الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقطات الفلسفة البنيوية (2) النزعة الانسانية

علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)

2023 / 8 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


البنيوية بحسب النقاد الماركسيين لها, يلازمهم ومعهم (سارتر) وأقطاب الوجودية الحديثة مثل هيدجر, ياسبرز , مارسيل جبرائيل (فقط بمنطلقات متباينة مختلفة كما سيتضح معنا لاحقا),يجمعون على ان البنيوية ألغت في فلسفتها مسألتين على جانب كبير من الأهمية في تاريخ الفلسفة,(الذات / والانسانية) واقصتهما نهائيا من التفكير الفلسفي ب (المطلق),بما يترتّب عليه نسف التاريخ الفلسفي السابق على البنيوية المتمركز حول الذات بمعناها الانساني الشامل منذ مقولة برتوغوراس 400 عام ق.م "الانسان مقياس كل شيء".ان لم يكن نسف ضرورة ذلك التاريخ في عزل البنيوية الانسان كمحوروجودي مركزي بالحياة في جميع وعلى امتداد تاريخ الفلسفة القديمة والمعاصرة.
قبل التطرق لرد البنيوية على الماركسيين والوجوديين في الغائها الذات الانسانوية كمرتكز الحياة, نرى انه من المتعذّر لأي جديد في الفلسفة الغاء(الذات)والغاء(النزعة الانسانية ) من الفلسفة, وماذا يتبقى منها بعدئذ بعد نزعهما؟ ولمن تخاطب او تكتب من أجله أو له؟ معظم تاريخ الفلسفة في أشد تجريداته وميتافيزيقيته الفلسفية لم يكن الانسان غائبا ولا مغيّبا منها,كمحور مركزي في التفلسف (مرسل ومتلقي)(فاعل ومنفعل)(وجود وقضايا)(كينونة وجوهر)(حياة وموت)(خير وشر) وهكذا, ليقوم العقل بعدها ترافقه حقول المعرفة والعلوم في اختصاصات الاجتماع ,علم النفس,الاقتصاد,السياسة,وامور عديدة لا حصر لها بدورها المكمّل أو المفارق المختلف , وفي مختلف شؤون الحياة المتعالقة بالفلسفة.
علما ان الوضعية المنطقية هي الاخرى كانت سبقت البنيوية في تجاهلها موقع الانسان المحوري في الحياة والوجود.وفي معرض دفع(سيباج) هذه المثلبة الفوضوية غير الرشيدة ولا محسوبة النتائج عن البنيوية يقول(ان كل ما ينتمي الى مجال الانسان لا بد ان يكون من صنع الانسان,ثم لا يصح ان نتصور البنيوية على انها نظرية تجعل أصل الانساق التي تفسر بها الظواهر الانسانية خارجا عن نطاق الانسان.)2,بمعنى ان البنيوية لا تلغي الاهتمام بالنزعة الانسانية من قاموسها الفلسفي كنسق بينيوي يخترقها ولا ضرورة وجوب الافصاح المباشر عنه..
كما ان الوضعية المنطقية حلقة فينّا رائدها الفيلسوف اوجست كونت (1798 – 1875) ومن بعده برنشفيك اهتمت بدراسة الظواهرالواقعية المادية فقط, متبنية شعار(ما لايمكن رصده لا وجود له) رافضة كل تفكير في الغيبيات واعتبرت الميتافيزيقيا لغو فارغ لا معنى له ,وان الوضعية هي التي تلتزم العلم في فهم الظواهر الطبيعية والبشرية.
في هذا الشعار للوضعية المنطقية يظهر جليّا تناقضها المثالي وفي تطرف ايضا(رغم ما تدعيه من عقلانية واقعية),ولا ارغب العودة وتكرار خطر وخطأ التفكير المثالي في اعتماد ان الفكر سابق على الوجود ومنتج له.ناقشت هذا الموضوع سابقا في فصل احد مؤلفاتي بعنوان(اللغة والاشياء) وفي اكثر من عشر مقالات اخرى منشورة موزعة على مواقع الكترونية عربية..
ان كل تجاوز ونفي للنزعة الانسانية فلسفيا, يجعل من تاريخ الفلسفة قبل البنيوية, تراثا كميّا استذكاريا من السرد الخيالي التجريدي لا نفع له , ولا علاقة صحّية تربطه بالانسان كوجود نوعي في الحياة التي نحياها على الارض.وأن تاريخ الفلسفة مدموغا بعدم الفاعلية الانسانية, انما تريده البنيوية خطابات من السرد المنطقي العقلي المتجرد,وأنساق فارغة أجترارية لمفاهيم موغلة في التجريد من جهة,وموغلة في الغياب من الاسهام في تغيير العياني الواقعي, والتي استنفدت جميع متبنيّاتها ومجالات تناولها البعيدة عن تحقيق حلول حيوية ماثلة في حياة الانسان المعاصر.
مؤكد اننا ليس بمقدورنا ان نصادر منطلقات فلسفية تشغل الباحثين عقودا طويلة في الفلسفة البنيوية قبل ان نتبيّن ردودها ووجهة نظرها وتعليلها لمثل تلك التوجّهات المصادرة للذات والنزعة الانسانية,خاصة ان ماتدّعيه البنيوية بانها بصدد قلب جميع المفاهيم الفلسفية السابقة عليها من اجل خلق انساق وبناءات خدمة العلم وتقدم الحياة الانسانية وهذا التوجه لا يخدم الغرض المعلن عنه بوسائلها المحدودة القاصرةعلى الاقل.
وليس من الواقع في شيء ان تخرج البنيوية الفلسفة من ذاتيتها الانسانية مهما كانت الذرائع التي ترفعها,على صعيدي التفلسف ,وصعيد التلقي الاستقبالي.ويطلق شتراوس على الذاتية انها احد اشكال الوعي البرجوازي التجريدي لذا هو يرفضها. في تعقيب عابر بسيط لا يمكننا تصنيف معيارية الذات من الناحية الانسانوية على انها طبقية وبذلك يكون مشروعية رفضها. النزعة الانسانية فوق الطبقية.
كانت البنيوية موفقّة في ادانتها لوجودية سارتر انها فلسفة مغرقة في ذاتيتها غير الانسانوية على مستوى المجموع,وهو شيء لا تنفرد به البنيوية عن سائر منتقدي وجودية سارتر,المغرمة بالتشاؤم والعدم ,واللاجدوى , وان الانسان قذف به بمحنة الحياة, حاملا حريته المسؤولة عن ذاته وعن ذوات الاخرين الذين هم الجحيم , وعليه يكون خلاص نفسه بقواه الذاتية منفردا من المأزق الوجودي كما في دعوة بوذا (ابحث عن خلاص نفسك وحدك).
كما أعتبرت ذاتية سارتر الفلسفية ذاتية متضخّمة ومتطرّفة لكن ماهو مهم اكثر, وجوب التفريق بين تأكيد سارتر(الذات الانسانية)التي يحاجج بها البنيوية ويحمّلها مسؤولية اضاعتها,وبين(النزعة الانسانية)التي تطالب الماركسية بها البنيوية لأضاعتها لها ايضا.
فالنزعة الانسانية التي يدّعيها سارتر في فلسفته هي غيرها النزعة الانسانية التي تريد الماركسية حضورها في الفلسفة البنيوية وتفتقدها لديها.و أن البنيوية مهما سعت وبذلت من جهد في ربط منطلقاتها الفلسفية بعلم النفس او الانثروبولوجيا اوالتاريخ,اوعلم الاجتماع او اللغة اوتاريخ الفلسفة وغير ذلك فهي بالنتيجة عاجزة عن تحقيق منجز تدّعيه بصدد اقامة (بناءات نسقية)تدّعم مسار العلوم وتساهم بتطويرها وتقدم الحياة بالتزامن مع اعلانها الفلسفي المتشدد ان دور الوجود الانساني في التاريخ اصبح خارج مقولات البحث الفلسفي والمعرفي.
يتبع في جزء (3)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل