الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آتى اليوم الموعود للأمم (7)

راندا شوقى الحمامصى

2023 / 8 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


استمرار الظهور الإلهي
وإن الدّين الذي يرتبط باسم بهاءالله يتبرّأ من كل نيّة يراد بها النّيل من مقام المظاهر الإلهية الذين سبقوه أو الاستخفاف بأي تعليم من تعاليمهم أو إظلام نور ظهورهم ولو إظلاماً طفيفاً أو الحلول محلهم في قلوب أتباعهم أو نسخ أساسيات أديانهم أو إطراح أي كتاب من كتبهم المنزلة أو القيام على كبت شوق أتباعهم الحق إليهم. غير أن بهاءالله يُنكر على أي دين من الأديان أن يدّعي لنفسه مقام الظهور الأخير الذي يتجلى به الله على الإنسان ويستنكر انتهاء تجلّيه، فقام يلقن مبدأ نسبية الحقيقة الدينية واستمرار الظهور الإلهي وتقدّم الحقيقة الدينية وهدفه هو أن يقوّي الأساس الذي تقوم عليه كل الأديان المنزلة ويفضّ أسرار كتبها المقدسة وهو يدعو بقوة إلى الإيمان بوحدة غايتها إيماناً لا قيد فيه ولا شرط ويقدر من جديد تلك الحقائق الخالدة التي تكتنزها وينسّق وظائفها ويفصل بين الجوهري الوثيق من تعاليمهم وبين الفرعي والمكذوب ويميّز الحقائق الإلهية من الخرافات التي نسجها رجال الدين؛ وعلى هذا الأساس يعلن بهاءالله احتمال توحيدها وتحقيق أسمى أمانيها بل إنه يتنبّأ بأن هذا التوحيد والتحقيق أمر محتوم لا مفر منه.

أما أتباع محمد رسول الله فلا ينبغي لأتباعه الذين يتفق لهم أن يقرءوا هذه الصحائف أن يذهب بهم الظنّ لحظة واحدة إلى أن الدين البهائي قد حطّ من قدر إسلامهم أو نبيّه أو كتابه أو خلفائه المختارين أو أي تعليم من تعاليمه المعتمدة بأية حال من الأحوال حطّاً ولو طفيفاً ومما يبين المسلك الحقيقي الذي يسلكه الدين البهائي نحو دينه الوالد تبييناً لا يعتريه الغموض والإبهام. فهذا نسب الباب الذي ينتهي إلى الإمام الحسين وهذه الشواهد المختلفة المدهشة التي يرويها النبيل في تاريخه وهذا مسلك المبشر لديننا نحو مؤسس الإسلام وأئمة الإسلام وكتاب الإسلام وهذه المدائح العاطرة التي أثنى بها حضرة بهاءالله في كتاب الإيقان على محمد وخلفائه الشرعيين ولا سيما الإمام الحسين "الفريد الوحيد" وهذه البيانات التي تابع إلقاءها حضرة عبدالبهاء بصورة ملزمة جريئة علنية في البِيَع والصّوامع ليدلل بها على صحة رسالة النبي العربي وأخيراً وليس آخراً الشهادة الكتابية التي سجّلتها ملكة رومانيا -تلك التي ولدت على المذهب الإنجليكاني رغم ارتباط حكومتها بالكنيسة الأرثوذكسية اليونانية دين دولتها الرسمي؛ سجّلتها بعد أن تصفحت بيانات عبدالبهاء هذه فوجدت نفسها ملزمة بأن تعترف بنبوءة محمد.

وإليك شهادتها؛ كتبت تقول: "الله هو الكل، هو كل شيء، هو القوة الكامنة وراء كل الأوليات والبدايات... إنه هو الصوت الكامن فينا يميّز لنا الخبيث من الطيّب. غير أننا كثيراً ما نتغاضى عن هذا الصّوت أو نخطئ فهمه. لهذا يختار مصطفاه ليهبط بيننا على هذه الأرض يوضح كلمته ويفسر مراده الحقيقي. لهذا كان الأنبياء ولهذا كان المسيح وكان محمد وكان بهاءالله لأن الناس يحتاجون بين حين وآخر إلى صوت الله على الأرض يذكّرهم بالله ويساعدهم على إحقاق الحق. ولم يكن هناك بدّ لهذه الأصوات من أن تكتسي لحماً حتى نستطيع أن نستمع إليهم بآذاننا الفانية ونفهم عنهم."

والآن يمكننا أن نسأل سؤالاً منطقيّاً: أي برهان أعظم من هذا يطلب العلماء في إيران أو تركيا ليقوم دليلاً على اعتراف أتباع بهاءالله بالمنزلة السامية الرفيعة التي يتبوّأها محمد رسول الله جميعاً؟ أيتوقع منّا هؤلاء العلماء خدمة أجلّ من هذه نقدّمها لقضية الإسلام؟ أيمكنهم أن يطلبوا شاهداً على جدارتنا أكبر من أننا نشكل جذوة الإيمان المخلص الحار بالحقيقة التي نطق بها رسول الله في أماكن أبعد من متناول أيديهم ونحصل من قلم ذات التاج على مثل هذا الإقرار العلني التاريخي حقاً بالإيمان برسالته الإلهية؟

أما عن منزلة المسيحية فلنقرر دون أيّ تردد أو إبهام أننا نعترف اعترافاً لا قيد له ولا شرط بأصلها الإلهي وإننا نؤكد بلا خوف ولا وجل نبوة عيسى المسيح والهيته وإننا نؤمن بنزول الإنجيل من السماء إيماناً كاملاً، وإننا نقرّ بطهارة مريم العذراء وإننا نعتقد بأولوية بطرس رئيس الحواريين وندافع عنها. هذا ويصف بهاءالله مؤسس الدين المسيحي بأنه "روح الله" وأنه "من ظهر من نفحة روح القدس" بل ويمجّده بأنه "جوهر الروح" ووصف والدته بأنها "الطلعة الباقية المستورة" وأثنى على مقام ولدها بأنه: "مقام مقدس عن ظنون من على الأرض" على حين يعترف بأن بطرس هو "من أجرى الله على لسانه أسرار الحكمة والبيان" ولقد شهد بهاءالله زيادة على ذلك فقال: "ثم اعلم بأن الابن إذ أسلم الروح قد بكت الأشياء كلها بإنفاقه روحه قد استعد كل شيء كما تشهد وترى في الخلائق أجمعين. كل حكيم ظهرت منه الحكمة وكل عالم فصّلت منه العلوم، وكل صانع ظهرت منه الصنائع وكلّ سلطان ظهرت منه القدرة كلها من تأييد روحه المتعالي المتصرف المنير. ونشهد بأنه حين إذ أتى في العالم تجلى على الممكنات وبه طهر كل أبرص عن داء الجهل والعمى وبرئ كل سقيم عن سقم الغفلة والهوى وفتحت عين كل عمٍ وتزكّت كل نفس من لدن مقتدر قدير... إنه لمطهر العالم طوبى لمن أقبل إليه بوجه منير."

والواقع أن الشروط الأساسية لقبول اليهود والزردشتيين والهندوكيين والبوذيين وأتباع الديانات القديمة الأخرى وكذلك المشركين والملاحدة في عداد أتباع الدين البهائي هي إيمانهم القلبي الخالص المطلق بنبوّة محمد والسيد المسيح وشرعية نظام الإمامة وأولوية القديس بطرس رئيس الحواريين؛ تلك هي المبادئ المركزية الثابتة المحكمة التي تكون أساس العقيدة البهائية والتي يفتخر دين بهاءالله باعتناقها ومبلغوه بإعلانها وحماته بالدفاع عنها وكتبه بإذاعتها ومدارسه الصيفية بتفصيلها وجمهور أتباعه بإثباتها قولاً وفعلاً.

كما أنه لا ينبغي لأحد أن يذهب به الظن لحظة واحدة إلى أن أتباع بهاءالله يحاولون أن يهينوا أو يحطّوا من قدر أقطاب العالم الدينيين سواء منهم المسيحي أو المسلم أو غير ذلك طالما كان سلوكهم مطابقاً لمعتقداتهم وطالما كانوا جديرين بالمنزلة التي يحتلّونها: "هؤلاء العلماء ... الذين هم في الحقيقة مزيّنون بطراز العلم والأخلاق هم بمثابة الرأس لهيكل العالم ومثل البصر للأمم وما زالت هداية العباد موكولة لهؤلاء الأشخاص المقدسين." وقال مرة أخرى: "العالم العامل والحكيم العادل بمثابة الروح لجسد العالم. طوبى لعالم زيّن رأسه بتاج العدل وهيكله بطراز الإنصاف." وقال أخرى: "العالم الذي تناول وشرب من الرحيق المختوم باسم مولاه القيوم هو بمثابة العين للعالم طوبى لمن أطاعه وذكره." وكتب في موضع آخر: "طوبى لعالم ما جعل العلم حجاباً بينه وبين المعلوم؛ وإذ أتى القيوم أقبل إليه بوجه منير. إنه من العلماء يستبرك بأنفاسه أهل الفردوس ويستضيء بنبراسه من في السموات والأرضين. إنه من ورثة الأنبياء. من رآه قد رأى الحق. من أقبل إليه أقبلَ إلى الله العزيز الحكيم." وقال مرة أخرى: "احترموا العلماء بينكم الذين يفعلون ما علموا ويتّبعون حدود الله ويحكمون بما حكم الله في الكتاب فاعلموا بأنهم سرج الهداية بين السموات والأرضين. إن الذين لن تجدوا للعلماء بينهم من شأن ولا من قدر أولئك غيروا نعمة الله عل أنفسهم."

أيها الأحباء الأعزة !

حاولت في الصحائف السالفة أن أعرض على الأنظار تلك الشدائد العالمية التي أطبقت ببراثنها على الإنسانية كقضاء إلهي حكم به الله أولا وقبل كل شيء على أمم الأرض الذين أبوا أن يؤمنوا بمن وعدتهم أديانهم جميعا بمجيئه أو يعترفوا بالذي يستطيعون - (بل والذي لا بد لهم آخر الأمر) أن يلتمسوا في حظيرة دينه خلاصهم الحق. ولقد أوردت بعض فقرات من كتابات بهاءالله والباب تكشف عن طبيعة تلك الملحمة الإلهية وتتنبأ بوقوعها. وعددت المحن المروعة التي مني بها الدين ومبشره ومؤسسه ومثله الأعلى ونضحت غالبية الجنس البشري وزعمائه الشنيع عن الإحتجاج على هذه المحن. وبينت زيادة على ذلك أن المسؤولية المباشرة المخيفة المحتومة تستقر على كواهل ملوك الأرض وأقطاب رجال الدين الذين قبضوا بأيديهم في أيام الباب وبهاءالله على أزمة السلطان السياسي والديني المطلق. حاولت أن أبين كيف أن كلاً من الملوك ورجال الدين تلقوا -وما زالوا يتلقون العقاب الصارم الذي استوجبته آثامهم من الإغفال أو الإحالة، وذلك نتيجة لعداء بعضهم للدين عداءً مباشراً فعالاً ولإغفال بعضهم الآخر لواجبهم الصريح من تحرّي حقيقته ومطالبه وإثبات براءته والانتصاف له مما حل به من إهانات. ونظراً للمسؤولية المهمة التي جلبوها على أنفسهم نتيجة لسيادتهم المطلقة على شعوبهم وأتباعهم أسهبت في سرد الرسالات والمناشدات والإنذارات التي وجهها إليهم مؤسس ديننا وأمعنت في النظر في النتائج التي ترتبت على هذه البيانات التاريخية الجبارة.

ولا ينبغي لنا إذا نحن أحسنّا تقدير هذه الكارثة الإنتقامية التي يجب أن يسأل عنها أقطاب العالم الدنيويون والدينيون على السواء أولاً وقبل كل أحد كما يشهد بهاءالله - أن نعدّها عقاباً أنزله الله على عالم ظل مائة سنة يمتنع في إصرار عن الإعتقاد بصحة الرسالة المنقذة التي قدّمها له اليوم أسمى رسل الله فحسب، بل ينبغي لنا أن ننظر لها أيضاً باعتبارها -إلى حد ما- عقاباً إلهياً للجنس البشري عامة على ضلاله بانحرافه عن تلك المبادئ الأولية التي يجب أن تضبط حياته وتقدّمه في كل حين. والتي تستطيع وحدها أن تحميها. فمما يؤسف له أن الإنسانية تفضّل بإصرار متزايد أن تعبد تلك الأصنام الكاذبة وتقدّس الأكاذيب التي ما زالت تظلم أديانها وتفسد حياتها الروحية وتلقي الفوضى في هيئاتها السياسية وتنخر في نسيجها الإجتماعي وتمزّق كيانها الإقتصادي على أن تؤمن بروح الله وتمجدّها كما تتجسد اليوم في دينه.

إن أمم الأرض لم تتجاهل - بل ولم تهاجم ديناً هو جوهر الأديان جميعاً وموعودها ومنسقها وموحدّها في آن معاً فحسب، بل أنها انحرفت بعيداً عن أديانها ونصبت على هياكلها المهجورة آلهة أخرى ليست غريبة عن روح دياناتها العريقة كل الغرابة فحسب، بل غريبة على ظاهرها التقليدي أيضاً.

لهذا يتحسّر حضرة بهاءالله فيقول: "قد تغيّر وجه العالم. ولم يعد لصراط الله ولا لدين الله في نظر الناس قيمة." ويكتب مرة أخرى فيقول: "إن روح الإيمان بالله تزول في كل بلد... واللادينية تنخر في مقاتل الجنس البشري." ويؤكد "إن هذا (أي الدين) هو السبب الأعظم لنظم العالم واطمئنان من في الإمكان ... فالحط من قدر الدين العالي يزيد من غفلة الأشرار. حتى يفضي الأمر إلى الهرج والمرج". ويقول مرة أخرى: "الدين نور مبين وحصن متين لحفظ أهل العالم واطمئنانهم". ويقول في موضع آخر: "كما أن هيكل الإنسان يحتاج إلى لباس يكتسيه كذلك يجب أن يحتاج جسد البشرية إلى أن يتزين بطراز العدل والحكمة ولباسه هو إظهار الله نفسه له."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا