الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحددات الموضوعية لدور مصر في الوطن العربي

أميرة أحمد عبد العزيز

2023 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


في سنة 1984 كتب الفيلسوف العربي الدكتور عصمت سيف الدولة دراسة بعنوان (المحددات الموضوعية لدور مصر في الوطن العربي)، أعاد نشرها وتقديمها المهندس محمد سيف الدولة سنة 2003 تحت عنوان (مصر والأمة العربية).
ربما يكون (الغزو الأمريكي للعراق) ودور مصر في هذه الفترة هو ما حفز المهندس سيف الدولة لإعادة نشر الدراسة، والذي تعرض لذكره في مقدمته لها مع عدة تساؤلات أخري تخص أحداث سابقة وعن تصور شكل الصراع في المنطقة قبل توقيع مصر اتفاقية 1979 مع (إسرائيل)، ولا استبعد أن هذه الدراسة –بشكل ما- كانت المدخل لدراسة أخري كتبها المهندس سيف الدولة وهي (الثورة على الكتالوج الأمريكي لحكم مصر)، فدراسة الدكتور كفيلة لفهم المشكلة التي تتلخص كما أوضح المهندس سيف الدولة أن الوطن العربي بعد كامب ديفيد قد فقد مصر بعد أن سلبت منه بخروجها من الصراع، وقد كان هذا تراجعا لصالح المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة وعليه يكون الدور الآني الوطني هو استعادة مصر إلي محيطها العربي.
(المحددات الموضوعية لدور مصر في الوطن العربي) دراسة علمية ليست عاطفية، كما هو واضح من عنوانها، اهتم كاتبها الدكتور عصمت سيف الدولة بدراسة ظاهرة مصر بشكل موضوعي متجنبا الرغبات والأهواء والعواطف ومطبقا منهج (جدل الإنسان) لفهم المشكلة المحددة موضوعيًا في الواقع المحدد موضوعيًا بغاية الوصول للحل الواحد الصحيح المحدد موضوعيًا، وسأحاول سرد الافكار الرئيسية للدراسة في هذا المقال:
1- لمصر محددان يشكلان دورها في الوطن العربي، وهما متناقضان:
أ‌- أولهما المحدد الجغرافي:
- ويرجع للماضي الإقليمي لمصر قبل الفتح العربي الإسلامي، حين كانت مجرد إقليم تمثل بموقعها الجغرافي قوة جذب للقبائل الغازية فيما يليها شرقًا وغربًا وجنوبًا، ومن الشمال حيث الشعوب على البر التاني تأتي إليها بهدف الغزو والنهب. ولم تصل الجماعات التي حاولت الاستقرار بمصر إلي مرحلة الاختصاص الكامل بالأرض لتصبح أمة بالمعني الاجتماعي مثل الشعب الفارسي -مثلا-. فقد أعاق الصراع الداخلي والخارجي الوصول لهذا الطور من التطور، مثلهم في هذا مثل القبائل والشعوب المتواجدة في المنطقة من المحيط للخليج قبل الفتح العربي الإسلامي.
- خلال حكم الأسرات وفيما بعد بدخول الفرس واليونان والرومان والبيزنطيين وحتى الفتح العربي الإسلامي تبين بالخبرة التاريخية أنه لا يمكن الدفاع عن أرض مصر من داخلها وعلي كل من يريد حماية أمن مصرأن يلحق بالأعداء والغازين إلي خارج حدود مصر ويحفظ أمنها بأمن الخارج وهذا يرجع للمحدد الجغرافي لإقليم مصر، كما تبين أهمية أمن الشام -خاصة- للحفاظ على أمن مصر، مما جعل حكام مصر يحاولون في البداية إخضاع هذه المنطقة لحكمهم، ثم بتفكير أكثر تقدمية قاموا بعمل التحالفات والمعاهدات للدفاع المشترك مع سكانها تأكيدًا لفكرة المصير الواحد، ولقد كان سقوط سوريا مؤذنًا دومًا بغزو مصر، وهذا الذي لم ينتبه له البيزنطيون ففتحت مصر بسهولة من قبل العرب سنة 642 وتعربت فيما بعد.
ب‌- المحدد التاريخي لدور مصر في الوطن العربي (التكوين القومي)
- وقد حدث بعد الفتح العربي لمصر، وقد انتشر الإسلام بها ليصبح أغلب الناس مسلمون، وقد تم إلغاء الحدود بين الشعوب والقبائل من المحيط للخليج في إطار الإمبراطورية العربية الإسلامية (هذه الشعوب والقبائل التي لم يكن وصل بهم التطور ليصبح أيهم أمة بسبب الصراعات التي تعوق التطور وغزو الأجانب من فرس وروم وبيزنطيين) فلما وفر لهم الإسلام الاستقرار؛ واللغة العربية لغة مشتركة؛ والدين الإسلامي عقيدة ومنهج حياة؛ شكل هذا كله على الأرض حضارة مشتركة لأمة وليدة من رحم الاسلام هي (الأمة العربية).
- لم تعد مصر قوة جذب للغزاة بل جزء آمن منعم في الأمة العربية ولم تعد مسئولة عن الدفاع عن نفسها بل تدافع ويدافع عنها الأمة مدافعة الكل عن الجزء والجزء عن الكل.
- وقد صارت عاصمة الدولة الفاطمية، وفي عهد الدولة العباسية بعد سقوط بغداد سنة 1258، ولم يكن الأمويون والعباسيون والفاطميون سوي أحزاب عربية تتصارع لحكم الأرض العربية.

2- طبقا لجدل الإنسان كل مشكلة موضوعية لها حل واحد صحيح محدد موضوعيًا، وعليه لا يمكن الرجوع لمصر الإقليمية التي كانت عائق لتطور البشر فيها وتحررهم من الخواجات واكتسابهم حريات جديدة، وما ينطبق على مصر ينطبق على بقية المنطقة من المحيط إلي الخليج، وقد عبر التكوين القومي كحلا يتجاوز الصراعات والغزو بهذه المنطقة وانطلاقًا من ضيق الحياة بالناس في هذه الأرض والتطلع لاكتساب حريات مضافة، ولم ينشأ من فراغ بل من واقع تطلبه ومن وحدة المصير المشترك بين سكان هذه المنطقة التي أصبحت بعد ذلك (الوطن العربي)، فكان التكوين القومي عملية نمو وتطور.
3- تأكيدا لفكرة المصير المشترك نستطيع أن نسرد أمثلة قبل سقوط الامبراطورية العربية وبعدها، ففي ظلها تبين هذا من معاركنا مع الصليبيين لتحرير الأرض العربية، وكذا من معاركنا مع التتار، ولقد كان حين تضعف السلطة المركزية يسعي الولاة لتوحيد ما يستطيعون توحيده تحت قيادتهم كمصر وسوريا -بالأساس- ومصر وسوريا واليمن الحجاز. ولما جاء العثمانيون فأسقطوا الخلافة العباسية تماما ودولة المماليك وقسموا الوطن العربي، لم يكن ليأتي حاكم قوي وتواتيه الفرصة حتى يوحد مصر مع الشام على الأقل أو مصر والشام والسودان ومتطلعا لوحدة الوطن كله.
4- بالاحتلال الانجليزي تعطل دور مصر في محيطها العربي وقد حدث ما حدث في باقي الأقاليم العربية التي احتلت من الفرنسيين والإنجليز والإيطاليين، والتي كان احتلالها معبرا عن وحدة المصير والأمة الواحدة التي كان الغرب يقسمونها دولًا لسهولة امتصاصها، كما صنعوا (إسرائيل) اصطناعًا للحول دون الوحدة وتطور هذه الأمة.
5- إن دولة مصر التي صنعها الاحتلال والمعنية بالمحدد الإقليمي تقف عائق أمام دور مصر طبقا للمحدد التاريخي المرتبط (بالتكوين القومي)، فهي تعزل الشعب العربي في مصر عن أمته العربية وعن المشاركة بفاعلية في معارك التحرر الوطني مثل المقاومة لتحرير فلسطين من الصهاينة، مثلها مثل بقية الدول العربية التي يسجن فيها الشعب العربي داخل أقفاص الدول المصنعة مما يحول دون اشتباكه مع بعضه البعض بفعالية ويحول دون تطوره، كما تسلبه إمكانية الأمة الواحدة بالاستغلال، تلك الإمكانيات الموكل بها تحقيق حاجات الشعب العربي كله أو أغلبه.
6- من الواقع تبرز المشكلات وتظهر إمكانيات الحل، فإذا كان التناقض بين الدور الإقليمي لمصر المتجسد في مصر الدولة من ناحية والدور القومي لمصر الذي لا يتجسد إلا في دولة العرب القومية من ناحية أخري، فيكون إلغاء دولة مصر وكل الدول المصطنعة من المحيط للخليج لصالح دولة الوحدة هو الحل.
7- أما عن كيف؟ حيث مشكلة الأسلوب، فلا يكون هذا عبر صيغ الجبهوية أو الاتفاقيات الثنائية وغيرها أو تشكيل مثل الجامعة العربية، فتلك صيغ تجازها الحل القومي منذ أكثر من 1400 سنة، كما أن هذه الصيغ تخص علاقات الدول مع بعضها، والأمة العربية وطن واحد تستحق أن تكون دولتها محددة بالمحدد التاريخي الموضوعي.
8- أما عن الطريق الصحيح ؟ وكيف يتحقق ذلك؟ فذلك بأن ترفع الدول العربية يد القهر عن الشعب العربي ليلتحم، وسيكون طريقًا ديمقراطيًا حيث أسلوب الشعوب في تحقيق غايتها، أما عن أسلوب إلغاء الدول الإقليمية لحساب دولة الوحدة فهذا راجع لحكام هذه الدول فأما أن يخضعوا لإرادة الشعوب ببساطة، وإما أن يناهضوها وفي هذه الحالة يصبحوا هم المسؤولون عن أي أسلوب يتخذه الشعب العربي لفرض إرادته وتحقيق وحدة أمته.

خاتمة:
ثمة من يشير أن الحديث عن الوحدة العربية لم يعد ذو محل من الإعراب اليوم ونحن سنة 2023، فهل هذا حق؟
- الصحيح فيما أري أن الواقع لم يتغير عما سرده الدكتور سنة 1984 ولكنه زاد تعقيدا ويزداد الصراع بين المحدد الإقليمي والتاريخي في مصر والوطن العربي.
- الذي يقول اليوم أن فكرة الوطن العربي فكرة مثالية وأن لكل دولة مشاكلها والتي تختلف بها عن بقية الدول العربية، كما يوجد اختلاف في اللهجات والطبائع، وبينا حائل آخر هو الطائفية والحزبية..
أقول له أن هذا لا يعني إلا أننا نعاني من صراعات وتخلف ديمقراطي -كما تعلمنا- ولا يحل هذا المزيد من التفسخ، بل كما يقول الدكتور عصمت سيف الدولة في مقاله (دعوة عقيمة للأرض الطهور): (ليس ثمة دولة مستقرة أو قابلة للاستقرار بدون صراع داخلي إلا الدولة القومية، دولة واحدة لكل أمة) الحل إذن هو إقامة الدولة الواحدة.
- وفي مصر -مثلا- يختلف الناس في اللهجات والثقافة تصل لحد صعوبة فهم أهل القاهرة لأهل الصعيد والنوبة، كما يختلف الناس دينيا إلي حد الصراع أحيانًا، ويختلفون فكرًا وينقسمون أحزابًا على مشكلات منها مختلق ومنها حقيقي، وإذا انطلقنا من أن كل اختلاف يعني انفصال نصل بهذا لمنظور على شاكلة النظرية الصهوينية في تكوين الأمم، أو النظرية (الماركسية) بأن الدولة دولة طبقة.
وللتذكير فطبقا لمنهج جدل الإنسان وقانون تطور المجتمعات ونقلا عن نظرية الثورة العربية للدكتور عصمت سيف الدولة فيما ذكره عن الوجود القومي:
1- إذا اجتمع اثنان وتطورا معا، خلال الزمان، فإن هذا يعني أن ثمة مشكلة، أو مشكلات، مشتركة بينهما لا تحل إلا بارتباطهما، وتطورهما، معًا. وهما يحلان تلك المشكلة أو المشكلات عن طريق تبادل المعرفة فيعرف كل واحد منهما ما هي المشكلة المشتركة وكيف نشأت، وتبادل الفكر بينهما فيعرف كل واحد منهما وجهة نظر الآخر في كيفية حل المشكلة، وتبادل العمل، أي مساهمة كل واحد منهما بجهده في حل المشكلة المشتركة وإشباع حاجتهما المشتركة.
2- والإضافة إلى الاثنين، خلال الزمان؛ تمد أبعاد المجتمع الصغير، أو الجماعة، على مستويات ثلاثة: امتداد أفقي حيث يتعدد الناس وحيث يحمل كل فرد حاجته معه وتتعدد المشكلات الفردية بتعدد الافراد. وامتداد رأسي يبدأ بالحاجة الفردية إلى الحاجة الجماعية أو المشتركة. واتجاه إلى المستقبل حيث تنشأ كل يوم مشكلات فردية وجماعية جديدة تضاف إلى ما كان موجودًا وتكسب كل مشكلة اولويتها في الحل بقدر ما تكون حادة ومشتركة … وهكذا. (انتهي الاقتباس)

- وبالتالي الاختلاف في الحاجات بين الناس في الأمة الواحدة أمرًا طبيعيا لكنه لا يحل بالصراع بل بالجدل، والحديث عن الاختلافات بين الناس في المجتمع واختلاف حاجتهم وأفكارهم ووجود صراعات بين هذه الحاجات لا يعني أننا لسنا أمة واحدة وإذا سرنا مع هذا المسار لآخره لتوصلنا إلي الفرد الواحد -وهذا فيما نعلم- مستحيل.
- مع طول أمد التجزئة والاحتلال والتبعية والاستبداد تتفاقم الأمراض من أصل المرض الرئيس، فمشاكل الصهيونية مثلا افرزت صهيونات بشكل مختلف في الوطن العربي، وتظل الغايات الرئيسية كما هي لم تتغير وأن زاد حجب الطريق نحو التحرر والحرية، ويظل الحل الجذري هو الثورة العربية الواحدة.
- حتى قيام (الثورة العربية الواحدة) علينا العمل على إزاحة العقبات نحو الطريق الصحيح للحرية والتوعية بالواقع الموضوعي والمشاكل الكبري والغايات الرئيسية لحرية الشعب العربي (القضاء على التجزئة والاستعمار والاستبداد والاستغلال).

- والسؤال عن ما الذي يجعل الناس تصدق أن الثورة العربية وتحقيق الوحدة تنجينا من الاستبداد والاستغلال الفردي أو الحزبي ولا تنشأ عصبيات حاكمة؟ الجواب هو الناس أنفسهم، فتشكيل أداة الثورة إن كان تقدميًا شعبيًا سيكون نجاحا للثورة وخطوة في بداية عهد جديد لحريات جديدة في الأمة وللأمة العربية في دولتها العربية الواحدة. وسيكون علينا مثل أي أمة حرة أن نتربص للاستبداد حيث هو وفي أعشاشه، والاستمرار في التوعية بالجدل الإجتماعي والعمل الجدلي والعمل الجماعي بدلا عن طلب ضمانات مجانية للمستقبل.

لنعلم أنه صراع دائم بين الخير والشر؛ والاستبداد والحرية؛ والشعوب والمستبدين ومن لديهم نزعات استبدادية، وكسب الصراع لا يعني الحفاظ على هذا الكسب دون العمل المستمر والتطلع لمزيد من الديمقراطية والحرية واشتراك الناس في الجدل الاجتماعي بفعالية، فإذا تخلي الناس عن طريق الجدل الاجتماعي تراجعت الديمقراطية وتقدم الاستبداد والتخلف.
كتب الدكتور عصمت في كتابه (الاستبداد الديمقراطي):
((كل خطوة فكرية أو قانونية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو تربوية تحرر الشعب من التخلف الديمقراطي هي خطوة ديمقراطية نحو النظام الديمقراطي. وهنا - أخيرا- تكون كل ردة فكرية أو قانونية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو تربوية عما اكتسبه الشعب فعلا هو هدم وتدمير وانهيار في بناء الديمقراطية غير المكتمل يعود بالشعب إلى بداية الطريق ليدفع - مجددا ـ ثمن التقدم نحو الديمقراطية، كأنه تنتالوس ملك فريحيا الذي تقول عنه الأسطورة الإغريقية انه لم يطع الإله زيوس فجازاه بأن سلط عليه ظلما شديدا فوضعه وسط بحيرة ينحسر ماؤها كلما هم بشربه وعلق فوق رأسه أغصانا ثقيلة بالفاكهة تبتعد عنه كلما حاول الوصول إليها))

وعودة إلي البدء، فنقول: إن من يطرحون انتهاء عهد القومية العربية يريدون العودة للمحدد الإقليمي ولا يستوعبون أن العودة للماضي مستحيلة، وما يحدث اليوم هو صراع ناتج بين الازدواج بين الدور الإقليمي والدور القومي، والحل لا يكون إلا باستقرار الأكثر تطورا أي المحدد التاريخي (التكوين القومي).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحفظ عربي على تصورات واشنطن بشأن قطاع غزة| #غرفة_الأخبار


.. الهجوم الإسرائيلي في 19 أبريل أظهر ضعف الدفاعات الجوية الإير




.. الصين... حماس وفتح -احرزتا تقدما مشجعا- في محادثات بكين| #غر


.. حزب الله: استهدفنا مبنيين يتحصن فيهما جنود الاحتلال في مستوط




.. مصطفى البرغوثي: نتنياهو يتلاعب ويريد أن يطيل أمد الحرب