الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكاء الصناعي الى اين؟ مناضرة فكرية

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2023 / 8 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في بداية رحلة الانسان في الحياة على الأرض كان الراي والقرار للأقوى، فمن كان قويا جدا ويملك جسما ضخما وعضلات قوية دون عقل، كان يحكم البلدة الذي يعيش فيه ويتحكم بالناس كما كان الاشقياء او الفتوة يتحكمون في الاحياء الشعبية بداية القرن الماضي والقرن السابق له. كانت الحياة قديما بسيطة وكانت الصناعات بدائية واغلبها يدوية توفر المستلزمات اللازمة لحرث الارض وعمل الحدوات للبغال والحصن، تطورت الصناعات في العالم بشكل قفزات مضطردة فعظم الانسان في كل مرحلة من مراحل حياته على الأرض دور العقل وخفض من قيمة العضلات الى ان أصبح الراي والقرار للأقوى صناعيا في مجال التدمير البشري والقضاء على المتنافسين وعاملا اساسيا في حكم البلاد والعباد بل البلدان والبشر، فمن كان يملك تلك الضخامة والعضلات سابقا أصبح لا ينفع الا للحمالة مثل اي روبوت خدمي. التكنولوجيا في عصرنا ساوت بين الرجل والمرأة، ان عصر القوة والعضلات انتهت، واصبحت الامور تدرك وتقاس بقوة العقل والذكاء والفكر. الفكر يمكن ان نزرعه في الماكنة الى حد ما ولكن الماكنة لا يمكنها ان تتغلغل الى اعماق الشعور. المشكلة حين نوظف هذه التكنلوجيا المتطورة لتدمير الانسان او ما يطلق عليه بالبلطجة الالكترونية التي تدمر المجتمعات وتتمكن من ازالة مدنا بضغطة زر. ان صناعة روبوتات تحارب عوضا عن الانسان والتطور الهائل في صناعة الطائرات المسيرة، شيء مرعب حقا، حيث يحل التكنلوجيا اليوم محل الشقي قديما مع الفارق التدميري. ان لم توظف التكنولوجيا في الاجيال القادمة لخير البشر وتوسيع فضاء سعادته وعافيته لن تكون صالحة بل تكون وبالا على البشرية. نحن في هذه الحياة ليس للعيش فحسب بل لنكون بشرا بمعنى الانسانية الصادقة التي تعلم اسلوب رفع درجة الوعي الى مراتب عليا وتقدس القيم الانسانية.
السؤال الان هل يستطيع الانسان ان يغير مصيره في هذه الحياة؟ او تغيير ما يؤثر على مستقبله؟ إن ما نسميه بتغيير المصير هو ارادة الوعي او اللاوعي، فمثلا إذا تمكنت من تحريك يدك بوعي فإنك تستطيع تحريكها أيضا بدون وعي. لكن تغييرالمصير هو ان تستطيع رسم المستقبل بوعيك . ان تغيير المصير او رسم الهدف انما هو كم من التراكمات في اللاوعي يأخذ الشكل الذي تريده انت . اهداف البشرمتباينة ، والا لما حصل هذا التنوع في حياتنا ، فلكل واحد هدف ومصير يصنعه بيده بوعي او بلا وعي. الانسان الالي الذكي سيرتقي تباعا ويصل الى قدرة الانسان الصانع له. مشكلة الانسان الآلي الذي يُصنع حاليا بشكل قط ذكي او قرد ايظا سيترقى ولكن المشكلة اين سيصل بذاكرته؟ اي ان القطط والكلاب ستفهم انها ليست قطط وكلاب لأننا نبرمجه كما نريد ولا نعلم بما يشعره القطة او الكلب (برمجته البيولوجية)، فكيف سينظر لنا الكلب الذي سيتطور بهذه الطريقة؟ لذلك يفترض ان نزرع فيه شريحة الكترونية للانتحار فور تخطيه مستوى تطور معين من العدائية، ولكن المشكلة هي في تمكنه من الغاء عمل هذه الشريحة!! إذا وضعت الدب في غابة فانه سيتدبر امره ويبحث عن غذاءه ويبحث عن مكان يأوي اليه صغاره، اما إذا وضعت روبوت دب في الغابة فانه سيضيع، فامامنا عقود من الزمن لبرمجة الدب الالي لمجابهة هكذا حالات ليلد ويكون اولاده اذكى منه!
الانسان يجهل معرفة نفسه، فهل بالإمكان استدراك معرفة النفس؟ الانسان يتعصب، يحب، يتأثر، يخاف. خياله للمستقبل يملأ كل حياته كالحصول على وظيفة، او يتميز في الفكر والذكاء ومعرفة الاخرين، التعبير، تقييم المعتقدات، الخبرة، اسلوب التفكير.. ان ذلك حياتنا بكل مسراتها واحزانها وتعاستها ومشاكلها ... لندخل في الحياة قليلا، السؤال هنا ماذا نفعل امام التعاسة والحزن؟ هل نقودهما او ندعه ليقودنا؟
في حياتنا اشياء نعرف بها أنفسنا مثل الحزن، الخوف، الاحساس بعدم الامان.. كيف نكشف عن حركة الخوف المخفي والظاهر داخل أنفسنا؟ وكيف نكشف عن مصادر السعادة والجنس في حياتنا؟ كيف نتعرف على احزاننا واحزان الاخرين؟ كيف نتعرف على معنى الموت؟ ان كل هذه الاسئلة هو حياتنا باختصار. الفكر يصنع كل ذلك، يتبنى شيئا انتهى، يتذكره ثم يتمتع ويسعد به ويمضي به قدما الى المستقبل مع هذه المرافقات. هل ان كل ذلك هو جزء من عاداتنا وعرفنا وصفاتنا؟ لماذا نلهث وراء السعادة؟ هل السعادة تزيد من عزلتنا؟ هل السعادة تشكل الشخصية لان كل سعادة هي شخصية، في ادامته تعطيه الاهمية والاستقلالية.
لماذا المعاناة النفسية كالأحزان حين تفقد مرافقات حياتك؟ هل الحزن نظرة انانية للحياة؟ فموت غريب لا يؤثر فيك كموت قريب.. فالحزن موجود طالما النفس هنا، لهذه العبارة تتهرب من الحزن. الموت حالة محيرة في حياتنا، فما هي الاجابة الغريزية لهذه الكلمة، والواقع ما هو الموت؟ الموت هو نهاية، نهاية بالتطوع ولا يمكنك التفاوض معه، انه النهاية، تنهي الملصق بك، ينتهي عاداتك، اعتقاداتك، افكارك، جميع تصرفاتك، وكل ما في ذهنك من معرفة تنتهي بهذه النهاية. الموت هو خارج الزمن. العيش خارج الزمن هو الموت والعقل هو الغموض.
اليوم يصنع الانسان الروبوت، حين يلد هذ الروبوت، يكون غير مقيدا بالزمن، ومرافقاته يعتمد على تصميم برمجتة وفق خوارزمية انسان واع، لايمكن ازالة الخوف عنه اذا اريد له البقاء والامان. ولكن يمكن تقليل تأثير هذا الخوف، تتمكن من ذلك بمعرفة الاستجابة لهذه الكلمة التي تسميها الخوف، اي بالفعل الذي خوفك في الماضي حين تعرضت له. الخوف يظهر حين تدركه، وعملية الادراك او التمييز يجعل الذهن غير مستقر دائما اي منشغل على الدوام. إذا تمكنت من ملاحظة الخوف عند ظهوره، يظهر لديك عاملان او عنصران، الاول قدرة تمييزك للخوف عن نفسك، وبذلك تتمكن من مطاردته ثم السيطرة عليه واحتوائه. في هذه العملية انقسام طرف فيه انت والطرف الاخر هو الخوف. إذا لاحظت بانك انت الخوف ولا يوجد ما يميزك عنه، أي ان الفكرة نابعة من ذاتك، اذن في هذه الحالة لا فرق بين الذي يلاحظ في ذاتك وبين فكرة الخوف، وهذا هو الوهم الحقيقي وهذه لعبة العقل، فكلما تمكنت من تمييز الخوف باستنباطها من الذاكرة وتمييزها من العرف المسمى والمحفوظ في الذاكرة أيضا كأن يقول لك العرف ابتعد عنه او تجنبه او افعل شيئاً ضده، اي ان العرف يدلك على الطريقة التي تتخلص بوساطتها من الخوف وتتحرر منه. ان رقي الادراك والوعي لدى المصنع المصمم للروبوت، يعكس جودة البرمجة الخوارزمية للروبوت، اخذا في الاعتبار العوامل الرئيسة للخوف تلك التي تؤمن له البقاء والامن. وحين تكون مرافقاتك محددة بتلك العوامل وتحديثها يعتمد على فاعلية تلك العوامل والقوى المؤثرة فيها، فلا حاجة لموت الروبوت ولا حاجة له للتوالد او لمرافقات تأتي له بالأحزان...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. مصادرنا: استهداف مسيرة إسرائيلية لسيارة في بنت جبيل جنوبي لب




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. مصادر عربية متفائلة بمحادثات القاهرة.. وتل أبيب تقول إنها لم




.. بروفايل | وفاة الداعية والمفكر والسياسي السوري عصام العطار