الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التــاريخ والإعــلام والهـــوية: تبادل في العلاقة وتكامل في الأدوار

عبد الحكيم الكعبي

2023 / 8 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


على غرار ما ذهب إليه الفلاسفة، بأن الفلسفة هي أم العلوم، يرى الإعلاميون بأن الإعلام هو شريك لكل العلوم، سواء من خلال عرض و توظيف المادة العلمية وصياغتها في قوالب إعلامية، أو من خلال توثيقها وتسجيل مراحل تطورها، حتى أصبح من العسير الفصل بين الإعلام والعلوم الأخرى، وفي المقدمة منها التاريخ، الذي يشتبك مع الإعلام في مشتركات عديدة، سواء من حيث المنهج أو المضمون أو الأهداف، وكثيرا ما اتخذ الإعلاميون من التاريخ مادة لصفحاتهم وبرامجهم المختلفة، ومن جهة أخرى، يعتمد المؤرخ في مناسبات عديدة، ـ مع بعض الحذر ـ وسائل الإعلام مصدرا لدراساته وأبحاثه، وبهذا يمكن القول أن الإعلام والتاريخ يرتبطان ببعضهما بعلاقة تبادلية تتمثل في الأخذ والعطاء والتفاعل.
وعلى الرغم من تلك العلاقة المشتبكة بين التاريخ والإعلام، من حيث طبيعة صنعة كل منهما، بعناصرها المتمثلة في البحث والتقصي عن الحقيقة في (الحدث)، و(الخبر)، وصولا إلى (التدوين أو النشر)، فإن طبيعة العلاقة بين الإعلام والتاريخ يشوبها الكثير من الحذر، والغموض وربما التشكيك أحيانا، حتى ذهب البعض إلى حدود المبالغة في ذلك والقول بأن الإعلام وسيلة جيدة لتشويه وقلب الحقائق، وإنه من الصعب أن يكون مصدرا للتاريخ، ولعلنا نجد في الحوار القصير الذي دار بين الزعيم المصري سعد زغلول، والأديب طه حسين، حين التقيا في باريس عام 1918، خير تجسيد لطبيعة ذلك التشكك بين الإعلام والتاريخ:
" سعد زغلول: ماذا تدرس في باريس ؟
طه حسين: أدرس التاريخ
سعد زغلول: أو مؤمن أنت بصدق التاريخ ؟
طه حسين: نعم، اذا أحسن البحث عنه والاستقصاء فيه وتخليصه من الشائبات.
سعد زغلول: أما أنا فيكفي أن أرى هذا التضليل، وهذه الأكاذيب التي تنشرها الصحف في أقطار الأرض ويقبلها الناس من غير تثبت ولا تمحيص لأقطع بعد ذلك بأن لا سبيل في استخلاص التاريخ من هذه الشائبات."
إن طبيعة هذه العلاقة تفرض علينا في هذه المداخلة المركزة، طرح جملة من الإشكاليات والأسئلة التي تبحث عن إجابات علمية مقنعة، تكون الإجابة عنها أو عن بعضها وتفكيك مضمونها، مدخلا للخروج برؤية مقبولة عن الإشكالية المحورية: " التاريخ والهوية العربية من المنظور الإعلامي" ومنها:
 هل يحق للإعلامي ـ بصفته إعلاميا ـ أن يذهب في البحث إلى ما وراء التاريخ؟ أي إلى ما وراء الأحداث والوقائع ووصفها وإخضاعها لحكمه، وتفسيرها انطلاقا من منظومة تصوراته ورؤيته؟ وهل هو جدير باللجوء إلى مثل هذه الأحكام ؟
 ما هي الحدود بين مهمة المؤرخ و مهمة الإعلامي؟
 هل يمكن أن يكون التاريخ مادة إعلامية ؟
 ـ هل يمكن أن يكون الإعلام مصدرا للتاريخ ؟
 لماذا تشوه الحقائق التاريخية في بعض وسائل الإعلام؟
وقبل المرور إلى عرض و مناقشة تلك الإشكاليات، نضع اليد على العناصر الأساسية لصنعة التاريخ، وطبيعة عمل المؤرخ، لنكتشف المشتركات التي تجمع التاريخ بالإعلام، ونتلمس من خلالها أيضا نقاط الافتراق والتباين، بين العلْمين:
ـ عناصر صنعة التاريخ:
تستند صنعة التاريخ إلى ثلاثة عناصر أساسية متتابعة زمنيا هي: (الحدث، الخبر، التدوين)، وهذه العناصر الثلاثة يديرها ويتحكم في مساراتها فاعل رئيس هو (الإنسان).
أولا ـ الحدث التاريخي:
الحدث التاريخي فعل يرتبط بمكان وزمان مضى، وتجتمع في صناعته سائر المعادلات الاجتماعية والنفسية والسياسية والثقافية والاقتصادية لذلك فهو لا يخضع للاستقراء، فالاستقراء حكم على الكل بالجزء، أي حكم مادي تجريبي، وحوادث التاريخ المتحققة هي خارج إمكان التجريب، أي خارج الاستقراء والتجربة، لأن الذين نصدرُ أحكامَنا عليهم هم في غير زماننا ومكاننا، ومن ثم تأتي هذه الأحكام ـ حتى إذا قبلنا بها ـ أحكام غير موضوعية، لأن الوصف بالموضوعي يقتضي أن يكون موضوع الحكم، أو موضوع التجربة، هو ضمن الكمون الزماني والمكاني، أي ضمن الآن (الحاضر) ليكون الحكم قابلا للشهادة، فالحكم على أفعال البشر التي تم تجاوزها بصيرورة الزمان والتغير، حتى إذا تحققنا منها لا يمكن الحكم عليها إلا بشروط ذلك المكان والزمان. أما إذا ما حاولنا أن نحكم عليها بأحكامنا المعاصرة، فنحتاج إلى لعبة خيالية، هي أقرب إلى الشطح الصوفي، فإما أن نسحبهم إلينا ليحلوا فينا، أو ننجذب أليهم لنحل فيهم، وفي كلا الحالين استحالة وخيال .
ثانيا ـ الخبر:
الخبر في الفضاء الفكري العربي: " قول يدخله الصدق والكذب"، أي أنه يحتمل جهتين، أما معيار الصدق والكذب في الخبر فهو المطابقة (مع الواقع) أو عدمها. والخبر التاريخي يمر عادة بمراحل متعددة قبل بلوغه مرحلة (التدوين)، تبدأ من تداوله بصياغات متباينة عن الحدث ذاته، أو أحداث ذات صلة به، تنسج الناس منها قصصا وحكايات، يختلط فيها الواقعي بالمتخيل، يتناقلها (الرواة) شفاها عبر أجيال أو أزمنة متعاقبة، ثم يجمعها ـ من أفواه الرواة ـ صنف من المثقفين يطلق عليهم (الإخباريون)، وعن طريق هؤلاء يستقي المؤرخون معلوماتهم . فالخبر التاريخي هذا المنقول والمتداول عبر أجيال، وأهواء، وأمزجة، وثقافات متباينة، لا يمكن الركون إلى صدقه ودقته، لذا فإن دعوى المطابقة بين الخبر والواقع، ممتنع عن العلم اليقيني بالنسبة للأخبار التاريخية عموما إذ أنها أخبار مستنسخة ومتداولة، لا صلة للعيان بها إلا ما (أُخبر) عن شاهد العيان، وبذلك فإن إدخال اعتبار المطابقة لا يسوغ الجزم بالإمكان، بل الجزم بالامتناع فقط، وهذا ما فعله ابن خلدون وغيره، حتى ذهب أحد كبار الفقهاء إلى القول: "أن الصدق والكذب،" نسبتان بين الخبر ومتعلقه، عدميتان لا وجود لهما في الأعيان بل في الأذهان" (القرافي، ، شهاب الدين أبو العباس، "من فقهاء القرن السابع الهجري/13م" تنقيح الفصول في اختصار المحصول، دار الفكر، بيروت، 2004 ص202).
ثالثا ـ التدوين:
مرحلة أخيرة في صنعة الكتابة التاريخية، وهي عملية معقدة، ومسؤولية جسيمة، كثيرا ما تبرأ من تبعاتها صراحة، كبار المؤرخين في مقدمات تواريخهم، وبما يفيد بأن مادة الكتابة التاريخية العربية في العصر الإسلامي الوسيط،(على سبيل المثال) وبشهادة أصحابها واعترافهم بأنها لم تكن تعبر عن (وقائع) الزمان كما حصلت بالفعل، بل هي (الأخبار) الخاصة بوقائع الزمان، ومن هؤلاء: المسعودي (القرن الرابع الهجري/ العاشر للميلاد)، الذي يقول في مقدمة كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) "إنه إنما جمع الأخبار ولم يمحصها لأن كتابه هذا " كتاب خبر وليس كتاب بحث ونظر" (المسعودي، مروج الذهب 1958 ج1المقدمة)، أما المحقق الكبير أبو الريحان البيروني فينفي صراحة اشتمال مقاصد التاريخ على انتقاد الأخبار وتمحيصها، ويرى امتناع الوقوف على أخبار السالفين،" من جهة الاستلال بالقول والقياس بما شاهد من المحسوسات"، بل ليس إلا "بتقليد لأهل الكتب (وجعله) أساسا يبنى عليه بعده " البيروني، محمد بن أحمد، الآثار الباقية عن القرون الخالية، دار بابليون، القاهرة(2009)، ص4".
أما الطبري، محمد بن جرير، (المتوفى في القرن الرابع الهجري/ العاشر م) فينبئونا في مقدمة تاريخه الشهير اعتماده النقل والإسناد فقط، ويضيف " دون أن أدرك بحجج العقول، واستنبط بفكر النفوس إلا اليسير القليل منه إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضي...غير واصل إلي من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم إلا بأخبار المخبرين ونقل الناقلين، ومن الاستخراج بالعقول والاستنباط بفكر النفوس" (الطبري، تاريخ، 1968، ج1ص6)، وهو اعتراف صريح من الطبري، بالفارق الزمني الذي يفصل بينه وبين من اسند إليهم رواياته في تأليف كتابه هذا، وهم ثلة من الإخباريين الذين عاشوا قبله بحدود قرن أو أكثر من الزمان ومنهم: ( أبو مخنف المتوفى سنة 170ه، و سيف بن عمر المتوفى سنة 180ه، و المدائني المتوفى سنة 228هـ، و أبو عبيدة وآخرون..)
بالعودة إلى سياق مداخلتنا والنظر في الإشكاليات ونقاط الالتقاء والتقاطع بين التاريخ والإعلام، نستحضر هنا وجهة نظر عالم الاجتماع المجري ( كارل مانهايم) حيث يقول، "... لا يمكننا الحديث عن شيء اسمه ( حقيقة موضوعية) لا في التاريخ ولا في الأخبار، لأننا جميعا ـ في واقع الحال ـ لا نرى قط الذي (يحدث) على حقيقته، وحتى لو طلب منا شيء مثل هذا فسيكون أمرا لا معنى له، فشؤون الإنسان والحياة تجري وكأنها في قاعة محاطة بالمرايا، تبدو فيها جميع الصور التي تعكسها مشوهة، وكلٌ يرى الأحداث من زاويته الخاصة، "وكل ما نستطيع أن نرويه هو عما نراه نحن في المرايا، إذ ليس ثمة شيء آخر يمكن أن يرى".
من جهة أخرى: فإن وعي المؤرخ والإعلامي، لا ينفصل عن منهجه في كتابة الأخبار حينما يكون معاصرا للأحداث التي يكتبها، وهو ما يصفه "هيجل" بالتاريخ (الأصلي)، وهذا ينطبق على تلك الفئة من المؤرخين الذين اهتموا بصفة خاصة بوصف الأعمال والأحداث، وأحوال المجتمع التي وجدوها ماثلة أمام أعينهم، أو الذين شاركوا في روحها، فهم ببساطة قد نقلوا ما حدث في العالم من حولهم، إلى عالم التمثل العقلي، ومن هذه الزاوية تكون المؤثرات والظروف المحيطة بهذا الكاتب/ المؤرخ هي نفسها المؤثرات التي شكلت الأحداث التي تكون مادة روايته، وروح الكاتب هي نفسها روح الأحداث التي يرويها، فهو والحالة هذه وصف لمشاهد شارك فيها، أو تفاعل معها أو كان في الأقل شاهدا عليها ومهتما بها.
أما كتابة التاريخ (النظري) المتمثل بتدوين أحداث الماضي البعيد زمانا ومكانا، والتي تعتمد على تأملات نظرية مثيرة تبعث الحياة فيما جرى من أحداث سابقة، فتتوقف على شخصية الكاتب/ المؤرخ نفسه، وهو المعني باستخلاص القيم الأخلاقية من التاريخ، وقد نجد في كثير من الأحيان بأن هذا المؤرخ النظري وكأنه يتعسف في ذكر الوقائع التاريخية من خلال محاولته إسقاط روح عصره على أحداث العصور الغابرة،
في حالة تدوين أحداث الماضي، يلجأ المؤرخون عادة إلى الأخبار، و هذه الأخبار قد يأتيها الباطل من بين يديها ومن خلفها، وبما أن الخبر هو: " قول يحتمل الصدق والكذب"، ـ كما أشرنا ـ أي أنه يحتمل جهتين!، والنقل للخبر يقتضي عقل الخبر، ومن ثم يعمد الباحثون إلى مرجعية المنقول والمعقول، ولأن الحياة هي غير منقولة بالكامل أو معقولة، فإن الخبر يظل خبرا خاضعا للقراءة وإعادة القراءة ( التأويل )، ولكنه ليس خاضعا لإصدار الأحكام إلا بضرب من الوهم، والتأويل والظن، وسلطان الهوى، وكلها، وغيرها تفسد الأحكام وتشوهها، بل وتزيفها لافتقاد الشهادة التي تبعد هذا التزوير.
ـ قنوات اللقاء والافتراق:
قد لا نجد تباينا كبيرا بين مهمة المؤرخ والإعلامي، فالصحفي والإعلامي عامة، يقوم بتسجيل الحوادث التي يفرزها النشاط الإنساني المعاصر، ودبيب الحياة اليومية، مع الاجتهاد بالتحقق من صدق الحوادث و محاولة التزامه الموضوعية في ذلك، في حين أن اهتمام المؤرخ ينصب بالدرجة الأساس على تسجيل الحوادث البشرية الماضية، من خلال التقصي والبحث في المصادر المختلفة والمتعددة ذات الصلة بحقبة الدراسة، والتي قد تكون مخطوطات أو نقوش وتماثيل، أو مخلفات مادية كآنية وأسلحة، أو وثائق مكتوبة. فالفرق الجوهري بين الصحفي والمؤرخ في تسجيلهما للحوادث البشرية يكمن في الفترة الزمنية التي يعنى بها كل منهما، فالمؤرخ يعنى في الغالب بالحوادث الماضية بالتنقيب عنها وردها إلى عللها وأسبابها الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو البيئية، بينما يعنى الصحفي في الغالب بتسجيل الحوادث اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية حسب دورية الوسيلة التي يعمل بها، لذلك يكون الصحفي أو الإعلامي في سباق مع الزمن، لأن الوقت في غير صالحه، ولا يمنحه فسحة التأمل والمراجعة أو استقراء الحوادث المستقبلية، فالأحداث أمامه طازجة لم تفصح تماما عن أسبابها ونتائجها؛ في حين أن الزمن لا يعد مشكلة أمام عمل المؤرخ بحكم أن طبيعة بحثه واهتمامه بأحداث الماضي، تمنحه فرصة للتأمل والمراجعة والتدقيق في أكثر من مصدر ومرجع، لذلك هو ملزم بالدقة والأمانة والموضوعية في تسجيله للحوادث أكثر من الصحفي، لأن ما يدونه المؤرخ يكون في سعة من الوقت مع وفرة وتنوع في المصادر وأي تزوير أو تشويه في الحقائق يعود إلى أهوائه أو أخطائه.
إن المغالط والمحاذير التي تحيط بعمل كل المؤرخ والإعلامي في توثيق الأحداث وتسجيل الوقائع، تكاد أن تكون نفسها، وفي مقدمتها هوى النفس ومزاجها والولاء لفئة أو طائفة بعينها، فذلك يخرجهما من دائرة الموضوعية ويصبح توريخهما للحوادث صناعة لا تبنى على أسس علمية ثابتة، مع التأكيد بأن الموضوعية المطلقة أو عدم إقحام الذات عند تسجيل الحوادث وتقديرها مطلب صعب، ـ كما أشرنا ـ إن لم يكن ذلك مستحيلا، لأن الإنسان لا يمكن أن يتخلص من الأفكار والمعتقدات التي يؤمن بها، ولا من خلفيته الفكرية وتجاربه الشخصية، ومن ذلك نخلص إلى القول بأن تقدير الحوادث أو تسجيلها لا يخلو من ذاتية الكاتب وخبراته التي يقحمها عن قصد أو دون قصد، في التسجيل والتقدير، لذلك تأتي الملاحظات للحدث الواحد متباينة.
ـ الحرية، وشرط الأمانة العلمية:
إن من أهم الشروط المشتركة بين صنعة التاريخ والمنجز الإعلامي هو توافر الحرية، ويقصد بالحرية هنا حرية ذكر الحقيقة، ففقدان الحرية من شأنه أن يغيب الحقيقة أو يشوهها لوجود صوت واحد مسموع فقط وهو صوت من بيده السلطة، فالمؤرخ أو الصحفي الذي يعمل في بيئة منزوعة الحرية يكون أداة تقلبها أيد خفية تتراوح بين سلطة القهر والإكراه، ومحاولات الإغراء بالمال والجاه، فيتحول المؤرخ والإعلامي إلى بوق يزيف الحقائق ويزين وجه السلطان الغاشم.
إن الحرية كما هي مهمة ولازمة للمؤرخ فهي مهمة ولازمة للصحفي في عمله كمراسل أو مندوب أو حتى مجرد ناقل لحدث ما، وخطر انعدام الحرية عند الصحفي لهو أعظم من انعدامها عند المؤرخ وذلك لسببين: الأول هو أن المادة الخبرية التي تنتجها وسائل الأعلام المعنية بتسجيل الحوادث اليومية أو الأسبوعية ستصبح يوما ما مادة خام أساسية للمؤرخ، ومرجعا تاريخيا، فإذا جاء تسجيل هذه الحوادث وقت حدوثها مزيفا بسبب فقدان حرية التعبير فإن الحصيلة التي يخرج بها المؤرخ تكون غير صحيحة.
والسبب الآخر: هو أن وسائل الإعلام لها من الانتشار والتأثير في الجماهير ما لا تستطيع أية وسيلة أخرى فعله، وبنشرها أخبارا مزيفة بسبب فقدان الحرية في وقت حدوث واقعة ما، فإنها ترسخ في أذهان الجماهير هذا الزيف الذي من الصعب تصحيحه.
ـ لماذا ومتى يشوه الإعلام حقائق التاريخ:
واذا كان الحديث يدور حول العلاقة بين التاريخ والإعلام فإنه من الضروري أن نوضح الأسباب التي تدفع وسائل الإعلام إلى تشويه الحقائق التاريخية أو الترويج لحقائق مشوهة. إن تعمد وسائل الإعلام تشويه الحقائق يعود لجمة أسباب منها:
1ـ الحفاظ على الأمن القومي والأسرار العسكرية.
2ـ تحقيق أهداف دعائية
3ـ تحقيق منافع مادية.
4ـ طبيعة العمل الإعلامي
وسنتوقف عند السبب الرابع لصلته بموضوع مداخلتنا وهو طبيعة العمل الإعلامي:
أن مسألة تطويع التاريخ كمادة إعلامية أو صحفية أي أن يكتسي التاريخ قالبا إعلاميا أو صحفيا كأن تصدر مجلة ثقافية تهتم بالتاريخ أو أن يخصص لموضوعه عمودا في صحيفة، فهذا جهد يخدم مسار الثقافة العامة للمجتمع، إلا أن الحذر ومكمن الخطورة تأتي من خلال إنتاج مسلسلات إذاعية وتلفزيونية أو أفلاما سينمائية أو وثائقية لأحداث تاريخية معينة، تتطلب فيها ضرورات العمل الإعلامي الحذف والتحريف والإضافة في أصل الرواية التاريخية. حيث تفرض طبيعة العمل الإعلامي وخصوصياته ـ في الغالب ـ تشويها عن قصد للحقائق التاريخية، أو إغفالا لوقائع تاريخية معينة، وفي أحيان كثيرة، يتطلب العمل الإعلامي إعمال الخيال وإدخال بعض الجوانب الإنسانية التي تثير اهتمام المشاهدين وتستحوذ على اهتمامهم، (الأفلام والمسلسلات التاريخية، إنموذجا ).
وتعد الأفلام التاريخية والأفلام الوثائقية التي تحكي سير شخصيات أو حوادث تاريخية معينة أكبر دليل على إمكانية اعتبار التاريخ كمادة إعلامية. فهذه النوعية من البرامج تعتمد على التاريخ المكتوب أو المنقول أو المستنبط والذي يروي قصة حادثة أو شخصية تاريخية في الماضي، والإعلام بتوثيقه لهذه الحوادث والشخصيات يضيف مصدرا جديد للتاريخ، فعن طريق الأفلام التاريخية استطعنا أن نبني في مخيلتنا صورة عن شخصيات تاريخية مهمة !، إلا أن تلك الأفلام التاريخية على الرغم من أنه قصد بها توثيق التاريخ إلا أن مبدأ الانتقائية للحوادث والشخصيات التاريخية قد يحول دون تحقيقها لأهدافها، فمجمل المادة التاريخية في هذه الأفلام انتقاها المؤلف أو الكاتب أو المخرج لتتناسب مع الهدف النهائي من إنتاجها.
خلاصة القول:
إن العلاقة بين الإعلام والتاريخ هي علاقة اندماجية، لا يمكن فسخها أو تجاهلها، ونحن في عصر الثورة الإعلامية التي نعيشها، وتحول الإعلام إلى أداة نقل مباشر للحدث، بالصوت والصورة وبالزمان والمكان الذي تجري فيهما الأحداث، بما فيها أشد الحروب أو الكوارث هولا، أو القضايا التي تشغل المجتمعات البشرية، بمختلف تنوعاتها، من الاقتصاد والسياسة والعلوم والثقافة والاكتشافات، الأمر الذي أعطى للإعلام قوة حضور، وقدرة على تشكيل الرأي العام، والتأثير على أرشفة الحدث تاريخيا، ومهما تنوعت الأسئلة حول الإعلام والتاريخ، يبقى يجمعهما رابط أساسي مشترك، يمكن تلخيصه بأن الإعلام المعاصر بات مرجعا توثيقيا لا يمكن تجاهله عند كتابة التاريخ الوطني والقومي، وترسيخ الهوية الثقافية للمجتمع العربي.

*****








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل