الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هناك علاقة بين التدين والتخلف؟

عزالدين مبارك

2023 / 7 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الديانات التوحيدية الثلاث تختلف في تعمقها وتجذرها وتحكمها في سلوك المجتمع والفرد فالإنغلاق في اليهودية حد من انتشارها وإشعاعها في العالم وأبقاها دينا حبيسا خاصا لمجموعة معينة من البشر لكن سلوكهم الخارجي كان في الحياة العامة قريبا من العلمانية بحكم المراجعات التي وقعت على مر العصور ومرورهم بتجارب قاسية عند احتكاكهم في القرون الماضية بمجتمعات تحتكم للعلم والمنطق والسياسة في الأندلس وأوروبا واخيرا بأمريكا. أما المسيحية فقد كانت في أولها متغولة على المجتمع البدائي لكنها أصبحت خفيفة الظل والوقع على المجتمع والفرد عندما تحولت إلى أوروبا مما سمح للبورجوازية بناء المدارس والجامعات فظهرت نتيجة ذلك أجيال من المتعلمين والمتنورين والفلاسفة والمفكرين والعلماء. وبعد أن كانت الكنيسة تستحوذ على العقول وتنمط المجتمع حسب السردية الدينية وتنبذ العلم والاكتشافات خاصة الأفكار التي تعارض ما جاء به الدين إلى أن نشب صراع مرير ومحتدم بين الكنيسة المتشبثة بتقاليدها الدينية المتجمدة والعلماء فكانت الثورات ومن أهمها طبعا الثورة الفرنسية. وهكذا خفت بريق الكنيسة بعد مغادرة الملوك المشهد والذين كانوا يستمدون شرعية حكمهم من مساندتها ومباركتها لهم في غياب الآليات الديمقراطية (الانتخابات). وتبعا لذلك ازدهر سوق العلم والجدل الفلسفي دون عوائق ودخل المجتمع الأوروبي بذلك عصر الحداثة والتطور بعد أن أزاح المفكرون والعقلانيون الكلكل الكنيسي من داخل أدمغتهم فأصبحوا يجتهدون ويجربون ويتجاوزن السائد من الأفكار العقيمة فكان التقدم العلمي في كل المجالات ووصل بهم الأمر إلى الحرية والديمقراطية والرفاهية الإجتماعية.وقد كان الشرق في نهايات القرون الوسطى يعتنق تدينا سلفيا رثا لا استعمال فيه للعقل والاجتهاد يخيم عليه الجمود والمنهج النقلي وتطبيق التراث والتقاليد حرفيا مانعا الفنون والنقد والتفلسف والجدل (انظر إلى الصراع بين ابن رشد والغزالي وقتل الشعراء والأدباء والمفكرين والفلاسفة). لقد كانت سطوة الدين الإسلامي على خلاف اليهودية والمسيحية على المجتمع قاسية جدا فجعلته مجتمع طاعة وترديد ومبايعة وحبيس التعاليم والشعائر والقواعد الفقهية المتعددة فكانت دولة الفقهاء والشيوخ مهيمنة على المجتمع والأفراد في كل نواحي الحياة ولم تترك له المجال ليفكر أو يجتهد من خارج الصندوق وهو المهدد في حياته بعصا التكفير والتحريم وازدراء الدين والخروج من الملة. ومع الأسف سطوة الدين الإسلامي على المجتمع على خلاف الدين المسيحي مثلا لم تفسح للمجتمع ليفك قيود الفقهاء ويتحول إلى مجتمع علمي وحداثي ومفكر وبقي في الغالب تقليديا سلفيا يعبد التراث ويقدسه ويتوارثه جيلا بعد جيل بحيث لم تقع القطيعة المطلوبة لولوج عصر الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان. فنظام الدين الإسلامي المعقد والمتشعب والقاهر للإرادة الفردية الحرة والمؤسس على القدرية والتسليم لخالق غيبي يفعل كل شيء ويقدر كل شيء "وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" لم يترك مجالا للمغامرة الفكرية وتقديس الفكر والعمل وتحمل المسؤولية بما أنه ليس هناك محاسبة دنيوية والعقاب يتم في الآخرة وهو عقاب مؤجل غير ناجز وغير رادع. كما يمكن للعبادة فقط (الصلاة والحج والتسبيح وغير ذلك) رفع الذنون وكأنها لم تكن " يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء" وبهذا تقدم العبادات على انجاز الأعمال الفعلية وهي التي تتقدم بالمجتمع وتنتج الثروة.ففي الفكر الإسلام تعمل أو لا تعمل فرزقك مضمون من الإله كما إن الإله هو من يوزع الأرزاق حتى بدون القيام بمجهود "واللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ "مما دفع الناس بالإهتمام بالعبادات والواجبات الدينية طمعا في المغفرة والحصول على رضا الإله ليدخل جنة الخلد ويترك العمل ويتقاقس فيه مادام أجره على الله ورزقة عند المولى. وهكذا تأخرت الدول التي يتغلغل في أعماقها التدين السطحي بمفاهيمه البالية وتقدمت الأمم التي اتبعت العلمانية وفصلت بين الدولة والسياسة والدين وقامت بالقطيعة بين المطلق والنسبي وبين الدين والعلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م


.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي




.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه


.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد




.. -حافظ البهرة على سرية طقوسهم الدينية عبر العصور بعد اضطهاد ا