الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بسمارك وهتلر :أوجه التشابه و الإختلاف

يوسف نمير علي

2023 / 8 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان المستشار الألماني (أوتو فون بسمارك) ، العقل المدبر لتوحيد ألمانيا، ودكتاتور الرايخ الثالث ذو الشخصية الكاريزمية ، (أدولف هتلر) ، متشابهين في كثير من النواحي . كلاهما كانا رجلي دولة لامعين ، أتقنا التلاعب بمصالح الآخرين من أجل تحقيق أهدافهما. كلاهما مارس السياسة الواقعية ، وكانا على استعداد للطعن في الظهر، والتواطؤ، واستخدام أساليب غير قانونية بشكل صارخ للحصول على السلطة والهيبة، سواء لأنفسهم أو لدولتهم. و قد أظهر كلاهما بأن سياساتهما يهيمن عليها هدف واحد شامل طوال فترة وجودهما في السلطة.

إن الاختلافات بين رجلي الدولة هذين، رغم أنها دقيقة، إلا أنها كبيرة. هذه الاختلافات هي التي جعلت أحدهما يُذكر على أنه صاحب شخصية كاريزمية، وقائد لامع، وأحد أنجح رجال الدولة في التاريخ، والآخر على أنه بغيض، وشيطان، وأحد أكثر رجال الدولة شراً على الإطلاق. هذه الاختلافات هي، في معظمها، مجرد اختلافات في درجة الخصائص المذكورة أعلاه. باختصار، كان (بسمارك) يعرف المكان المناسب لوقف سياسته من أجل مصلحة الأمة الألمانية ، في حين كان (هتلر) لايعرف ذلك مطلقا. وبينما كان (بسمارك) راضيًا بأن يكون مستشارًا ويسيطر على الأمة من وراء الكواليس، كان على (هتلر) أن يكون القائد الأعلى للشعب الألماني. ويحكم بشكل شخصي جميع جوانب الأمة الألمانية بقبضة من حديد. وبينما أوقف (بسمارك) فتوحاته بعد تحقيق مكاسب معقولة وركز على تقوية ألمانيا داخليًا، ورغم أن (بسمارك) تبنى بعض القوانين القمعية من أجل تعزيز الأمة الألمانية ، فإنه لم يكن ليرتكب إبادة جماعية لهذه الأغراض، كما فعل (هتلر) ، حيث قتل الملايين من الأقليات في معسكرات الاعتقال أثناء حكمه.

جاء (بسمارك) و(هتلر) من مدارس فكرية سياسية مماثلة. وكلاهما كانا قاسيين تماما في القضاء على أعدائهما السياسيين من أجل تركيز السلطة في أيديهما. غالبًا ما أصدر (بسمارك) قوانين من أجل قمع نمو الأحزاب والجماعات التي اعتبرها خطيرة. في سبعينيات القرن التاسع عشر، ردًا على (منهج الأخطاء(1))، طرد (بسمارك) اليسوعيين ، وأغلق مدارس الكنيسة، وألغى الدعم عن الكنيسة. في عام 1878، فرض قانونًا يحظر الأحزاب السياسية الاشتراكية من خلال (الرايخستاغ(2)) لأنهم كثيرا ما عارضوه. كما قام (هتلر) أيضًا بالقضاء على أعداءه بشكل منهجي، ولكن بطريقة أكثر مباشرة ووحشية. في " ليلة السكاكين الطويلة " عام 1934 ، قام رجال قوات الأمن الخاصة ، بناءً على أوامر شخصية من (هتلر) ، بقتل المئات من أعضاء كتيبة العاصفة والعمل الكاثوليكي ، بالإضافة إلى رجال دولة بارزين مثل الجنرال (كورت فون شلايشر) وزوجته. كان الفارق بين الرجلين في هذه النقطة هو الوحشية التي نفذا بها عمليات التطهير، فقد فعل (هتلر) ذلك بعنف صادم وغير ضروري، بينما استخدم بسمارك بعض الاعتدال على الأقل.

لقد كان كل من (بسمارك) و(هتلر) ضد الأشكال الشعبية للحكومات مثل الديمقراطية. كان لكل من (بسمارك) و(هتلر) ازدراء مماثل للإشتراكية. قام (بسمارك) ببساطة بتأطير الاشتراكيين لمحاولة اغتيال الإمبراطور الألماني، بينما أحرق (هتلر) مبنى الرايخستاغ لتعزيز دعايته المناهضة للاشتراكية. اعتقد (بسمارك) أن ألمانيا يجب أن تكسب أي أرض تستحقها.

وفيما يتعلق بالشؤون الخارجية ، تصرف كلا الرجلين كما هو متوقع بعد مراجعة سياساتهما الداخلية، وكان (هتلر) يتصرف على هذا النحو إلى حد أكبر من (بسمارك) . كلاهما كانا عدوانيين للغاية، وحطما كل المعايير الدبلوماسية والسياسية السابقة واستخدما السياسة الواقعية بدلا من ذلك. غالبًا ما يعقد كل منهم معاهدة أو يقدم تنازلات، بحسن نية على ما يبدو، بينما في الواقع يفكر بالفعل في كيفية الاستفادة من إلغاء الاتفاقية في المستقبل القريب. ومن الأمثلة الجيدة على هذا السلوك "النسيان" المريح الذي أبداه (بسمارك) بشأن موافقته على السماح ل(نابليون) بالاستيلاء على بلجيكا ، وتنازله المذهل عن (هولشتاين) ومعها (كيل) للنمسا، وهجومه اللاحق عليها. بالإضافة إلى اتفاقيات (هتلر) المتكررة بالتوقف عن ضم المزيد من الأراضي من جانبه، كلها كانت غير صحيحة.

كان لكل رجل هدف مهم بالنسبة له، وهو الهدف الذي سيطر على جميع قراراته السياسية، المتعلقة بعظمة ألمانيا . كان (بسمارك) رجل دولة بارز في (بروسيا) في الوقت الذي لم تكن فيه ألمانيا الموحدة. لقد حاول، من خلال كل سياساته، توحيد جميع الولايات الألمانية باستثناء النمسا كأمة تقودها (بروسيا) . ومن أجل القيام بذلك، كان على استعداد لتنفيذ أي سياسة داخلية ضرورية، والذهاب إلى الحرب عدة مرات مع الدول القوية، والتضحية بأي شيء تقريبًا. كان (هتلر) أيضًا وطنيًا ألمانيًا قوميًا للغاية. لقد أصيب في الحرب العظمى الأولى، وكانت هزيمة ألمانيا هي أدنى نقطة في حياته. لم يكن يريد أبدًا رؤية ألمانيا وقد تحولت إلى مثل هذه الدولة الضعيفة والمفككة مرة أخرى، وفي الواقع أراد السيطرة على أراضي الإمبراطورية الرومانية المقدسة القديمة (الرايخ الأول) وما وراءها. ولهذا السبب، انتهك تقريبًا كل بند من بنود (معاهدة فرساي) ، وضحى بالملايين من مواطنيه في ساحات القتال في الحرب العالمية الثانية ، وقتل ملايين اليهود وغيرهم من "غير المرغوب فيهم" في معسكرات الاعتقال، ومرة أخرى، كان الفارق بين (بسمارك) و(هتلر) في هذه النقطة هو الاختلاف في الدرجة، كان هدف (بسمارك) معقولًا، وبمجرد تحقيقه أخيرًا، استمر في تحسين ألمانيا من خلال وسائل أخرى. من ناحية أخرى، كان لدى (هتلر) هدف ضخم وغير معقول، ليس أقل من السيطرة الكاملة على العالم الغربي، لدرجة أنه اضطر إلى اللجوء إلى العديد من الأساليب الشنيعة والصادمة لتحقيق ذلك، مثل عمليات تطهير الدم الألماني، وحربه ضد اليهود .

كان (بسمارك) و(هتلر) متشابهين في نواحٍ عديدة. وكانت أهدافهما وأسباب هذه الأهداف والأساليب المستخدمة لتحقيقها، متشابهة إلى حد كبير. يبدو الاختلاف بينهما (وهو اختلاف مهم) يجعل كل منهما يأخذ مكانه في التاريخ، بسيطًا نسبيًا، الدرجة التي كان كل منهما على استعداد للتخلي عن جميع الاعتبارات الأخلاقية ، من أجل تحقيق أهدافهما بأي ثمن.
________________________
(1)وهي وثيقة كاثوليكية تهاجم بشكل مباشر العديد من المؤسسات المهمة في ألمانيا.

(2)البرلمان الألماني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قمة مجموعة السبع في إيطاليا.. برنامج مثقل بالأزمات| #الظهيرة


.. ملاحظاتُ حماس على مقترح بايدن.. إعلان رفض أم مُسودة جديدة؟|




.. القوات الإسرائيلية تشتبك مع عشرات الفلسطينيين في جنين وتدمر


.. عروض تمثيلية لطلاب سوريين لدعم أطفال غزة




.. نافذة على الحرم.. الحجاج يواصلون القدوم إلى الأراضي المقدسة