الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من نسأل؟

احمد المغربي

2023 / 8 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من السيء حقا أن يظل الحديث عن الوجود و الانسان و الحرية حكرا على أناس لم ترى أبصارهم إلا جدران مكتباتهم و مكاتبهم البالية…
هل نسأل المريض أم الطبيب؟
يعتمد الامر في الواقع على طبيعة السؤال ، و إن كان هذا الاخير تساؤلا عن الالم فلن تجد جوابا شافيا عند أي منهما إذ ينبغي أن تجرب الالم بشكل شخصي لتعرف و تختبر معناه فهذا النوع من المعارف التي يصح عليها قول غورغياس باستحالة نقله للغير ، غير أن ما سيعنيه لك الالم في هذه الحالة سيظل شيئا يخصك وحدك إلى حدٍّ ما. أما الطبيب فليس معنيا بمعنى الالم لكنه سيفيدك بشكل كبير إن كان سؤالك عن "سبب الالم" و "سبل علاجه"
هذان النمطان المختلفان للمعرفة و رؤية الامور تم التجادل لقرون حول أيهما الاكثر عمقا و نفاذا لسبر غور حقيقة الاشياء . في القرنين الاخيرين برز تيار واسع من الفلاسفة صار يشيد بنجاعة الطريقة الثاني في حل المشاكل بينما يتهم الاول بالعقم و العجز عن التقدم. كما هو واضح فالطبيب يقدم تفسيرا علميا و حلا عمليا و هو حقا يُقَيِّد تساؤله و يجعله في حدود ما يمكن التحقق منه. لكن و مثلما يشير بعض خصوم الطب فالتاريخ يخبرنا بأن نظريات و طرقا للعلاج كانت سائدة لمدة طويلة من الزمن باعتبارها أرقى ما تم التوصل له قد تم تجاوزها بعد اكتشاف قصورها ، و هذا صحيح و انصار الطب لا يجهلون هذه الحقيقة غير أنها لا تدفعهم للتراجع عن الاعتقاد بنجاعة طريقهم و طريقتهم في المعرفة و تفوقها عن الطريق الثاني إذ أنهم يُقِرُّون بتواضع طموحهم المعرفي مقابل ما يعتبورنه جموحا ساذجا أو مغرورا لخصومهم، و لو لم يرغب من ينظر لهذين الطريقتين في المعرفة في أن يكون أعمى فعليه:
١ألا يكون متخلفا : أي لا يتحدث دون النظر للتاريخ و الواقع الذي يستعرض نجاحات و اخفاقات كلا الطريقين
٢ألا يكون متعسفا : أي أن يكون جدليا في نظره لا انتقائيا حيث أن الحكم الصحيح لا يمكن أن يبنى إلا على أساس النظرة الشاملة لجميع جوانب المسألة
و إذا التزمنا بهذين الشرطين في نظرنا فسنجد أن السؤال عن المعنى من جهة و عن السبب من جهة أخرى كانا ملازمين لبعضهما البعض منذ الزمن الذي كان فيه الطب مختلطا بالاسطورة و السحر فمنذ ذلك الحين يتسائلون عن المرض و سببه و معناه و سبل علاجه ، و الطب قد تطور منذ ذلك بشكل بدت فيه كل نظرية و طريقة علاج تبطل سابقتها و تدحضها كما أشرنا سابقا. لكن في حين أن هناك من يستند على هذه الحقيقة للتشكيك في الطب نحن نرى أن عملية التطور الجدلية هذه تعني أن الجديد يكون أفضل و أرقى من القديم لا ان القديم باطل مطلق إذ أن الجديد لم كن ليوجد لولاه و التطور الجدلي يعني أن الجديد يتخطى قصور القديم مع الاحتفاظ بثماره الصالحة و تطويرها في أشكال أكثر تقدما
لكننا و رغم إشادتنا بإيجابيات الطريق الاول لا ننفي ضرورة الحفاظ على مَلَكة و حس التساؤل عن المعنى إذ أننا نرى هذا النمط من الاسئلة متجذرا في الانسان بحكم طبيعته و التجربة أثبتت أن تحريم طرح هذا النوع من الاسئلة بشكل جدي و واعٍ لا يؤدي لتصفيتها ففي كل مرة تم طردها من الباب بهذه الطريقة كانت تعود متسللة من النافدة و عودتها للمنزل بشكل مستتر يجعلها مزعجة بحضورها الخفي أكثر من حضورها العلني . على أننا و رغم تشديدنا على ضرورة طرح هذا النمط من الاسئلة نشدد في آن واحد على أنه لا يجب طرحها اليوم بنفس طريقة طرحها في الامس حيث أن تقدم الطب يوفر لنا أساسا قويا للتساؤل عن المعنى على ضوء العلم و أنواره بدل التيهان و الضلال في ظلام العبث
و نحن الماركسيون نرى أن التساؤل عن معنى استمرار المرض و المرضى في عصر صارت وسائل تقليصهما و القضاء عليهما متوفرة هو أكثر ما يجدر بالفلسفة الثورية التساؤل عنه و الاهتمام به
و الماركسية كفلسفة فاعلة على النقيض من الفلسفة الاكاديمية الخاملة - التي يتحرك فعلها بدوافع رجعية محافظة- تظل وفية لفلسفة التنوير و فيورباخ رغم نقدها لهما فهي تجعل الانسان محور اهتمامها و هي كفلسفة مادية تجعل العلم و اكتشافاته أداة لتفلسفها ، و بخلاف ما يزعم مدعي الحياد و الموضوعية الزائفة فهذا لا يجعلها ايديولوجية تسعى لتزييف العلم أو جهل النظرية خادمة ذليلة للممارسة أو الحزب فرغم شطط بعض الماركسيين الذين اختزلوا مبادئ الماركسية في بضع جمل صارت تستعرض عندهم بشكل عقائدي إلا أن الماركسية الحقيقية بتشديدها على ضرورة البحث النزيه هي الفلسفة الوحيدة التي يمكنها انقاذ العلم من الاستغلال الايديولوجي الذي صار يتعرض له من طرف البورجوازية المنحطة إذ أنها لا تنكر أهمية العلم في تفسير العالم بشكل صحيح غير أنها في نفس الوقت لا ترى أنه يتطور بمعزل عن المجتمع و قد صار واضحا للجميع الآن أن العلم و تطوره لم ينفصلا عن التطور الاجتماعي للبرجوازية حينما كانت تقدمية كما أن انحطاط بعض فروعه لا ينفصل عن انحطاطها بعد أن صارت محافظة و رجعية
و كما قال آلان وودز في كراسه عن "راهنية أفكار كارل ماركس": ف:
" مع فلسفة ماركس عادت الفلسفة أخيرا إلى جذورها. إنها في نفس الوقت جدلية ومادية. هنا التقت النظرية والممارسة مرة أخرى يدا في يد وانطلقتا معا. خرجت الفلسفة من غرفة الدراسة المظلمة والمغلقة لتتمتع بالشمس والهواء. وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة. وبدلا من الصراع الغامض بين أفكار دون مضمون، صار لدينا التناقضات الحقيقية للعالم والمجتمع الماديين. وبدلا من مطلق بعيد وغامض، صار لدينا اناس حقيقيون يعيشون في مجتمع حقيقي ويصنعون تاريخا حقيقيا ويخوضون معارك حقيقية."(ص31)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة الرئيس الصيني لفرنسا.. هل تجذب بكين الدول الأوروبية بع


.. الدخول الإسرائيلي لمعبر رفح.. ما تداعيات الخطوة على محادثات 




.. ماثيو ميلر للجزيرة: إسرائيل لديها هدف شرعي بمنع حماس من السي


.. استهداف مراكز للإيواء.. شهيد ومصابون في قصف مدرسة تابعة للأو




.. خارج الصندوق | محور صلاح الدين.. تصعيد جديد في حرب غزة