الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبدأ السلطة في العلم والمعرفة بين توماس كون وميشال فوكو

محمد احمد الغريب عبدربه

2023 / 8 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


النموذج الإرشادى والبنية الثورية لدي فيلسوف العلم توماس كون كان مصطلحين أساسيين لديه في تفسير تطور العلم وتاريخه، وذلك ما وضح في تفسيراته المعرفية والعلمية طوال كتابه الرئيسى بنية الثورات العلمية وكتبه الأخرى، ولكن تسائله حول من يصنع هذا التطور بغض النظر عن كيفية التطور وفلسفته والتى طرحها في أمثلة وشروحات كثيرة كان شئ مقلق بالنسبة له رغم انه لم يفرد له مساحة كبيرة في تنظيراته، فهو يري مثلا ان هذا التطور والتغير والظهور الذي يدعي ثورة يأتي في أطار سلطة المجتمع العلمي، فتوماس كون قال أنه كان يريد بالأولي الحديث عن المجتمع العملي وشرحه بشكل تفسيري اكثر من النموذج الارشادي الذي كان المصطلح والنظرية الرئيسية عنده، بمعنى أن يحتوى تفسيراته نحو المجتمع العملي ملامح وسمات النموذج الارشادي وليس العكس، ويأتي في المرتبة الثانية الكتب الدراسية والمراجع التي تساهم في تعليم الطالب ومساعدة العلماء والباحثين في البحث عن المشكلات وحلها حتي يصبح عضواً في المجتمع العلمي ويمارس مهنته العملية، فهذه سلطة الكتب العلمية والمعرفية، والتي تحدد كثير من القواعد والتقاليد والمناهج التي يسير عليها العالم والباحث، وهي تمثل سلطة في تشكل المعرفة وايضا في ظهور علوم جديدة، فهناك تشابة بين العلماء حول المناهج والمعارف والمصطلحات تأتي من هذه الكتب والتي تكون في اطار المجتمع العلمي.
ورغم ملاحظة توماس كون عن أهمية المجتمع العلمي إلا انه يلفت الانتباه اإلي أن النموذج الإرشادي لديه يمثل ذروة تطور العلم وتطور وتبدله مع الثورات والتطورات العلمية، إلا اشارته لسلطة المجتمع العلمي يشير الي ممارسة سلطوية ذات بعد سيكولوجي هي التي تتحكم في تطور العلم، وهي التي تفسر مرحلة ما قبل الثورة، ومرحلة ما بعد الثورة، فمقاومة النموذج الارشادي المستقر ضد الكتب العلمية والمجتمع العلمي وهي مقاومة للعالم ذات بعد سيكولوجي هي التي تولد نظرية او ثورة علمية جديدة، وهي مقاومة ضد هذه السلطة، وقد اشار توماس كون الي البعد السياسي وتشبيه ما يحدث في النموذج الارشادي في العلم وما يحدث في الثورات السياسية، وما يدل اكثر علي البعد السيكولوجي الذي يعد عنصرا حاسماً في تفسير كون، ولكنه لم يصرح بذلك.
وخلاصة الامر هنا ان توماس كون لديه تحليل للسلطة بعيد ان يكون هذا التسائل حول السلطة في المعرفة وما دورها في النماذج الارشادية وفي تحليل العلم وفي تطور العلم وتاريخه، فالملاحظ أن توماس كون لديه عدم التحديد في التفسيرات، فمثلاً كينونة النماذج الارشادية لم يتم تحديد بشكل صارم، بجانب انه كانه يعتمد علي الجدل حول اكتشافات لافوازيية حول الاكسجين، ولكن يلاحظ أن هذه السلطة في المعرفة والتي سلط الضوء عليها توماس كون لديه بعد سيكولوجي أجتماعي وهي ممارسة سلطوية دائما لا تنقطع إلا في اثناء حدوث الثورة التي تمثل عنصر مقاومة وتفجير الكبت. وهناك تنوعيات لشقين لمبدأ السلطة لدي كون، فالشق الاجتماعي للسلطة، لديه جانب المجتمع العلمي، وممارساتها العلمية السلطوية، وايضا العوامل الخارجية والضعوط الاجتماعية، التي تساهم في تحديد النماذج الارشادية وأوقات الانهيارات في العلم القائم والتحولات التقنية. وأيضا البعد السيكولوجي له لديه تنويعات منها، البعد السيكولوحي المتعلق برؤية العالم للعالم والاحساس الجمالي لديه، والبعد النفسي الجشطتلي التعلق بالادراك الحسي للاكتشفا العلمي، الذي يعني قيام باكتشاف النظرية بدفعة نفسية عميقة لديه تجاه الاكتشاف.
ويأتي دور عنصر التاريخ في دراسة العلم لدي توماس كون أساسى لفهم هذه الممارسة السلطوية، فتوماس كون يعتبر دراسة التاريخ في الكتب العلمية لم يظهر التطور الحقيقي للعلم، وساعدت هذه النظرة المختلفة للتاريخ كون عن الوصول الي هذه الممارسة السلطوية، فالأمثلة التي ذكرها في العلم، توضح وجود صراعات محتدمة بين العلماء والمجتمع العلمي لأثبات نظرية ما أمام نظرية أخري جديدة لم تثبت أركانها بعد، وذلك في اكتشافات الكيمياء والفيزياء، فيكون تكون النظرية الجديدة ما هو إلا تطور تاريخي تجاوز الممارسة السلطوية للمجتمع العلمي من أجل التقدم، وهذا الأمر يتشابك مع اعتماد ميشال فوكو علي التاريخ، الذي نظر عليه علي أنه تكوينات من التشابكات والانقطاعات والتراكمات المتتالية، والذى أيضا لم يكتب تاريخ المعرفة والأشياء كما يجب أن يكون فتسائل عن تاريخ أنتاج القطن، وتاريخ الأوبئة، وأيضا أشار إلى الانقطاعات التى تحدث تحول في المفاهيم والأفكار، فكانت الرؤية التاريخية مساعدة لكلا من توماس كون وميشيل فوكو في فهم حركة الممارسة السلطوية في المعرفة والعلم، فتتبع الأحداث والاكتشافات والتنقلات والتطويرات والتغيرات في تاريخ العلم والمعرفة بشكل قد يكون اعطاء الظاهرة البسيطة او المهملة حقها في الظهور والتكلم، أو أن اشياء واحداث او ملاحظات او تمظهرات معينة لم يهتم بها احد من قبل في التاريخ التفت اليها كلا من ميشال فوكو وتوماس كون لفهمها وتوضيح مقدار الممارسة السلطوية التي تمارس لتطور العلم والمعرفة.
وهناك اتفاق اخري بين توماس كون وميشال فوكو حول منهاجية الوعي التاريخي، والاستعانة بتاريخ العلم او الافكار، فتوماس كون اتأثر بالفيلسوف أرثر لفجوي، الذي كان من مؤسسن علم تاريخ الأفكار الذي يعتمد على مفهوم الوحدات الفكرية كوحدات تحليلية قياسية. هذه الوحدات الفكرية تشكل لبنات البناء الأساسية لتاريخ الأفكار. فمن وجهة نظر لڤجوي، توجد هناك وحدات فكرية ثابتة في التاريخ، ورغم أن هذه الوحدات الفكرية غير متغيرة بذاتها، إلا أنها تنفصل وتلتحم عبر الزمن في سياقات وأنساق مختلفة لتعطي مفاهيم وظواهر تاريخية جديدة. فالتحول الذي يطرأ على الثقافات الانسانية من عهد إلى آخر هو في حقيقة الأمر تحول في أشكال العلاقات والارتباطات بين هذه الوحدات الفكرية الثابتة، وليس تغير في الوحدات ذاتها. وأيضا تأتي رؤية ميشال فوكو قريبة من ذلك فهو يستخدم مفاهيم الانفصال والاتصال والسلاسل والروابط والشبكات، في تحليله لتطور المعرفة والعلم، فيشير إلى أن مفهوم الانفصال أصبح يحتل مكانة كبيرة في المعرفة التاريخية، وأننا يجب أن نشجع طرح النقاش في تطور العلم والمعرفة حول إشكاليات السلاسل والمقاطع والحدود، والمراتب والفوارق، والخصوصيات الزمانية، والصور الفريدة للبقاء.
ويأتي حركية السلطة لدي ميشال فوكو في البنية اللغوية، التي تتكون من العبارات والتشكيلات الخطابية، فهذين الشقين تطورات لبنية اللغة في التفسير الفوكوني، وينظر فوكو في تطور العلم علي مصطلح الوضعيات في العلم الذي يعني القواعد التي بفضلها يمكن لممارسة خطابية ما أن تنشيء زمر موضوعات ومجموعة من العبارات وشبكة من المفاهيم وسلسلة من الاختبارات النظرية، وهي عناصر لا تشكل علما ذات بنية نظرية، وفوكو هنا يشير الي المراحل السلطوية في العلم التي تساهم في ظهوره او تطوره وتغيره دون أن تكون هذه الوضعيات علما، وهذه الوضيعات تحمل شبكات علاقات وخطابات وبناء لغوي، دائم للدفع بالعلم للعلاقات الاخري مع علوم اخري، او تطوره في اشكال خطية او متباعدة، ولكن يحدث تماثل لها وادراك وذلك للذات التي بتحث في الممارسة العلمية، حيث تأتي نقطة التأثير السلطوي علي المعرفة والعلم لدي فوكو، وهذا المبدأ السلطوي متعدد الابعاد، ولكن شقي اللغوي هو الاغلب والاهم لدي فوكو.
ويمكننا القول أن ميشال فوكو اقرب الي البهلوان الابستمولوجي في تفسير تطور العلم وتاريخ افكاره، فهو يريد الامساك بما هو لا يمكن الامساك به، التأثيرات السلطوية اللغوية التي تتركن في اعماق التطور العلمي والاشياء والتي يمكن ادراكها في أعماق الذات الباحثة في الممارسة العلمية، فدائما تفسيراته حول تطور العلم والمعرفة لا تخص العلم وشروطه الواضحة والمحددة، والتي تتسم بالانتظام والثبات، ولكن كل تفسيرات تنحصر في علاقة الذات بالأشياء في الممارسة العلمية، وذلك لتفكيك السلطة التي تمارس علي العلم والتي قد تأتي من الذات تجاه العلم، او من الممارسة اللغوية المجتمعية والعوامل المحيطة تجاه العلم، او من العلم نفسه تجاه الذات الباحثة، كل هذه الممارسات السلطوية المتبادلة تأتي في تفسيرات لغوية بحتة حول المفاهيم والعبارت والخطابات التي شكل هويات سلطوية لدفع العلم نحو التغيير.
واوجه النقد التي توجه لتوماس كون باللاعقلانية والنسبية والذاتية، وذلك لاعتماده علي تفسيرات متعلقة بالسيكولوجية والاجتماعية وعلي عناصر للتطور والثورة غير محددة تتعلق بالادراك الحسي ايضا، هي نفسها سمات فلسفة فوكو حول التطور العلمي، فمثلا ادراك عناصره في تطور العلم المتعلقة بمصطلح الوضعيات يتم ادراكها وتمثلها مع الذات، وهي عناصر لا يمكن تحديدها وليس قواعد، وفوكو بذلك يميل الي النسبية والذاتية، ولكن توماس ينكر ذلك .
ويهتم فوكو بالتكوين وكيفية وظهور العلم، والانتقال من المعرفة الي العلم، فهو بيفرق بينهم، وما يحدث هذه النقلة هو ممارسات خطابية التي تعني ميدان مكون من مختلف الموضوعات التي قد تحصل او لا تحصل علي صفة العلمية، فالوضعيات والانتقال من المعرفة الي مرحلة العلم والخطابات والانتقالات والانفصال لدي فوكو يقابلها النماذج الارشادية والثورة والقطيعة مع التراكم في العلم لدي توماس كون، لكن يلاحظ ان كلا التفسيرين لديهم مبدأ السلطة في تطور العلم، ففوكو يرتكن الي البعد والبناء اللغوي، وتوماس الي السيكولوجي والاجتماعي، وفوكو يركز علي التكوين والانتقال وتوماس علي الثورة، كلاهما ايضا في ذلك قد يشتركان في منطق التغيير والظهور والبزوغ والتحول لمسار العلم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية