الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (6)

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2023 / 7 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يُحكى أنَّ أحد الصالحين وكان يدعى "قاصدَ البحر" خاض بحوراً وقف ثقات العارفين على شطآنها. وحدّث الناس عنه أنه لما تأمل المد والجزر في أحد الليالي أرخى فؤاده وجلس على ركبتيه على الشاطئ يستقبل الموجة تلو الأخرى تضرب وجهه بلطف اللطيف وتغمر رأسه بحب الحبيب.

رفع القاصد رأسه وسأل:

-يا صاحب البحر. هل أنت سعيد؟

فقيل له: لم يسألنا عن حالنا قبلك من أحدٍ أبدا.

-يا صاحب البحر أنت دعوتني أن أسألك ولو لم تشأ لم أفعل.

-هل أنت سعيد ببحرك وبرك ومجدك؟

قيل له: اسمع صوت البحر خارجك تعرف، اسمع صوت الدم يتدفق داخل عروقك وعروق عشيرك تعرف. اسمع صوت الطبل يقرع للحرب تعرف، اسمع صوت القلب يخفق دائبا والنفس يدخل ويخرج دائما تعرف. اسمع صوت بكاء الحي على الميت تعرف.

-يا صاحب البحر سمعت فأصابتني الحيرة. فهل أصابك الفرح ثم اعتراك الحزن؟

قيل له: أنت لم تسمع الحي يبكي على الميت والوالد يهلل للمولود في نفس اللحظة. ما ثمة "ثم" يا قاصد البحر. ولم يسألنا عن حالنا قبلك من أحد أبدا.

يا قاصد البحر إن الفرح والحزن أحوال وصاحب البحر والبر حاله فوق الاحوال وذوقه فوق الاذواق وَشعوره فوق الشعور. ولم يسأله عن شعوره من قبلك من أحد أبدا.

-يا صاحب البحر هلّا اختبر التذوق من يُذاق المر والحامض في سبيله ويملّح رزقه أمام ناظره الكريم، ويراق القطر على الحلو من فضله العظيم. وهلّا اختبر الاهوال من تخاض الاهوال للوصول إلى بيته العامر.

قيل له: يا قاصد البحر لا جواب من صاحب البحر والبر سوى ما سمعت. فارجع واسمع.

وحدث الناس عنه أنه قصد البحر بعدها لا لشيء إلا ليغرق.

فقيل له: ويلك أتهلك نفسك

-لعلي أسمع أهل البحر وأرتاح من ضجيج أهل البر.

قيل له: عد إلى البر واسمع جيداً لتعلم عن حال صاحب البحر إن كنت لا تزال مهتماً. واترك ضجيج البحر لأهل البحر.

عاد قاصد البحر مرة أخيرة إلى البر وفؤاده حائر، وسمعه حاضر، وبصره غائر، وإعياؤه للكل ظاهر.

حمل قاصد البحر ربابته وغنى: "محب الله في الدنيل عليل"، وكانت رائجةً بين العارفين، وجمهور المحبين.

فلما فرغ منها ركن ربابته وصلى فأطال الصلاة ثم رفع يديه ونادى داخل قلبه: يا صاحب البحر إن كنتَ سعيدا فأنا لذلك سعيد وإن كنتَ حزينا فأنا لأجلك حزين. فسأبتهج وأبكي، متعادلا بينهما، أشعر بالشيء بقوة وبنقيضه بقوة تضاهيها، فيشتعل شعوري بالحياة وأصلي للحي الذي لا يموت. فما ادق وما أصفى اسم "الحي"، وما أجمل أنه حي.

أشهد أنك حي، وأحب أنك حي.

فقيل له: لم يسألنا عن حياتنا من قبلك من أحد، فلجرأتك هذه احظ باختبار الشعور كما لم يذقه أحد أبدا. اشعر كما يشعر من يولد وتدب فيه الحياة، ذق هذا الشعور مرارا، وتقلب في تيّار الشعور المتناقض المتعادل حراً لا من الشعور ولكن من تبعات الشعور.

وحدث الناس عنه أنه بعد تلك الصلاة لم يظهر أبداَ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون