الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرموز: قوّتها، ودلائلها

إبراهيم جركس

2023 / 8 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الرمزية موضوعٌ زَلِقَ. قد يكون لأيّ رمزٍ من الرموز مئات التفسيرات، وذلك وفقاً للمعتقدات المختلفة للأشخاص الذين يفسّرونه. يمكن لأيّ رمزٍ أساسي ومنتشر عالمياً _مثل المثلث، والدائرة، أو الصليب، أو المربع، أو النّجم_ أن يمثّل العديد من الأشياء المختلفة، وفي أوقات أو أماكن مختلفة. تطوّرت الرموز المرتبطة الآن بالعقيدة الأرثوذكسية في البداية من خلفيات مختلفة جداً منذ عصر ما قبل البطريركية، كرمز الهلال الإسلامي الذي يشير بقوّة إلى الذكورة، والذي نشأ من عبادة الأم القمر الموجهة نحو الأنوثة عند العرب القدماء.

ومن الأمثلة على التفسير الشائع على التفسير الشعبي المنحَطّ. فأثناء أو بعد الحرب العالمية الثانية، كان يُنظَر إلى الصّليب المعقوف على أنّه رمزٌ للشّموليّة والقسوة. إلا أنّه كان في السابق شعاراً شرقياً قديماً للسلام والإبداع، يتعلّق بعجلة الشمس، مع معاني أخرى مثل "فليَكن"، أو "آمين". في العصر الحجري القديم قبل 12 ألف عام، كان رمزاً مقدّساً حتى، والذي يمثّل ولادة جديدة[صورة 1].

بعض الرموز تحمل صوراً للنموذج البدئي في أعماق العقل البشري. وتحصل على استجابة الإنسان بشكل مصطنع من الثقافة، لكنّها ذاتية وشخصيّة جداً أيضاً. فكّروا في الطريقة التي نتفاعل بها مع الرموز الاعتباطية البحثة في اللغة المكتوبة. لا علاقة لعلامات الحروف بالصّوت الذي يجب أن تمثّله. ومع ذلك، عندما نقرأ، تسمع أدمغتنا هذه الأصوات داخل رؤوسنا فوراً وبدقة. علاوة على ذلك، لا علاقة لهذه الأصوات بالأفكار التي يجب أن تعبّر عنها. ومع ذلك، إنّنا نفهم الأفكار أيضاً، وعلى الفور. من الرسائل المطبوعة، إلى الكلمات المكتوبة، إلى الأفكار... إنّها رحلة معقّدة للغاية يمكننا القيام بها آلاف المرّات في الدقيقة ونحن نقرأ صفحة من كتاب. وبمجرّد أن نتعلّم القراءة، يمكنن تحديد الرموز الأبجدية بهذا السرعة والسهولة بحيث يمكننا استخدام القراءة كشكلٍ من أشكال الاسترخاء. إذ ترتاح أذهاننا من خلال المرور بهذه العملية المعقّدة لفرز أنظمة الرّموز وتذكّرها وتحديدها وربطها مع بعضها البعض.

يستجيب البشر للرموز بسرعة وبقوّة لدرجة أنّه ليس من المستغرب العثور على الرموز المؤلّهة في كل ثقافة إنسانية [صورة2]. يبدو أنّ البشر يميلون إلى الشعور بالرّهبة من أعمالهم، وخاصّة عندما يكون العمل ذو أهمية جمالية، مثل التناظر المنتظم. كما يقدّس البشر أيضاً الأشياء الخارجية التي تضرب خيالهم إمّا لأسباب جمالية أو ترابطية. كل ما يُنظَر إليه كشيء مميّز إلى حدٍ ما في تجربة المرء يمكن أن يصبح موضوعاً للعبادة. وهكذا نجد التقاليد البشرية مليئة بالأشجار المقدّسة، والجبال المقدّسة، والأنهار، والحيوانات وغيرها من عناصر الطبيعة، وكذلك جميع أنواع الانتماء الفردي أو الجماعي. كما يركّز التأليه على الأشياء مثل آلية التغذية الراجعة التي تنشأ من التركيز الأولي للانتباه الذي يولّد الخشوع في المقام الأول.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول أنّ الرموز الرسوميّة تمثّل مرحلة ما-قبل اللغة. يفكّر الأطفال بالصّور قبل أن يتعلّموا التّفكير بالكلمات. هذه اللغة السابقة هي الأكثر أهميةً بين جميع اللغات، حيث تستمر طوال الحياة كلغة للأحلام والإدراك اللاواعي. يمكن أن يشعر الطفل أنّ حياته تعتمد على التّواصل مع الأم أو مقدّمي الرعاية الآخرين. وبدون القدرة على إدراك الصور وعرضها والاستجابة لها، يفتقر البشر إلى جوهر الإنسانية.

نظراً لأنّ الوظيفة الرئيسيّة للعقل هي ربط الأفكار، فإنّ البشر يفكّرون بشكل طبيعي في العديد من الأشياء بغضّ النّظر إلى روابطهم الخارجية _أو عدم وجودها_ في العالم الخارجي. في كثير من الأحيان، يمكن أنّ يربط أكثر أشكال التشابه ابتذالاً صورة بنموذج حقيقي. يمكن رؤية العصا ببساطة كشخصيّة رجل. ويمكن أن يكون حرف M بالإنكليزية على شكل جبلين أو ثديين نافرين من أمّنا الأرض، ويمكن أن تكون مجموعة رسوم بسيطة على جدار كهف رسالة من الماضي [صورة 3]. يمكن أن تكون الدائرة العادية هي القمر والشمس [صورة4]، أو العجلة، أو الوقت، أو الكون، أو مبدأ الكمال الكوني. كلما كان الرّمز أبسط، زادت المعاني التي يمكن أن تتراكم أثناء التفكير فيها ومناقشتها عبر الأجيال.

لا تزال هناك بعض الأبراج ذات الصلة بالمعاني التي تصرّ على نفس الرمز مراراً وتكراراً، لذلك من الممكن القول أنّ الرمز يمثّل هذا أو ذاك بدرجة معيّنة من الاتساق على الأقل. وفي بعض الأحيان، قد يتمّ استرداد التغييرات التاريخية في التفسير، حتّى نتمكّن من معرفة كل من المعنى القديم والمعنى الأحدث للرمز _الأمر الذي قد يبدو أنّه لا يخلو من تناقص، وبخاصّة في حالة الرموز الدينيّة.

ومن الأمثلة النموذجيّة على ذلك هو "الحَمام"، الذي تعتبره المسيحية رمزاً للسلام والنقاء والإبداع [صورة 5]، أو رمزاً للروح القدس [صورة 6]. كطوطم مقدّس للهندوسية القديمة بارافاتا والأم أفروديت [صورة 7]، كان الحمام يمثّل في إحدى المرّات الرغبة الجنسيّة للمرأة، والتي كانت تعتب ذات يومٍ شرطاً مسبقاً لجميع الأعمال الإبداعية. وعندما أجبر ظهور النّظام الأبوي النساء على إنكار ممارسة الجنس، أصبحت رموزهنّ إمّا شيطانية أو غير جنسانية، وأعطت معنىً جديداً _وأحياناً كلاهما. إنّ الدّافع الرمزي غير عقلاني للغاية غير منطقي ولكنّه عنيد، ومثالٌ على هذا الأخير هو الثعبان الذي يمثّل الشيطان في التقاليد المسيحية [صورة 8]، لكنّه لا يزال يحتفظ بسحر الشفاء الوثني القديم [صورة 9]، كرمز العصا الذي تلتفّ حوله أفعى ولا يزال يستخدم حتى يومنا هذا كرمزٍ للطّبّ. حتّى أنّ مختلف الطوائف الغنوصيّة في العصور الوسطى مثّلت المسيح في شكل ثعبان [صورة 10].

بالكاد نتعجّب من أنّ العديد من الرموز مرتبطة بالجنس، لأنّه موضوعٌ ملِحٌ وقويّ، سواء كان إيجابياً أو سلبياً. وهناك رموز شائعة أخرى تعبّر بوضوح عن شواغل إنسانية قديمة العهد، كالصحّة أو الثّروة أو الخصوبة أو القوّة أو الرقابة البيئية، أو الحفاظ على الغذاء ووفرته. في نهاية المطاف، تتلخّص الرمزية في الاحتياجات والرّغبات البشرية، تماماً تنشأ صناعة اللغة نفسها من حاجة كل طفل إلى إقامة اتصال شخصي من أجل سعادته ورفاهيته.

هذا هو السحر الحقيقي للرموز. فمهما كانت ارتباطاتهم تعسّفية، فإنّها دائماً تبدو ذات مغزى. كلّما طال أمد التأمّل في ايّ رمزٍ معيّن، كلّما أصبح منطقياً أكثر _لأنّ عملية التأمّل تضفي تفسيرات إضافية للرمز.
يمكن دراسة الرموز من منظور فردي أو جماعي. عندما يتعلّم المرء معنى هذا الرمز ودلالته في الماضي، فإنّه يشغّل مخيّلته في الوقت الحالي. وبالتالي، تقدّم الرّمزيّة تجربة تعليمية إبداعية تكاد تكون معقّدة مثل تعلّم لغة جديدة.

من المهم جداً تعلّم المزيد من لغة الرموز، لأنّ العديد من الرموز الدينية الشائعة اليوم قد سُرِقَت من النّظم القديمة التي تمحورت حول المرأة وعبادة الأنوثة، ثمّ أعيد تفسيرها في سياق النّظام الأبوي. وبينما تكافح المرأة طوال قرون من الاضطهاد الأبوي، تجد أنّه من الضروري أن تستعيد رموزها. فعلى سبيل المثال يمكن القول أنّ المثلث قد يمثّل "الفرج البدئي" للسيدة العذراء والأم والمرأة العجوز[صورة 11-12]، وهل يتطابق إلى حَدٍ كبير ما هو موجود في النظام الأبوي: الأب، والابن، والروح القدس. لكنّ التفسير السابقة له الأسبقية الزمنية، وهو صاحب الأصالة.

على الرغم من أنّ الرمز هو كل ما يهتمّ المرء بصنعه، صحيح أيضاً أنّ رمزية الحضارة الغربية قد مضت في اتجاهات تجاهلت فيها أو قلّلت من شأن المبدأ الأنثوي. ومن الأمثلة على ذلك أنّ المرأة شُجّعت على عبادة الصليب، والذي كان معروفاً بأنّه رمزاً قضيبياً طوال مسيرة وجوده التاريخي. هناك العشرات من الرموز الأنثوية ذات التاريخ المُغرِق في القِدَم، سرقها النظام الأبوي البطريركي وتمثّلها حتى نسينا معناها الحقيقي ولم نعد نعرف الجانب الأنثوي فيها.

للاستزادة أكثر يُنصح بمشاهدة الصور ولتعليقات التوضيحية لكل منها

تحقيق وجمع #نيتشه_البسندلي

للاطلاع على نسخة مصوّرة مع تعليق على الصور ينصح زيارة صفحة:
https://shorturl.at/bdfrv








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى