الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم الاسلاميون ( الدولة الإسلامية)

مصطفى عبداللاه
باحث

(Mustafa)

2023 / 7 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ مشارف منتصف القرن الماضي خرج علينا الإسلاميين و دعاة الإسلام السياسي بأحلام العودة إلى دولة خلافتهم الاستعمارية الغابرة، واستغلوا تخلف البلدان الناطقة باللغة العربية عن حضارة العالمين مدعين أن سبب تخلفنا هو الابتعاد عن شرع الله والأنظمة العلمانية التي تحكمنا حسب قولهم، وكأن أوروبا عندما نهضت بحضارة لم يسبق لها في التاريخ من حضارة تنفسها في التقدم والازدهار بالإنسان قد تمسكت بشريعتهم القديمة، وفي الحقيقة إن أوطاننا لم تخض التجربة العلمانية و لو ليوم واحد بل أننا وقعنا ضحية الأنظمة العسكرية أو الأنظمة الدينية التي يدعونا إليها ، ونحن هنا لن نتحدث عن إنجازات النظام العلماني في العالم والدول المتقدمة التي لا تخفى عن كل ذي بصيرة، بل ما نريد أن نتناوله هو ذاك المشروع الإسلامي الذي ينددون به تارة بمكبرات الجوامع وتارة أخرى بالرصاص، فعلى الرغم من تعالي أصوات مكبرات أصواتهم و دوي اصوات رصاصهم إلا انهم لم يقدموا حتى الآن نموذج سياسي حقيقي يصلح للأخذ والرد بل ان جُلُّ خاطبهم هو خطاب عاطفي يلعب على المشاعر الدينية والطائفيه لدى البسطاء،و بما أنهم لم يقدموا لنا نموذج حقيقي لذلك المشروع المشوه الذي يدعون اليه سنأخذ نحن ذلك على عاتقنا بدلاً منهم لنرى هل قدم الاسلام السياسي حقاً اي مشروع حقيقي يصلح كنظام للحكم..





الإسلام ونظام الحكم

على الرغم من الدعوات المتكررة للتطبيق الحكم الإسلامي من جانب دعاة الأسلمة الا ان ابسط ما يوجد في أي نظام سياسي وهو نظام الحكم ومن يحكم وكيف يحكم إلا أننا لا نجد هذا في الإسلام، فلو كان موجوداً لما تنازع صحابة النبي محمد بعد موته بساعات وهو لم يدفن بعد في سقيفة بني ساعدة بين المهاجرين والأنصار وما رفض على مبايعة أبي بكر الصديق حتى هدده الزبير قائلاً( لا أغمد سيفا حتى يبايع علي)1، ولم يبايع علي أبى بكر الصديق لمدة 6 أشهر من خلافته 2، و لما رفعت عائشة وطلحة والزبير سيوفهم في وجه علي بن ابي طالب في موقعة الجمل، الأمر الذي تكرر ايضاً ولكن تلك المرة بين معاوية وعلي بن أبي طالب في موقعة صفين، وكانت نتائج تلك المعركتين مقتل ما يزيد من مئة ألف جميعهم من الصحابة والتابعين،فلو كان في الإسلام نظام حكم حقيقي لما تكبد المسلمون الأوائل تلك المعارك الطاحنة والحروب الأهلية التي خاضوها، فلم يكن واضحاً لهم من يحكم بأي أليه يحكم فأصبح السيف والصراع هو وسيلتهم في ذلك، فقد تولى ابى بكر الخلافة بالبيعة كما ذكرنا ثم تولى عمر بن الخطاب الخلافة بتوصية من ابى بكر 3 ، ثم بويع عثمان بالخلافة الأمر الذي رأى فيه علي خديعة كبرى 4، ثم تولى علي بن ابي طالب الخلافة بالتحكيم بينه وبين معاوية بعد مقتلة صفين 5، ثم تولى معاوية الخلافة بتنازل من الحسن ثم عهد معاوية الى ابنه بالخلافة و أصبحت بالوراثة، والسؤال الذي نريد أن نسأله هنا ماهي الطريقة التي يقدمها مشروعكم الاسلامي لأختيار الحاكم هل هي المبايعة أم التوصية أم التحكيم أم التوريث ! أم يحتكمون إلى الديمقراطية الغربية الكافرة إذا احتكموا له فهل هذا لا يثبت فشل النظام الذين يدعون اليه فهو فشل حتى في تقديم أبسط ما يقدمه أي نظام حكم..


دستور الدولة
بما انهم يدعون ان مشروعهم هو مشروع شامل نريد أن نسأل ما هيئة الأساس الذي ستقوم عليه الدولة، بالطبع لن يكون الدستور بمفهومه العلماني الذي هو عقد اجتماعي لتنظيم المجتمع بين الحاكم والمحكومين،الا ان الجواب كان جاهزاً بترديد شعار دستورنا هو القرآن، ولكن هل يصلح حقاً ان يكون القرأن دستور لقيام دولة، فهل يمكن لدستور أن يكون حمال أوجه كما قال علي ابن ابي طالب عن القرآن في قوله ("لا تُخاصِمْهم بالقُرآن؛ فإنَّ القُرْآن حمَّالُ أوجُه، ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكنْ حاجِجْهم بالسنَّة؛ فإنَّهم لن يَجدوا عنْها مَحيصًا".)، فهل يجوز أن يكون أساس الدولة قابل للتأويل والاختلاف في التفسير بين الناس والمفسرين هل يوجد دستور في العالم تفسره الآلاف من المجلدات التي تختلف فيما بينها حول تفسيره ! إذا كان الخليفة علي ابن عم النبي محمد بنفسه رفض الاحتكام للقرآن بين و بين الخوارج لأنه حمال أوجه فهل سنحتكم إليه نحن في أساس دولتنا !



حقوق الانسان
من العجب العجاب أن نجد اصحاب الدعوة الى الإسلام السياسي و الدولة الاسلامية يدعون انها دولة الحرية المساواة ، فإذا تحدثنا عن تحدثنا عن الحرية الدينية التي هي أم الحريات فهل نجد في الدولة الإسلامية مفهوم الحرية الدينية ! الإجابة هي لا فالإسلام قد قسم الناس إلى ثلاثة أصناف (المسلم والذمي والكافر)، فالاول و هو معروف و مفسر المسلم الذي حتى وإن كان مسلماً لا يأمن دمه تحت حكم دولتهم فقد يهدر لأبسط الأسباب، فهذا شيخ الاسلام ابن تيمية يهدر دم تارك الصلاة قائلاً ( الرجل البالغ إذا امتنع من صلاة واحدة من الصلوات الخمس أو ترك بعض فرائضھا المتفق علیھا فإنه یستتاب فإن تاب وإلا قتل )6 وهو ما لم يتفرد به ابن تيمية فقط بل هو إجماع الجمهور عند علماء المسلمين فقد ذهب مالك والشافعي إلى أنه لا يكفر ولكن يقتل والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه يكفر ويقتل ردة، وقد شذ عن الإجماع الإمام أبو حنيفة إلى أنه لا يكفر، وأنه يحبس حتى يصل حداً ما لم يصل 7، فحتى الصلاة التي هي بين الإنسان وربه قد تدخلوا فيها و أهدروا دماء المسلم من أجل تركها والأمر لم يتوقف على ترك الصلاة بل إن ابن تيمية قد أورد ما يزيد عن خمسين مسألة يقتل من أجلها المسلم 8، هذا بنسبة للمسلم نفسه فما حال ( الذميين) المسيحيين واليهود نورد لكم ما أورده ابن القيم بخصوص أحكام أهل الذمة تحت الحكم الاسلامي تفسير سورة التوبة 29 ﴿قَـٰتِلُوا۟ ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَلَا یُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا یَدِینُونَ دِینَ ٱلۡحَقِّ مِنَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ حَتَّىٰ یُعۡطُوا۟ ٱلۡجِزۡیَةَ عَن یَدࣲ وَهُمۡ صَـٰغِرُونَ﴾، لجِزْيَةُ هي الخَراجُ المَضْرُوبُ عَلى رُءُوسِ الكُفّارِ إذْلالًا وصَغارًا والمَعْنى: حَتّى يُعْطُوا الخَراجَ عَنْ رِقابِهِمْ، فَقالَ القاضِي في " الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ ": اسْمُها مُشْتَقٌّ مِنَ الجَزاءِ إمّا جَزاءً عَلى كُفْرِهِمْ لِأخْذِها مِنهم صَغارًا، أوْ جَزاءً عَلى أمانِنا لَهم لِأخْذِها مِنهم رِفْقًا، وَأمّا قَوْلُهُ: عَنْ يَدٍ، فَهو في مَوْضِعِ النَّصْبِ عَلى الحالِ: أيْ يُعْطُوها أذِلّاءَ مَقْهُورِينَ هَذا هو الصَّحِيحُ في الآيَةِ 9، ولا يقف الأمر على دفع الجزية واذلال غير المسلمين بل هناك أمور عدة توضح لنا دولة الحرية التي يدعون اليها، فعلى سبيل المثال بناء الكنائس والمعابد هو محرم بالأجماع، يقول ابن القيم إجماع العلماء على منْع بناء الكنائس وإحداثها في بلاد المسلمين، وعلى وجوب هدْمها إذا أُحْدِثت ، ويقول أبو بكر الطرطوشي: "وأما الكنائس، فإنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمَر بهدْم كلِّ كنيسة لَم تكن قبل الإسلام، ومنَع أن تُحَدَّث كنيسة، وأمَر ألاَّ يظهر علية خارجة من كنيسة، ولا يظهر صليبٌ خارج من كنيسة إلاَّ كُسِر على رأْس صاحبه، وكان عُروة بن محمد يَهْدمها بصنعاء، وهذا مذهب علماء المسلمين أجمعين. ، وإذا تحدثنا عن العادلة بين المسلم وغير المسلم فهي غير موجودة ففي ظلال الدولة الاسلامية أن قتل مسلماً مسيحياً أو يهودياً لا يقتل وإن قتله عن عمد، أما العقوبة المسلم على قاتل الذمي ، فإذا كان القتل خطأ فإنه يدفع ديته ، وهي نصف دية المسلم ، وإذا كان القتل عمدا عدوانا ، فقد جاءت الآثار عن عثمان وعمر رضي الله عنهما بتغليظ الدية على قاتل الذمي عمدا ، فجاء عن ابن عمر رضي الله عنه : " أن رجلاً مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمة عمداً ، ورفع إلى عثمان رضي الله عنه فلم يقتله ، وغلظ عليه الدية ، مثل دية المسلم " قال الألباني رحمه الله " صحيح : رواه الدارقطني (349) وعنه البيهقى (8/33) ، فالأمر هنا يتوقف بين القتل الخطأ و القتل العمد على مقدار الجزية فقط فأين العادل الذين يدعون اليه !! وأما الصنف الثالث وهو الكافر من غير أهل الكتاب أو تارك المسلم فأنه يقتل حداً فلا خيار أمامه غير الإسلام أو القتل، فأين هي دولة الحرية والعدل التي يدعون إليها وهي لا توفر أبسط الحقوق ألا وهي الحرية الدينية، فهي دولة تقوم على أساس طائفي تفرق بين المسلم والغير مسلم وتصبح الحقوق المشروعة للناس أحلام…



الدولة الاسلامية والاقتصاد

هل قدم المشروع الإسلامي نموذج اقتصادي يرتكز عليه في حكمه؟ الإجابة هي لا لم يقدم الإسلام طوال 14 قرن بل النموذج الاقتصادي الوحيد الذي قدم من الدولة الإسلامية هو اقتصاد الغزو الذي اعتمدت عليه من الدول المفتوحة المنهوبة، كما صرح الشيخ أبو إسحاق الحويني في أحد خطبه معللاً تأخر المسلمون وانتكاستهم أن ما حدث ذلك إلا بسبب ترك الجهاد الذي كان يعود على المسلمين بالغنائم و العبيد والسبايا التي تباع في الأسواق ويأخذهم المسلمون غنيمة لهم، فالسؤال الذي نطرحه هل دولتهم التي يدعون إليها ستعيد المشروع الاستعماري مرة أخرى هل سيذهبون إلى أوروبا أو أمريكا الكافرة محاربين مطالبين بالغنائم! هل لديهم القدرة على مواجهة القنبلة الذرية أو أختها الهيدروجينية! أم يحتكمون في نظامهم على النظام الرأسمالي العلماني الغربي أو الشيوعي الكافر؟!!



وفي النهاية بعد ما استعرضنا أبسط الأسس الذي يقوم عليها أي نظام سياسي و وجدناها شبح من غير زي معالم في النموذج الإسلامي، أليس من الأحرى أن ينكفئ دعاة الأسلمة على أنفسهم لعلهم يخرجون إلينا بنموذج سياسي واضح بدلاً من التكفير والقتل الذين اعتدوا عليه من أجل دعوتهم، ومن ثم نسأل هل من الممكن أن يخرجوا علينا في يوم بنموذج سياسي متماسك؟ و الإجابة هي لا، لأنه غير موجود في الإسلام ولو خرجوا علينا ذات يوم بمثل هذا النموذج سيكونون قد أحدثوا بدعة في دينهم، ولكنهم بالرغم من كل ذلك سوف يستمرون في ادعاءاتهم و تكفيرهم للناس والرصاص الذين يخرجون به على كل من يخالفهم وفي الاخير سوف يكونون في النهاية ضحايا كل مايفعلون، وسوف يدفعون الثمن غالياً حين يحتقرهم الجميع، ويرفضهم الجميع، ويطاردهم الجميع كما قال المفكر الشهيد فرج فودة.

1الكامل في الأثير ج2 ص 325
2 المصدر نفسه
3 بداية ونهاية ابن كثير
4 المصدر نفسه
5 العواصم من القواصم لابن العربي ص172
6شرح الوصي الكبرى لابن تيمية "الراجحي" ج 13 ص 8
7 "الموسوعة الفقهية" (27/53-54) :
8 مجموع الفتاوى لإبن تيمية
9 تفسير ابن القيم : سورة التوبة 29:








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي