الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آلان باديو : جدلية السوفسطائي و الفيلسوف في جمهورية أفلاطون

ابراهيم ماين
كاتب و طالب باحث

(Brahim Maine)

2023 / 8 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد أعاد الفيلسوف الفرنسي آلان باديو ترجمة كتاب الجمهورية بشكل يتوافق مع تبيئته و توطينه على أرض العالم المعاصر ، فقد أخل بتراتب المحاورات لكي يتلاءم ذلك مع هدفه من الترجمة ، و هو هدف لا يرتبط بموضوع المحاورة بقدر ما يرتبط بأسلوبها و طريقتها ، لذلك و على عكس الفلاسفة السابقين ، سيتوجه آلان باديو بالعناية الى الأسلوب الجدلي عند أفلاطون .
اعتبر آلان باديو أفلاطون أحد أعظم الفلاسفة في التاريخ ، ليس لأنه اكتشف الفلسفة ، بل لأنه أحدث تغيرا جذريا حينما حول الفلسفة الى أسلوب للنقاش و التحاور و الجدال ، و الأخذ بالفلسفة كأسلوب يعني التسلح بالأدوات حسب دولوز اللازمة من أجل القيام بعملية التفلسف ، إنها أدوات تحطم كل شيء ، إنها تذمر الأصنام و تخنق الدوغسا و تعصف بالمعتقدات و المسلمات و تساءل البديهيات و المقدسات ، فكان السلاح الذي أشهره أفلاطون في وجه الشائع و المتداول في الجمهورية هو معلمه سقراط ، الحكيم المتنور الذي لا يبرح حتى يحطم كل مسلمة ، لا ، بل إنه فقط يسلم فأس التحطيم لصاحب المسلمة و يتكفل هو بتحطيمها ، هذا ما يسمى بالحوار التوليدي ، فسقراط يسأل فقط ، و يحول أي جواب الى سؤال آخر ، فهذه الفلسفة ، و هذا هو السؤال الفلسفي كما حدده كارل ياسبيرز . إن المثير في الحوار الفلسفي ، أنه ينطلق من العدم ، من اللامعرفة ، من الجهل ، من التحنط و التكلس ، فهو ردة فعل على كل سفسطة تجافي الحقيقة . و الملاحظ في الجمهورية أن النقاشات الحامية لسقراط كانت مع السفسطائيين ، فإذا بحثنا في الكتاب الأول " العدالة " ، سنجد تصادما حادا بين ثراسيماخوس و سقراط ، فالأول بما هو سفسطائي يبرز رأيه و يفرضه بلغة يظهر فيها نوع من الإطلاق و البداهة ، حين قال : " العدالة إنما هي فائدة الأقوى ، حسنا ، فلما لا تشكرني ؟ " ، و اتهم سقراط باللغو و الهراء ، بيد أن الحكيم اليوناني ما انفك حتى أقنعه بزلل تسليمه فانسحب من الحوار . يربط آلان باديو جدلية السوفسطائي والفيلسوف هذه بسياقنا المعاصر ، فالأول يمتلك المعرفة في كل شيء ، إنه يحشر أنفه في كل القضايا ، فهو على حد تعبير آلان باديو " الفيلسوف الجديد " سارق الأنظار و جاذب الآذان بحكم ذلاقته اللغوية و تفننه في الخطابة و الإقناع و عذوبته في الكلام ، فهو الذي يتصدر وسائل الإعلام الجماهيرية اليوم ، بينما الثاني يتسمر في مكانه يفكر في مصيره و مصير زمانه ، إنه المقنع المتواري عن الأنظار ، الذي لا تهمه شهرة و لا يغريه مال و لا تغويه شهوة ، فهو ينزوي على نفسه يفكر فيما لا يفكر فيه العامة ، و يدأب دائما وراء المعرفة و الحقيقة ، و كلما اقترب منها إلا و ابتعدت عنه من جديد كالسراب الذي نلمحه في الطريق الطويل المرهق ، حينما نصل اليه يختفي ، إلا أن الفيلسوف يستمتع بالطريق ، طبقا لما قاله بارمنيدس : " الطريق الى الحقيقة أفضل من الوصول اليها " . و ما إن يظهر هذا الفيلسوف إلا و يتمثله الناس مجنونا مخبولا مهلوسا هائما ، إلا و يقذف بأشكال التشنيع و التعيير ، لا لشيء سوى أنه فكر و تساءل ، لا لشيء سوى أنه يبحث و يتجادل . إن عالمنا المعاصر قد بعث من جديد نموذج السوسفطائي ، لكنه و للأسف لم يعد إحياء الفيلسوف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -