الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَجْمَع يهوه الإلهي

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2023 / 8 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حوالي 1500 ق. م. كانت تسكن منطقة الشرق الأدنى وفلسطين قبائل عديدة. عبدت العديد من الآلهة. وكان أحد تلك الآلهة "يهوه" إله البراكين. الذي اتخذته القبائل العبرانية إلهاً قومياً أو قَبَلياً خاصاً بها. وإن شهدت المراحل الأولى من العبادة العبرانية خلطاً بين الإله "يهوه" والعديد من الآلهة المعبودة بالمنطقة، مثل "إيل" و"أدوناي".
وما نعرفه نحن الآن بالتوحيد، لم تظهر فكرته في اليهودية إلا متأخراً وعلى استحياء. نظراً للعزلة الدينية والاجتماعية اليهودية عن سائر العالم. واعتبارهم أن "آلهة الأمم الأخرى شياطين". وبالتالي كان تفكيرهم في إله عالمي واحد خافتاً وغير ذي أهمية بالنسبة لهم.
وقد ورثت المسيحية العالمية عن العبرانيين عبادة "يهوه". وذلك في ظل عصر الإمبراطورية الرومانية. التي كان لابد أن تنحو بإلهها من القَبَلية أو القومية العبرانية الضيقة، إلى مفهوم عالمي. يجمع الإيمان به بين أمم شتى تضمها الإمبراطورية الرومانية.
لكن اللاهوت الديني السائد في منطقة البحر المتوسط. سواء جنوباً في مصر الفرعونية، أو شمالاً في أثينا وروما، الذي عرف مجامع الآلهة الثنائية والثالوثية والتاسوعية، ترك تأثيره على ذهنية مؤسسي المسيحية الأوائل. فكان أن أضافوا إلي "يهوه" الإله الرئيسي إلهين فرعيين. ليكون "يهوه" الإله الآب. ويسوع المسيح الإله الابن. ومعهما إله ثالث بمسمى "الروح القدس". ليشكلوا ثالوثاً. أو مجمعاً إلهياً مقدساً. على غرار المجامع الإلهية الفرعونية واليونانية والرومانية. لكن الجدير بالملاحظة أن اللاهوت المسيحي ذهب لتهميش أو التقليل من الاهتمام بدور الإله الآب. والتركيز على دور كل من الإله الابن وإله "الروح القدس".
فالإله الابن حسب اللاهوت المسيحي "كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان".
والإله الإبن هو الذي فدانا وخلصنا ومات وقام وصعد إلى السماء عنا.
فيما الإله الثالث "الروح القدس" هو الذي يعزينا ويرشدنا ويعمل عمله الإلهي فينا.
وكل مهمة الإله الآب أنه "ولد" الإله الابن. و"انبثق عنه" الإله "الروح القدس".
ليبدو الإله الآب في المسيحية هكذا أشبه بالملك البريطاني. يجلس على العرش ولا يفعل شيئاً. وبلا أي مهام أو صلاحيات دستورية. أو ربما أقرب لإله عجوز متقاعد. أنهى ما عليه بتجسد الإله الابن في شخص يسوع. ثم إرساله إله الروح القدس للبشر. وجلس على عرشه مسترخياً.
تاركاً سائر المهام الوظيفية الإلهية الأخرى للإلهين المسيحيين الشابين اليافعين.
ومادمنا قد شبهنا الإله الآب بملك دستوري مهامه شرفية، فلابد أن نفهم وظيفة أو مهام الإله الابن داخل المجمع الإلهي المثلث، بأنها مهام استراتيچية. الفداء والخلاص والمجيء الثاني المنتظر على السحاب لإدانة المسكونة. فيما مهام الإله الثالث "الروح القدس" تكتيكية تنفيذية. فهو يدخل حياة المؤمنين، ليوجهها ويرشدها ويباركها، ويمنحها مواهب خاصة، لا تتاح لغير المؤمنين.
وهكذا يبدو لنا المجمع الإلهي مثلث الأقانيم أقرب لمفاهيمنا الإدارية والسياسية الحديثة. فهو أشبه بمجلس رئاسي حاكم. بدلاً من رئيس واحد ديكتاتور. كما يبدو عمل المجمع الإلهي أقرب لعمل الفريق. والذي نجد فيه التخصص وتوزيع المهام. وليس هذا منا تحميلاً للأمور بأكثر مما تحتمل. فمن أنتج كل من اللاهوت المسيحي والنظم السياسية والإدارية الحديثة هو مصدر واحد. الإنسان الأوروبي وعقليته.
وهو ذات الإنسان والعقلية التي فارقت الفكر الديني، وأحالته إلى متحف التاريخ البشري. الذي نطل منه على مراحل تطور الفكر الإنساني عبر ما أنتج الإنسان من أساطير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كتاب في مقالة !
زكري ( 2023 / 8 / 12 - 20:28 )
مقالة مكثفة المحتوى الفكري ، متقنة الصياغة بأسلوب بديع اللغة ، حداثية المنظور بانفتاح حضاري على أفق المشترك الإنساني التقدمي .. تختصر كتابا .
شكرا للأستاذ كمال غبريال


2 - تمة مشكلة في المقال
حميد فكري ( 2023 / 8 / 12 - 22:31 )
تحية للسيد الكاتب
تمة مشكلة في المقال وهي (فمن أنتج كل من اللاهوت المسيحي والنظم السياسية والإدارية الحديثة هو مصدر واحد. الإنسان الأوروبي وعقليته. )
نعلم أن اللاهوت المسيحي، نتاج ثقافة شرقية ،فاليهودية ديانة شرقية ،زد على ذلك أن هذا اللاهوت ، تأثر بالثقافة الدينية المصرية .
إذن المحتوى شرقي بامتياز ،والصياغة والشكل هما اوربيا.
بالنسبة للنظم السياسية والإدارية الحديثة ،نعم هي في مجملها أوربية .لكن ليس لأن العقل الاوربي ، بما هو عقل ، وحده هو منتجها ، بل لأن تمة واقع جديد تكون في أوربا ،هو من خلق الشروط الملائمة لإنتاج وابداع تلك النظم .
العقل وحده ،ليس بوسعه أن يخلق شيء من العدم .
والسؤال الأهم ،هل هناك عقل أوربي، وآخر شرقي ؟
أليس هذا يضمر نوع من التمايز إن لم يكن عنصرية ،بين البشر ؟


3 - هرطقات ضمن المعقول
سالم عاقل ( 2023 / 8 / 13 - 04:30 )
{وكل مهمة الإله الآب أنه -ولد- الإله الابن. و-انبثق عنه- الإله -الروح القدس-}
الهذيان بما لا يعقله ولم يقله انسان... الآب وَلَدَ الابن.. هل ولده بعد اكمال التسع شهور ام اقل ولا اكثر!!!!


4 - للتوضيح وباقتضاب (طالما أن الكاتب لا يرد)
زكري ( 2023 / 8 / 14 - 16:59 )
أخ حميد ت 2
صحيح أن المسيحية شرقية المنشأ ، لكنها (ترومنت) بداية من مجمع نيقيا ، الذي أسس للاهوت المسيحي الحالي . ففي مجمع نيقيا المنعقد سنة 325 ، بإشراف امبراطور بيزنطا قسطنطين الأول وبدعوة منه ، للفصل في الخلاف اللاهوتي بين الأسقف الليبي (آريوس) الذي ينكر أزلية المسيح ويقول بأنه مخلوق ، وبين الأسقف الكسندروس ، القائل بأن الله والمسيح من طبيعة واحدة . حيث تم تغليب رأي الكسندر قولا بألوهية المسيح . وقد تكرست (رومنة) اللاهوت المسيحي بمرسوم أصدره البابا جلاسيوس الأول (الأمازيغي) بابا روما أواخر القرن الخامس ، بتحديد الأناجيل القانونية الحالية ، وتحريم كل ما عداها كأناجيل منحولة (ومنها انجيل برنابا وانجيل الطفولة وانجيل توما ...) .
أخ سالم ت 3
الكاتب يستعمل لغة الكتاب المقدس (ولدَ = أنجب) ، ففي سفر التكوين - الإصحاح الخامس ، نقرأ : َعَاشَ آدَمُ مِئَةً وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَوَلَدَ وَلَدًا وَدَعَا اسْمَهُ شِيثًا. وَعَاشَ شِيثُ مِئَةً وَخَمْسَ سِنِينَ وَوَلَدَ أَنُوشَ . وَعَاشَ أَنُوشُ تِسْعِينَ سَنَةً وَوَلَدَ قِينَانَ . وَعَاشَ قِينَانُ سَبْعِينَ سَنَةً وَوَلَدَ مَهْلَلْئِيلَ ... إلخ َ


5 - المشكل عند السيد غابريال
حميد فكري ( 2023 / 8 / 14 - 21:04 )
الأخ محمد بن زكري
كلامك صحيح،لا غبار عليه .
لكن المشكل عند السيد غابريال. فقد وضع مقدمة صحيحة ،فعاد لينفيها .
قال ،إن المسيحية ورتث عن العبرانيين عبادة ،يهوه. مضيفا إن اللاهوت الديني المصري الفرعوني ،قد ترك تأثيره على مؤسسي المسيحية .
غير أنه سرعان ما ينسى هذا ،فيقول إن الذي أنتج اللاهوت المسيحي ،هو العقل الأوربي .
واعتقد أن المشكل أكبر من هذا التهافت المنطقي .إنه يكمن في اعتبار (العقل) فوق التاريخ والواقع.
نسأل ، هل فعلا يوجد شيء يسمى عقل أوربي ؟ بمعنى هل العقل الأوربي واحد ،متماثل بذاته، مهما اختلفت الظروف؟
المسيحية ،في شكلها الكاثوليكي الإقطاعي ، ألم تكن تعبر عن الطابع الرسمي ،للدولة الإمبراطورية الرومانية ؟
وفي شكلها البروتستاني الليبرالي ،أليست تعبيرا عن النزوع التغييري للطبقة الجديدة ، البورجوازية ؟
فهل العقل الاوربي ، إذن واحد تابث لايتغير ،عند الإقطاعي والبورجوازي؟!!!!


6 - أين الدليل
ميشيل نجيب ( 2023 / 8 / 15 - 12:24 )
الأستاذ/ كمال سلام وتحية
نقطة نظام لو سمحت,
أولاً حسب الدلائل التاريخية الحديثة والأثار التى درسها أثريين إسرائيليين أعترفوا بأن اليهود لم يعيشوا فى فلسطين بل فى اليمن وذكروا شواهد ودلائل كثيرة على كلامهم.
ثانياً يهوه وإيل وأدوناى كلها كلمات عبرية مشتقة عن يهوه وراجع القواميس فأدوناى معناه
السيد وإيل شداى بمعنى الإله القدير وتضاف إلى آخر الأسماء مثل إسماعيل
ثالثاً ما هى المراجع التى بنيت عليها معلوماتك حتى نضع النقط فوق الحروف، نحتاج ان عاش بنى أسرائيل حتى نعرف آلهتهم ومقدساتهم وما تركوه من آثار فى مصر وادى النيل ام فى مصر اليمن؟؟؟
المقال تنقصه تسلسل الأحداث وتواريخيها وليس فقط فى البداية تذكر فقط أنه سنة 1500 ق. م كانت تسكن قبائل منطقة الشرق الأدنى وفلسطين، وأنتهى الامر وبقية الأحداث اين تواريخها وأماكن وقوعها، كلها أسئلة تحتاج ان نعرفها للتأكد من التاريخ الصحيح او المزيف.
مع الشكر


7 - رد على سامي سيمو قديما
احمد علي الجندي ( 2023 / 9 / 5 - 13:54 )
الانسان ليس مركبا من ثلاثي الابعاد اي الجسد والروح والنفس
فيمكن تقسيمه الى تقسيم اخر
وايضا المسيح نفسه الابن كان جسد وروح ونفس
اذن يجب ان نقول مثلا خاموس
!

اخر الافلام

.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت


.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق




.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با