الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهتّك المفاهيم 12

مؤيد الحسيني العابد
أكاديمي وكاتب وباحث

(Moayad Alabed)

2023 / 7 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أحبّكَ حُبَّينِ حُبَّ الهَوَى وحُبّاً لأنكَ أهْلٌ لِذَاكَ
فَأمَّا الذِي هُوَ حُبّ الهَوى فشُغْلِي بذكرِكَ عمَّنْ سِوَاكَ
وأمَّا الذِي أنْتَ أهْلٌ لَهُ فكشفُكَ لي الحُجْبَ حتى أراكَ

لدراسة المجتمع الدينيّ لا بدّ للباحث من دراسة المناشيء التي قدم منها رجال ذلك المجتمع فهم إنعكاسات للمجتمع عمومًا كي يستطيع المرء فهم ما يفكّر به أيّ رجل من رجالات المجتمع الدينيّ. ولا يتعلّق الأمر برجالات المجتمع الدينيّ فقط بل كلّ رجالات المجتمع أو الإنتماءات الأخرى. لذلك يمكن القول أنّ هؤلاء جزء من مجتمعاتهم ومن توجهات هذا المجتمع، فلا غرابة من وجود المشتركات ما بين رجالات الإنتماء لهذا التوجّه أو لذاك التوجّه الآخر. فلا يمكن أن نماري في القول إذا ما لاحظنا أنّ المجتمع المتعلّم المثقّف أو المتبصّر تكون رجالاته من هذا التعليم ومن هذه الثقافة، وإن أضفنا الى ذلك ما يتمتّع به المجتمع من خصال وتقاليد متقدّمة غير مستهجَنة ووجود حريّة الرأي والتعبير. فذلك بلا أيّ شكّ سيشكّل خلطة سحرية رائعة لتقدّم المجتمع عمومًا وتقدّم المفهوم الدينيّ من خلال ذلك. وحيث أنّ المجتمع الدينيّ هو مجتمع يقصد به ذلك الذي يضمّ رجالات وعوائل تنتسب الى من يقوم بممارسات دينيّة ويصرّحون هم أنفسهم أنّه يتميّز فيها عن غيره بحكم إلتزامه لا لمصلحة ما، إلّا إرضاء الله تعالى، وهم مؤمنون بالمعاد الى الله تعالى والعودة الى الله بأعمالهم الخالصة لوجهه الكريم (نستثني من ذلك كلّ من يلعب على حبال الدين كبقيّة الهابطين لمصالح ذاتيّة أو خدمة لغيره كذاك الذي يبيع الآخرة بدنيا غيره). والأمر يتعلّق في مجال كبير بإيمان الإنسان من عدمه. فهل الإيمان مهمّ للإنسان؟ سؤال يعتبره البعض سؤالًا بليدًا، وإنّ هذا البعض على نوعين: الأوّل هو من يؤمن فيعتبر هذا السؤال لا تقليديّ وغير مبرّر بإعتبار الإيمان بوجود الخالق لهذا الكون من البديهيّات إعتمادًا على فطرة الإنسان التي جُبِل عليها. والنوع الثاني يعتبره لا تقليدي لأنّ الإيمان هذا شيء لا علاقة له بالتكوين الإنسانيّ أو الذهنيّ للإنسان ولا علاقة له بأيّ نشوء للإنسان ولا وجود لأيّ إرتباط بفسلجة أو تكوين الإنسان ماديًّا بإعتبار الإيمان من الغيبيّات، وهذا النوع لا علاقة له بالغيب بالمطلق. لكنّ الأمر في طرحه على بساط النقاش بتجرّد سيظهر لون من الأنواع التي تدعم الرأي الذي يتّفق مع الشريعة الإنسانية (هكذا)، لأنّ الإيمان بوجود الخالق هو دافع مهمّ في النمو الروحيّ الذي يسعى إليه الإنسان بمعزل عن المعنى العميق بهذا النمو إلّا من كونه يجعل الإنسان في عيش أكثر سعادة وهناء وأكثر ضرورة لجعل الحياة أكثر منفعة لهذا الكائن فمجرّد وجوده في هذا الكون هو ضرورة لإستمرار وجود الكون كلّه، هكذا أعتقد. ومن الناحية التطبيقيّة العمليّة يكون له دافع مهمّ كذلك لفهمنا عن الوجود عمومًا وعن وجود الإنسان خصوصًا وعن فهمه وإدراكه لمفهوم النمو الروحيّ بإعتبار هذا النمو لا كما يتصوّره البعض على أنّه نمو ذاتيّ بل هو في العموم نمو للوجود كلّه من خلال النمو الذاتيّ. لأنّ نمو الذات هو جزء من النمو العام للكثير مما يتعلّق بالكون من خلال الإنسان وما يتعلّق به، وما يتعلّق بالحياة وتحوّلاتها. وهنا ينبغي القول بأنّ النمو الروحيّ ليس من خلال مفهوم محدّد لشرعة او لدين بالمعنى العام (لو ناقشنا معنى الدين الواحد من خلال مفهوم الإنسان إن كان مؤمنًا أم غير مؤمن)، لأنّ النمو الحقيقيّ لهذا التوجّه هو في الحقيقة نمو لموجوديّة الإنسانيّة في ذاته بما يتحمّله من معان يتّفق عليها كلّ الفلاسفة في تسوية المجتمع من خلال هذه الأخلاقيّات التي يحملها هذا الإنسان كي نطلق عليها إنسانيته. حينما نتطرّق الى هكذا طرح أو موضوع لا يفقد الإنسان من روحيّته أو دوره في الإنطلاق للتغيّر في هذه الحياة من خلال إيمانه بالخالق.
هناك العديد من الحقائق التكوينيّة ومن المفاهيم الملكوتيّة التي ترتبط أحيانا بالإنسان مباشرة ، وأقصد بعض البشر المؤهّل لإستقبال هذه النفحات العالية المرتبطة بالملكوت والتي من خلالها نطرح المفاهيم تلك التي تتناغم مع هذه النفحات كي نعبّر عنها في إستخداماتنا اللغويّة التقليديّة. رغم أنّ بعض المفاهيم لا تنطبق حدّا بحدّ على المقصود الحقيقيّ لهذه النفحات العظيمة، التي ترتبط بالغيب ومن خلال سِنْخ الغيب، إلّا أنّنا لا نتمكّن من فصلها عن الإنسان وعن إستخداماتنا التقليديّة. لكنّ ذلك الذي لا علاقة له بالنفحات والمفاهيم الملكوتيّة، سيخسر الكثير حتى من متعة الحياة السعيدة أو الملذّات أو الغرائز التي يعتبرها هي الأوّل في تقديراته ووجوده في الحياة. لذلك أرى بعض الناس تنقصهم هذه الحقائق مع النقصان الواضح في التعامل مع الحياة بالشكل الذي يجعله في حال أفضل. ولذلك لو رأيت أحدهم ينتقص من كلام أو من سلوك أو مقدّس من المقدسات فإعلم أنّه في حالة يرثى لها ينبغي مساعدته سريعًا للخلل الذي يوجد فيه لأسباب منها مكشوف، ومنها مخبوء في طيّات شخصه وذاته. لأنّ تلك الحقائق والمفاهيم ليست ضرورة له فقط لكن ضرورة لوجود التراتيب الكونيّة من خلال ما يحمل هذا أو ذاك لأنّ المنظومة هي منظومة واحدة كليّة يكون فيها الجزء يؤثّر في الكلّ كما أنّ الكلّ يؤثّر في الجزء بلا شكّ. حيث يكون الإرتباط ما بين العضويّ في الإنسان والمخبوء في الغيب إرتباط مهمّ كبير وهو في النتيجة ضروريّ للوجود عمومًا كما أشرنا آنفا. وهنا إن وجدت تلك الروابط من خلال البصيرة سيرى الإنسان بشكل واضح كيف يكون شكل الحياة الرائعة والماضية للبناء، أي بناء المستقبل بأقل الخسائر! هل تعرف أنّ الإيمان يرتبط بالتسامح مثلًا وأنّ هذا التسامح يفعل الفعل العظيم في ترتيب العلاقة ما بينك والآخر وما بينك والطبيعة عمومًا، وهذا التسامح هو الذي يطرق باب العلاقة ما بين الحاضر والغائب. جرّب رعاك الله وقل لي أنّ هذا غير صحيح! فهنا يكون شعورك ببلوغ لحظات التسامح إنّما هي رافد من روافد العلو والتطهير الذاتيّ وبلوغ العلا من خلاله. هل تعلم أنّ إحدى المشاكل والمعضلات التي وقع فيها الإنسان غير المؤمن هي شعوره بأنّ لاضرورة لهذا النقاش فيما يتعلّق بالإيمان لأنّه لا إيمان عنده بإمكانيّة الوصول الى مبتغى يضع فيه حِمْلَه من على ظهره ليرتاح. وأقول لك صراحة ليس الأمر سهلًا لفهم ذلك التناغم ما بين عالم يُرى وعالم لا يُرى، فالأمر يحتاج الى مجاهدة حقيقيّة وعمل ذهنيّ وشعور عال وقلب يقع ما بين الجِلَد والرقّة، يعرف متى يكون الجَلَد ومتى تكون الرقّة، وعقله راجح سابق للأحداث، كما فعل المعرفيّون في كلّ مجالات العلوم. فهؤلاء لهم عقول وقلوب تتجوّل في الآفاق تصعد فيها وإليها، ثم تعود بلغة عالية المستوى وبالغة الصعوبة على الكثير من الناس، بينما للمعرفيين تكون عبيرًا فوّاحًا وبلسمًا لجرح الروح إن تأثّرت من هنا أو هناك.
التشابهيّة أو التماثليّة
ما بين البشر تماثل في التكوين وفي التوجّهات العامّة وهناك أيضًا إختلاف في المفاهيم وبعض التكوينات الخاصّة. إلّا أنّ التماثليّة تعني التشابه بشكل رئيسيّ في المظهر العامّ أو الصفات الخارجيّة، في الكثير من جوانبها تساهم في وضع قواعد مشتركة يمكن الإستناد عليها. يبقى السؤال إن كان التشابه بهذه الصورة فهل للبيئة دور في التأثير على العقل والسلوك الإنسانيّ بعيدًا عن هذه التماثليّة؟ بلا شكّ للبيئة دور مهمّ في إنعكاساتها على المجتمع وكذلك على رجالات الدّين أو رجالات التخصّص في نشر الأخلاق التي تستند على قواعد السماء في تقدّم المجتمع وتطوّرها أخلاقيًّا. فعدوّ الأخلاق يكافح من أجل تلويث البيئة وتدميرها كي تؤثّر هذه الأوضاع على المحيط وعلى أهل الأخلاق كما يتصوّر العدو،وفي العراق النموذج القويّ والمثال الواضح.
تخضع الجموع البشريّة وجميع الأحياء للعديد من التأثيرات البيئيّة التي تؤثّر على الحياة عمومًا وعلى جميع الأحياء في العديد من السلوكيّات وتؤثّر كذلك على الأجهزة التي تتحكّم بحياة وديمومة هذا الحيّ، إن كان إنسانًا أم حيوانًا أو نباتًا. وبالتالي سيكون هذا التأثير بشكلين متبايني النسبة المئويّة في التأثير. الشكل الأوّل في تأثير عموم الجسم وبالتالي عموم الحياة الخاصّة به أي يكون التأثير هذا من الخاصّ الى العامّ. والشكل الثاني تأثير عام على المجتمع يخضع فيه المجتمع لتأثيرات مشتركة يشترك فيها عموم الأفراد بسلوك عامّ يطلق عليه بالسلوك المجتمعيّ المؤثَر به وهذا الشكل هو الإنتقال في التأثير من العام الى الخاصّ. وهنا تكمن العديد من الخطورات التي يكون واحدًا منها سلوك أفراد المجتمع بفعل واحد أو بأفعال متعدّدة. وقد خضعت العديد من البيئات الى التغييرات المناخيّة والتغييرات الأرضيّة الناتجة عن الحركة الإنتقاليّة والدورانيّة والإهتزازيّة المستمرّة للأرض في أجزاء منها أو في كلّها بفعل خارج الأرض. وحينما يكون هناك التغيّر فسيكون بالتأكيد مؤثّرًا كبيرًا على المجتمعات الأحيائيّة على سطح الأرض أو لتلك المكوّنات داخل باطن الأرض. ولا نقول هذا لبطر علميّ أو لفراغ جدليّ بل هو حقيقة يمكن أن يستشفّها الفرد من خلال قراءة العديد من هذه التغييرات عبر التأريخ على الأفراد والمجتمعات الأحيائيّة في كلّ مكان على سطح الأرض خاصّة ولو بنسب تغيير متباينة بين مساحة وأخرى. ومن ضمن هذه التأثيرات تأثير نطلق عليه بتغيير القدرات المعرفيّة والسلوكيّة علاوة على التغييرات في القدرات الأخرى. أنظر الى التأثيرات المناخيّة التي سبّبتها بعض التعاملات السلبيّة للطبيعة من خلال زيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الهواء الجويّ والتي غيّرت من مناخات الأرض من شرقها الى غربها، وهذا لعمري من المؤثّرات المهمّة والخطيرة على أمزجة الناس وأمزجة رجالات المجتمع وبالتالي ما يتركه هذا السلوك على أخلاق وعلى تفاعلات الأفراد والجماعات عمومًا وبالتالي سيغيّر من تفاعلات الأجيال القادمة وثقافاتها من خلال هذه المؤثّرات. لقد قامت عدة أبحاث حديثة على دراسة القدرات المعرفيّة للحيوانات والبشر ودراسة المشكلات الناتجة من هذه التأثيرات المذكورة. لكن وجدت كذلك العديد من المشكلات التي لم يتمكن الباحثون في العثور على حلّ أو حلول مناسبة في الجوانب المؤثّرة خاصّة فيما يتعلّق بالجانب الوراثيّ العصبيّ لهذه المشكلة. وقد فهم العديد من الباحثين ما يتعلّق بالقدرات المعرفيّة للحيوانات كتجربة أوليّة للوصول الى نتائج مرضيّة لهم للتحوّل الى وضع التعميم إن أمكن ذلك أو بالمقارنة ما بين البشر والحيوانات المختلفة وبطرق مختلفة ولم يشمل المفهوم المعرفيّ المذكور ما يتعلّق بالمشكلات المنطقيّة فقط. وقد تمّت دراسة الإنعكاسات الناتجة عن تحفيز الدماغ من خلال التعامل مع مرونته كما قامت بذلك الباحثة زورينا بوليتاييفا عام 2009 وما قبلها من أبحاث مستمرّة لها ولمن يعمل معها. حيث سلّطت الضوء على القدرة على التعلّم والسلوك الإستكشافيّ وحالات الإدمان بالإضافة الى قدرة الحيوانات على العمل مع أبسط قوانين البيئة. وكيفيّة التعامل مع أيّ تغيير في هذه الطبيعة وفق المؤثّرات قيد الدراسة. لقد أجريت القليل من الدراسات الجينيّة الفعليّة بإستخدام الطرق التقليديّة في علم الوراثة مثل دراسة الإختلافات بين السلالات في هذه القدرات والإمكانيّات. عجيب لهذا الربط! ما بين تغيّرات المناخ والإيمان عند الإنسان. لا تستغرب فالمؤثّرات التي تلعب الدّور المهمّ في الكثير مما يتعلّق بعقل الإنسان وبمزاجه، تلك القبحيّات أو الجماليّات، ومن هذه مثلًا: كم نسبة التغيّرات في المناخ من رطوبة أو حرارة أو درجة حرارة أو ضغط، لذلك إذا أريد التخريب لمجتمع ما فيمكن أن يكون ذلك التخريب من خلال ما يتمّ تلويث بيئته كما حصل للعراق ولبلدان أخرى، حتى عرف عن العراقيّ المزاج الحادّ رغم طيبته، خاصّة بعد سنين التسعينيّات وتأثيرات الحصار والبيئة الملوّثة وزيادة نسبة الملوحة في مياهه لأسباب عديدة (طبعًا علاوة على ما تركه النظام الفاشي السابق من إضطهاد، حتى جعل العراقيّ يشكّ بجاره بل حتى بأحد أفراد أهله!). والسؤال هل أثّر على إيمان الناس؟! الجواب نعم بالخط العريض والتأكيد عليه بالصوت العاليّ. حينما ألقيت قذائف من بعض النظائر المشعّة على العراق والتي كان منها اليورانيوم المنضّب الذي أنتج سحبًا من شظايا صغيرة أو غبار. وإنّ هذا الغبار المشع والسامّ الذي يتكوّن إلى حدّ كبير بالفعل من أكاسيد اليورانيوم يشكّل خطراً كبيرًا على البيئة حيث يتمّ إستنشاقه فيدخل الرئتين والجهاز الهضميّ، ويمكن أن يدخل الى التربة والمياه. وقد أظهرت بالفعل العديد من الحالات التي أصيب فيها الجهاز العصبيّ المركزيّ والأعضاء الأخرى من الجسم. وفي الوقت الحاليّ يضاف الى ذلك ما تسبّبت إنقطاعات الكهرباء وتلوّث المياه والمزروعات من تأثيرات على العراقيين بشكل مباشر وواضح. لا تستغرب من هذه الإنتقالات التي نقلتُك فيها من الدّين الى الحياة ومؤثّراتها. لأنّ الكلّ تركيب واحد وإن تعدّدت المكوّنات. فتركيب الأشياء ينتج الكمال ولا كمال بدون الأجزاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة