الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحدوث والخلق في الفكر السلفي

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2023 / 7 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


معلومة

السلفيون المعاصرون يقولون أن القرآن (مُحدثا) وليس (مخلوقا)..

أي يُفرّقون بين الحدوث والخلق، فالحدوث لديهم يعني نزول القرآن مُنجما في الزمان والمكان، وأن الله صرح في القرآن بأن كلامه مُحدثا، قال تعالى "ما يأتيهم من ذكر من ربهم مُحدث إلا استمعوه وهم يلعبون" [الأنبياء : 2] أما خلق القرآن فله معنى مختلف، يقولون أن هذا القول يعني (سلب صفة الكلام عن الله) وهو كفر حسبما توصل إليه أسلافهم، وبه وقعت فتنة خلق القرآن الشهيرة ، واتهم بها الإمام أبو حنيفة النعمان وكثيرا من فقهاء السلف بالقرون الأولى..

المشكلة أن السلف كانوا لا يفرقون بين (الحدوث والخلق) أساسا، وكثيرا من فتاوى الأئمة السابقين – من أهل الحديث - تقول بكفر من يقول بأن القرآن محدثا، لأن المعنى ثابت لديهم ومستقر أن القرآن هو كلام الله القديم قدم الذات الإلهية، ووصفه بالحدوث يعني سلب هذه الصفة عن الله ، علما بأن الشيعة يقولون بنفس أقوال السلفية أن القرآن محدث لكنه غير مخلوق..والفارق أن السلفية قالوا بالحدوث والقدم في آن واحد مع نفي الخلق، لكن الشيعة قالوا بأن حدوث القرآن يعني أن القرآن ليس قديما ومع ذلك فهو غير مخلوق..!!

أصبحت لدينا ثلاثة أقوال حول القرآن (حادث – مخلوق – قديم) ولكل منها معنى مختلف عند فرقة، وحدثت صراعات كبيرة بين المسلمين لعدة قرون – وإلى اليوم – حول تلك المعاني..

وهنا أطرح لحضراتكم الأسباب في عدة نقاط لأول مرة:

أولا: كان الحوار معدوما بين أهل الرأي وأهل الحديث ، والصراع بينهم أخذ منحى سياسي فلم تتوفر الأجواء (ليفهموا بعض) أو يُقاربوا أفكارهم لأن الخلاف كان غالبا على اللفظ وليس على المعنى، فهم متفقين أن القرآن حادث لتضمن نصوصه هذا الأمر..لكن مختلفين في مقصود ومعنى هذا الحدوث، فعندما ظهر لفظ (خلق القرآن) تنازعوا ،وفي محاضرتي عن المعتزلة قلت أن هذا اللفظ من صنيعة أهل الحديث (كتهمة) لفقهاء القدرية – الذين سموا لاحقا بالمعتزلة – ثم جاء بعض المعتزلة المتأخرين كالقاضي عبدالجبار ليدونوه في كتبهم وينسبوه للاعتزال، برغم أن الصراع في بداياته لم يكن فيه هذا اللفظ..بل لفظ آخر وهو (القرآن محدث) وهو قول فقهاء القدرية في إطار صراعهم ضد الجبرية..

ولتوضيح هذه النقطة: كان الصراع في بدايات التاريخ الإسلامي بين فريقين (قدري وجبري) الاثنان يمثلان (السلطة والمعارضة) فالسلطة الأموية تنسب أفعالها لله لأن ما كان في القرآن كان مسجلا في اللوح المحفوظ قبل بداية الخلق، وبالتالي كل الأحداث المذكورة في القرآن هي (مراد الله وفعل الله) فيكون تولي الأمير الأموي تبعا لهذا المراد الإلهي وبالتالي فلا حق للمعارضة بتولي الحكم ، فيصبح تمردهم هو تمرد على أمر الله وخروج عن الشريعة، بينما المعارضة (شيعة وقدرية) كانت تنفي هذا الادعاء وتقول أن الأحداث المذكورة في القرآن (ليست قديمة) وليست مسجلة في اللوح المحفوظ قبل بداية الخلق، بل هي (حادثة) من صنيع الإنسان والقرآن حكاها للموعظة والهداية..

السلطة الأموية قالت بالجبر ردا على قول الشيعة بولاية آل البيت (نصا) وأن الحكم يكون لآل البيت وفقا لرأيهم بالقرآن، فأصبحنا أمام تصورين دينيين هو الذي هيمن على الفكر الإسلامي طوال التاريخ، فالشيعة قالوا أن الولاية (بالحق) والحق نصي، بينما الأمويون قالوا أن الولاية (بالقوة) والقوة مراد الله، ثم أمروا فقهاء الرواية بنسب أحاديث الولاية القرشية ليشمل بني أمية وسائر عرب قريش، ومن تلك الأحاديث وضعوا شروط الخلافة..

ثانيا: لا يوجد فارق بين (الحدوث والخلق) لأن فقهاء القدرية والمعتزلة الذين قالوا بالأمرين لم يقصدوا (سلب الكلام عن الله) لأن صفة القدرة أزلية، فالله قادر مطلقا أن يتكلم بالقديم لكن القرآن (محتوى ومضمون) له أول وآخر، وزمن بعد زمن وفقا لقوله تعالى "وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا" [الإسراء : 106] والتنزيل في اللغة يعني حدوث شئ بعد شئ، ولأن الله نفسه كلم موسى بالقرآن لكنه لم يُكلم سائر الأنبياء الآخرين، فيكون هنا سلب الكلام ليس عن الله ولكن عن بعض أحداث القرآن..وهذا هو الفارق الذي قصده المعتزلة ولم يصل جيدا لعلماء الحديث من شدة الصراع وانقطاع الحوار، فالقرآن عند المعتزلة ليس هو الله بل فعل إلهي لا يكون قديما لأنه يتضمن النقيض، والنقيض لا يكون قديما ..

ولتوضيح هذه الجزئية أكثر: عندما يذكر الله آيات الرحمة والانتقام فهي نقيض ليس لله في ذاته المنزه عن النقص والنقيض، لكنه نقيض الفعل المتعلق بفعل الإنسان، فجماعة من الناس فعلت أمرا يستحق الرحمة وجماعة أخرى فعلت ما يستحق العذاب والانتقام، هنا حدوث النقيض متعلق بفعل الإنسان لا متعلق بفعل الله، ومن هنا قال فقهاء القدرية والمعتزلة بخلق الإنسان لأفعاله لأن القرآن واضح جدا أنه يعاقب الناس وفقا لأعمالهم وليس لما زعمه أهل الحديث بأن تلك الأعمال مفروضة عليهم، والله يعاقبهم بها لأنهم اكتسبوها بالنوايا - وفقا لرأي الأشاعرة – أو يعاقبهم بها دون تفسير العلة منطقيا وعقليا وفقا لرأي الحنابلة، وكان هذا مصدر اتهام الحنابلة بالجبر وشمول الاتهام الأشاعرة أيضا لأن نظرية الكسب لم تجب بإقناع على سؤال الجبر الذي وجه إليهم...

ثالثا: اضطر فقهاء الحديث في زمن آخر لاختراع الناسخ والمنسوخ من كثرة تعارض الآيات ظاهريا، ولولا أنهم لم يفهموا المعتزلة ولم يتحاوروا معهم ولم تكن هناك حرية تعبير في هذا الزمن لما لجأوا للقول بالناسخ والمنسوخ، لأن فعل النسخ نفسه يعني (حدوث) وهو تأكيد لرأي المعتزلة أن القرآن محدث ليس قديما، ولو كان قديما ما اضطر فقهاء الحديث للقول بالنسخ، ومن ذلك يتبين أن هذا العصر – العباسي – كان عصرا يتميز بمغالطة (رجل القش بامتياز) ويعني أن الفقهاء كانوا يحاكمون بعضهم على أقوال لم يقولوها ومعان لم يقصدوها، وعندما جاء عصر التدوين في الفرق والملل والنحل تفشت هذه المغالطة وامتلأت كتب الملل والنحل بالأكاذيب على الخصوم..

وعندما جاء الإسلام السياسي المعاصر أحيا تلك المغالطات ونشر هذه الأكاذيب ليخدم حروبه ضد السلطات والجيوش وبعض الشعوب ، لكن العصر الحديث تميز بسهولة كشف هذه الأخطاء لسرعة وسهولة الاتصال وسيطرة الصورة والفضائيات والتكنولوجيا، فأول ما جرى ضربه هي الصورة التي رسخت بفضل كتب الملل والنحل وتبين خلافها أو نقيضها بشكل كبير، لذا كنت ولا زلت أطالب بأن الحل الأول لمشاكل الطائفية والعنصرية والكراهية هو (الانفتاح على الشعوب) والفقيه الذي ينفتح تتغير مدركاته ومعلوماته بشكل سريع فتتغير قناعاته ويصبح من دعاة التسامح إذا كان من أهل الحقيقة أو باحثا جادا عن المعارف..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت