الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التهمة: يبتسمون في وجوه مَن لا يعرفون!

فاطمة ناعوت

2023 / 7 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بالأمس كنتُ جالسة على الرصيف أمام بيتي تحت وهج الشمس الحارقة أملأ بالمنفاخ إطارات دراجة ابني المتوحّد "عمر"، وأحاول إصلاح المقعد المكسور. كنتُ أتصبَّبُ عرقًا وعظام كفي اليسرى المُجبّرة بالضمادات تؤلمني أشدَّ الألم بسبب شرخ في الأصابع بعد حادث. وأنا في تلك الحال الصعبة، وصغيري يستحثُّني على إصلاح دراجته، التي هي متعتُه الوحيدة في الحياة تقريبًا بالإضافة إلى السباحة والرسم، إذا بفرد الأمن الخاص بالمجموعة السكنية يتقدّم نحوي قائلا: (صباح الخير يا أستاذة. “عمر" ابن حضرتك طيب بس بيعمل مشاكل كل يوم مع السكان لما بينزل يركب العجلة!) انزعجتُ ونظرتُ للأعلى نحوه متسائلة وقلبي يخفق هلعًا. فاستأنف قائلا: (بيبتسم للناس! وامبارح كان فيه راجل هايضربه عشان "عمر" ابتسم لمراته! افتكره بيعاكسها! بس أنا جريت عليه وأنقذته وفهمته إن "عمر" تَعبان!” ولم أدرِ بنفسي إلا والدموعُ تنهمرُ من عيني كالمطر، وقلت لفرد الأمن: (يعني ابني متهم بالابتسام في وجه الناس!) قال الشابُّ الريفيُّ ببراءة: (ايوه. عشان بيضحك لناس ميعرفهمش يا أستاذة! ولولا وجودي كان الرجل قطعه ضرب!)
دعوني أخبركم ببضعة حقائقَ قبل تقديم عريضة دفاعي عن ابني "المتهم بالجرم المشهود: الابتسامُ في وجه الناس". أنا لا أفارقُ ابني مطلقًا. أرافقُه في كل مكان، النادي، تمارينه الرياضية، وجميع أنشطة يومه. وهو يرافقني في ندواتي ومحاضراتي وأسفاري. ووقت ركوبه دراجته أقود دراجتي ونتنزه معًا في الحدائق. وبسبب الشرخ في كفي الأيسر، وأنا "عسراء" بالمناسبة، لم أستطع مرافقته في الفترة الأخيرة؛ ولأننا نسكنُ في "الرحاب" في منطقة هادئة، أكونُ مطمئنة عليه بنسبة ١٠٠٪. ولم يدُر بخلدي أنه يرتكبُ في غيابي جريمة: “الابتسام في جوه الناس!!” كيف يجرؤ أن ينفّذ وصية الرسول (ص) حين قال: “تبسُّمُك في وجه أخيك صدقة"؟! كيف لا يتجهَّمُ ويُكشِّرُ ويعبسُ في وجوه الناس؛ حتى يطمئنَ إليه الناسُ؟!
قبل أن أقدم عريضة دفاعي عن ابني المتهم، دعوني أخبركم بأنني قبل عشرين عامًا كتبتُ مقالا عنوانه: "رُدّ لي ابتسامتي"، تساءلتُ فيه عن سرّ توجّسنا من "الآخر". في الغرب، مستحيلٌ أن تلتقي عيناك بعيني شخص آخر في الطريق دون أن يبتسمَ لك، ويومئ لك برأسه كتحية. الفلسفة: شخصان غريبان لا يعرفُ أحدُهما الآخر، يسيران فوق كوكب الأرض، تصادفَ أن التقت عيونهم للمرة الأولى، وربما الأخيرة، في لحظة زمنية بعينها؛ فلِمَ لا يبتسمان لبعضهما البعض؟! أحبُّ هذه اللفتة الإنسانية وأطبقَّها طوال حياتي. وأنا لست مريضة “توحد” بل أحب جميع البشر. ولستُ أدري إن كان ابني قد ورث مني هذا الطبع، أم طيف التوحد جعله نقيَّا راقيًا محبًّا لجميع البشر! وعجبًا: الابتسامُ في وجوه الناس جريمةٌ في قريتنا الظالمة! جّرب أن تبتسم للمارّة وسوف يرمقونك بتوجّس! ابتسم لرجلٍ، سيُسيء فهمك! أبتسم لامرأةٍ ستصرخ بأنك متحرش! دعك من الرجال والنساء؛ وامنح ابتساماتك للأطفال، فهم ملائكةِ الله على الأرض. ولا تندهش إن لم يرد لك الأطفالُ ابتسامتك! ذاك أن أهلهم قد علّموهم أن البشرَ ذئابٌ تخطفُ الصغار. أمرٌ محزن أننا قد شوّهنا "الكود الإنساني" الفطري لدينا على هذا النحو القاسي. ابني المتهم "عمر" هو ابن الفطرة السوية الطيبة كما خلقها الله، فدعونا نتعلم منه.
أيها العالَمُ الطيب الذي يُدينُ الابتسامَ ويُرحّبُ بالعبوس والشجار والتنمّر، لن أدافع عن ابني الجميل، بل أرفعُ في وجوهكم إصبعَ الاتهام. الدولةُ لا تقومُ بدورها الينبغي لتوعية الناس بأبناء "طيف التوحّد" Autism، أولئك الملائكة الذين يعيشون بيننا ونحن عاجزون عن استيعاب نقائهم وملائكيتهم وصفاء قلوبهم، تلك التي لا تعرفُ قوانيننا الهزلية مثل: “ابتسامك في وجه من لا تعرف، معناه بتعاكسه!” ياللمراهقة الفكرية! أشيرُ بإصبع الاتهام في وجه الإعلام الذي يهتم بالتفاهات بدلَ أن يقدّم التوعية بأبناء التوحد الذين يزداد عددُهم يومًا بعد يوم! أرفعُ إصبعَ الاتهام في وجه آباء وأمهات أطفال التوحد الذين يخجلون من أبنائهم فيحبسونهم في البيوت بدل أن يخرجوا بهم في كل مكان، كما أفعلُ أنا مع ابني "عمر" بكل فخر وفرح، فيُزيدون من جهل المجتمع بهذا "المرض"، إن صحّ أن نسميه مرضًا وهذا غير صحيح. إنما هو اضطرابٌ لم يستطع الطبُّ النفسي حتى اليوم معرفة سببه ولا علاجه. أرفعُ إصبعَ الاتهام في وجه كل من قرأ ولم يهتم بنداء الكيميائي-الحيوي المصري الكندي "رامز سعد" في إنشاء "مدينة الأحلام" لرعاية المتوحدين، وسوف أحدثكم في مقال قادم بالتفصيل عن هذا المشروع النبيل. أشيرُ بإصبع الاتهام في وجه المدارس "الاستثمارية" الخاصة بالمتوحدين والتي لم أستطع إلحاقَ ابني "عمر" بها لأن مصروفاتها تزيد عن ١٥٠ ألف جنيه سنويًّا!! وأرفعُ إصبعَ الاتهام في وجه الحكومة المصرية التي لم تنشئ حتى اليوم مدرسة لأبناء التوحد بالمجان. ابتسم يا "عمر" في وجه الحياة، ولا تعبأ بأبناء العبوس.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي للطفل المبتسم عمر ووالدته المربية الحنون ال
الدكتورصادق الكحلاوي- ( 2023 / 7 / 30 - 20:59 )
الاستاذه فاطمه -تعالوا وشوفوا الناس كبارا وصغارا هنا في كندا وهم يبتسمون بعضهم لبعض وليس هذا فقط وانما يساعد بعضهم بعضا وخصوصا مساعدة كبار السن لانني بي الحقيقه لم التق في الشوارع على الارصفه باطفال لوحدهم فهم يروحون ويرجعون لمدارسهم بسيارات المدارس ويخرجون للنزهة مع احد الوالدين او كلاهما-وقد صادفتوا-احداثا-بعمر 12سنه فمافوق اذا كانت مدرستهم قرب بيوتهم وفي الشتاء الماضي-وكندا شتاءها اكثر من قاسي والثلوج لايمكن ازالتها لتواصل سقوطها-وكنت ذاهبا -للبلازا القريبه من عمارتنامسافة حوالي ال200مترا وانا ادفع-ووكري-واذا بالثلج يعيق عجلاتها والووكر كان محملا بالمستشريا راءيت 3احداث ولم يسمحوا لي بتكملة رجائي لانهم فهموا المشكله فتقدموا واحد يرفع مقدمة الووكر والاخر يزيح شيئا من الثلوج المتراكمه امامي واخرى تحاول مساعدتي للمشي الخ الى ان خرجت للجزء المنظف من الرصيف-علما انني بال90تقريبا من العمر واخذت اشكرهم واريدهم ان يذهبوا لحالهم واهتماماتهم لم يذهبوا ساءلوا برقة اين مقصدك قلت هذه العمارة وكانت اصبحت على بعد حوالي ال100متر ولكنهم لم يتركوني ولم يذهبوا الى ان دخلت العمارة مودعا اياهم بابتسامة


2 - الأم الحقيقية هى التى تحب
Magdi ( 2023 / 7 / 31 - 17:34 )
مقالكم الممتاز ذكرنى بقصة من العهد القديم...أختصمت أمرأتين أمام سليمان الحكيم حول طفل .كل منهن أدعىيت أنها الأم ..قال سليمان رافعا سيفه سوف أشطر الطفل نصفين وأعطى كل واحدة النصف ..رضيت أمرأة بهذا الحل بينما صرخت الأخرى : لا تقسمه ، أعطية للمرأة التى رضيت بهذا الحل ، المهم أن أبنى يعيش ..فعرف سليمان أنها الأم الحقيقة (سواء كانت أنجبته ام لا ) لان الأم الحقيقية هى التى تحب ( ملوك الأول . أصحاح 3 )
---
تذكرت الطفل شنودة .نزعوه من أمه المسيحية بالتبنى وأسلموه قسرا وغيروا أسمه إلى يوسف وكوا معصمه لمسح الصليب ..صرحت أمه بالتبنى : مشى مهم أن أبنى يكون مسلم أو مسيحى .المهم يرجع لحضنى .خلوه مسلم بس أعيدوه لى .فعرف العالم أنها الأم الحقيقية لأنها التى تحب.
لن ننسى مساعدتكم الكريمة لأعادة شنودة لأهله
مع التحية .مجدى سامى زكى
Magdi Sami Zaki

اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج