الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب المياه بلون الغرق((قياسات المرارة) لإميل سيوران

رابعة خضر الخطيب

2023 / 8 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الحدس السيوراني ليس نوراني بل حدس متشح بالسواد، بالإضافة إلى الليل والأرق اللذان يتفتقان من بين كلماته.
الزهاد من أمثال سيوران يبحثون عن الصحراء لكن صحراء داخلية يمكن الوصول إليها بسهولة. التأمل في رأيه ليس هدفه إيجاد الله بل إقصاؤه.
سيوران غجري، مجنون يؤشر بأصابعه على المجانين الآخرين، يسدد سهامه للحياة لكنه يعيش، لا يتصالح مع الوجود. الموجودات مهما حاول، يتحمل وطأة الوجود لكونه يبدل اليأس مثلما تبدل القمصان.

الخلق عند سيوران ليس عملية تنظيم بل عملية تخريب، ليس تنسيقا بل كركبة، ليس تجميعًا بل بعثرة، حين خُلق العالم بدأ الخراب، وحين يخلق المبدع فإنه في المقابل يمارس عملية تخريب.


يقول في شذرة: "لي يوميا خلوات مع هيكلي العظمي، وذا ما لن يغفره لي لحمي أبدًا"
هنا يجمع سيوران بين الموت والحياة، بين وفرة مصاحبته للموت وشح الثقة بمواعدة الحياة، إذ يعبر عن هذه المفارقة بتعبير شعري بامتياز، الموت رفيق العظام ببنما اللحم رفيق الحياة فهل تخلى سيوران فعلا عن شعريته؟

وفي شذرته ""المياه كلها بلون الغرق ""
هذه الشذرة بحد ذاتها تفضح شعرية وفنية سيوران، حيث أراد التعبير عن لا جدوى الحياة وعبثيتها وتشابه كل شيء فيها كالزمان والمكان من حيث العدم الذي يخيم فوق كل شيء، وتظهر هذه الشعرية باستقائه المياه باعتبارها رمز للحياة، ومن ثم ادخال كلمة لون على الجملة معتبرا أن الحياة لها لون واحد فقط هو الغوص باللامعنى ..


يقول أبضًا" الصيرورة احتضار بلا خاتمة"
وفي أخرى يقول:" الحزن شهية لا تشبعها أي مصيبة" مثل
وكأنه يعمل مطابقا بينهما الحزن/ الصيرورة...
الاحتضار عنده ليس مجرد لحظات قليلة من الحياة بل إن الحياة بأكملها عنده هي احتضار مستمر، احتضار بلا نهاية، احتضار لا ينقطع. إنه لا يريد للصيرورة أن تتفتح،بل يريدها أن تنكمش نحو الداخل، أن تتقلص ,,
إنه يضيق ذرعا بالزمن، لكنه أيضا يشعر بالتقزز من الخلود، إنه يدشن للتقزز من كل شيء، للجلوس واللامبالاة. بالنسبة إليه السموم في كل مكان في الزمن وفي الأبدية على حد سواء فالمتصوف برأيه شخص صبياني لم يعي أن المياه كلها بلون الغرق بلون اللاجدوى

الله عنده هو الألم وحده، لأن الألم وحده هو الحاضر في كل شيء بلا استثناء، الله هو تشنجات عواطف نشوة تزيل الموسيقى عنها اللثام عزف الأرغن يكشف تلك الكيمياء الإلهية.

الدين في نظره من صناعة اللصوص الحرامية الذين يختلسون خفية الأساطير،وماهية المتدين لا نسبرها من إيمانه ووثوقه ومعتقداته بل من رغبته الملحة وتوقه إلى استمرارية المعاناة إلى ما بعد الموت.

يسخر سيوران من الكلبية التي انتقدت الحياة الانسانية على اعتبار أنها أولت الانسان اهمية أكثر مما فعل الدين، أي بسخرية كبيرة يعتبر ان حتى انتقاد الانسان يعني إيلاءه أهمية.

الإيروسيين عند سيوران أولئك الذين يصلّون للملل ويبتهلون الذين لا يثقون بالحب، الرغبة عنده هي عراك، هي حرب، مصارعة بين التعفف والزهد وبين الجشع والطمع،بين الامتناع وبين الانفلات.
تعاسة الحب برأيه هي التي انجبت التاريخ، هي التي انتجت المزيد من التعاسة يقول:" لوكان آدم سعيد في الحب لجنبنا التاريخ".
يرى أن السخرية غير ممكنة من دون تاريخ شخصي مع الخيبات العاطفية والجنسية.
الجسد في نظره بلا رحمة وحش، رغبة الاستمتاع والتلذذ عملية خبز وعجن، إعادة تحويل من العطف إلى العنف.
في الجنس ينقلب الكبرياء إلى مسخ، إنه إيقاظ للحيوان الذي يصرخ عاليا لحظة انهيار القداسة أمام النشوة. النشوة التي تكشف عن قرديّتنا، التي تعيد الكرامة المسلوبة للشمبانزي أمام الإدعاء الانساني المغتر.

الموسيقى لديه هي ميتافيزيقا، هي ماوراء، عالم آخر ، حيث يكون الله مدينًا للعازف باخ حيث تكون التيولوجيا جوفاء بلا موضوعها بلا موسيقى. ومع ذلك يعود ليتذكر كيف أن اللحن لا يفعل شيء أمام لحن مقطوعة الاستحالة المزدوجة، أمام هذه الانغام التي تتبدل في مقطوعة الحياة والموت معًا. لكنه يعاود الاستسلام والرضوخ أمام إجلال الموسيقى حيث يكون الفائق الوصف عبارة عن لغز مسموع، هذا اللانهائي المحسوس من دون إمكانية اصطياده، الانجذاب نحو تلك الفتنة، الغواية الموسيقية التي لو استسلمنا لها كلها لكنا جننا، فقدنا عقولنا من الغبطة.
الموسيقى عنده آهات، فيزياء الدموع إذ نسقط من دون وعي في تهريج ودجل الجميل، في القدرة الشريرة للأنغام.

التاريخ عنده ولادة حتمية الشقاء، أحداث الزمن هي أورام خبيثة، أمراض مستعصية، بالإضافة إلى اعتباره أن الحركة هي الجنون وليس السكون وأن ذاك الاستنكار والرفض والوقوف غي صف الشيطان ما هو إلا رفص للانسان الإنسان الذي يتطور عقليًا وذهنيا،استهجان للوعي، وعي الانسان ، الانسان منبع الخراب. يساوي سيوران بين الثائر والمؤمن والمجرم أولئك هم مدّاحوا التاريخ، المدافعون عنه باستماتة، في حين يجب التعامل مع التاريخ بلامبالاة، بتجاهل أن نزهد فيه زهدًا كلبي.
العصر الأخير يعزز في نفسه الشوق والت ق إلى نا قبل التاريخ، إلى ما قبل الكون، إلى الصمت إلى العماء الأولي، ربما فوضى العصر هي أحد التباشير بالاقتراب من العودة إلى الانكماش الأول للمادة.

للقلق عنده شارع مؤدي إلى التقوى، حيث يكون القلق والشعور بالخطر يصبان فيمصلحة الشعوب، حيث أن حالات العصاب والهذيان برأيه يتفجران في حالات الرخاء وغياب القلق.

الحقائق عند سيوران هي قرقعة أنغام، رنين ألفاظ، الحقائق أجراس الكلمات المطربة.

لا يرى سيوران الموت عبارة عن فقاعة مظلمة جوفاء، بل يراه حلم وردي، حلم ملون لا يراه أولك المصابون بعمى الألوان، يلتفت سيوران للموت باعتباره ملجأ، حبل نجاة، حيث لم يكن الموت بحد ذاته هو المسكن لأمراض الوجود بل الإصابة بعقدة الموت، العقدة هي التي تربطنا بالحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا