الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستراتجية الوطنية للتعليم العالي في ليبيا إلى أين تتجه ؟

حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)

2023 / 8 / 3
التربية والتعليم والبحث العلمي


بادئ ذي بدء قبل الحديث عن الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي في ليبيا أود التأكيد على أن دور الباحث في علم الاجتماع كونه مثقفا قادر على أن يخلق الوعي ويحفزه عبر قدرته على أن يربط بين الهموم الفردية والقضايا العامة.
وفي ضوء هذه الخلفية، فإنه يتوجب أن نعلم أن إعداد استراتيجية وطنية للتعليم العالي في ليبيا تعد خطوة مهمة نحو تطوير التعليم العالي في البلاد، فضلا عن تعزيز القدرات البشرية، وتحقيق التنمية المستدامة. ومن المهم تحقيق هذه الأهداف بإنجاز الخطط العملية وتخصيص الموارد اللازمة لتنفيذ الاستراتيجية بشكل فعال ومستمر، وبناء على ذلك يتوجب التأكيد على أننا لا نسعى من خلال هذه المقالة إلى توجيه أي نقد إلى الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي في ليبيا التي كان الإعلان عنها يوم الأربعاء الموافق 2 أغسطس 2023م، من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بحكومة الوحدة الوطنية، وذلك قبل الاطلاع على تفاصيلها كافة.
وحتى لا تُثير هذه المقالة خائنة الأعين وما تخفي النفوس، فإن هذه المقالة سوف تتجه إلى أن تكون مقالة نقدية إيجابيا وبناءة، تحتوي على تحليل لماهية الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، والخطط التنفيذية، وتقارن بين الأفكار والرؤى المختلفة، فضلا عن السعي إلى تقديم أفكار واقعية ومبتكرة من خلال الممارسات الدولية في هذا المجال،
وبناء على ذلك سوف أطرح عددا من التساؤلات المهمة، هي:
لماذا الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي؟
ما الفارق بين الاستراتيجية الوطنية والخطط التنفيذية ؟
من الذي يتوجب أن يناط به وضع أو بناء الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي ؟
بشكل عام، يوجد في العديد من البلدان استراتيجيات وطنية للتعليم العالي، تتضمن هذه الاستراتيجيات عادةً مجموعة من الأهداف، والتدابير التي تركز على تحسين جودة التعليم، وتعزيز فرص الوصول إليه، وتشمل عادةً الأهداف الآتية :
• تحسين جودة التعليم والتعلم، وضمان مساواة الفرص لكل الطلبة.
• تطوير مهارات الطلبة وتلبية احتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية.
• تعزيز البحث العلمي، وتطوير القدرات التكنولوجية والابتكارية.
• تطوير المناهج الدراسية، والأساليب التدريسية، والتقنيات التعليمية.
• تطوير قدرات الأساتذة وتحسين ظروف العمل لديهم.
• تعزيز الشمولية والمشاركة المجتمعية في العملية التعليمية.
في حين تتضمن الخطط التنفيذية للاستراتيجيات الوطنية للتعليم مزيجًا من السياسات والبرامج والمشاريع التي تستهدف تحقيق هذه الأهداف، ومن الجوانب الرئيسة التي تغطيها الخطط التنفيذية عادةً هي:
• تحديد الأولويات والأهداف المحددة،
• تحديد المؤشرات الرئيسة للقياس.
• تحديد الموارد المالية والبشرية والتقنية المطلوبة.
• تحديد الآليات المناسبة لتنفيذ الخطة وتقويم تأثيرها ومتابعة تنفيذها.
إذن، هذا يعني وجود فارق نوعي بين بناء الاستراتيجيات، والخطط التنفيذية ، وهذا الأمر يتوجب أن يكون واضحا لهم جميعا.
من الذي يناط به وضع أو إعداد الاستراتيجية الوطنية للتعليم في ليبيا ؟
وفقا للتشريعات الليبية فإن مجلس التخطيط الوطني هو الجهة التي تختص بإعداد الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، فهذا المجلس يعد الأذرع الاستشارية للسلطة التشريعية، ويختص–وفقًا لأحكام ونصوص قانون التخطيط رقم (13) لسنة 2000م ولائحته التنفيذية، واللوائح والقرارات المنظمة لأعماله، وذلك بإعداد الدراسات التي تحدد أهداف وسياسات واستراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفقا لهذا الاختصاص قام مجلس التخطيط الوطني بإعداد استراتيجية وطنية للتعليم في ليبيا بشكل عام، أي استراتيجية وطنية للتعليم بمراحله كافة، فضلا عن إعداد استراتيجية وطنية للبحث العلمي.
ولكن هذه الاستراتيجيات لا تزال بحاجة إلى الاعتماد من قبل مجلس النواب، بعد ذلك سيتم إحالتها إلى الحكومة لتعمل على بناء الخطط التنفيذية لتحقيق تلك الاستراتيجيات بحسب كل وزارة.
وحتى نقرب المعنى أكثر يمكن أن نشير إلى أن دور مجلس التخطيط الوطني يأتي في إطار جهود الدولة الليبية لتطوير القطاعات الحيوية في البلاد، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ لذا من المهم أن يتم اعتماد هذه الاستراتيجيات من قبل مجلس النواب، وتنفيذها بشكل فعال من قبل الحكومة والوزارات ذات الصلة، لتحقيق الأهداف والسياسات التي حددتها الاستراتيجيات، ويمكن للتنفيذ الفعال للاستراتيجيات الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي أن يساهم في تعزيز جودة التعليم والبحث العلمي في ليبيا، وتطوير المهارات والكفاءات اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة في البلاد،
ومعني هذا ببساطة شديدة أن دور الوزارات والحكومة ومسؤولياتها يتمثل في تحويل الاستراتيجيات الوطنية التي سيكون اعتمادها إلى خطط تنفيذية فعالة لتحقيق الأهداف والسياسات التي حددتها تلك الاستراتيجيات، وذلك بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية في القطاعات المختلفة، وتوفير الموارد اللازمة لتنفيذ تلك الخطط.
وبناء على ذلك إن العمل الجاد للحكومة والوزارات في تطبيق وتنفيذ تلك الخطط التنفيذية بشكل فعال واستمراري هو ما يمكن أن يؤدي إلى تحقيق نتائج إيجابية وملموسة في قطاعات التعليم العالي والبحث العلمي في ليبيا، ومن ثم يكون دعم عملية التنمية في البلاد.
من الجهات التي تساهم في بناء الاستراتيجية للتعليم العالي ؟
في الحقيقة يشارك عادة في إعداد الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي العديد من الأطراف المعنية مثل مؤسسات التعليم العالي، والمجتمع المحلي، والصناعة والأعمال، والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالتعليم العالي.
وهنا يقفز إلى الذهن سؤال جوهري وهو: لماذا الحديث عن دور المجتمع المحلي والمنظمات الإقليمية والدولية؟
يجب أن نصارح القارئ بأن المجتمع المحلي والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالتعليم العالي تقوم بدور مهم في المساهمة في إعداد الاستراتيجيات الوطنية للتعليم العالي، حيث يمكن أن يساعدوا في تحديد الاحتياجات الآنية والمستقبلية للتعليم العالي، وهذه الجزئية الأخيرة تعد غاية في الأهمية، فضلا عن تحديد الأهداف والخطط العملية لتحسين جودة التعليم وجعله أكثر فعالية.
فعلى سبيل المثال يمكن للمجتمع المحلي أن يساعد في تحديد احتياجات سوق العمل المحلي ويمكن له أيضًا أن يساعد في تقويم جودة التعليم العالي وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تطوير وتحسين.
في حين أن المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالتعليم العالي، مثل منظمة اليونيسكو، واتحاد الجامعات العربية، يمكن أن تساعد في توفير المعلومات والأبحاث والتقويمات اللازمة لإعداد الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، ويمكن أن تساعد في إعداد الخطط العملية وتوفير الدعم والموارد المالية والتقنية لتنفيذ الاستراتيجية بشكل فعال.
وهنا نسارع إلى سؤال مهم وهو : ما مساهمة الطلبة في إعداد الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي ؟
لعله من المفيد أن نشير هنا إلى أن الطلبة يمكن لهم المساهمة في إعداد الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، وذلك من خلال الإدلاء بآرائهم ومقترحاتهم حول ما يحتاجه التعليم العالي، بما في ذلك الاحتياجات الأكاديمية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، كما يمكن للطلبة أيضًا تقديم الملاحظات والتعليقات في المشاكل والتحديات التي يواجهونها في النظام التعليمي الحالي، وتقديم الحلول المقترحة لتحسينها.
وللمزيد من الإيضاح والتسهيل نقول: إن مشاركة الطلبة في إعداد الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي يعد من الممارسات الإقليمية والدولية الجيدة، وهناك أمثلة عديدة على مساهمة الطلبة في إعداد الاستراتيجيات الوطنية للتعليم العالي.
إن السؤال الذي يمكن أن يطرح هو: ما القيمة المضافة لمثل هذه المشاركات؟
في الحقيقة يمكن رصد عدد من الفوائد المهمة لمشاركة المجتمع المحلي، والمنظمات والإقليمية والدولية في إعداد الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي منها :
• تعزز الشفافية والمساءلة في عملية صنع القرار، حيث تكون استشارة مختلف الأطراف المهتمة قبل اتخاذ القرارات الحاسمة.
• تساعد على تحسين جودة التعليم العالي، حيث تكون الاستفادة من آراء وتوصيات مختلف الأطراف المهتمة لتحسين النظام التعليمي.
• تعزز الشراكات والتعاون بين مؤسسات التعليم العالي والمجتمع والقطاع الخاص والإقليمي والدولي.
• تساعد على تحقيق الاستدامة، حيث يتم النظر في الاحتياجات البيئية والاجتماعية والاقتصادية عند تحديد الأهداف والتوجهات الاستراتيجية.
وبشكل عام توفر مشاركة المجتمع المحلي، والطلاب، والمنظمات الإقليمية والدولية في إعداد الاستراتيجيات الوطنية للتعليم العالي فرصًا لتحسين جودة التعليم العالي، وجعله أكثر فاعلية وملاءمة لاحتياجات السوق المحلية والعالمية، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وتعزيز الشراكات والتعاون، وتحقيق الاستدامة.
إذن، هناك منهجية معتمدة عمومًا في إعداد الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي تعتمد جل خطواتها على أهمية إشراك الأطراف المعنية في عملية إعداد الاستراتيجية، ويُعد هذا النهج جزءًا من مفهوم الحوكمة والشفافية ، ويسعى إلى ضمان مشاركة كل الأطراف ذات الصلة، وتعزيز التفاعل والتعاون بينهم لتحقيق أهداف الاستراتيجية المشتركة، وبناء على هذا يزيد من احتمال تنفيذ الاستراتيجية بكل نجاح، ويساهم من ثم في تحقيق التوافق والتأييد وتعزيز قبول الاستراتيجية وتقليل المقاومة للتغيير.
عموما إن أبرز ما يلاحظ على إعلان الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي التي جرت يوم الأربعاء الموافق 2 أغسطس وجود عدد من المفارقات اللافتة للانتباه، هي :
• إن وزارة التعليم العالي قامت بإعداد استراتيجية وطنية للتعليم العالي، وقبل ذلك قام مجلس التخطيط الوطني بإعداد استراتيجية وطنية للتعليم بشكل عام يتضمن التعليم العالي، وهذا الأمر يعكس ضرورة تحقيق التنسيق بين المؤسسات المختلفة في الدولة، وخاصة فيما يتعلق بالتعليم العالي وتطويره.
• هناك تكرار للأعضاء أنفسهم سواء في الاستراتيجية التي قام مجلس التخطيط الوطني بإعدادها ، أو الاستراتيجية الوطنية التي قامت وزارة التعليم العالي بإعدادها وهذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى تكرار بعض الجهود، مما يسبب إهدارًا للوقت، وللموارد البشرية والمالية، وهذا يمكن أن يؤدي إلى التأخير في تحقيق الأهداف المحددة.
• إذا قام بعض الأعضاء بالاستعانة بمعلومات وبيانات ونتائج من الاستراتيجية التي وضعها مجلس التخطيط الوطني دون الحصول على إذن منها، فقد يعد هذا الأمر مخالفة له عواقب قانونية، فالاستراتيجية الوطنية محمية بحقوق النشر والملكية الفكرية، والاستعانة بمعلوماتها دون الحصول على إذن من صاحب الحقوق انتهاكًا لهذه الحقوق.
ونختم هذه المقالة بأننا في انتظار الحصول على نسخة من الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي حتي نتمكن من قراءاتها قراءة نقدية إيجابية متأنية ، بغية تقديم توصيات وملاحظات بناءة لتحسينها وتحقيق أهدافها بشكل فعال وملموس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو