الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكوفة وإهلها

رياض قاسم حسن العلي

2023 / 8 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يتصور البعض مع الأسف جهلاً منهم أن أهل الكوفة كانوا كلهم شيعة في عصر أمير المؤمنين وولديه الحسن والحسين ، بينما الحقيقة التي يجهلها الكثير من الباحثين والكّتاب الذي يعميهم التعصب عن البحث عن الحقيقة أن الكوفة كانت كغيرها من المدن الاسلامية الحديثة في مرحلة التكوين وهي عبارة عن مزيج من السكان الأصليين والقادمين من الجزيرة وهي معسكرات للجيوش ومحطة لتجميع المقاتلين والتي تحولت فيما بعد الى مدن مستقرة.
لا ننكر أن في الكوفة من يوالي أئمة أهل البيت ( ع ) وأن زرع بذور التشيع في الكوفة كان على يد عمار بن ياسر حينما ولاه عمر بن الخطاب على الكوفة كما نعتقد ، وإن الكوفة قد حضيت بأهتمام الخليفة الثاني وقد روي عنه قوله عنها هم رمح الله وكنز الايمان وجمجمة العرب، يحرسون ثغورهم ويمدون أهل الامصار ) "فتوح البلدان / ج 2 ص 354 " وهذا يؤكد ان الكوفة كانت في ذلك الوقت معسكر للجيوش وكان الخليفة الثاني حينما يخاطب أهل الكوفة يخاطبهم برأس الاسلام "نفس المصدر " وكان يقول أن في الكوفة وجوه الناس ، وروي في فضل مساجدها الكثير حيث يذكر القزويني (ولمسجدها فضائل كثيرة، منها ما روى حبة العرني قال: كنت جالساً عند علي فجاءه رجل وقال: هذا زادي وهذه راحلتي أريد زيارة بيت المقدس ! فقال له: كل زادك وبع راحلتك وعليك بهذا المسجد، يريد مسجد الكوفة، ففي زاويته فار التنور، وعند الأسطوانة الخامسة صلى إبراهيم، وفيه عصا موسى وشجرة اليقطين ومصلى نوح، عليه السلام. ووسطه على روضة من رياض الجنة، وفيه ثلاث أعين من الجنة، لو علم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبواً.بها مسجد السهلة؛ قال أبو حمزة الثمالي: قال لي جعفر بن محمد الصادق: يا أبا حمزة، أتعرف مسجد السهلة ؟ قلت: عندنا مسجد يسمى مسجد السهلة. قال: لم أرد سواه ! لو ان زيداً أتاه وصلى فيه واستجار فيه بربه من القتل لأجاره ! ان فيه موضع البيت الذي كان يخيط فيه ادريس، عليه السلام، ومنه رفع إلى السماء، ومنه خرج إبراهيم إلى العمالقة، وهو موضع مناخ الخضر، وما أتاه مغموم إلا فرج الله عنه ) "آثار البلاد وأخبار العباد / زكريا بن محمد بن محمود القزويني / مادة الكوفة ".
أما ماروي من ذم في أهل الكوفة فهو من اكبر الدلائل على ان أغلب أهل الكوفة في ذلك الوقت لا يدينون بالولاء الكامل لأهل البيت ، وأكاد اجزم أن أهل الكوفة كانوا لا يعرفون عن علي بن ابي طالب الا القليل حين قدم اليهم, حيث أن الامام علي أستأذن أهل الكوفة ليحط بين ظهرانيهم وأنهم رفضوا في بداية الامر وبعث أبنه الامام الحسن وعمار بن ياسر ليختبر ولائهم وليعرف لمن يدينون وذكر الطبري في تاريخه في الجزء الذي يتحدث فيه عن معركة الجمل وفي الفصل المعنون "ذكر الخبر عن مسير علي بن أبي طالب نحو البصرة "ما نصه (حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن عن بشير بن عاصم عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال كتب علي إلى أهل الكوفة بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني اخترتكم والنزول بين أظهركم لما أعرف من مودتكم وحبكم لله عز و جل ولرسوله صلى الله عليه و سلم فمن جاءني ونصرني فقد أجاب الحق وقضى الذي عليه . حدثني عمر قال حدثنا أبو الحسن قال حدثنا حبان بن موسى عن طلحة بن الأعلم وبشر بن عاصم عن ابن أبي ليلى عن أبيه قال بعث محمد بن أبي بكر إلى الكوفة ومحمد بن عون فجاء الناس إلى أبي موسى يستشيرونه في الخروج فقال أبو موسى أما سبيل الآخرة فأن تقيموا وأما سبيل الدنيا فأن تخرجوا وأنتم أعلم وبلغ المحمدين قول أبي موسى فبايناه وأغلظا له فقال أما والله إن بيعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما الذي أرسلكما إن أردنا أن نقاتل لا نقاتل حتى لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلا قتل حيث كان ).
فالذين تولوا الحكم في الكوفة كانوا في أغلبهم لا يميلون الى أهل البيت وكان الخلفاء يعمدون الى تعيين ولاة ليسوا بذي ولاء لأهل البيت الهاشمي الا في حالة عمار بن ياسر وهي حالة فريدة لم تتكرر مرة أخرى ، بل أن اهل الكوفة شكوا عماراً الى عمر بن الخطاب فعفاه من ولاية الكوفة " أنظر تاريخ الطبري / ج 3 ص 227 – طبعة الاعلمي " حيث أن أصحاب أمير المؤمنين قد ابعدوا عن الحكم بشكل عام . هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى فان أكثر الباحثين يعتقدون خطئاً أن الكوفة هي تلك المدينة الصغيرة التي فيها خطط القبائل المقاتلة في حين أن الكوفة هي دلالة على أقليم كبير يشمل بغداد قبل أن تكون عاصمة الخلافة والانبار والحلة والفرات الاوسط وكربلاء وعاصمة هذا الاقليم هي الكوفة فكان يطلق على الاقليم أسم عاصمته كما هو الحال مع دول وأقاليم كثيرة ( الكويت – قطر – تونس – الجزائر-) ومن محافظات العراق مثلاً ( البصرة – النجف – بغداد ) بل أن المصريين الى اليوم يسمون القاهرة بأسم ( مصر ) .وعند مراجعة كتب البلدان والفتوحات نجد أن العرب الذين قدموا من الصحراء أستوطنوا تلك المدن والقرى بشكل واسع حيث جاء في كتاب البلدان لليعقوبي في معرض كلامه عن خطط الكوفة (كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص لما افتتح العراق يأمره أن ينزل بالكوفة، ويأمر الناس أن يختطوها، فاختطت كل قبيلة مع رئيسها، فأقطع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فكانت عبس إلى جانب المسجد، ثم تحول قوم منهم إلى أقصى الكوفة؛ واختط سلمان بن ربيعة الباهلي والمسيب بن نجبة الفزاري وناس من قيس حيال دار ابن مسعود؛ واختط عبد الله بن مسعود وطلحة بن عبيد الله وعمرو بن حريث الدور حول المسجد؛ وأقطع عمر جبير بن مطعم فبنى داراً، ثم باعها من موسى بن طلحة؛ وأقطع سعد بن قيس عند دار سلمان بن ربيعة بينهما الطريق؛ واستقطع سعد بن أبي وقاص لنفسه الدار التي تعرف بدار عمر بن سعد؛ وأقطع خالد ابن عرفطة وخباب بن الأرت وعمرو بن الحارث بن أبي ضرار وعمارة ابن روبية التميمي؛ وأقطع أبا مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري؛ وأقطع بني شمخ ابن فزارة مما يلي جهينة؛ وأقطع هاشم بن عتبة بن أبي وقاص شهار سوج خنيس؛ وأقطع شريح بن الحارث الطائي؛ وأقطع عمر أسامة بن زيد داراً ما بين المسجد إلى دار عمرو بن الحارث بن أبي ضرار؛ وأقطع أبا موسى الأشعري نصف الآري وكان فضاء عند المسجد؛ وأقطع حذيفة بن اليمان مع جماعة من عبس نصف الآري وهو فضاء كانت فيه خيل المسلمين؛ وأقطع عمرو بن ميمون الأودي الرحبة التي تعرف بعلي بن أبي طالب عم وأقطع أبا جبيرة الأنصاري وكان على ديوان الجند؛ وأقطع عدي بن حاتم وسائر طيء ناحية جبانة بشر؛ وأقطع الزبير بن العوام؛ وأقطع جرير بن عبد الله البجلي وسائر بجيلة قطيعة واسعة كبيرة؛ وأقطع الأشعث بن قيس الكندي وكندة من ناحية جهينة إلى بني أود، وجاء قوم من الأزد فوجدوا فرجة فيما بين بجيلة وكندة فنزلوا وتفرقت همدان بالكوفة، وجاءت تميم وبكر وأسد فنزلوا الأطراف. وأقطع أبا عبد الله الجدلي في بجيلة، فقال جرير بن عبد الله: لم نزل هذا فينا وليس منا. فقال له عمر: انتقل إلى ما هو خير لك. فانتقل إلى البصرة وانتقلت عامة أحمس عن جرير بن عبد الله إلى الجبانة. وقد تغيرت الخطط وصارت تعرف بقوم اشتروا بعد ذلك وبنوا، وكان لكل قبيلة جبانة تعرق بهم وبرؤسائهم منها: جبانة عرزم، وجبانة بشر، وجبانة أزد، وجبانة سالم، وجبانة مراد، وجبانة كندة، وجبانة الصائديين، وصحراء أثير، وصحراء بني يشكر، وصحراء بني عامر. وكتب عمر ابن الخطاب إلى سعد أن يجعل سكك الكوفة خمسين ذراعاً بالسوداء، وجعلت السوق من القصر والمسجد إلى دار الوليد إلى القلائين إلى دور ثقيف وأشجع، وعليها ظلال بواري إلى أيام خالد بن عبد الله القسري، فإنه بنى الأسواق، وجعل لأهل كل بياعة داراً وطاقاً، وجعل غلالها للجند، وكان ينزلها عشرة آلاف مقاتل ) .
وأعتقد أن الاغلبية في الكوفة في زمن الامام علي حتى تاريخ مقتل الحسين لم تكن للشيعة بل كانت الاتجاهات السياسية لبعض لأهل الكوفة تميل الى الزبيريين وبعضهم كان من اتباع الخوارج وفكرهم الذي لا يعترف بتولي علي أو أحد من أولاده الخلافة وبعضهم كان يميل الى البيت الهاشمي دون تحديد أسم بعينه وبعضهم يميل الى معاوية بن ابي سفيان وأن كانوا قلة قليلة جداً " أنظر تاريخ الطبري ج 2 ص 584 / طبعة الاعلمي – بيروت" بينما أغلبية أهل الكوفة الغالبة ليسوا ذوي اعتقاد ثابت وكانوا يميلون الى أتجاهات مختلفة حسب الدوافع القبلية والاهواء الشخصية ، وحينما نقرأ في كتب التاريخ ذم الامام علي أو الحسن أو الحسين أهل الكوفة فهم لا يقصدون شيعتهم والموالين اليهم بالطبع بل يقصدون تلك الاغلبية التي تتخبط بأراءها ولا تستقر على رأي ثابت ، ولم يكن الشيعة يجدون في الكوفة مستقراً لهم كما يتصور البعض حتى أنهم لم ينشأوا فيها مدرسة دينية ذات شأن الا في وقت متأخر ولم تكن تلك المدرسة في الكوفة المدينة المعروفة بل كانت في محيط قبر أمير المؤمنين في النجف حينما نزح اليها الطوسي هرباً من طغربل بك الذي غزا بغداد . أما الائمة فلم يسكن منهم الكوفة بأستثناء أمير المؤمنين لأغراض عسكرية وأبنه الامام الحسن لأسباب سياسية ولم يلبث أن رجع الى المدينة بعد صلحه مع معاوية ، وكان الامام علي يعتقد أن أهل الكوفة يحبونه لقرابته من الرسول ولكون عمار وهو من أشد أنصاره قد كان يوما ما والياً عليهم وشيء طبيعي أنه حدثهم عنه حيث قال كما جاء في تاريخ الطبري (إن أهل الكوفة أشد إلي حبا وفيهم رؤس العرب وأعلامهم ) واهل الكوفة هنا ليس هذا المعسكر المحدود بل عموم القرى المجاورة والتي تسمى السواد بالعرف العربي والتي عوقبت على هذا الحب من قبل ولاة العراق فيما بعد، وثمة نقطة مهمة وهي أن الامام علي لم يختاره أهل الكوفة للخلافة وأنما أختاره أهل المدينة ، بل ان فقه الشيعة اخذ ينموا في المدينة أكثر منه في الكوفة التي أخذت تتجه في الفقه الى الرأي والقياس ومنها ظهر أبو حنيفة وسفيان الثوري ، وحتى أن موضوع الرسائل التي كتبها اهل الكوفة الى الامام الحسين أنما كتبوها لأنهم رغبوا بالتغيير وليسوا لأنهم كانوا شيعة ألامام علي وأولاده فالحسين كان في وقتها داعية تغيير ومطالباً بأعادة الاسلام الى حقيقته التي بدلها بنو أمية وليس زعيم شيعي يطلب من أتباعه أن يناصروه كما هو الحال مع الزعماء المعاصرين ، والتهمة التي يلصقها البعض بالشيعة كونهم غدروا بأمير المؤمنين وأولاده أنما هي تهمة فارغة لأن أهل الكوفة في وقتها كما قلنا ليسوا بشيعة وأنما حالهم حال بقية أهل المدن ، في حين أن الشيعة مبثوثين في المدن والقبائل القريبة من المدينة الذين هم على تماس وتقارب بأهل المدينة وسيرة الامام علي .وسبب تعدد مذاهب أهل العراق ( البصرة – الكوفة ) هو تفوقهم الحضاري وعلو مكانتهم الثقافية وأن التشتت الذهني والتشرذم جاءهم من القبائل التي غزتهم من الجزيرة العربية التي ما كانت تستقر على رأي واحد ، ونلاحظ أن أغلب الذين قادوا الحراك الثقافي والحضاري وأناروا الطريق هم من سكان العراق الاصليين أحفاد السومريين والبابليين والاشوريين والاكديين والاراميين والسريان والكلدان في حين العرب الغزاة أنشغلوا بالحروب والفتن .
اعترف أن الموضوع يحتاج الى المزيد من البحث والتدقيق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه