الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين الإسكندر المقدوني والعرب

عيسى بن ضيف الله حداد

2023 / 8 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ما بين الاسكندر المقدوني والعرب
البدايات مع الإسكندر وقفات تذكر:
كما مر، اصطدم الإسكندر مع جبيل وصور وغزة، وكانت الحرب حول تلك المدن مستعرة، فاقت بضراوتها حروب آسيا الصغرى والحروب مع الفرس..
ولنعلم أن سكان المدن الثلاثة، هم موزعون ما بين كنعانيين وعرب، في حين ان هذا التقسيم الإثني لا ينطبق مع الواقع من حيث انهم كانوا واقعياً مندمجين معاً فيما سبق وفيما لحق..
تدفعنا هذه الظاهرة، ضمن شروطها الموضوعية والتاريخية يمكن اعتبارها نمط من المقاومة ضد ما يمكن اعتباره غزو أجنبي، وللمقاومة فيما أرى لها أشكال عدة، ومن بينها الحفاظ على الذات، بانتظار مغايرة لظروف آتية.
وفيما يلي سيظهر لنا ما له صلة بهذه المقولة..
الإسكندر ومعركة غزة / بعد جبيل وصور - مستمدة من/ من الموسوعة
الشاملة – المفصل من تاريخ العرب قبل الاسلام - جواد علي// الكتاب أو المصدر: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام/ الجزء والصفحة : جزء أول ص226-229
لما أراد الإسكندر احتلال "غزة" في طريقه إلى مصر، قاومت
المدينة، ودافع عنها رجل سماه « أريان" "باتس" Betis=Baetis=Bati "باتس" Betis=Baetis=Batis، مستعيناً بقوات عربية قاومت مقاومة شديدة، اضطرت الإسكندر إلى نصب آلات القتال. إلا إن العرب هاجموها لإحراقها، كما هاجموا المقدونيين الذين كانوا متحصنين في مراكز.
اضطر المقدوينون إلى مغادرة مواضعهم هذه إلى أماكن جديدة، وكادوا ينهزمون هزيمة منكرة لو لم يأتهم الإسكندر بمساعدات قوية في الوقت المناسب. وقد أصيب بجراح. وظلت تقاومه مدة خمسة
شهور "332 ق. م.".
يذكر "هيرودوتس" إن المنطقة الواقعة من غزة إلى موضع Jenysus، كانت مأهولة بالقبائل العربية المتصلة بطور سيناء منذ القديم. وقد حكمها ملك عربي لم يذكر اسمه.
ويرى بعض الباحثين، إن "باتيس" Batis هذا الذي وقف بوجه جيوش الإسكندر وقاومها هذه المقاومة العنيفة في حوالي سنة "332 ق. م." كان رجلاً عربيا اسمه "باطش" أي الفاتك. ويستدلون على ذلك بورود اسم رجل في الكتابات النبطية، هو "بطشو"، أي "باطش". وقد حرّف ذلك الاسم فصار Batis. وهم يرون إن غالبية سكان "غزة " كانت من العرب منذ زمن طويل قبل الميلاد. وإنها كانت نهاية طرق القوافل البرية التجارية التي كان يسلكها التجار العرب القادمون من اليمن والحجاز ومن مواضع أخرى، ولا يعقل لذلك إن يكون حاكمها ايرانياً، كما ذهب إلى ذلك بعض المؤرخين. فرجعوا لذلك رأي من يقول إن "الباطش" Batis، كان من العرب.
لقد كانت "غزة " المركز الرئيسي للتجار العرب على البحر المتوسط،
فاليه تنتهي التجارة العربية، ومنه يتسوق التجار العرب البضائع التي ترد إليه من موانئ هذا البحر.
ولما فتحت المدينة أبوابها لجيش الإسكندر بعد ذلك الحصار الشاق، وجد اليونان فيها مقادير كبيرة من المر واللبان وحاصلات العربية الجنوبية، فاستولوا عليها. فخسر التجار العرب بذلك خسارة فادحة. وكانت مذبحة كبيرة شبه جماعية، وما تبقى وجد طريقه للعبودية.. النساء تحديداً..
الإسكندر والجزيرة العربية:
لا يخامرني الشك بكون الإسكندر، قد تلقى دروساً رعدة من بينها معركة غزة، مما جعله يتريث ويدرس عن كثب كيفية التعامل مع الجزيرة العربية، مما جعله يرسل بعثات استطلاعية للكشف عن الطرق الواجب سلوكها.. والقول لي
أقدم من سُجل اسمه من اليونان في سجل العلاقات العربية اليونانية هو "الإسكندر الكبير" "356 - 323 ق. م."، فبعد إن سيطر هذا الرجل الجبار الغريب الأطوار الذي توفي شاباً، على أرض واسعة، بعدما أسس إمبراطورية شاسعة الأرجاء ذات منافذ على البحر الأحمر والخليج العربي، وبعد إن استولى على مصر والهلال الخصيب، فكر في السيطرة على جزيرة العرب، وفي جعلها جزءاً من إمبراطورتيه، ليتم له بذلك الوصول إلى سواحل المحيط الهندي، والسيطرة على تجارة إفريقية وآسية، وتحويل ذلك المحيط إلى بر يوناني.
تنطع الكاتب "أريان" Flavius Arrianus المولود سنة "95 ب. م." والمتوفى سنة "175 ب. م."، شارحاً الأسباب التي حملت الإسكندر على التفكير في الاستيلاء على جزيرة العرب وعلى بحارها، في الكتاب السابع من مؤلفه Anabasis Alexandri: فذكر أن هنالك من يزعم أن الإسكندر قد جهز تلك الحملة البحرية، لكون معظم القبائل العربية لم ترسل إليه رسلا، للترحيب به ولتكريمه، فغاظه ذلك. أما " أريان"، فانه يرى أن السبب الحقيقي الذي حمل الاسكندر على إرسال هذه الحملة، يكمن في رغبته في اكتساب أرض جديدة.
وأورد " أريان" في كتابه قصة أخرى، خلاصتها: إن العرب كانوا يتعبدون للإلهين هما، أورانوس" Uranus و "ديونيسوس" Dionysus، وجميع الكواكب وخاصة الشمس. فلما سمع الإسكندر بذلك، أراد إن يجعل من نفسه الإله الثالث للعرب. وذكر أيضاً إنه سمع ببخور بلاد العرب وطيبها، وحاصلاتها الثمينة، وبسعة سواحلها التي لا تقل مساحتها كثيراً عن سواحل الهند، وبالجزر الكثيرة المحدقة بها، وبالمرافئ الكثيرة فيها التي يستطيع أسطوله إن يرسو فيها، وببناء مدن يمكن أن تكون من المدن الغنية، وسمع بأشياء أخرى، فهاجت فيه هذه الأخبار الشوقَ إلى الاستيلاء عليها، فسيّر إليها حملة بحرية للطواف بسواحلها إلى ملتقاها بخليج العقبة. ولدي إن التعليل الأخير هو المعقْول الذي يستطيع إن يوضح لنا سر اهتمام " الإسكندر" بجزيرة العرب، وتفكيره في إرسال بعثات استكشافية للبحث عن أفضل السبل المؤدية إلى الاستيلاء عليها:
أرسل الإسكندر بعثات استطلاعية تتسقط له المعلومات اللازمة لإرسال أسطول كبير يستولي على سواحل الجزيرة، يتجه من الخليج فيعقب سواحلها، ثم يدخل البحر الأحمر إلى خليج العقبة، حيث ينفذ أسطوله إلى سواحل مصر. لقد هيا الأسطول، وجاء بأجزاء السفن وبالأخشاب اللازمة لبنائها من " فينيقية " Phoenici وقبرص" Cyprus، وأتخذ "بابل" قاعدة للإشراف على تنفيذ هذه الخطة. وممن أرسلهم الإسكندر لاكتشاف الطريق، القائد البحري "أرشياس" "أرخياس" Archias، وقد ُكلف في السير نحو اتجاه السواحل، فبلغ جزيرة سماها "أريان" تيلوس" Tylus ، وهي " البحرين"، ولم يتجاوزها.
أما القائد " أ ندروستينيس Androsthenes وقد بلغ مكاناً قصياً لم يصل إليه القائد "أرشياس"، "وهيرون" Hieron، حيث وصل مكاناً بعيداً لم يصل إليه القائدان المذكوران، وكان قد كلف أن يطوف حول جزيرة العرب حتى " هيروبوليس" Heroopolis أي السويس. وحين عاد فأخبر الإسكندر. بما حصل عليه من معلومات وبما يتطلبه المشروع من جهود.
لم يذكر " أريان" المكان الذي بلغه "هيرون "، ويظن " أرنولد ولسن" A. Wilson أنه لم يتجاوز موضع "ماكيتهْ" Maketa وهو موضع "رأس الخيمة"، أي "رأس مسندم" Ras Musandam كما يسميه الأوروبيون، وهو "مونس اسبو" Mons Asabo، عند "بلينيوس"، أي "رؤوس الجبال".
ويصف " أريان" جزيرة " تيلوس" Tylus،/ البحرين، بأنها جزيرة تبعد عن مصب نهر الفرات، بمسيره سفينة تجري مع الريح يوماً وليلة. وهي جزيرة واسعة وعرة، لا يوجد بها شجر وافر، غير أنها خصبة يمكن غرسها بالأشجار المثمرة، كما يمكن زرعها بنباتات أخرى..
وذكر "أريان"، آن مخبري "الإسكندر" كانوا قد أخبروه بوجود جزيرة أخرى غير بعيدة عن مصب نهر الفرات، إذ لا تبعد عنه أكثر من "120" "استاديوناً، و هي صغيرة نوعاً ما، غير أنها ذات شجر من كل نوع و بها معبد للإلهَ "أرطميس" Artimus=Artemis ، يعيش الناس حول معبده وتمرح الحيوانات وتسرح دون أن يمسها أحد بسوء، لأنها في حمى المعبد، فهي حرام على الناس وقد سمي هذه الجزيرة باسم " ايكاروس" Ikaros، نسبة إلى جزيرة "ايكاروس" من جزر البحر الايجي Aegaein Sea.
ويظهر أن الإسكندر عرف الصعاب التي ستواجهه في إقدامه على اقتحام الجزيرة من البر: من مقاومة القبائل، وصعوبة قطع الفيافي، وقلة المياه، فعزم على تحقيق المشروع من البحر، وكلف "هيرون" Hieron متابعة السواحل، ودراسة أحوال سكانها ومواضع المرافئ وأماكن المياه والمنابت ومواضع الشجر فيها، وعادات العرب وأحوالهم، حتى تكون جيوشه على بينة من أمرها، إذا أقدم أسطوله على تحقيق هذا المشروع الخطير.
اعدّ " الإسكندر" كل ما يلزم إعداده، بيد أن موته المفاجئ، وهو في مقتبل عمره، ثم تنازع قواده وانقسموا، وصرفوا انظارهم عن التفكير فيه، فأُهمل ومات بموته مشروعه الخطير.
ويرى بعض من الباحثين، إن الإسكندر لم يكن يقصد فتح جزيرة العرب، ولكن كان يرغب في الاستيلاء على بعض الموانئ والمواقع المهمة على ساحل الجزيرة وبذلك يكون قد أدرك الغايات التي قصدها من هذا الفتح. من استطلاع او دراسة واهتمام عن كثب..
ونجد في كتاب " تأريخ الإسكندر" ل كوينتس كورتيوس" Quintus Curtius، خبراً يفيد إن "الإسكندر" أخذ من أرض العرب المنتجة للبخور كمية من البخور لإحراقها للآلهة تقرباً إليها. بيد إننا لا نستطيع تصديق هذه الرواية، لأن جيوش الإسكندر لم تتمكن من دخول جزيرة العرب، ولم تصل إلى أرض البخور. ربما يكون حكامها قد أرسلوا البخور المذكور هدية إليه، أو ضريبة من التجار العرب في مقابل السماح لهم ببيعه في الأسواق التي استولى عليها اليونان.
توسع مؤلف الكتاب المذكور في إطلاق لفظة العرب Arabum والعربية أي أرض العرب Arabia، وفي أثناء حديثه عن العرب وعن أرضهم فأدخل فيهم جماعة ليسوا منهم مثل "بني إرم". ولما تحدث عن فتح الإسكندر للبنان، ذكر إنه ذهب بعد ذلك إلى العربية، أي أرض العرب وعنى بها البادية الواسعة التي تفصل بلاد الشام عن "ما بين النهرين"، وكل الأرضين على ضفة الفرات الغربية. هذا ولا أظن أن إنساناً يقول إن " الإسكندر" المذكور كان قد حصل
على علمه بثراء العرب وبنفاسة ما يبيعونه في أسواق البحر المتوسط من تجارات عن طريق الوحي والإلهام، وبنباهة فكره.. إن علماً من هذا النوع لا يمكن إن يحصل عليه إنسان إلا من علم الماضين ومن علم السياح والتجار بصورة عامه، لأنهم كانوا ولا زالوا منذ خلق الإنسان يفتشون عن الأسواق وعن المنتجات ويتعارفون فيما بين هم على اختلاف ألوانهم وأديانهم للحصول على معارف تجارية تخولهم الحصول على ما يبتغون بأرخص الأسعار.
من هذه الموارد ولا شك حصل "الإسكندر" على علمه بأحوال الهند وبأحوال جزيرة العرب وبالأسواق التي كانوا يرتادونها. وعلمه هذا هو الذي حمله على إن يوجه حملته على بلاد العرب - على ما أرى - من البحر لا من البر، لأنه أدرك إن حملة بحرية تمكنه من السيطرة على مفاتيح الجزيرة وعلى النقاط الحساسة فيها بسهولة ويسر وبدون تكاليف باهظة، وبذلك يقبض على خناقها ويقطع عنها إن تيسر له النجاح اتصالها بأسواق إفريقية والهند وما وراء الهند، وهي الأسواق الرئيسية التي موّنت العرب بالثراء وبذلك يقطع عنهم موارد الثراء.
أما من البرّ فقد كان على علم أكيد من خلال التجارب الماضية ومن علمه وعلم قواد جيشه بصعوبة الاستيلاء عليها من البرّ ومن الاحتفاظ بها أمداً طويلا، والمحافظة على طرق المواصلات الطويلة
وإيصال المؤن إلى قواته، لذلك لم يفكر في الاستيلاء علها من البرّ. ثم إن ثراء سكان الجزيرة المشهور لم يكن من ثراء حاصلاتها وإنتاجها وإنما كان من أسواق إفريقية والهند في الغالب، ولهذا رَجّح خطة السيطرة على موانئ جزيرة العرب بوضع قوات بها على خطة السيطرة على الجزيرة من البر، وأغلب الجزيرة بحار من رمال. وبذلك وضع خطة سار عليها من جاء بعده من الغربيين حتى العصر الحديث باستثناء " أغسطس قيصر" الذي لاقت حملته البرية الفشل والهزيمة لأنها بنيت على جهل فاضح بحال جزيرة العرب، وبحقيقة صعوبة السيطرة عليها من البر.
وذكر "كونيتوس كورتيوس" إن "الإسكندر" بعد إن سار مع مجرى نهر Pallacopas وصل إلى مكان أعجبه، فأمر بإنشاء مدينة فيه، أسكنها العجزة والمسنين من رجاله، وذلك في أرض العرب. وسوف يأتي الكلام على ذلك في أثناء الحديث عن "بلينيوس" وما عرفه من بلاد العرب.
وكان مما تحدث به المؤرخ المذكور عن حملة الإسكندر إن أحد قواده كان قد تنكر في زي الأعراب وأخذ معه اثنين من العرب ليكونا دليلين في سيره، ووضعا زوجَيْها وأطفالهما لدى الملك الإسكندر ليكونوا رهائن عنده، لئلا يصيب القائد أي سوء ومكروه. فلما وصل إلى الموضع الذي قصده، وابلغ من أرسله إليه عاد ومعه الأعرابيان، فأثابهما.
فيما يشبه اليقين لي، إن تكاثر وتعدد المرويات هو ما يطيح بأغلبيها، ولعلها تدخل خانات الأقاويل، ولا يبقى منها سوى يسير اليسير، بيد أنه يدل على قيمة الحدث وأهميته..

ما بعد الإسكندر - كنتائج- من الحضارات القديمة ص(397 -398)
ولنعلم، أن الإسكندر لم تتوقف طموحاته عند الجزيرة العربية فحسب، بل أطلق عنان نظراته نحو قرطاج وسواحلها.. ولكن مماته قد أنهى طموحاته، بيد أن الطموحات تلك، كانت تترآى من قبل الورثة، بكيفية وأخرى ..
الواضح في الأمر، أن فتوحات الإسكندر قد افضت لتقارب اقتصادي وثقافي بين الغرب والشرق، ولعبت عشرات المدن الجديدة فضلا عن القديمة في صهر المقدونيين بأبناء البلد الأصليين، الذين كانوا بدورهم أسس الحضارة ونبراسها الوقاد..
لقد كان من شأن ما جرى وجري في ظل الإسكندر وورثته، ظهور محطة جديدة في تطور المجتمع العبودي.. وسيره قدماً..
على وقع من ذلك، علينا ان لا ننسى أن غزو الشرق قد افضى
الى تدمير الإمبراطورية الفارسية، وإلى إقامة هيمنة جديدة، مؤسسة على استعباد شرس للسكان الأصليين على يد القريكو – مقدونيين..
لم يصحح هدم فارس شروط الجماهير الشعبية. فقد تلى الإمبراطورية الفارسية المهترئ، استغلال أكثر مكراً، مارسه المحتلون الجدد..
على وقع من ذلك، ظهر عالم هلليني جديد على أنقاض هذه الامبراطورية.. وفتح الباب نحو تشكّل تاريخي قادم، سندرس معالمه فيما بعد..
فيما تلى من الإسكندر إلى..
افل نجم امبراطورية الاسكندر نهائيا بعد عشرين عاماً، عممها الاضطراب لإيجاد البدييل.
لقد تميزت الحقبة التي تلت موت الاسكندر بالحروب بين الحكام الإغريق المنقسمين فيما بينهم، تمخض الأمر في الانتقال من المحاور إلى تشكيل دول " اهللينية "، مصر وشرق المتوسط ومقدونيا.
ومن مظاهر هذا الصدام قد جرى على حيازة جثة الاسكندر وموقع مدفنه، كما لو كان ذلك له صلة برمزية احتكار المرجعية التاريخية له.
ظهر النزاع بين محورين، الأول يتعلق ببردكاس، أحد رفاق الإسكندر الذي أراد دفنه في مدينة الأموات الملكية في مقدونيا، بينما أراد الفريق الثاني، بزعامة بتولميه دفنه في الإسكندرية وقد تحقق له ذلك، بعد صراع مسلح..
عكست تلك الظاهرة رياح التحوّل في مستقبل الأيام وتوجهها التاريخي، من حيث قد أصبح مركزها الفعلي خارج اليونان..
من المؤكد، إن اختيار المكان في مركزيته، له دوافع تاريخية وحضارية، كذلك كان شأن الإغريق في اختيار مصر وسورية كموقعين لهما، فيما قد جرى التخلي عن بلاد المنشأ، بما يمثل نمط من الهجرة من بلاد إلى بلاد، فهنا في مصر وسورية وبلاد الرافدين مولد الحضارة وتألقها، وينبوع الثروات وازدهارها ومركز تقاطع التجارة الدولية وحضانتها..
ولعل الإسكندر قد توفر لديه مثل هذا التطلع، وثمة مؤشرات ظهرت لتؤكد ذلك، وحتى أنه قد حدد عاصمته الإسكندرية، وكانت بابل العاصمة الأخرى له، عدا عن فعالياته المتعددة المندرجة في هذا السبيل..
في واقع الحال، يمكن اعتبار الهللينية مرحلة جديدة، بالرغم من كونهم ورثة الإسكندر، لكونهم إعتمدوا منظوراً متبايناً، يبتعد بكيفية أو بأخرى، عن مشروع الإسكندر المقدوني في بعده العولمي من حيث مشروع عالميته، كيفما قد سلكه، قد توارى غداة موته.. وانقسمت الإمبراطورية إلى مراكز عدة، مستقلة عن بعضها، بل ومتنافسة ومتحاربة كما حدث بين المركز المصري، آل بتولميه، والسوري السيلوسيدس.

مفارقة وفراق- وداعاً أثينا نحو بلاد أخرى
مفارقة من مرجع غربي – لم يكن انتصار اليونان بعد اجتياحات الإسكندر الا انتصارا وهميا، وأدى انتقال المركز الاقتصادي للعالم نحو الشرق، إلى انهيار اليونان بسرعةـ
فاضطرت الطبقات المالكة والارستقراطية العاجزة امام الثورات الشعبية إلى البحث عن مساعدة روما لها، لكن روما سددت ضربة قاضية لليونان والحضارة الهليينية..
وأنقض الرومان على العالم الهيليني بقصد النهب والاحتلال، فبين اعوام 211- و208 ق م، وحسب المعلومات التي وصلتنا، نهبت خمس مدن اغريقية قديمة، ودمرت تورنثيا، وهي مدينة تجارية غنية.
(موريس هولو: روما واليونان، والممالك الهيلينية، في القرن الثالث ق م / باريس 1921/M .Holleaux)
يقول بوليب / بولبيوس (POlbe=): كان من الصعب على الزوار في القرن الثاني، الاعتقاد بأن تلك المدينة هي نفس أثينا الذائعة الصيت، بمياهها الشحيحة وطرقها غير الهندسية، ومنازلها غير اللائقة للسكن ". كنتيجة للاجتياح الروماني..
ويقول بوليب POlbe=: " كنت هناك، ورأيت اللوحات تداس بالأقدام والجنود جالسون يلعبون بالزهر"..
وإن الأمر الذي أكثر إدهاشاً- حسبما يقول بيير روسي، ص 155 – أن معظم مؤرخينا قد تكلموا عن سطوة اغريقية على الشرق، بينما كانت المدن اليونانية لدى مقارنتها بالإمبراطورية المصرية البابلية، لا تعدو مشابهة لإمارة أندورا بالقياس للولايات المتحدة الأمريكية..
وكنتيجة: وسددت روما ضربات قاضية للحضارة الاغريقية في آسيا، وانهار الصرح الهليني العظيم تحت ضربات الرومان ومن قبلهم الفرس..
ويظهر التباين مدهشاً بين ازدهار الإسكندرية وأنطاكية وسلوقية من ناحية، وبين الانحطاط الذي وصلت اليه اليونان في نفس الفترة، من ناحية أخرى.
ومع مرور الوقت - يظهر التباين مدهشاً، فبمقدار ما يتعاظم الحضور الحضاري للإغريق مشرقياً – يتدهور ألقه غربياً..
تفصح لنا تلك الظاهرة، عن مدى العمق الحضاري للبوتقة الحضارية، الممتدة من وادي النيل حتى ما بين الرافدين، الأمر الذي قد عبر عن ذاته في الزمن الفارسي بدوره.. – كما رأينا..
تشير تلك الواقعة، على كون الغزو الإمبراطوري في الأزمنة القديمة، لمنطقة البوتقة الحضارية المتألقة في منطقتنا، كانت تتلخص دوافعها، في النهب الاقتصادي والتمتع بالثراء الحضاري، ومن خلاله قد اكتسبوا الكثير من المعارف والخبرات التي كانت تزخر بها البوتقة الحضارية لشرقنا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة