وجل {إن الأبرار لفي نعيم} الانفطار13، أي إن أهل طاعة الله في مقام النعيم.
5. البِرُّ -بكسر الباء- بمعنى الجنة، من ذلك قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} البقرة:92، روى وكيع في "تفسيره" عن عمرو بن ميمون، قال {البر} الجنة. قال الطبري: "قال كثير من أهل التأويل (البر) الجنة؛ لأن بِرَّ الله بعبده في الآخرة، إكرامه إياه بإدخاله الجنة".
6. البِرُّ -بكسر الباء- بمعنى فعل الخير، من ذلك قوله عز وجل {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} البقرة:177، قال البغوي: "{البر} كل عمل خير يفضي بصاحبه إلى الجنة". وبحسب هذا المعنى قوله سبحانه: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس} البقرة:224، قال الطبري: عنى به فعل الخير كله؛ وذلك أن أفعال الخير كلها من (البر)، قال هذا تعقيباً على من حمل (البر) هنا على معنى صلة الرحم.
7. البِرُّ -بكسر الباء- بمعنى الإحسان إلى الغير، من ذلك قوله عز وجل {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم} الممتحنة:8، قال ابن كثير أي تحسنوا إليهم، وعلى هذا قوله تعالى في وصف النبي يحيى عليه السلام {وبرا بوالديه} مريم:14، أي: باراً لطيفاً بهما، محسناً إليهما، وبعضهم فسر (البر) في الآية الأخيرة بمعنى (الطاعة)، أي: كان مطيعاً لوالديه، غير عاقٍّ بهما، وهذا القول لازم القول بالإحسان إليهما.
فمعنى البر الذي يؤمرون الناس به جاء وفقا لما جاء في النصوص ودلالاتها هو حصرا بمعنى فعل الخير، أو أنه اسم من أسماء الله تعالى، أو اسم للجَنَّة، أو دليلا على طاعة الله، والإحسان للغير، وأخيرا الصدق بالالتزام بما شرع الله فعلاً ونهياً، وكل هذه المعاني لا يختص بها الرسول أو النبي أو الإمام المعصوم على وجه التخصيص ولا على وجه المناسبة، فهي أخلاقيات وواجبات المؤمن ومن مستلزمات إبمانه الحقيقي بما جاء في أمر الله، فجعلها دليل بلا مناسبة ولا أتفاق في المعنى والقصد إقحاما لها فيما لا علاقة لها بما أستدل به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah