الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تهدد التكنولوجيا وضع الاخلاق عالميا ج2

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2023 / 8 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كيف نرغب في التعامل مع آلاتنا وحضارتنا الميكانيكية ، اما (بروس جرينيفيل) يرى ان التكنولوجيا اما انها تعوض عن الضعف البشري او زيادة في اداء الانسان ،فيكتب (نحن نتلقى مساعدة الآلات باستمرار ، سواء كانت اجهزة الكمبيوتر ام المركات ام الاسلحة العسكرية التي توسع وتكبر في وجودنا في العالم، ام عن طريق الاضافات الصناعية ، مثل اجهزة تنظيم ضربات القلب والاطراف الصناعية ، النظارات التي تحافظ وتعزز وجودنا الجسدي والمادي)
ومن حديثه يتضح ان التكنو تعزز من وجودنا الانساني دون الانتباه الى اخطارها المحدقة في الامد المنظور او في المستقبل البعيد ، فهي صحيح قد ساعدتنا بذلك الا انها سلبتنا الكثير من الاستقرار ، الطمأنينة ،العلاقات مع النفس والعلاقات الاجتماعية حتى ، وحولتنا الى آلات شبيهة بما نستخدمه ، والاشارات الى التوافقات للولع بها مع التقنية فيمكن ان تصل الى الدرجة التي يشير اليها بولpaul وكوكس في كتابهما ( أبعد من الانسانية) Beyond Humanity
حيث يقولان(( بما ان التكنو جعلت حياتنا اطول وأسهل وأكثر امانا ، فان المستقبل سوف يتكون من عمليات اندماج اكثر حميمية ، وكاملة بين البشر والآلات ، وهذا يتطابق مع رؤية مورافيتش في "آلة العقل" وكروزويل في"عصر الالات الروحية" حيث يتوقعان يوما :سيحمل فيه الوعي الشري على آلة ويعيش الى الابد)) انا ارى ان الانسان يجب ان يجهز نفسه بذخيرة معرفية كاملة كي يستطيع ان يجابه هذا الوعي التكنولوجي المخيف، فالبحث غالا ما يتخثر عن اثارة العديد من التساؤلات اكثر من التوصل الى حلول واجابات شافية لهذه التساؤلات ، وهذا ما اطمح اليه في هذا البحث.
اذا نحن امام فريقين (المولع بالتكنولوجيا) والذي يصف البشر بأنهم مجرد كائنات تستخدم آلات وتتفاعل معها وفريق(الخوف منها) والذي يثير مخاوفا اخلاقية جمة ومنهم بل على رأسهم (فوكوياما) في كتابه (مستقبلنا البعد أنساني) our post human future كذلك نجد هذه المخاوف في كتاب (أندي كلارك) (هجين مولود طبيعيا ) natural born cybory في كون كلاهما يشير الى ان فهم الطبيعة الانسانية بوصفها تأريخية وغير متغيرة يؤدي الى مواقف اخلاقية حول التكنولوجيا ، تهتم اكثر بالحفاظ على ذلك الفهم للطبيعة البشرية ، اكثر من الاهتمام بنقد التكنو للمشاركة في نقد الطبيعة البشرية والنظرة العالمية تؤيدها التكنولوجيا او تهاجمها من الناحية العملية والرمزية ..... ومع تفهم (كلارك) للقضايا البشرية الانسانية وتخوفاته الاخلاقية الا انه يشير الى كتابه آنف الذكر (ان الاندماج مع تقنياتنا هو ما نكونه /هويتنا) ، فما يشرح بطريقة افضل السمات المميزة لذكاء البشر هو القدرة على الدخول في علاقات عميقة ومعقدة مع التركيبات غير البيولوجية والدعامات والمساعدات ... ومع حب كلارك للتكنو، لكنه يركز على النزعة الطبيعية التي تميزنا كبشر والقدرة على ان نبدع هي من سماتنا ، وان نشارك ونضيف ونستغل المدعمات غير البيولوجية ، وهكذا فبين من يرى (فوكوياما بالتحديد) ان التهجين التكنولوجي /البايلوجي بوصفه تهديدا للطبيعة البشرية ، ويرى كلارك انه تعير ضروري واستنتاج منطقي من الطبيعة البشرية ، ويترتب على ذلك ، حيث راى فوكوياما التكنولوجيا بوصفها تهديدا للأخلاق والمجتمع الشري ، يعبر (كلارك) عن امكانية ايجاد توافق بشري/تكنولوجي وانها يمكن ان تقرب البشر كثيرا لكنه يضع شرطا اراه مبهما تماما وغير واقعي وهو ان كل الخير سيتحقق على يد التكنولوجيا بشرط المحافظة على المسافة بيننا وبينها ، وهذا ما لم نراه حاصلا في الواقع، اذ ان التكنو صادرت حياة الكثيرين وتغلبت على كل لحظاتهم ، حتى اضحت بديلا للتفكير عنهم، فبدلا من ان تكون موسعة ومعززة للقدرات والاداء البشري وزيادة الاتصال والتفاعل مع الناس، لكن ومع كل هذا التدفق المعلوماتي التكنو ساهمت في تصدع العلاقات الاجتماعية وفي اثارة الصراعات ، واصبحت عددا رقميا غازيا ، وهذا عكس ما يذهب اليه (كلارك) اذ انه يعتقد جازما ان التكنو قربتنا اكثر مما بعدتنا وقد يكون ذلك صحيحا الا انها كذلك سلعتنا وهنا مكمن الخطر ، يقول(كلارك) : (( قد يحدد الفرد نفسه كعضو في مجموعة واسعة من المجموعات الاجتماعية وقد يستكشف في كل من هذه السياقات مجموعة متنوعة من اشكال التجسد ، الاتصال الجنسي ، والمهمة هي الدمج بأمان وان يجري الدمج بطرق آمنة ، فاضلة ، وذلك يقرب بعضنا من بعض ويجعلنا اكثر تسامحا ويعزز التفاهم ويحتفي بالتجسيد وتشجيع الاحترام المتبادل)) ويذهب الى ما هو أبعد من ذلك، اذ يقول: " من الضروري ان نفهم انفسنا وعلاقتنا المعقدة ، مع التقنيات، التي تحيط بنا، يجب ان ندرك اننا بمعنى عميق جدا ، كنا دائما كائنات هجينة ، ومنتجات مشتركة من طيعتنا البايلوجية ومتعددي اللغات والثقافات والشبكات الاجتماعية"
ان المخاوف التي تثار حول التكنولوجيا تتعلق ب الاغتراب ، والقلق والعدمية ، ويرد كلارك على هذه المخاوف بضرورة ان تكون التكنولوجي اكثر اندماجا في الجسم بحيث يظل الاتصال ، بين الناس اتصالا بين بشر ، هذا من شأنه ان يضمن مساهمة التكنو في خير البشر وهو يدعو بذلك الى (الانسان المهجن) وهو الذي سخر التكنو في جسده او استخدمها وهذا الانسان تشكل التكنو جزءا كبيرا من حياته، وهو اكثر طبيعية من اولئك الذين قاوموا التكنو. والتكنو اما ان تكون (شفافة) او (غير) ف ساعة اليد تقنية شفافة بل حتى الراديو ولكن عض التقنيات غير شفافة /معتمة/مخيفة، تستدعي الانتباه باستمرار لانفصالها عن الجسم، او ان هذه التكنو تقود البشر الى مخاوف عدة تتعلق بالجينات ، بأنتاج خلية بشرية مختبرية تثير مخاوف اخلاقية .
وهنا يتم البحث عن نظرية نقدية وشاملة للتكنو ، بحيث تتجنب فوبيا التكنو ،بذات الوقت الولع بها وذلك عن طريق مقاربة التكنو على انها ( لاتعزز ولا تقلل ما يعنيه ان يكون الانسان انسانا) وهنا نحن امام نظرية ثالثة اكثر دقة ترى ان التكنو ليست اخلاقية او غير اخلاقية في طبيعتها وهنا يقرح كل من (بست )و(كلينر) " ان النظرية النقدية للتكنولوجيا ينبغي ان تبدأ بالشك الموجب في احتفالات محبي التكنو لالتكنولوجيات الجديدة وستقاوم التشاؤم تجاهها ، وتدعي ان اجهزة الكميوتر وغيرها من التقنيات الجديدة هي خطايانا وانها مركبات تدفعنا نحو الاغتراب وادوات للرأسمالية والدولة والسيطرة" وهكذا يستخدم البشر التقنيات وفق ما صممت لأجله وهذا يتوقف على تصرف البشر تجاهها ، اما اذا اساء البشر استخدامهم لها ، فهذا سيقود الى التخوفات الاخلاقية من التكنو وهنا تقع المشكلة الاساس، بالنتيجة فان هذه النظرية النقدية ستدعو الى خلق مجتمع اكثر انسانية عبر تقديمها سلاحا للنقد والتغيير الاجتماعي من اجل القاء الضوء على مصادر التعاسة البشرية ، والمساهمة في اهداف التحرر الانساني والمجتمع الديموقراطي العادل اجتماعيا وواقعيا ... فهل يستطيع النقاد المشتغلون في هذا المجال ان يبينوا ماهو من التكنولوجيا معززا لاهداف التحرر الانساني وما هو منها الضد من هذه الاهداف وفرزه بصورة واضحة ، والسؤال من هو القادر على فعل ذلك؟ ومن هو المؤهل في ذلك؟ والخوف والتحذير ينبغي ان يشمل متى تحول التكنولوجيا الوضع الى (ما بعد أنساني) ...
يكتب (بست وكلينر) " عندما يجرد جوهر الانسان ، المنسوب اليه ذاتيا ، ويبدأ البشر في الاندماج بشكل وثيق مع آلاتهم، ويدمجون الجسم مع شرائح السليكون، والصلب، فان الهوية البشرية نفسها تكون محل تساؤل" صحيح ان التكنو تقدم اليوم تواصلا فريدا مع العالم بأجمعه افرادا وجماعات ولكن هل ان هذا التواصل نافع جميعه ، الجواب: كلا فبعض هذه التواصلات مثيرة للقلق ، للخوف، للرهاب من الاخر، لفرض اراء مرعبة على الاخرين ... الخ. فنحن ببذلك امام التكنو ومستخدمها، الطرف الثاني، وهنالك طرف ثالث ينبغي الا تكون التكنو ضارة به، (ان الحافة النقدية للنزعة ما بعد الانسانية المجددة وما يجعلها نظرية نقدية للتكنو هو تاكيدها على العدالة ، بوصفها الحكم في العلاقة بين الفرد والآخر ، واولئك الذين هم آخرون بالنسبة للآخر الذي يصفه ليفيناس بالطرف الثالث، وهذا الطرف يضع قيودا على الالتزام الذي لا حصر له من اجل الحفاظ على اخرية الاخر ، والذي كان سيصبح بلا حدود لولا ذلك ، والحد المفروض على الطرف الاخر هو انه لا يمكنه الحاق الضرر بالطرف الثالث، هذا هو ميلاد العدالة ، النظررية،الوساطة، وصنع القرار) بمعنى ان المبادئ الانسانية تنطلق لديهم من الاعتراف ومساعدة الآخر وهنا يقرر (كريتشيلي) ان (الانسنة يجب الا تبدأ من الاستناد الى الانسان بوصفه غاية في حد ذاته، واساسا لكل المعرفة ، والقيمة ، بدلا من ذلك تعرف انسانية الانسان، من خلال خدمتها للاخر ، ان اخلاق ليفيناس هي نزعة انسانية لكنها انسانية الانسان الاخر) وهنا يقول(ليفيناس) في الاخر " اذ ا كان هناك الاخر ، الذي يواجهني فقط، انا مدين له بكل شيء انا موجود لأجله وهذا قائم حتى رغم الضرر الذي يلحقه بي ، انا لا اساويه انا الى الابد خاضع له، مقاومتي تبدأ عندما يكون الضرر الذي يحدثه لي يحدث للطرف الثالث، الذي هو ايضا جار لي، ان الطرف الثالث الذي هو مصدر العدالة ، ومن ثم مصدر القمع المبرر ، انه العنف الذي يعاني منه الطرف الثالث هو الذي يبرر وقف عنف الاخر بالعنف ان مسؤولية الحفاظ على اخرية الاخر هي المعايير المحددة التي تستخدم فيها، الاستخدامات العملية والمعاني الرمزية ، للتكنولوجيا، وهنا نحن امام ضرورة تجسيد العدالة ، حيث الاهتمام بالطرف الثالث، وهو بداية المجتمع والعلاقات الاجتماعية والقوانين والمؤسسات وبضرورة احترام القوانين يشكل لدينا ضمانا لسماع اصوات المهمشين الاخرين، وهنا فالعدالة التي تستحق ان تكون عدالة لا تنسى ان القانون قابل للتحسين وان تترك امكانية المراجعة مفتوحة ، ولم يعد بأمكاننا فهم الانسانية ، بأبعادها الكبيرة دون تقدير الدور الذي تؤديه التكنولوجيا في هذا الفهم، ففي القرن السابقة كان الدين والفلسفة يأخذان على عاتقهما فهم الانسانية اما اليوم فالتكنو تتحدانا وترغمنا على اعادة النظر في كيفية فهم جسم الانسان والمجتمع وما يعنيه ان يكون الانسان انسانا، وهذا هو المهم فكيف سيتم التعامل مع الانسان الهجين من التكنولوجيا ، الانسان .. كيف يتخذ مساراته القادمة تجاه نفسه ، الآخر، الكون، الارض.


المصادر :
Bruce Grenville ,the uncanny,Experiments in cybory culture (van couver Arsenal pulp press &the Vancouver art gallery ,2001,9.
- الاخلاق والتكنولوجيا ومجتمعات ما بعد الانسانية ، ستيفن بنكو، ت: حسين عبدالغني ابراهيم، مجلة الثقافة العالمية ، الكويت، العدد 207، يناير قبراير/2022، ص 163.
- كلارك، م س .
- Best & Kellner write in the postmodern Advanture : science,technology &culture studies at the third millennium New york Guilford press ,2001,157,158 .
- م الثقافة العالمية ، م س ، ص 172.
- م س ، ص170








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا