الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهافت اقتصادنا (13)

نعيم مرواني

2023 / 8 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في فصل " الاطار العام للاقتصاد الاسلامي" ص 317 ، يؤكد المؤلف على ان " الدين هو الاطار الشامل لكل انظمة الحياة في الاسلام." والاسلام، حسب قول المؤلف، يمزج بين كل شعبة من شعب الحياة التي يعالجها وبين الدين ويصوغها في اطار الصلة الدينية للانسان بخالقه وآخرته."
حسنا، جميعنا نعلم أن صلاح الانسان من خلال اتباع تعاليم خالقه ليست مضمونة، فالخالق ،حسب ادبيات الديانات التوحيدية، طرد آدم وحواء من الجنة لانهما خالفا تعليماته وارسلهما الى الارض في رحلة اختبار صارم، فان نجحا اعادهما الى الجنة، وان فشلا خلدهما في الجحيم. والخالق، حينما خلقنا، خلق في دواخلنا عدوين متكافئين يمثلان الخير والشر أي العقل والغريزة وجعلهما في صراع دائم وبالتالي فان احتمال انتصار الخير على الشر لايتجاوز ال 50 بالمئة في أحسن الأحوال.

أخصائي الاعصاب النمساوي الذي أصبح لاحقا عالم نفس سيجوند فرويد ((Sigmund Freud 1856-1939 أضاف لهما بعدا آخر في نظرية التحليل النفسي يمثل التوافق بين الخير والشر في مثلث ( الهو والأنا والأنا العليا) أي (Id, Ego and Superego) وتعني الغريزة أم العقل أم التوفيق بينهما/المجتمع.

واذا اسقطنا نظرية فرويد على النظام الاقتصادي بوصفه احد أهم النشاطات الانسانية فاننا حتما سنتوصل الى نظام يوفق بين العقل والغريزة لان الانتصار لاحدهما ستكون نسبة نجاحه ضئيلة كما أسلفنا. إذن نستطيع القول ان نظام اقتصاد السوق الحر نجح بارضاء غرائزنا الفطرية بشكل معقول، أي أنه نجح بالتوفيق بين العقل والغريزة.

الصدر، على الجانب الآخر، يريد اقناعنا انه قادر على وضع أسس لنظام اقتصادي يساعد على انتصار العقل الحاسم على الغريزة، فتتجسد الجنة على الارض, وهذا أمر يعرف الله إنه لن يتحقق ليس لانه غير قادر على جعله يتحقق بل لاننا كبشر لايمكننا ان أن نسلك جميعنا سبيل الخير الذي اختطه لنا لانه (الله) وهبنا حرية الاختيار في سلوك احد السبيلين: الخير أو الشر، وقد يكون هذا احد أهم اسباب وجود الكون نفسه ( أقصد ديمومة الصراع بين الاضداد حسب تفسير الديانة الزرادشتية او الفلسفة الاغريقية الثنائية)، وتاليا لايمكن ان يسود الخير العام وينهزم الشر وتملأ الارض قسطا وعدلا الا بعودة عيسى عليه السلام ، حسب اللاهوت المسيحي، أو المهدي المنتظر، حسب رواية المذهب الاسلامي الشيعي واللذان إن ظهرا لاتدوم الحياة بعد ظهورهما طويلا.

النظم الاقتصادية الوضعية -التي لاتتخذ من الدين إطارا عاما لها- لم تعتمد التعاريف الدينية للقيم المطلقة كالعدالة والحرية وماشاكلهما وبالتالي لم تفرض تلك التعريفات للقيم المطلقة على النشاطات الاقتصادية بل تركت تعريفها توافقيا بين الاطراف المتشاركة بالعملية الانتاجية.

الدين ، أي دين، لايتوافرعلى تعريفات لكل عناصر العملية الاقتصادية ذلك لان علم الاقتصاد علم حديث ولم يكن احدى المشاكل التي نزلت الرسائل السماوية لتضع لها حلولا الا في صوره البدائية المتمثلة بالصراع بين الغني والفقير، وحتى المذهبين الاقتصاديين: الاشتراكي والرأسمالي ،اللذين تناولهما المؤلف بصورتيهما البدائية، تطورا وتعقدا بمرور الزمن، ولم تعد عناصرالعملية الانتاجية تقتصر على رأس المال أو رب العمل والعامل والجهد المبذول والمواد الأولية والتوزيع وكيفية اقتسام الأرباح بين تلك العناصر.

استحدثت عناصر أخرى مثل المدير التنفيذي والمبدع القادر على تطوير الانتاج والدعاية لتسويق المنتوج. المدير أو الرئيس التنفيذي (chief executive officer) ليس عاملا وليس رب عمل والمبدع (innovator) كذلك، وبدونهما لايمكن للانتاج ان يستمر وينافس. أجور هذين العنصرين حسب النظام الرأسمالي يحددها نطاق خبرتهما ومبدأ العرض والطلب وتاليا لايمكن وضع هكذا عملية في اطار ديني لان مفهوم العدالة هنا سيكون توافقيا بين الاطراف المتفاوضة/المتساومة ( رب العمل والرئيس التنفيذي والمبدع) وما تفرزه المساومات يعتبر عادلا بنظر جميع الاطراف. ثم كيف يحدد الدين النسبة التي يتحملها كل طرف من اطراف العملية الانتاجية للترويج والدعاية للمنتوج؟ وان لم ير الدين ضرورة للترويج فقد تكسد البضاعة وتفلس الشركة ويسرح العمال.

إذا صار الدين – الاسلام في هذه الحالة- "اطارا شاملا لكل انظمة الحياة" بما فيها النظام الاقتصادي فسيقتل المنافسة التي هي أساس نجاح وديمومة أي نظام اقتصادي. يقتل المنافسة لانه حتما سيحدد كل نشاطات العملية الاقتصادية ويسعرها بما يراه عادلا دون الاخذ بعين الاعتبار الفروقات في نوعية وكفاءة المنتوج وبالتالي سيكون اللعب على المكشوف وتموت المنافسة فيركد الاقتصاد.

يقول في ص317 أن " المصالح الاجتماعية للانسان لايمكن أن توفر ويضمن تحقيقها الا عن طريق نظام يتمتع باطار ديني صحيح،" ولم يوضح كيف خلص الى هذه الحقيقة خصوصا أن ثمة أدلة وشواهد تاريخية تؤكد عكس مايذهب اليه.

ثم يقسم مصالح الانسان الى فئتين: المصالح الطبيعية والمصالح الاجتماعية. يُعَرِّف المصالح الطبيعية بانها كل ما تقدمه الطبيعة مباشرة للفرد دون حاجته الى العلاقات الاجتماعية للحصول عليها. اما المصالح الاجتماعية فهي التي يكفلها للفرد النظام الاجتماعي حين يسمح له بمبادلة منتوجاته بمنتوجات الآخرين.
ويضرب مثلا خاطئا حول فئة المصالح الطبيعية فيقول: " العقاقير الطبية من مصلحة الانسان الظفر بها من الطبيعة، وليست لهذه المصلحة صلة بعلاقاته الاجتماعية مع الآخرين ... الانسان بوصفه كائنا معرضا للجراثيم الضارة، بحاجة الى تلك العقاقير، سواء كان يعيش منفردا ام ضمن مجتمع مترابط."
حسنا! لنفترض جدلا ان تلك العقاقير طبيعية صرفة ولاتحتاج الى تصنيع، هب انها اعشاب تنبت في الارض يمكن قطفها والتطبب بها،كيف يعرف الفرد بمفرده العشبة التي تعالج داء ما؟ وهل تحتاج الى غلي في الماء ثم يشرب الممزوج؟ ام الى حرق فيستنشق المريض دخانها؟ ام تؤكل طرية؟ ام تجفف وتسحق وتلتهم؟ أم هل تتطلب امراض معينة خلط مجموعة من الاعشاب؟ واذا نعم، ماهي تلك الاعشاب وماهي مقاديرها وماهي الامراض التي تعالجها؟ لذا نعتقد ان ليس بوسع الانسان بمفرده معرفة كل هذه التفاصيل دون المجتمع.

ثم يعود فيناقض نفسه اذ يقول: " ولكي يتمكن الانسان من توفير مصالحه الطبيعية والاجتماعية، يجب أن يجهز بالقدرة على معرفة تلك المصالح وأساليب ايجادها، وبالدافع الذي يدفعه الى السعي في سبيلها. فالعقاقير التي تستحضر للعلاج من السل مثلا توجد لدى الانسان حين يعرف ان للسل دواءً، ويكتشف كيفية استحضاره، ويملك الدافع الذي يحفزه على الانتفاع باكتشافه واستحضار تلك العقاقير. والسؤال هو: هل يستطيع الانسان بمفرده معرفة كل تلك التفاصيل؟

واذا كان الجواب لا، فهذا يعني انه لاتوجد فئتان من المصالح إنما فئة واحدة وهي المصالح الاجتماعية. تخيل انسانا ينشأ ثم يموت منفردا في غابة، ماهي المصالح الطبيعية التي يستطيع توفيرها لنفسه غير تلك الغريزية التي تساعده على البقاء حيا كالتنفس والغذاء والمناكحة والأمن (أي الدفاع عن النفس)، أي انه يعيش كما تعيش بقية الحيوانات في الغابة. وبالتالي فالحصول على اي مصلحة أو منفعة (عدا مصالح البقاء على قيد الحياة) يحتاج الى معرفة وخبرة متراكمة لايستطيع الفرد التوافر عليها بدون المجتمع.

تنويه: هذا واحد من سلسلة مقالات نقدية تشخص مكامن الخلل في كتاب "اقتصادنا" لمحمد باقر الصدر. لكي تتكون لديكم صورة مكتملة عن موضوع البحث، أدعوكم، سادتي القراء، لقراءة المقالات السابقة ذات العلاقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله