الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرق القرآن، اضطهاد معتقد ام حرية تعبير؟

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2023 / 8 / 17
المجتمع المدني


في سلسلة أحداث حرق القرآن، أحرق رجلان في ستوكهولم المصحف أمام البرلمان السويدي ، بعد أن منحتهما الشرطة السويدية الإذن بتنظيم احتجاج. يحدث هذا في وقت تحاول فيه السويد والدانمارك الحد من الغضب في العالم الإسلامي. توترت العلاقات الدبلوماسية بين السويد وعدد من دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي في الأسابيع الأخيرة، بعد أن وافقت الشرطة على إقامة حملات لتدنيس القرآن. السويد متهمة بالسماح بحرق القرآن وحرق نسخ منه، لكن الحكومة السويدية نفت ذلك، موضحة أنها تمنح تراخيص للتظاهرات وليست مسؤولة عما يفعله المتظاهرون أثناء التظاهرات، مؤكدة أن لها حرية قوانين التعبير تسمح بذلك.
هذه الأعمال لا يمكن قبولها بأي مبرر، وهي تحرض بشكل واضح على الكراهية والعنصرية، وتتعارض بشكل مباشر مع الجهود الدولية التي تسعى إلى نشر قيم التسامح والاعتدال ونبذ التطرف، وتقوض الاحترام المتبادل الضروري للإنسان. العلاقات بين الشعوب والدول. تحريض المؤمنين على العنف والكراهية والتحريض غير المقبول والعمل العنصري و "مظهر من مظاهر الإسلاموفوبيا الذي يشجع على العنف وسب الأديان. كما استدعت تركيا السفير السويدي في أنقرة للاحتجاج على هذه الخطوة التي وصفتها الدولة بأنها" جريمة كراهية ضد الأديان " القرآن ". أدان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الحادثة، الأمر لا علاقة له بحرية التعبير ، لأن الحرية يجب أن تتوقف عند حد عدم الاعتداء على معتقدات الآخرين. لقد أساءت السويد فهم حرية التعبير، فالحرية تكمن في الكمال. احترام الآخرين وعدم انتهاك معتقداتهم اساءت هذه الافعال لسمعة السويد كدولة تحترم الحقوق المدنية هو نفس البلد الذي لم يحترم حريات الناس في معتقداتهم بقدر ما يحترم حرية التعبير داخل السويد احترم الآخرين عندما تنتهك هذه الحرية كرامة معتقداتهم وقناعاتهم بسبب سوء فهم حول حرية التعبير . تقرير الأمن السويدي، مقلق ويجب إجراء تغييرات على قانون حرية التعبير ليتماشى مع القيم الدولية، حيث أن السويد جزء من المجتمع الدولي وفيما يتعلق بحرية التعبير يكون جزءاً من النظام الدولي. ان الفكر اليساري لا يسمح باضطهاد المعتقد ولم تحارب الماركسية المعتقدات بالطريقة الاستفزازية التي سمحت بها السويد وباقي الدول الغربية، فالفكر العلماني يقر الحوار والتفسيرات المنطقية والعلمية في قيادة الشعوب وتحرير عقولها. ما فعله السياسي السويدي اليميني المتطرف راسموس بالودان لحرق القرآن لم يكن عفوياً، استناداً إلى حرية التعبير، فاشراف الحكومة السويدية على المتطرف راسموس، جريمة كراهية، لن يساعد في التغلب على التوتر السياسي بين تركيا والسويد، فهي تضيف لها بُعداً دينياً يتجاوز أبعادها السياسية، كما درج عليه قادة الدول الغربية. لا شك ان حرية التعبير ركن من أركان الديمقراطية، لكن بالطريقة التي تم التعبير عنها في السويد، يمكن للمرء أن يفسر الوضع بأن هناك سوء فهم وخلط بين المقصود بحرية التعبير للصحافة والإعلام في النظام السياسي، وحرية التعبير للفرد، فحرية التعبير لا تشمل انتهاك معتقدات جماعة، لها معتقداتها الخاصة.
ان المؤمن بالفكر التقدمي، العلماني، يرى كل شي ايجابي في ايمانه الشخصي، ويغمض عينيه عن كل ماهو سلبي في ايمانه، او يغمض عينيه عن الايجابي في الآخرين ويركز فقط على سلبياته، فالاديان لها سلبياتها وايجابياتها، لكن المؤمن بالفكر العلماني يرى ايمانه فقط على حق وان الآخرين على خطأ. ان التعامل مع فكر المعتقدات، الحوار العلمي، ان ضمان السلام العالمي لا يتم باستفزار الشعوب فتجديد الإذن بحرق المصحف في السويد يجعل السويد تزيد من خطر الكراهية بين الجاليات الإسلامية، ويعرض أمنها لمزيد من الخطر ويخلق جبهة معارضة تكون فيها السويد معزولة تماما في خسران سمعتها الدولية. وقد برهن اقتحام السفارة السويدية في بغداد، حجم الهوة الواسعة في سوء فهم السويد لطبيعة حرية التعبير، فهي اساءة لمعتقدات لا علاقة لها بحرية التعبير، فأهانة الرموز الدينية ترسخ الطابع الفوضوي في الفكر العنصري. ان واقع التنظيمات الإرهابية تجد تربتها الخصبة من خلال محاولات ازالة التقاليد والقيم الدينية في العدوان المتكرر على الرموز الدينية، فلو رجعنا الى الحادثة الإرهابية في الحادي عشر من ايلول في ضرب المركز التجاري العالمي ومقر وزارة الدفاع، نجد جذورها تعود الى سنين قبل الهجوم والتي تمثل اهمها حصار العراق، ونشر القوات الامريكية في المملكة العربية السعودية واستباحة حياة المسلمين في الشيشان من قبل القوات الروسية والحكومات الموالية للغرب في الشرق الاوسط التي كانت تهدد مصالح المسلمين، لقد انتج الصراع بين الغرب والشرق بسبب المساس بالمصالح والمشاعر الدينية، الامر يعود اليوم في اختراق جديد للمعتقدات وللرموز الدينية وكأن العالم خال من المعانات والأزمات كي يضيفوا عليه نزاعات وصراعات اقليمية جديدة، توترات واحقاد تتصاعد مما يوسع الهوة بين الشرق والغرب تحت شعار حرية الفكر. لقد تبنت الجمعية العامة للامم المتحدة قرارا بشجب الاعمال التي تنتهك الرموز الدينية والكتب المقدسة فهي تسئ بشكل صريح ومعلن للقانون الدولي، وقد سبق للجمعية العامة اعتماد قرار بتعزيز الحوار واحترام الاديان ومكافحة خطاب الكراهية الذي يتبلور على شكل انتهاك للمقدسات والتضييق على معتقدات الشعوب، بالمقابل جاء حرق المصحف الإسلامي بمثابة عدم احترام للقانون الدولي مما اثار سخطاً واسعا في العالم الإسلامي.
ان امن الدول غير الإسلامية يتأتى من خلال فهم تقاليد الشعوب والتعامل معها على اساس المعادلة الاممية في احترام حق الشعوب لتاريخها الوطني والديني، فلم تمر دولة في العالم بلا تاريخ ديني يربطها ويميزها عن الدول الأخرى. يبقى صراع المعتقد بين الرؤى الفلسفية والسياسية قائماً يتطرق الى عائق التعصب الذي يتفرع الى مذاهب واحزاب دينية وطوائق وحتى ميول نفسية وتوجهات لمنافع شخصية اذ يقف عائقاً امام قيم التسامح وفك الاشتباك العقائدي، فمازال الصراع الديني والعولمة قائماً على صعوبة التعامل بين واقعية التاريخ المادي للمجتمع والخصوصية التي تتصارع فيها الذات على ترسيخ حرية المعتقد بأي شكل كان ومن ضمنها اسلوب العنف بينما يتوجه الفكر العلماني الى التركيز على اهمية الاصلاح الديني بدل تحويل الخلاف الى كسر قدسية الرموز الدينية بل ومحاولة الإطاحة بالمنظومة الدينية بأكملها. تتركز الشخصية الدينية في اثبات هويتها الوطنية اصلا من الفرد المتسامح فهو يرى ان حرية المعتقد جزء اساسي من كيانه الشخصي. ان التشكيلة الصعبة في الحرية الشخصية قائمة بكل تجلياتها على حرية المعتقد، فهي شبكة عقلية معقدة حتى ان الحرية الفردية قد انطلقت لمسارات ابعد فربطت حرية الاعتقاد وكأنها عمل جماعي لا فردي، فالجماعة لا تتملك نفس نظرية المعتقد الفردية ولا تنادي بها بل ولا تريد الإيمان بها، فالجماعة لا تريد الغوص في المعتقدات لانها الفردية فيها تتصارع بتفضيل فرد لمعتقد مخالف لفرد وهذا يولد تباين المعتقد بوضوح من خلال مذهبية الفرد وايمانه بما يراه المعتقد الحق. يرى الفرد ان تغيير معتقده لمعتقد آخر يخالف معتقد افراد او جماعات، لقد انتهج الخلاف العقائدي للفكر الديني مبتدعاً نظرية المؤامرة ضد الدين الإسلامي التي تفتح الصراع واسعا بين المؤمنين بنظرية المؤامرة وغير المؤمنين، فهذا امر انتهجه العالم الغربي فصار ربط جميع السلبيات بالعالم الإسلامي وكأن الغرب لا اخطاء يخضعون لها تستوجب التعامل والحل في مجتمعاتهم، فهناك العيوب الأخلاقية وانهيار القيم مما تجعل المجتمعات تشترك بالنصيب الكبير في عدم افضلية شعب على آخر عندما لا ينال اي مجتمع صفة الكمال.
باتت حرية المعتقد في الفروض المقدسة لانها جزء من سمو الإنسان شرط عدم الاضرار بالآخر، بل باتت حرية التعبير المقياس الاساس لتقدم الشعوب والحضارات شرط ان تؤدي المعرفة الى تحرير العقل من التعصب، لكن الحرية عندما تستند على طابع الحق في التعبير وتتوسم العدالة لقيم الفكر عن منطلقاته العملية، تختلف فيه، فهناك من يرى تلك الحرية مقدسة مثل فردريك هيجل Friedrich Hegel فما كان الكائن يرى ان الحرية تتشكل في الوعي المطلق مما يكسب هذا الوعي الارادة الحرة في التعبير عنها لهذا كان يرى ان الحق هو الحرية التي تجسد الفكرة. امامنا قاعدة اساسية ترسم للشعوب درجة تحضرهم تكمن في الحرية فهي القاعدة الجوهرية لتحقيق هدف سام لا يتعارض مع الحريات، فهذا تعارض حينها تتوقف لانها تصادر حريات الآخرين. لا شك ان حرية المعتقد تجسد حالة الوعي ومدى ايمانه بما يراه حقاً شخصيا ذلك ان الوعي نفسه نتاج ماض وعلاقة حاضر، فالاختلاف يجب ان يضع الرصانة الفكرية والعقائدية محل اعتبار لمن يختلف معهم، فلا يكون خلاف لمجرد التضليل والتهريج بهدف تعمد اظهار الخلاف، فالصراع بعدم اعتبار اهمية الآخر وحرية معتقده يشكل ظاهرة التخلف التي نخشى وقوعها بين مختلف الطوائف والمذاهب في عصرنا فالكثير يختلفون كي يختلفوا بلا مرجعية علمية، فهم يتخبطون في فوضى عقلية وصراع ارادات بلا فكر تقدمي واع لما يريد ويحترم من لا يريد. هل من الضروري توفر الجدل الذي يجسد هوية الإنسان وتميزه في العقيدة؟ فالجدل بما يؤمن في فاعليته ينطلق الى الفرد الآخر فمن خلال ايماني به اضمن مكانة معتقدي عنده. لقد اثارت نعرات التعصب الديني في العالم الغربي لمتطرفين مسلمين الى تغيير في مفهوم الغرب لطبيعة ذلك المعتقد فصار رفض الغربي للمستشرق او اللاجئ مستندا على خطابات اللاجئ التي دعت الى استقلالية المعتقد بعيدا عن قرارات الدولة وقوانيها التي تخص الاجانب لهذا فطرح اسلوب المعتقد بهذه الطريقة نمط غير مألوف في العالم الغربي المعاصر هو اننا نمد الجسور لمد يتواصل معنا بالمبدأ وننبذ الآخر. فلا يجور في تلك الحرية الشخصية والحق في الهوية التراثية والعقائدية ان ننبذ ما نراه او ندخل في صراع دام من اجل اثبات هويتنا القومية والدينية. لقد خاض العالم صراعات مذهبية ودينية على مدار التاريخ، اذ قاد التعصب الديني الملايين الى القتل والتشرد والحروب، وقد عرف الشرق على وجه الخصوص صراعات اقليمية كان الدافع فيها التعصب الديني والمذهبي، فلقد قاد العراق وايران حرباً ضروس 8 سنوات كلفت البلدين اهدار المال العام والقدرة على استمرار التنمية وقد دفعت تلك الشعوب معانات الحصار الدولي اذ مازالت تعاني تلك الشعوب صراعات طائفية لم تنقطع ليومنا هذا. لقد انتج التعصب الديني شعوباً منهكة واقتصادا منهاراً محطماً حتى بلغ الصراع اوجه خاصة بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 فطهر تنظيم الدولة الإسلامية الذي امعن في القتل بأسم الراية الدينية الإسلامية فتم اسقاط مدن عراقية وسورية فصار المد الديني اداة ارهاب استغلها رجال الدين في فتاوي دينية تبرر القتل وتجعل الصراع بين الشرق والغرب قائماً بشكله الدموي المعتم فصار التنكيل بأصحاب الديانات الآخرى حتى ضاق الخناق على الفكر التقدمي في تلك البقاع اذ كان مصير تلك الايديولوجيات اليسارية التصفية الجسدية. اقر الفيلسوف الامريكي Richard Henri Popkin الباحث في فلسفة التنوير وفي عالمية الايمان بالعقائد المسيحية واليهودية، التقبل الواعي لحرية المعتقد بغض النظر عن طبيعته الشخصية ان كانت دينية، فكرية او سياسية، فمنذ ظهور عصر التنوير في اوربا دخل العالم بظاهرة التشكك في العقائد فلم تكن المعارف العقلية قد ادركت اليقين في المعتقد الديني، فصار العقل ينظر للأشياء باسرار الطبيعة وكأنها قد احتجبت تماما عن العقل.
لقد قدم القرن العشرين تطور مثمر في مجال تطبيق الصيغ القانونية لحرية المعتقد فصار التعبير عن المعتقدات الدينية قانونا دوليا مشرعاً حين اعترفت الامم المتحدة بأهمية الحرية الدينية في الاعلان العالمي لحرية الإنسان عام 1948 في المادة 18 في ان لكل انسان الحق في حرية الفكر والمعتقد وفي حرية اعتناق اي دين، رغم ان المجتمعات التي تتركز فيها غالبية المجتمع من دين واحد يتفاعل المجتمع مع هذا الدين في مجتمع آخر بشكل سلبي ، تاريخياً فرنسا هي دولة كاثوليكية، وفرنسا هي أول دولة حديثة تعترف بها الكنيسة، وأطلقت عليها لقب الابنة الكبرى للكنيسة، وكذلك بريطانيا هي دولة مسيحية وتدين بكافة الطوائف المسيحية من كاثوليك، بروتستانت، وارثوذكس، إلا ان الصراع التاريخي لم يقض عليه المعتقد الديني. كيف يمكننا ازالة الصراع العقائدي او التخفيف من وطأته بحيث لا تعاني الشعوب مأساة التعصب؟ فلا انكار للمعتقد ولا قبول بواقع قاسي تكون فيه ضحايا، فالتجريم قائم طالما فقدنا طريق التسامح وحجبنا عن الآخر حق التفكير والاعتقاد. ان الدولة في احتكارها السلطة انما تحفز على التمييز العنصري الامر الذي يدخل في اعتبار سلب حقوق المعتقد، خاصة عندما تعم الطائفية والعنف السياسي في البلدان الإسلامية والعربية التي تصادر حقوق المعتقد عند الطرف الآخر حتى يصبح الغلو في الدين احد ابرز صفات الظلم والتخلف الإجتماعي. يوصف التعصب انه ظاهرة اجتماعية تفتك بالوحدة الوطنية للمجتمع وتحول قدراته وطاقاته الى اهدار المال العام اذ يتصارع ابناء الوطن الواحد فلا يكون هناك منتصر وخاسر بل يتقاسم الجميع الفشل وانهيار النظام والعدل الإجتماعي. ان العراق عانى من ويلات الطائفية بسبب تعصب المعتقد وانحياز النظام السياسي الى شكل من اشكال المذهبية فاتجهت قدرات الدولة الى توسيع دائرة المظاهر الدينية فصار الطابع السياسي الشكل الديني للدولة مما جعل انهيار التنمية وتعطل سبل تطور انظمة الدولة بما يتماشى مع الحداثة امرا عسيرا حتى تراجعت قدرات الدولة وبقيت تتراوح في مكانها ولا ترى عجلة الزمن والتطور المفروض في بنية الكثافة السكانية للمجتمع. لقد تمكنت الدول من احترام التنوع العرقي والقومي الى حد مقبول رغم عدم كمال هذا التنوع واختلافه بين دولة واخرى، لكن التنوع المذهبي مازال يتأرجح بين الصراع والتسامح، فصار حق على الاجيال ممارسة قيم العولمة في القضاء على انفلات النسيج الاجتماعي فيكون الاختلاف مصدر تنوع وسلام وابداع للقيم البشرية في التفرغ لما هو اهم لحياة لا تكون فيها مواجهة عدائية. لقد اقترنت قيم العولمة كما اقرها فلاسفة العلوم السياسية بمحاولات الإنسان الغاء الميول العنصرية فهذا Michael Allen Gillespie استاذ الفلسفة والعلوم السياسية بجامعة ديوك واصول الحداثة ربط بين اللاهوت والفلسفة اذ تخصص في الجمع بين الدين والسياسة وقد كشف في كتابه ” الاصول اللاهوتية للحداثة ” اثبت ان الحداثة امتداد تاريخي حاسم للعصور الوسطى مما جعل فكرته في الغاء العنصرية تلقى رواجاً عالميا من خلال تحليلاته الفلسفية، فالحداثة داخل اقبية الحضارة الغربية، فبقدر ما اتفقوا على قيم التسامح تشككوا اذا كانت تلك القيم يمكن ترسيخها في العولمة، لقد ساهم انهيار الدولة الروسية في الاتحاد السوفيتي في اعلاء شأن العولمة فعمت الرؤيا الليبرالية للتاريخ من خلال حرية الفكر والصحافة والتجارة والتواصل الفوري فلقد اسهم الفكر اليبرالي واليساري بقدرات صنع قيم السلام العالمي وخفف بشكل كبير نزاعات التعصب في عموم العالم.
نبقى في مواجهة السؤال الكبير ماذا عن حرق القرآن واهمية ذلك في اثبات قيم العولمة؟ تصدرت السويد والدانمارك الدول التي اتخذت مبادرة حرق القرآن كأسلوب حضاري غربي يخص حرية التعبير، لكنه اسلوب استفزازي لمشاعر شعوب خارج حدودها الوطنية، لقد نصت قوانين الامم المتحدة على احترام حرية المعتقد وعدم ازدراء الاديان، فهذا الأمر جعل لحرية التعبير ضوابط لا تخرج عنها عندما تمس حرية الآخرين ومعتقداتهم. ان امر الحرية الشخصية يتضمن تحجيم طرق التعبير عنها بحسب قانون الامم المتحدة اذ جسدت شكلا اخلاقيا حضاريا لقيم المعتقدات، لهذا قد وجدت السويد نفسها في عزلة دولية خانقة اساءت لسمعتها الدولية مما استوجب فحص المبدأ القائم على حرية التعبير، واضافة تعديلات دستورية تتجنب فيه ردود الفعل السلبية التي تعرضت لها، لقد اثبت حرق القرآن اتساع الهوة بين الغرب والشرق الإسلامي فمن الضرورة على تلك الدول الغربية فحص قوانينها الوضعية بالشكل الذي لا تتعارض مع حرية الشعوب في اختيار عقائدها الدينية مادامت تلك العقائد لم تغير الطابع الوطني والامني داخل اراضيها. لقد سمحت السويد وغيرها من الدول الاوربية فتح المساجد الإسلامية واطلقت لهم حرية المعتقد، فهذا امر يعكس واقع تلك الحرية الدينية في حرق الرموز الدينية للمسلمين اذ اظهر بشكل واضح فقدان الأسلوب الحضاري بين حرية المعتقد والاعتداء على المعتقد، ان ازدواج المعايير يبين تخبط هذه الدول وعدم قدرتها على انتهاج سياسة تشرع فيها القوانين الاجتماعية وفق منظار احترام الآخر ، اننا نرى ان الشعوب التي تسعى لتغيير معتقداتها هي ذاتها التي تحرر عقولها وعقائدها بحسب واقع حالها وليس عن طريق دول اخرى لا علاقة لها بتاريخها العقائدي، اذ ليس هناك مسوغ ان تسعى دول اخرى في استفزاز مشاعر دول خارج حدودها الوطنية بحجة قمع معتقدات الشعوب لانها تظن ظاهرة تخلف. ان الفكر التقدمي يدين استفزاز الشعوب في معتقداتهم ويستوجب على تلك الدول سن قوانين اكثر عدالة في احتواء اعراف الشعوب واحترام تقاليدها ذلك اننا بحاجة الى عمل التكامل الأخلاقي والإنساني بين الشعوب فتغيير المعتقدات يتأتى من الشعوب ذاتها ان كانت ترى يوماً ان التكامل في التعايش ينتج دائما تنوير العقول في مراحل زمنية تكون فيه المجتمعات قادرة على تغيير معتقداتها بحسب مفهومها للتاريخ المعاصر.


مصادر البحث :

1- Richard H. Popkin, Histoire du scepticisme d’Erasme à Spinoza, traduit de l’anglais par Christine Hivet (Paris : PUF,1995), 152
2- Popkin, Histoire du scepticisme, 152.
3- قاموس العلوم الاجتماعية، احمد زكي بدوي، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، 1993، ص 120
4- غيليسبي، الجذور اللاهوتية للحداثة، ص364-365








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حرق القرأن في السويد لاعلاقة له بالعلمانية
د. لبيب سلطان ( 2023 / 8 / 18 - 01:55 )
الاخ الكاتب المحترم
انك ربطت بشكل خاطئ حادثة الحرق بالعلمانية حيث تذكر
ان لكن المؤمن بالفكر العلماني يرى ايمانه فقط على حق وان الآخرين على خطأ. اي انك لصقت هذا الحرق بعلمانيين والواقع لا احد يعرف حتى المستوى التعليمي لهؤلاء ولا يمكن معرفة الدوافع لها غبر ماظهر على السطح انها بين مواقف شهصية مصلحية واخرى مخابراتية لتحريك العالمالاسلامي وخاصة في تركيا ضد الغرب ويتصادف مع انضمام السويد للناتو ومنه يمكن ماستنتاج من المستفيد من ذلك غيربوتين ، وجميعها في الواقع فرضيات واسنتاجات ولكني لم اسمع ان الذين حرقوا القرأن علمانيون بل ولاعلاقة للعلمانية اساسا بهؤلاء
ان حرق القرأن هو تعديا سافرا على االمعتقدات والعلمانية تحترم وتطالب بتعدد المعتقدات ولم نرى هجوما عليها الا من اصحاب العقائد النتعصبة
كما ولايمكن ربط الحرق بالحريات الليبرالية ومفهومها القائم على تقديس حرية العقيدة فهو اساءة لها وهؤلاء من حرق ليسوا اليبرليين ..ولا اجد مقالتك مفيدة في هذه المواضيع بخلق
حاجز بين العالم الاسلامي وهذه المناهج الحضارية الهامة لمحتمعاتنا امام سطوة السلفية وتسلطها وحرائمها يوميا

اخر الافلام

.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 


.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال




.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني


.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط




.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق