الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصتان من علم النفس!

توفيق أبو شومر

2023 / 8 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


القصة الأولى هي تجربة علمية في علم النفس أجراها، البرفسور وعالِم النفس، مارتن سليغمان الباحث والمحاضر في جامعة بنسلفانيا، ورئيس الرابطة الأمريكية في علم النفس، عمره 81 سنة، وهو من أبرز علماء علم النفس الإيجابي، وهو ثورة على علم النفس التقليدي.
"أحضر البرفسور مجموعة من الكلاب، وقسمها إلى ثلاث مجموعات؛ المجموعة الأولى تعرضتْ لصدمات بتيار كهربي فترة قصيرة، ولكنها تمكنت من الهروب، هذه المجموعة عادت إلى حياتها الطبيعية بلا أمراض!
أما المجموعة الثانية فقد وُضعت في قفص، يمكن فتحُه بحركة سهلة، تعرضت فيه هذه المجموعة أيضا للصدمات الكهربية نفسها، بقيت في القفص مدة أطول لكنها تمكَّنت من الخروج، ظهرت على هذه المجموعة علامات الاستسلام والخضوع، واحتاجت إلى علاجٍ حتى شُفيت!
أما المجموعة الثالثة بقيت مدة طويلة في قفصٍ مغلق تماما، وليس هناك أية وسيلة لفتح القفص، تعرضت هذه المجموعة للصدمات نفسها، فظهرت عليها علامات الاستسلام التام بوضوح، اعتادت هذه المجموعة احتمال الصدمات الكهربية بدون أن يبدو عليها علامات مقاومة، استسلمت وتأقلمت مع واقعها الجديد، ولم تحاول الخروج من القفص!
لم تنتهِ التجربة، بل قام البرفسور نفسُهُ بنقل المجموعة الثالثة المستسلمة إلى قفص المجموعة الثانية، حيث توجد إمكانية فتح القفص بحركات بسيطة والتحرر من الألم، لم تحاول فتح باب الحرية والانعتاق!
استنتج البرفسور أن السجناء السياسيين في العالم حين يُغلقون عليهم السجون ويتعرضون للتعذيب كما تعرضت له المجموعة الثالثة، فإن النتيجة هي وصول كثيرٍ من السجناء إلى حالة الخضوع، وبرزت عند بعضهم الرغبة في الانتحار، وفضَّل كثيرٌ من السجناء السياسيين أن يتعاون مع سجانيه ويصبح جاسوسا والأهم من ذلك؛ أنَّ كثيرين من السجناء السياسيين نقلوا صراعهم مع سجانيهم إلى صراع مع بعضهم داخل السجن، وأصبح رفاقُهم في السجن أكثر عداوة لهم من سجَّانيهم، وانقسموا إلى مجموعات وفرق متصارعة!
أما القصة الثانية فهي قصة مشهورة أيضا، وهي قصة (الفلاح وكيس الفئران) وهي تحكي قصة فلاحٍ مصري بسيط كان يحمل كيسا من الخيش مملوءا بالفئران الحية وهو مسافرٌ في أحد قطارات الريف إلى القاهرة، وكان يجلس إلى جوار هذا الفلاح أحدُ المهندسين، لاحظ المهندس أن الفلاحُ يهزَّ الكيس بين الفينة والأخرى، سأل المهندسُ الفلاحَ عن محتويات كيس الخيش، قال الفلاح: "في الكيس عدد كبير من الفئران، اصطدتها لأبيعها لمركز الدراسات والأبحاث في القاهرة ليُجروا عليها التجارب العلمية، وهذا مصدر رزقي"!
سأل المهندس الفلاح مرة أخرى: ولكن لماذا تهزُّ الكيس بين الفينة والأخرى؟
رد الفلاح: "أنا أهزُّ الكيس حتى لا تتمكن الفئران من قرض الكيس المصنوع من الخيش لتحرر نفسها، فأنا أهزها باستمرار لتنشغل بمعاركها الداخلية بين بعضها البعض، لأن الفئران تعتقد أن حركة هزِّ الكيس ناتجةٌ عن مشاغبة وعبث بعض الفئران داخل الكيس، لذلك فهي تقتتل مع بعضها البعض، وتنشغل بحروبها الداخلية، وتنسى استخدام أسنانها الحادة لقرض كيش الخيش،
هكذا استثمر مسيرو عصر العولمة والتكنلوجيا الرقمية هذه التجارب العلمية، وظفوها لخدمة أهدافهم، فهم يهزون البشر المأسورين في شباكهم بالمشكلات الداخلية حتى لا ينافسوهم في ركوب قطار التقدم والرقي، ليظلوا رقيقا لأباطرة الألفية الثالثة، وهم يصعقونهم صعقاتٍ كهربية تنسيهم قضاياهم الرئيسة ومطالبهم المشروعة، يصعقونهم بأزمات، الكهرباء، والماء، وغلاء الدقيق والسكر، ومصارعات الأحزاب، وبحرارة الجو وبرودته، والإضرابات، والمباريات، وصراع الديكة في وسائل التواصل الرقمية!
هكذا أصبح إنسانُ عالم اليوم حقلَ تجاربٍ لكل أنواع المستحضرات ومنتجات عصر العولمة الجديد، فاستسلم معظمُ البشر ممن عجزوا عن المنافسة النهضوية التكنلوجية فائقة السرعة، وخضعوا بلا جيوش أو حروب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المثال لا يتماشى مع دروس التجربة
د. لبيب سلطان ( 2023 / 8 / 23 - 12:06 )
الاستاذ المحترم
ان تجربةالاستاذ سيلغمان لها معنى اخر أهم من مثالكم حول السجناء السياسيين ولا اعتقد انه اساسا ينطبق عليهم ( وسائل التعذيب ضدهم تفوق تيار كهربائي بل لانهائهم نفسيا او فيزياويا ولا تصح عليهم وفي قرائتي) انما درسها الاهم ان تطبيع الجمهور وجعله يعيش الامر الواقع دون اعتراض يجعل من الصعب حمله على التغيير او ايجاد حل لتغيير ، وكلما قل التدجين كلما ازدادت القدرة على التغيير
مثال اجده جيدا مانراه منذ شهور في اسرائيل من تمرد داخلي واسع ضد ناتنياهو حتى من الجيش ضد تغيير بسيط اراد اجرائه في مادة قضائية من الدستور..قارنه مثلا ان نظام الاسد غير الدستور ليصبح ابنه رئيسا للدولة ولم تخرج ولو مظاهرة واحدة
مع التقدير


2 - شكرا لمتابعتكم
توفيق أبو شومر ( 2023 / 8 / 23 - 15:56 )
،شكرا للإضافة إن ما ورد عن السجناء السياسيين اخترته ليناسب الواقع الفلسطيني فقط، لأن ، ما يمر به العربُ وبخاصة الفلسطينيون هو بالضبط خير مثال على التجربتين...عزيزي إن البند القضائي المعمول به في المحكمة العليا في إسرائيل اسمه بند (غير المعقولية) وهو يمنح المحكمة نقض قوانين لا تتلاءم مع قوانين الأساس في إسرائيل، إن إلغاء هذا البند من المحكمة العليا يعني تجريدها من صلاحياتها، وهو بالضبط ما تسعى إليه حكومة اليمين المتطرف، لكي يمارس المتزمتون اليهود هيمنتهم على بقايا اليساريين، إن الثورة الأسبوعية مدة 33 إسبوعا تعني الكثير في إسرائيل لأنها تقوض الديموقراطية، وتجعل الهيمنة للمتزمتين الحارديم، لأنهم سوف يفرضون قوانينهم الجائرة على النساء، ويلزمون اليساريين بالسجن يوم السبت وعدم الخروج من البيت، ويمنعونهم من أكل الخبز المختمر في عيد البيسح، ويمنعون الاختلاط في المنتزهات العامة وعلى الشواطئ.... مع تقديري واحترامي لكم

اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم