الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امثلة من الحضارات والمعتقدات، ايضا بين الدين والعلم

علاء الدين الظاهر
استاذ رياضيات

(Alaaddin Al-dhahir)

2023 / 8 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت ولا زالت اهتماماتي متعددة. اثناء دراستي الجامعية في العراق قرأت إن احدى قبائل الهنود، السكان الاوائل لاميركا الجنوبية تعتقد (على عكسنا) إن المستقبل وراءنا لأننا لا نعرفه بينما الماضي امامنا لأننا نعرفه. فضلا عن هذه الرؤية البديلة لرؤيتنا والتي تتطلب منا سعة في العقل، اسأل هل حضارة هؤلاء الهنود الذين يعيشون عراة في الغابات، هل حضارتهم بدائية؟ أنا اطلق على هذه الحضارات وصف الاولية او الباكرة ( Early Civilization ) وأجده اكثر انصافا وتحضرا.
نحن ننظر الى السماء ونعتقد اننا ننظر الى المستقبل (ربما لأن الاديان الابراهمية توعدنا بالجنة عليها) لكننا في الواقع ننظر الى الماضي لأن ضوء الشمس الذي نراه حاليا كان قد انبعث قد 8 دقائق. كذلك اضواء النجوم التي تكون قد انبعثت قبل ايام، اسابيع او سنوات او حتى آلاف السنين. المسافة التي تبعدنا عنها لا يمكن تقديرها بالعين المجردة لأن سرعة الضوء (وهي ثابت كوني) هي 300 ألف كلم في الثانية.
الخالق كان في السماء في نظر الكتب الدينية الابراهيمية لأن الارض كانت حينها الرقعة الجغرافية المنبسطة في الشرق الادنى، المنبسطة لا غير. لم يكن معروفا وقت نشر تلك الكتب الدينية ان الارض كروية كما اكتشفها ماجلان. ولو كان ذلك معروفا لإختارات الكتب الدينية موقعا آخرا للخالق غير السماء لأن الخالق يصبح تحتك وليس أعلاك في اميركا الجنوبية (والنصف الجنوبي للكرة الارضية) حيث تقطن تلك القبائل الهندية.
لو كُتبت الكتب الدينية اليوم (إن كانت قد كتبت اصلا) لكان فحواها مختلف تماما عن ما نقرأه فيها. هذا لا يعني ان عليك ان تتوقف وتُسقط معتقداتك، كلما ما يعنيه هذا انك تستطيع ان توّسع افقك وتقبل بأفكار مثل الرؤية الرائعة والفريدة عن الماضي والمستقبل لتلك القبائل الهندية .كل ما اتمناه ان تفتح عقلك وأن لا تتعصب لدينك وكأنه الحقيقة الوحيدة والمطلقة في العالم. عندها ستقبل الآخر ولا تكرهه او تحتقره ناهيك عن ان تقتله بل تحترمه وتحترم معتقداته.
على سبيل المثال اذكر جزيرة اورانغو في غينيا بيساو. النساء فيها قوّامات على الرجال. النساء عندهن مجلس قيادة وهن يتخذن القرار. عند الولادة ليس الولد هو الذي يتمناه الاب والام بل يتمنيا ان تلد الام بنتا. ليس لديهم (رجل دين) بل (إمرأة دين). في معتقداتهم ان اول المخلوقات كانت إمرأة، يمكن إن (آدم) كان ضلعا فائضا عن الحاجة عندها.
عند احدى اثنيات الصين المرأة هي التي ترث من امها والرجل لا يرث شيئا، اي إن الارث ينتقل من الام الى البنت والرجل (هب بياض). بمعنىً آخر، لا ينطبق على الرجل ولا حتى (وللإنثى مثل حق الذكرين). مسكين الرجل لا يملك حتى نصف عقل.
ان الدين ظاهرة جغرافية ولو ولدت في كوريا الشمالية لكن الله بالنسبة لك هو كيم إيل سونغ كما كان يقول حينها الصبي فاروق التميمي (الآن مخرج وأب في فرنسا) من ايام نقاشاتنا على عراق.نت في التسعينيات.
الدين مسألة روحانية والعلم مسألة فيزيائية (البايولوجيا والجيولوجيا وغيرها ضمن هذا المصطلح). الدين يعتمد على امور مطلقة لا يمكن مناقشتها او التشكيك بها بينما العلم يعتمد على معادلات رياضياتية (في الفيزياء والكونيات مثلا) وعلى تجارب يمكن اعادتها. تعديل النظريات او حتى إلغائها ممكن من خلال نظريات او اكتشافات جديدة. هذا ليس ممكنا في الدين. لهذا السبب انا ادعو لفصل الدين عن العلم وعدم استغلال العلم للتبشير لأي ديانة. بالمناسبة الهندوس يستخدمون العلم لإثبات صحة ديانتهم وهناك فيزيائي اميركي متميز (وله اتباع) يربط الفيزياء بالمعتقد البروتستاني. هناك عالم كونيات الماني متميز كاثوليكي المعتقد يعمل في جامعة كاثوليكية هولندية (وهو من ضمن المجموعة التي نجحت في تصوير الثقب الاسود قبل سنوات) يعتقد بوجود الله وفقا لمعتقداته الدينية. هناك في هذا العالم اكثر من 64 الف دين ومذهب كل واحد يعتقد ان ديانته ومذهبه هو الصحيح والباقي على خطأ.
فضلا عن الاسلاميين، منْ من هؤلاء العلماء الفيزيائيين على حق؟ كل هؤلاء يقومون بتعليب العلم في (قوطية) الدين وبهذا يهدمون الدين. كيف؟ ماذا سيحدث لو اُكتشف بعد عشرين عام ان النظرية العلمية التي يستخدموها الآن خطأ او تم تعديلها؟ هذا يعني ان معتقداتهم الدينية ايضا خطأ او يجب تعديلها. ماذا كان سيحصل لو اعتمد المسلمون على نيوتن لتفسير الجاذبية قبل ظهور النظرية النسبية؟ او اعتمدوا على ان الفضاء ثلاثي الابعاد بينما اُكتشف في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ان الفضاء لا نهائي الابعاد؟ بالفعل كانت الديانة المسيحية ترفض اي بُعد يزيد على ثلاثة. الفضاء كان مسطحا الى ان قام الرياضياتي الالماني برنارد ريمان (ولم يكن وحيدا في هذا) بوضع هندسته المعنية بإنحناء الفضاء، هندسة استخدمها آينشتاين بعد 50 عام. هل تقبل ان يكون القرآن على خطأ او يجب تعديله؟ هذا بحد ذاته سبب قوي لمنع استخدام العلم في التبشير للمعتقدات الدينية.
في تلك العصور كان رجال الدين الاسلامي هم ومجتمعاتهم غارقون في الجهل والتخلف ولم يكونوا على صلة بما يحدث في عالم الرياضيات والفيزياء في اورپا وبهذا سلموا من هرطقة علمية في حال ربط معتقداتهم الدينية بنظريات علمية خاطئة او غير مكتملة.
في تقديري إن من يلجأ الى لويْ العلم ووضعه في علبة (قوطية) لتأكيد معتقده الديني، يلجأ الى هذا لأن ايمانه بدينه ضعيف ويحاول من خلال طيْ العلم تقوية ايمانه والتبشير به او خداع الناس. افراد عائلتي لا يلجأون لهذا ومعظم اصدقائي المتدينين لا يحتاجون لهذا. الايمان امر داخلي في عقل وروح الانسان ولا علاقة له بالفيزياء او الكيمياء او او ...
المشكلة الاساسية بين العلم والدين تبدأ في قصة الخلق ولا تنتهي بها. العلم يقول (مع الاثباتات العلمية) بأن الحياة تطورت عبر مليارات السنين من الحياة المجهرية بينما قصة الخلق في الديانات الابراهيمية (من دون الدخول في تفاصيلها) تبدأ بخلق آدم وحواء. المصادر اليهودية القديمة وهي الاساس، لأنها سبقت المسيحية والاسلام (ولأن القصص بين هذه الاديان متشابهة) تقول ان حواء هي الزوجة الثانية لأن الزوجة الاولى كانت ليليث وقد عاقبها الله (يهوه) لأنها طالبت بالمساواة بالرجل، عاقبها بقتل 1000 من اولادها كل يوم وجعل منها روحا شريرة. لم يكن ممكنا بعد فترة ما تسويق قصة ليليث لأن الحمل والانجاب يحتاج لتسعة شهور لذلك اختفت قصة ليليث من الديانة اليهودية. ليليث (وأنا انقل عن الاركيولوجيين الغربيين وبعضهم يهود) مسروقة من المرأة البابلية (ليلتو). والخالق (يهوه) مشتق من الاله البابلي مردوخ. لأن التوراة كُتبت في بابل نلحظ تأثيرات الاساطير البابلية والسومرية عليها مثل ملحمة كلكامش وقصة نوح. لم يكن هناك اي ذكر في الديانة اليهودية لإله واحد او ديانة توحيدية قبل كتابة التوراة في بابل من قبل اشعيا. التوراة هي إنتاج بابلي محض اذا حذفت منها قصص تأريخ اليهود وهي قصص مشكوك بها. موسى مثلا وفقا لأفضل الاركيولوجيين الاسرائيليين (وهو ليس وحيدا في هذا) شخصية لا وجود لها ولا اثبات اركيولوجي يؤكد رحلته من مصر وإن نصف طقوس اليهود مأخوذة من الكنعانيين. من حقك ان تعترض لمخالفته معتقداتك الدينية لكن العلم يتطلب الاثبات الاركيولوجي وهذا ما هو مفقود في قصة موسى. مرة اخرى، الدين مسألة روحانية وليست علمية.
عندما تركت العراق كنت اشعر بسعادة عندما اجد غربيا يتعلم العربية او يعتنق الاسلام لأن في هذا تأكيدا على قوة قوميتي ولغتي وحضارتي. بمرور الوقت تعودت على الامر من جهة، ثم اني وجدت البعض من هؤلاء يستغل هذا لعلاقات جنسية شاذة متصورا ان الاسلام واللغة العربية مدخل لإقامة هذه العلاقات اذا اظهر بها الاهتمام الحضاري او الديني ويفلح إذا وجد مقموعا (او مكموعا) جنسيا من العرب او المسلمين. بعض هؤلاء الغربيين يعمل لمخابرات غربية. ايضا وجدت عددا كبيرا من الغربيين يعتنقون البوذية او الهندوسية وهم اساتذة جامعات متميزون، أي إن الاسلام هو احد الاديان ينجذب اليها هؤلاء. صديقة احدى زميلات الدراسة في كندا اعتنقت البهائية لأنها في نظرها الديانة الحق كونها الديانة الاخيرة. حاولت عدة مرات دون افلح ان اقنعها بأن الاسلام هو الديانة الاخيرة من دون ادرك انها الديانة الاخيرة في نظرنا لأن هذا ما تعلمناه. هؤلاء الغربيون والغربيات في العادة يمتلكون فراغا روحيا لا تملأه حضارتهم ويبحثون عن ملئه بديانة او ثقافة اخرى. في كوريا الجنوبية كانت هناك كنيسة بروتستانتية يقودها نصّاب كوري اسمه (مون) وإنتشرت مثل الهشيم في النار في كوريا الجنوبية واوربا وأميركا الى ان لاحقه القضاء بتهمة غسل الاموال ولاستغلاله الجنس في جلب الناس لديانته. كنيسة الساينتولوجي هي الاخرى تستخدم الجنس ايضا لجذب الناس اليها.
اتابع من ضمن ما اتابع نجاح وفشل الشركات الكبرى ليس للاستثمار وإنما لتعلم لماذا فشلت هذه الشركة ونجحت الاخرى. كانت شركة كوداك الاميركية اكبر الشركات التي تنتج افلام وكاميرات التصوير. تغطرست كوداك عند تأسيس فيجي فيلم ونظرت الىها بسخرية على انها شركة صغيرة في آسيا. رغم ان شركة كوداك كانت اول شركة صنعت اول نموذج لكاميرا الكترونية إلا انها قررت ان سوق الافلام هو السائد وقررت عدم انتاج كاميرا الكترونية. عند انهيار سوق الافلام انهارت كوداك وكادت ان تنهار فوجي فيلم لكنها فصلت آلاف الموظفين واغلقت العديد من مصانعها وقررت ان تبني مصنعا جديدا لصنع الادوية الطبية ومساحيق التجميل. ماذا، ادوية ومساحيق تجميل من شركة افلام وكاميرات؟ ما علاقة الافلام بهذا؟ كان لدى الشركة 20 الف مركب كيماوي كانت تستخدمها لصنع الافلام الملونة فقررت استخدامها للاغراض الطبية ونجحت نجاحا باهرا في تسويقها وبيعها. في نفس الوقت استثمرت فيجي فيلم في انتاج الكاميرات الالكترونية وهي الآن تنافس اكبر شركات صنع الكاميرات فضلا عن انتاجها لكاميرا تشابه كاميرة پولارويد حيث يمكن طبع الصورة في الكاميرا مباشرة وكذلك اجهزة طباعة للصور الالكترونية متوفرة في السوپرماركتات. الافضل انها لا تزال تنتج الافلام لأن رئيس الشركة يقول نحن شركة تصوير ويجب الحفاظ على هذا التراث. ما هو المغزى؟ اذا كان الدين يهيمن على حياتك وفكرك وسلوكك اليومي وتجد ان دينك هو الافضل والاسمى ستنتهي مثل شركة كوداك. ليست اميركا او اسرائيل او الغرب من يعيق تقدمك. انت الذي تعيق تقدمك إلا اذا طوّرت نفسك وقبلت ان معتقداتك الدينية هي جزءٌ من كل وليس العكس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب