الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخلاق في الدين الإسلامي..من سلسلة الرد على الإلحاد

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2023 / 8 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندي في قناتي باليوتيوب سلسلة محاضرات ومقالات للرد على الإلحاد، وكشف الجانب المضئ للإسلام الذي تغافل عنه هؤلاء عن عمد، ومع ذلك لا أعتبر الملحدين أعداء بل هم مخالفين أو خصوم فكر، لكنهم بشر لهم كل ما للمسلمين من حقوق وواجبات، ولا أؤمن بعقابهم على رأيهم أصلا..لأسباب واعتبارات منها أن ديني الإسلام يرفض ذلك ، ومنها أن أخلاقيات البشر ترفض أيضا والعقل الإنساني يرفض ويجرم كل أشكال الملاحقة لمجرد الرأي السلمي..

فقد حدث وتناقشت مع أحد الأخوة الملحدين حول نظريات بعض زعمائهم بأن الإسلام ليس دينا أخلاقيا ، بل دين سياسي وداعشي بامتياز، ويربط بين سلوك جماعات الإرهاب وبين الإسلام كمعتقد، ودليله في ذلك (يعني هو الإرهابيين جابوا الكلام دا منين؟!)

ومبدئيا سوف أجمل ردي في بعض النقاط المتصلة، وأرجو التركيز فيما ستقرأه، والهدوء كي تصل الفكرة كما هي دون تشويش..

أولا: الإسلام كأي دين به مساحة أخلاقيات تربط بين سلوك المؤمن به ورضا ربه، يعني في الإسلام قيم الأخلاق التي وردت في أكثر من 1500 آية بالقرآن، وأكثر من 1600 آية قصص ديني يدعو للفضيلة هي التي أمرت المسلم بالأخلاق وإلا فسوف يكون كارها للدين والرسول والله، هذا معنى صنع الدين للأخلاق..أنها تربط بين الفعل القويم والصالح وبين رضا الله، وتشترط أن يكون عملك نافعا وسلميا وعاقلا ومتزنا كي توصَف بمحبة الله..ويمكن استكشاف ذلك في أخلاق المتصوفة والزهاد والعرفاء المسلمين كمثال..

ثانيا: أغلب حجج الملحدين على الإسلام في وصفه بالعنف والإرهاب مصدرها أفعال وسلوكيات داعش والقاعدة والإخوان..إلخ، وهذا مرده جهل هؤلاء الملحدين بحركة التاريخ، فالقرن العشرين كان مليئا بالحروب ذات الخلفيات والعقائد (القومية والعرقية والاقتصادية والأيدولوجيات السياسية والفلسفية) علما بأن الحربان العالميتان الأولى والثانية قامت على عقيدة قومية وعرقية بالأساس، وتخللهما حروب ذات طابع اقتصادي وأيدولوجيا سياسية مثلما حدث في روسيا والصين وأسبانيا، وبعدهما ومنذ الخمسينات و الحروب مشتعلة على أساس الاقتصاد والفلسفة الاجتماعية والأيدلوجيا السياسية القائمة على رؤية كل فريق للمجتمع،

ومن يسأل هل هل توجد عقيدة في السياسة والاقتصاد؟..أليست العقائد مختصة فقط بالدين؟؟

الجواب: ياصديقي كل مجال فكر يسمى عقيدة، فالعقائد دخلت العلوم الطبيعية وتشكل منها معتقدات أشهرها (العلموية) لكن نعمل إيه في أخينا الملحد اللي مبيقرأش ولا بيطلع على حركة التاريخ والفلسفة، ولا ينفتح حتى على مجتمع الغرب سوى على الجانب المادي المعني بموقفه من الدين الإسلامي لا غير، ولهؤلاء أدعوهم لقراءة كتابة (بنية الثورات العلمية) لتوماس كون، ففي هذا الكتاب شرح بالتفصيل كيف أن العقائد لم تعد محصورة فقط على الدين، بل شملت جوانب الفن والاقتصاد والفلسفة والعلم والأيدلوجيات الاجتماعية والسياسة..

ثالثا: منذ السبعينات بدأت الحروب تتغير وتأخذ طابعا دينيا بفضل إشعال أمريكا للأصولية الدينية (الإسلامية والصهيونية) فدعمت حركات العنف والجهاد المسلح الإسلامي، بالتوازي مع دعم الحركة الصهيونية في العالم وبإسرائيل بشكل كبير، وقد أدى ذلك لسرعة نمو الفكر الديني الجهادي، وتحولت معتقدات الناس من مجرد شعائر وطقوس وقيم أخلاقية وبهجة واحتفالات..إلى فرصة للحكم والصراع والقتل والذبح والتدمير..

لولا ما فعلته أمريكا وقتلها لكل من يعترض على هذا السلوك ما ظهرت داعش والقاعدة والإخوان، وما رأينا الإسلام عنيفا بهذا الشكل ، ويكفي العلم أن أمريكا قتلت في هذه الحقبة ليس فقط من كان منحازا لروسيا والشيوعية، بل استهدفت دول عدم الانحياز كمصر وأندونيسا، وتقارير كثيرة تقول أن موت (عبدالناصر وسوكارنو) في عام واحد سنة 1970 كان مدبرا للإجهاز على منظمة عدم الإنحياز وعدم التفكير في إحياءها مرة أخرى، وهي المنظمة التي رعت الثقافة التقدمية والفنون والفكر العلماني في كل من (مصر وأندونيسيا والهند ويوغوسلافيا السابقة)

رابعا: الأخلاق ليس مصدرها الدين دائما..هذا صحيح، فالأخلاق كانت عند عرب قريش في الجاهلية ولم يكونوا شياطين، بل كانت موجودة في أديان مصر وسومر وبابل وفينيقيا وروما واليونان..إلخ، لكن الأخلاق في ذات الوقت تتشكل وتنمو وتزدهر بفضل (الرعاية الدينية) و ما أسميه (بالإلحاح الديني) الذي يمنع الناس من ارتكاب الشرور خارج دائرة القانون، ويعطي سلطة مراقبة الضمير بعيدا عن ارتياح هؤلاء لعدم العقاب وإفلاتهم من سلطة الحساب، وهذا الذي ألهم بعض الفلاسفة للاعتراف بأهمية وجود الدين لاستمرار الأخلاق وضرب مثلا شهيرا (بأنه لولا الدين لسرقني خادمي)..

خامسا: المنظور الإسلامي في الأخلاق يتجاوز فكرة الخير والشر أصلا..بمعنى أنه أعلى من تقييم أي جهة أو شخص بمعيار الخير والشر، لاعترافه بنسبية ذلك التقييم واعتماده على رؤى بشرية قاصرة ذاتيا ومعرفيا، وخضوع هذا التقييم لعوامل العُرف والسياسة والمكان بشكل كبير، بمعنى أن أخلاقيات الإسلام كانت عامة وحاسمة (إفعل ولا تفعل) فقط لتكون ممثلة عن إرادة الله العلوية فوق الأعراف والمصالح، ويكون وضعها في القرآن نصا إلزاميا مطلقا لا يجوز تغييره أو الشك فيه بعُرف اجتماعي متغير..

تابع :

"إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" [النحل : 90]
"يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" [المائدة : 87]
"إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا" [النساء : 58]
"واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا" [النساء : 36]
"وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين" [القصص : 77]
"ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور" [لقمان : 18]

عمومية هذا الخطاب الأخلاقي شائعة جدا في القرآن وقد بلغت أكثر من 1500 آية بشكل صريح، ونص عليها بالمعنى والإشارة في جميع آي القصص الديني البالغة 1600 آية، وبالتالي صرنا أمام كتاب مقدس يحتوي في أكثر من 50% من نصوصه على الأخلاق والمعاملات..وهي نسبة كبيرة جدا بالقياس على أي كتاب مقدس آخر يحوي قصصا ويسهب في تفاصيل زمانية ومكانية أخلت بالمعنى والرسالة من وراء السرد، ويحكي تفاصيل حروب ونزاعات منتهية قبل آلاف السنين لم يعد لذكرها الآن أي منفعة، بينما قصص القرآن تحوي في كل تفاصيلها توجيها للأخلاقيات والحض على المعاملات والسلوك الطيب والسلام مع أي مختلف..

سادسا: كتب التاريخ جميعها خالفت هذا المنهج القرآني (الحديث + التفاسير+ التاريخ + الشروح) فلن تجد فيها حضا على الأخلاقيات بهذا الوضوح والكمّ، بل لن تجد فيها أي نظير لقوله تعالى مثلا "لا إكراه في الدين "[البقرة : 256] وعلى العكس من ذلك تحوي نصوص هذه الكتب أوامر بالإكراه والضرب والعقاب وقتل المخالفين، حتى أنها تضمنت موقفا عنصريا تجاه السود وطبقيا تجاه العبيد وجنسيا تجاه المرأة..

في المقابل لن تجد لهذه النصوص نظيرا لها في القرآن يؤكدها ويدعمها..وهذا كان سببا للقول بأن كل هذه الروايات (ظنية الثبوت) لا تقدم على المقطوع والمتواتر عند معظم جماهير المسلمين..لكن عند العمل نرى أن كثير من الفقهاء خالفوا هذا المنهج وقدموا المظنون على المقطوع إما لاستجلاب مصالح خاصة أو خوفا من الحاكم الذي كان يأمرهم آنذاك بأن يكتبوا وفقا لرغباته وميوله، ومئات من كتب التراث الديني صنفت بهذه الطريقة ولو حضرتك عاوز أسماء بعض هذه الكتب التي اعترف مؤلفيها أنهم كتبوها بأمر السلطان أو وفق ظروف سياسية أعطيها لك، علما بأن هذه الكتب مؤثرة للغاية في الفكر الإسلامي الحديث ، وهي تمثل حجر زاوية في فكر الإرهابيين الذين تنتقدهم..

سابعا: هذا ليس تبشيرا بالإسلام أو بخسا وازدراءا لأي معتقد آخر، وسبق شرحت في كتبي ومحاضراتي أن شريعة الإسلام ليست عقيدة بل تختلف وفق مصالح الناس وتتغير وفقا للزمان والمكان، وطرحنا الأدلة على ذلك..وأنا بهذا المقام لن أقارن بين هذا الطرح الإسلامي والطرح المسيحي، لأن شريعة المسيحية نسخت شريعة العهد القديم كمثال، وأعطت الأولوية للنعمة والتضحية والأخلاقيات المذكورة في (موعظة الجبل) على أي قانون آخر..وقدمت الحب على الكراهية بقول المسيح (أحبوا أعداءكم وافعلوا الخير دون مقابل)

الإنجيل كان واضحا في ضرورة التفريق بين الخاطئين وبين المؤمنين ، فالخاطئ يحب من يحبه فقط لكنه يكره من يخاصمه، بينما المؤمن يجب أن يصنع الفارق وهو أن يحب من يخاصمه ويعفو عن من يعاديه..(لوقا الإصحاح 6)

وفي هذه الجزئية يتشابه الإسلام مع المسيحية في استنباط شريعته من القانون الإنساني الوضعي أو من الدولة، وليس من مؤسسات الدين التي تتحدث باسم الرب، وتقديم الحب والخير والمعاملات على المصالح الشخصية والصراعات، وهذه القصة أخذت مسار إصلاحي كبير في التاريخ المسيحي انتهت للفصل بين الكنيسة والدولة منذ قرون، وصار أي قانون مدني يسمى (علماني) وأي قانوني كنسي يسمى (ديني) والذي يلزم مصالح الناس في الدولة هو العلماني المدني الذي يتمتع بالمرونة والواقعية إلى حد كبير..وما نقوم به كمثقفين وتيار ليبرالي ويساري وعلماني ورجال دين معتدلين ومستنيرين هو لخدمة ذلك الإصلاح في الفكر الإسلامي كي تعود شريعة المسلمين لوضعها الأساسي التي بنيت عليه في القرآن أنها مدنية دنيوية، وليست دينية ثيوقراطية كهنوتية..

ثامنا: ومع ذلك ستجد قصور في تعريف الأخلاق الإسلامية عند كثير من الفقهاء، والسر يعود لتعقيد الحياة الواقعية التي تعود في جوهرها لتعقيد الإنسان نفسه وميله للصراع والأنانية، فمن خلالهم لن تتعرف على أخلاقيات الإسلام بل ستتعرف فقط على أخلاقيات المذهب أو أخلاقه هو، وأنت كملحد يمكنك اكتشاف الفارق في سؤال واحد: أي منهما يجيب عن أسئلة حقيقية ؟..وأي منهم يعطي إجابات دقيقة؟..وهل تتوفر سمة الثراء الأخلاقي فيهم أم لا؟...

بمعنى هل ينشغلون أكثر في الحديث الأخلاقي العام وتحديد الجهة التي تستحق هذه الأخلاقيات منعا للالتباس والتأويل الخاطئ أم لا..فالبعض يحلو له الحديث عن الأخلاق لكنه يقصد ممارسة الأخلاق مع من يوافقونه الرأي فقط أو من هم على مذهبه ودينه وجنسيته وعشيرته، لكنه لا يفعل ذلك مع المختلف، ويحرمه من كل المكتسبات والثروات والسلطات التي صنعها لنفسه..وقد تعمدت ذكر هذه النقطة كي لا تبحث في الأخلاق عند الفقهاء وأنت على استعداد لتصديقه مهما أخطأ، أو تعمم أقواله واستنتاجاته على الدين الإسلامي، والأصح أن تبحث بنفسك في نصوص الإسلام وفقا للمنهج العلمي (لا السياسي أو الأيدولوجي والطائفي) فأكبر آفات تيار الملحدين المعاصر أن البعض منهم أو أغلبهم يبحثون في الدين من جانب السياسة والطائفة، لكنهم ليسوا متجردين بشكل علمي يدفعهم للإنصاف أو فهم من يختلف معهم وينتمي لهذا المعتقد كحق إنساني أصيل..

ودمتم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال من فضلك ؟
فارس الكيخوه ( 2023 / 8 / 21 - 23:07 )
تحية طيبة للكاتب...كتبت وتقول - أن ديني الإسلام يرفض هذا - اي يرفض معاقبة الملحد أو المرتد عن دينه .من أين جئت بهذا ومن اي نص استندت ؟ أليس من ترك دينه يقتل ؟ ولكن دعني أسألك سؤال من فضلك وانت تدافع عن دين في باب نقد الفكر الديني..هل انت فخور بتراثك الديني ؟
تحياتي...


2 - الاستاذ فارس
احمد علي الجندي ( 2023 / 10 / 28 - 12:21 )
تحياتي
الكاتب له مقالات ترفض حديث من بدل دينه اقتلوه
وله مقالات طويلة تهاجم التراث الاسلامي
ما اقصده ان الجواب على سؤالك تجده في مقالات الكاتب سواء هنا او على موقع اهل القران

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب