الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ديمقراطية بلا حداثة .. أضغاث احلام
سعيد الحمد
2006 / 11 / 5اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
في عالمنا العربي وحتى لا نخدع أنفسنا ونتكلم طويلاً عن الديمقراطية وحقوق الانسان والحرية والرأي والرأي الآخر والتعددية والتنوع دون أن نركز ودون أن نؤكد على شرط الديمقراطية وشرط الحرية وشرط التعددية وشرط التنوع، ونعني به شرط الحداثة الذي لن تقوم لا للديمقراطية ولا للحرية ولا للتعددية قائمة دون اعتماده منهجًا وأسلوب حياة لا مساومة عليه ولا تنازل عنه. فجميع المفردات المذكورة أعلاه »ديمقراطية، تعددية، حرية، حقوق انسان، حقوق المرأة... الخ« هي ركائز وأركان المجتمع المدني والمجتمع الذي يكثر حديثنا عنه هذه الأيام بعد أن تناسيناه لسنين وعقود طويلة. وهو المجتمع الذي يتقوّم بالأساس وقام بالأصل في مجتمع الحداثة أو هو بالأدق من نتاج الحداثة التي هي الشرط الشامل والكامل لما يدور حوله خطابنا هذه الأيام. والحداثة بحسب الموسوعة الشاملة »لم تكن مفهوماً اجتماعياً ولا مفهوماً سياسياً كما أنها ليست مفهوماً تاريخياً تاماً.. وإنما هي نمط حضاري يتعارض مع النمط التقليدي ومع كل الثقافات التقليدية السابقة.. إنها تعني جملة من المفاهيم السياسية والاقتصادية والثقافية«. والحداثة كما عدّها طه حسين هي »كل لا يتجزأ مثلها مثل الماء لا يمكن فصل الأوكسجين عن الهيدروجين« والحداثة لا يمكن تجزيئها كما يقول العفيف الأخضر.. وانما تؤخذ بحلوها ومرها.. فالتجزيء يشوه الحداثة كما تشوهت في عالمنا العربي عندما أخذناها على خلفية الانتقاء من هنا وهناك ورفض أشياء وقبول أشياء منها، بحيث زيّفنا الحداثة ومسخناها ولم نستفد منها ولم نفهمها. الحداثة في التجربة الأوروبية جاءت تدريجية لكنها لم تأتِ انتقائية أبداً وهو ما جعلها تتقدم وتتمكن، والحداثة في التجربة الأوروبية دخلت صراعاً عسيراً لكنها لم تتراجع ولم تتنازل عن مشروع الحداثة الذي يجب أن نميزه عن مشروع التحديث، فلا نخلط بين الحداثة كمشروع شامل متكامل وكمنهج وأسلوب حياة لا يقبل التقسيم والتجزيء، وعن مشروع التحديث بوصفه حركة جزئية في جانب معيّن من الحياة، كما يذكر د. شاكر النابلسي، الذي يضيف أن التحديث هو نقل أحدث وسائل العلم للمجتمع فيما الحداثة حركة شاملة للحياة وتصور علمي للعالم ومن المتعذر وجودها دون عقلانية ودون سيادة للقانون وهي حالة دائمة في المجتمع. وعليه نجزم بأن أعداء الديمقراطية وأعداء المرأة أو أعداء حقوق المرأة وأعداء التغيير وأعداء العقلانية لا يمكن المراهنة عليهم في انجاز مجتمع الحداثة، ولا مجتمع الديمقراطية، ولا مجتمع الحرية وحقوق الانسان ولا المجتمع المدني لأنهم بالأساس خصوم الدولة المدنية والمجتمع المدني، وكيف للخصم أو بالأدق للعدو أن يفتح المساحات أمام خصمه وأمام من يعتبره عدوه.. فمن يعادي الديمقراطية ويعتبرها »مفسدة« كيف ينجزها ومن يعادي حقوق المرأة كيف يحمي حقوق الانسان؟ ومن يعادي حرية العقيدة وحرية التفكير والتعبير كيف يدافع عن الحرية في مفهومها الأشمل والأعم؟ ومن ينتهك الحريات المدنية والشخصية ويقمعها الى آخر حدود القمع والمنع كيف يؤسس لمجتمع مدني وهو بالضد من الحقوق المدنية؟ والاشكالية أن هؤلاء هم المستفيدون من الهامش الديمقراطي الذي انفتح نسبياً في عالمنا العربي.. وهم المستثمرون ونجوم الفضائيات الذين يملأون الآن بخطاباتهم التقليدية والمحافِظة، المساحة التي اكتسبناها في حرية التعبير وبعد صراع طويل ومرير جاءوا ليقطفوا الثمار القليلة وليعودوا بنا الى المربع الأول الذي يضيق بالحريات الحقيقية ويصادر العقلانية، ويقوّض الديمقراطية ويمسخ بين هذا وذاك الحداثة لصالح القُدامة التقليدية التي يعاد انتاجها الآن بأسوأ أشكال التخلف والتشدد والغلو والتزمت والتطرف..!! وتتضاعف عوائق الحداثة عندما يدخل على الخط حداثيون زائفون من بقايا الأحزاب والقوى المأزومة والمهزومة، المتعلقون حالياً بأذيال المتأسلمين السياسيين ليضربوا الحداثة من داخلها إن صح التعبير بعد أن انقلبوا عليها وفتحوا معها جبهة قتال خلفية، تطوّق الحداثة مع من يسعون لتطويقها وحصارها.. حيث إن حصيلة خطابهم لا تعدو أن تكون مرافعة لصالح قوى التخلف التقليدية من جانب، وإعلان براءة وتطهّر من »تهمة« الحداثة من جانب آخر، علّهم في ذلك يقدمون لقوى التشدد والتخلف شهادة حسن سير وسلوك تزكيهم لدى تلك الجماعات دون أن يلاحظوا أنهم مجرد وسيلة سينتهي دورها بانتهاء الهدف الذي يستثمرهم فيه أعداء الحداثة..! الجرح النرجسي العربي المكين والغائر في عقل المثقف العربي »المثقف الداعية والمثقف الرسالي بالذات« ظل عائقا كبيراً بل ظل سداً منيعاً يحول بين المثقف وبين الحداثة لا يريد أن يفتح عليها بوصفها »بضاعة غربية« وله كما نعرف مع الغرب »عقدة« تقطع ولا تتقاطع وتمنع مجرد التأمل والتفكر في ايجابيات التجربة الغربية فهاجس المؤامرة يحتل منه الوجدان والعقل فيحول بينه وبين مد الجسور مع تجربة الآخر.. لتتضخم لديه تلك »الأنا« المتضخمة أصلاً التي تعتقد الى درجة اليقين بالاكتفاء الذاتي معرفيا وثقافياً وعلمياً.. وتلك قضية بل تلك مأساة أخرى يطول الحديث عنها..!! وأمام عوائق وأزمات التطور وأمام الالتفاف على الحداثة كطريق للخلاص والوصول الى تخوم الديمقراطية والتعددية ومجتمع المؤسسات والقانون وحرية المرأة وحرية التعبير والعقيدة والتفكير.. لم يجد مثقفنا من وسيلة يدير بها أزماته سوى تلفيق الأفكار في توليفة غير متجانسة وغير منسجمة ليعيد فينا انتاج التخلف والتطرف والعصبوية والغلو وهي عوارض أمراض الجرح النرجسي المكين...!!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما بعد نظام الأسد.. هل تُحكم سوريا بقبضة الميليشيات؟ | #التا
.. هل تعدد الأجندات الإقليمية سيكون سلبيا على الوضع بسوريا؟
.. مطار دمشق الدولي سيعمل خلال أيام
.. الصين تحظر تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة
.. نشرة إيجاز - رئيس الوزراء السوري الجديد يقول إنه كلف برئاسة