الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتمية الحرية

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 7 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا أردنا تتبع الوقائع، بعيدا عن الخرافات والأساطير فلابد أن نتسائل عن ماهية هذه الحرية التي يتغنون بها ليل نهار، في الشرق والغرب كما في الشمال والجنوب، ويعرضونها أمامنا في كل مناسبة ويذبحوننا من أجلها؟ فهل حرية المواطن العادي، في كوخه وبين أفراد عائلته هي نفسها حرية الحاكم في قصره وسط حاشيته وعبيده وجواريه؟ هل حرية الإنسان الفقير والمعدوم، العامل المحكوم عليه بالأعمال الشاقة مدى الحياة هي نفسها حرية الغني المالك للقصور والمصانع والبنوك وكل صور رأس المال؟ هل حرية الرجل هي نفسها حرية المرأة ؟ نضطر للإجابة بالنفي على كل هذه التساؤلات الطفولية، فالإنسان الذي في جيبه مئة دولار لا شك في أنه أكثر حرية ممن في جيبه دولار واحد. ومع ذلك، لا بد من القول بأننا أخطأنا الطريق، وأن التساؤل على هذا النحو يفضى مباشرة إلى جواب ضمني في ثنايا هذا التساؤل، وهو نوع من التضليل الذي نريد تحاشيه وعدم السقوط فيه. فالحرية ليست كعكة أو بطيخة يمكن تقسيمها إلى أجزاء متساوية أو غير متساوية ثم مقارنة هذه الأجزاء. الحرية مفهوم كلي شامل لا يحتمل القلة والكثرة الكمية، مثل مفهوم العدالة الإجتماعية أو حقوق الإنسان. الحرية ليست شيئا ماديا يتواجد في المكان والزمان ويمكن قياس شكله ولونه وحجمه ووزنه، الحرية ليست بضاعة تباع وتشترى مثل المكرونة أو البطاطا. ولكن في عالمنا المزدحم بالسحر والشعوذة، يمكن لأي صحفي أو كاتب أو رجل سياسي من الدرجة الثالثة أن يهدي لقرائه أو لشعبه، حكمة من نوع "الحفاظ على الحرية أصعب من نيلها"، حيث، في فهمه القاصر، يعتبر الحرية مثل غنيمة، يمكن الحصول أو الإستحواذ عليها بقوة السلاح، ويمكن أيضا أن نفقدها وتتسلل من بين أصابعنا، أو يسرقها الأعداء الغزاة، إذا لم نخبئها في خزينة آمنة ولم نبن حولها الأسوار والقلاع. إن تحويل الحرية إلى هدف وغنيمة و"تشيء" هذا المفهوم، هو الذي يجعل الأمم المتقدمة والمتخلفة، الكبيرة والصغيرة، تبني الجيوش والأساطيل والأسلحة المدمرة الذرية والنووية لحماية هذا "الشيء" العجيب الذي لم يره ولم يلمسه بشر، والذي لا يعرف أحدا مخبأه أو موضعه. فكيف نفهم ذلك؟ من الواضح بالنسبة لنا الآن، أن مفهوم الحرية المضيء، البراق، اللامع، بل الشديد اللمعان في فترات الغسق وقلة الضوء، هو ذاته مجرد أسطورة، خرافة مزركشة وصورة ملونة نبيعها للفقير كي يلوكها كما القات أو أوراق الكوكا، بينما يواصل تجار الحرية إمتصاص دمه وعرقه، ويواصلون عصره حتى لا يتبقى في جسده وفي عروقة قطرة واحدة من الحياة. الحرية إذا ليست سوى الإنسان ذاته، وليست شيئا إضافيا لاحقا لوجوده. وبالتالي الحرية لا يمكن أن تسلب أو تسرق، ولا يمكن إعطائها أو نيلها أو شرائها أو الحصول عليها هدية من "الأصدقاء" الذين يهرعون بطائراتهم ودروعهم الفولاذية لإنقاذنا من العدو الشرير الذي سلب هذا الكنز الثمين. الإنسان يوجد حرا أو لا يوجد على الإطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال