الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانسان.. ذلك الحيوان النرجسي، والتافه..

محمد اسماعيل السراي

2023 / 8 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ما الذي يميزنا عن بقية انواع الحيوانات الاخرى في المملكة، او ما الذي يجعلنا نصنف انفسنا كنوع مختلف عنها..؟ في الحقيقة لا شيء ذو أهمية كبيرة يميزنا عنها.. فنحن نشبهها حد التطابق، بل نحن جزء لا يتجزأ من هذه المملكة الحيوانية. الشي الوحيد الذي يميزنا اليوم، كجنس، هو الثقافة فقط. بايولوجيا، وربما حتى سيكولوجيا واجتماعيا، فان الشبه بيننا وبينهم كبير جدا.. على طوال التاريخ البايلوجي القديم، منذ ان كنا انواعا غير مميزة تتنقل في ظهور الاسلاف، او فوق الارض، ونحن مجرد حيوانات عادية جدا، ربما اقل شأننا من حيوانات كثيرة اخرى تمتلك قدرات عالية؛ كالرشاقة عند السنوريات، او القدرة الجسمانية الهائلة لدى المفترسات، او رهافة السمع والشم عند الكلاب مثلا، او التخاطب عن بعد عند الحشرات، او حتى قدرة الفتك عند الفيروسات. تقريبا، كنا حيوانات ضعيفة جدا، وقمامة، وفضولية، وجبانة، وفريسة سهلة للآخرين من المفترسات الجبارة. لم نكن نختلف كثيرا في مرحلة الاسلاف المشتركة عن بقية اقاربنا في مملكة الحيوان. اذن متى اصبح هنالك فاصل بيننا وبينها؟ فحق لنا مع هذا الفاصل، ان نصنف انفسنا كجنس مختلف، او لنقل كجنس له ميزاته الخاصة به؟ حصل ذلك في بداية العصر الحجري القديم فقط، قبل ربما ٣ ملايين او مليونين وثمانمائة عام او في هذه الحدود. كيف ذلك؟ حصل هذا عندما استخدم اسلافنا الاداة. وما كانت الاداة؟ كانت الحجر طبعا. استخدام الاداة، او بصورة ادق تصنيعها، هو ما جعل لنا ثقافة. والثقافة ربما يسميها البعض حضارة، واعتقد انها تعطي نفس المعنى!! هنا فقط اصبح لدينا شيئا مختلفا عن اقربائنا في المملكة الاحيائية، واصبحنا ندعوا انفسنا بجنس الانسان او البشر.
اليوم، يجلس الانسان العصري والمهذب في مطعم فاخر، الى طاولة فاخرة، ويقدم له اللحم او البروتين اللذيذ المشوي والمتبل، في صحون او اطباق فاخرة ونظيفة. يتناول طعامه بكل سرور وطمأنينة وتمدن وتلذذ، وبضمير مرتاح ونرجسية عالية. ربما يصدف حينها انه يشاهد على شاشة ما، فلما وثائقيا عن ذئب يفترس شاة في مزرعة ما بلا رحمة او شفقة. فيقول هذا الانسان المتحضر في نفسه، وهو متألم ومتأفف: كم هو شرير هذا الذئب وعديم الرحمة ومتبلد المشاعر. وربما يحمد الله كثيرا انه خلقه انسانا، نقي القلب، ورحيما ازاء تلك الكائنات الاخرى الضعيفة. لكن لم يدر في خلده ابدا، وهو يتناول طعامه الفاخر هذا، ان هذا اللحم الذي يفترسه الان لربما كان لإحدى الشياه التي افلتت يوما من انياب ومخالب ذلك الذئب الشرير الحقير، ليسوقها حظها العاثر- مصادفة- الى طبقه الفاخر، وتحت رحمة شوكته وسكينه المسنونة.
فهل اختلف الامر بيننا وبين ذلك الذئب، ام ان الاختلاف يكمن في طريقة الافتراس فقط!!!؟؟
يحكي لي صديق ما، انه يشعر بالقلق ازاء سلوك ابنه ذي الاربعة اعوام. فيقول: انه يسلك سلوكا غريبا نحو الحشرات، فاين ما وجدها قام بسحقها بعنف. فقلت له: وما الغريب في ذلك السلوك؟ فقال محتجا: الرحمة!! ابني لا يملك اي رحمة ازاء هذه الكائنات الضعيفة، وكم نصحته ومنعته لكنه لم يرتدع!! فقلت له: ان الامر لا يتعلق بالرحمة كثيرا، ولكنه يكمن في التالي؛ ان ابنك يسلك سلوكه هذا بدافع الوراثة، بينما تسلك سلوكك انت اتجاهه بدافع الثقافة!! فقط لأنك تعودت وتعلمت في مجتمعك المحلي، ان تناول هذه الحشرات كطعام امر مقزز ويثير الغثيان. لو كانت ثقافة مجتمعك المحلي تبيح اكل الحشرات، لما رحمتها ابداا...
في يوم ما من الايام القديمة، عاش اسلافنا على تحصيل البروتين من خلال التهام هذه الحشرات بكثرة، والتي كانت تدب على ارض الغابة او على جذوع وفروع الأشجار، حينما لم يكن اسلافنا قادرين حينها على تحصيل كمية ضرورية من البروتين من غير اصطياد وتناول هذه الحشرات، او تحصيله من بقايا قمامة الحيوانات المفترسة او الجيف التي تخلفها وراءها حين تشبع من فريستها.
الفارق اذن يكمن في كوننا حيوانات مثقفة او متحضرة، وليس غير ذلك.
والفارق الاكبر اننا اختلقنا المقدس، ثم جعلنا انفسنا جزءا من هذا المقدس، وظننا اننا نوع سامي وصنف منفصل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان


.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا




.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي


.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم




.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه