الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعجاز العلمي افيون المتدين الشائع

أحمد الجوهري
مهندس مدني *مهندس تصميم انشائي* ماركسي-تشومسكي|اشتراكي تحرري

(Ahmed El Gohary)

2023 / 8 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مما لا شك فيه ان الدول الناطقة باللغة العربية تجد نفسها منسحقة امام الحضارة الغربية منذ قرون طويلة لان الغرب يقدم لنا كل شيء ونحن مجرد مستهلكين لما يقدمه الغرب من معارف واختراعات قفزت بالحضارة البشرية قفزات بعيدة جدا.
هنا يجد الانسان البسيط نفسه بلا قيمة حقيقية وسط الحضارة الإنسانية، مما يدفعه لخلق واقع موازي لكي يجد ما يتفاخر به امام الغرب فنجده يقول ان الغرب سرق حضارة اجداده القديمة، وهنا يقصد العصر الذهبي للحضارة العربية والتي شأنها شأن اي تجربة بشرية كان بها ما هو ممتاز وكان بها ما هو سيء الي أقصى الحدود ولكنه يتغافل عن امرين غاية في الاهمية وهما كالاتي:
1-ان علماء الطبيعة والفلاسفة في عصر الحضارة الاسلامية قاموا بحركة كبيرة لترجمة العلوم الغربية في زمانهم ودرسوها باستفاضة وقاموا بالبناء عليها، وهناك مدرسة فلسفية اسلامية تعرف بأهل العدل والتوحيد كما سموا أنفسهم او المعتزلة كما أطلق عليهم خصومهم، وهم وراء حركة الترجمة هذه.
اذن هل هذا يعطي الحق لأبناء الحضارة الغربية بوصف علماء الحضارة الاسلامية انهم سرقوا ارث اجدادهم في الحضارة الاغريقية القديمة؟
واعتقد ان هذا الصوت غير موجود في الغرب وان وجد فانه سيكون صوت خافت نظرا للفلسفة القائمة علي شيوع العلم كمنتج انساني للبشرية كلها.
2- إن العلماء الأوائل للحضارة الذين يتم التفاخر بهم اليوم للأسف الشديد في حياتهم تم تكفيرهم والتنكيل بهم وحرق كتبهم ومطاردتهم واخراجهم من بلادهم فقط لانهم كانوا من المعتزلة او الشيعة الاسماعلية، وللأسف الشديد هذا الشخص اليوم يتبع مجموعة من كهنة الاسلام الارثوذكسي/الحنبلي (الاشعري والحنبلي) وهؤلاء الكهنة هم ابناء من قام بتكفير علماء الحضارة الاسلامية في عصرهم.
اعلم جيدا أن عوام المسلمين يجهلون التاريخ الدامي للحضارة الإسلامية وعداءها الشديد مع علماء زمانها لقلة تناول هذه الحقبة وتاريخ مسكوت عنه ولا يجب الاقتراب منه ولأسباب تتعلق بالتكفير والتكذيب عندما يتم تناول هذه الموضوعات برغم ثبوتها تاريخيا.
و في رأيي الشخصي قد يرجع العداء للعلماء حينها لسببين.
السبب الاول هو التعاون بين الخليفة المتوكل واحمد بن حنبل حين اخرجه من السجن كان هذا الامر بمثابة موت العقلانية الاسلامية للابد حيث قاموا بالتنكيل والتخلص من المعتزلة.
وفي واقع الامر لم يكن الهدف ديني مطلقا ، فالدين هو مجرد غطاء لغرض سياسي بحت.
المعتزلة كفلاسفة كانوا يؤمنون بان الله لا يخلق افعال العباد وانه من المستحيل ان يتدخل في الطبيعة ،وعليه فهم قالوا بالحرية الانسانية وهناك نتيجة سياسية غاية في الاهمية مبنية علي هذا الامر الا وهي ان الحاكم اختيار بشري وما فعله البشر يمكن تغييره بأيديهم إن ارادوا دون الاعتماد علي تدخل ميتافزيقي من الاله. المتوكل أدرك خطورة هذا الامر فكان عليه الاستعانة بأكبر ابناء الفكر الجبري وامام الحشوية احمد بن حنبل.
والثانية هي وضع نظام كهنوتي عقائدي صارم من قبل الخليفة العباسي القادر بالله حيث وضع ما يعرف بالوثيقة القادرية وهي وثيقة تشتمل علي اسس الايمان الاسلامي الارثوذكسي السني الاشعري ومن يخرج عنها يتم تكفيره واهم محرماتها ( السؤال والشك والنقد) من هنا تم خلق نسخ دوجماتية مقولبة من المسلمين ليس لديهم اي عقل نقدي.
ويجهلون الوجه الحقيقي للحضارة الاسلامية ويكتفون فقط بصورة المدينة الفاضلة التي تم تقديمها لهم من قبل الرواة والمحدثين وفقا للهوي السياسي وليست كسرد تاريخي شديد الصراحة وبلا ابتداع.

علي مدار قرون كثيرة تقلص دور علماء الحضارة الاسلامية في انتاج المعارف نتيجة هذا الكهنوت الذي خلق بأيدي الحكام العباسيين.
وعلي النقيض فقد ازدهر دور علماء الحضارة الغربية في الانتاج المعرفي نتيجة لتخلصهم من سلطة رجال الدين وبناء حضارة ترتكز علي ركيزة اساسية وهامة الا وهي العقل.

كل هذا ينقلنا الي سؤال هام للغاية؟
ما الذي في وسع الانسان المسلم العادي ان يفعله تجاه هذا الانهزام الحضاري؟
هناك اجابتين في تقديري.
الاولي هي ان يقوم بعمل حركة اصلاحية في الفكر الديني المتسبب في هذا الركود الفكري ولكن للأسف الامر عصي للغاية فأي محاولة فردية لتجديد الفكر الديني في العصر الحديث كانت تقابل بهجمة شرسة من كهنة الدين الاسلامي سواء كانوا ابناء المؤسسة الكهنوتية الرسمية في مصر علي سبيل المثال لا الحصر المعروفة باسم الازهر او ابناء الاسلام السياسي (الاخوان والسلفين).
الجميع يتذكر ما حدث مع نصر حامد ابو زيد، فرج فودة، طه حسين، محمد احمد خلف الله وغيرهم الكثير. حيث تم تكفيرهم واهدار دمهم وللأسف استشهد فرج فودة علي يد ارهاب الجماعات الإسلامية نتيجة لتناوله بجرأة شديدة كشف زيف الابتداع المروي، ومن ثم فإن أي محاولة للتجديد تواجه بهذا السيل من التكفير وربما القتل.
الثانية وهي الاسهل والتي تم تطبيقها علي ارض الواقع الا وهي ان يبحث الانسان عن شيء يعينه علي صعوبة حقيقة واقعه الصعب كمسكن للألم.
دعوني اقتبس من كارل ماركس حينما قال "إن العذاب الديني تعبير عن العذاب الفعلي، وهو في الوقت ذاته احتجاج على هذا العذاب الفعلي، فالدين هو زفرة المخلوق المضطهد، وهو بمثابة القلب في عالم بلا قلب، والروح في أوضاع خلت من الروح، إنه أفيون الشعب." (المصدر: كتاب نقد فلسفة الحق عن هيجل تأليف كارل ماركس).
اصبح المسلمين في حاجة الي افيون يعينهم علي انهزامهم امام الحضارة الغربية ويوصلهم الي حالة الانتشاء حيث يتصورون في تلك اللحظة انهم متساوون تماما مع الحضارة الغربية.
فظهرت الحاجة لإنتاج نوع خاص من الافيون يقوم بهذا الدور وهذا الافيون عرف باسم الاعجاز العلمي.
في حقيقة الامر افيون الاعجاز العلمي ليس حكرا علي الدين الاسلامي فهي حركة قديمة ظهرت في اديان مختلفة مثل الهندوسية والمسيحية الخ.
ولابد ان يكون هناك اشخاص تقوم بعملية بيع هذا الافيون الي عوام المسلمين وهنا ظهر مجموعة من تجار هذا الافيون على الساحة مثل موريس بوكاي الذي يعد هو المحرك الاول لخرافة الاعجاز العلمي في القران (النص المقدس في الإسلام) حيث ادعي ان وصف الجنين في القران يطابق العلم الحديث.
لست هنا في موقع القاضي لكي احكم علي صحة او زيف الادعاء ولكني اردت ان اشير الي احد الاقوال التي قال بها.
ولكن في تجربة أشهر واكثر انتشارا لاحد اكبر تجار الافيون في عصرنا الحديث الا وهو مصطفي محمود هو طبيب مصري كان يقدم برنامج علي التليفزيون المصري يسمي "العلم والايمان" هذا البرنامج الذي ساهم في تدمير العقل الجمعي المصري بشكل خاص والعربي بشكل عام كان برنامجه منبر لبيع هذا الافيون حيث انه كان يشير الي ان كل الاكتشافات العلمية موجودة في القران منذ 1400 عام كان كالعطار كما وصفه الفيلسوف المصري الراحل فؤاد زكريا لديه خلطة لكل شيء.
في حقيقة الامر كل ما قدمه هذا العطار تاجر الافيون هو لا يرتقي الي منزلة العلوم الشعبوية فهو لم يكن علي علم حقيقي بأي شيء نجده في كتبه مثل اينشتاين والنسبية انه لم يفهم ما هي النسبية العامة او الخاصة ولم يفهم رياضيتها بالأساس ولا الاسس الفيزيائية للنظرية، كما نجد له مثال شهير اخر في كتاب له الماركسية والاسلام حيث قام بهجوم شديد علي النظرية الماركسية وهو هجوم طفولي سطحي يصدر عن شخص يمثل اقصي اليمين الديني بدون فهم حقيقي لمضمون النظرية الماركسية والمضحك في الامر انه قال ان الاشتراكية ذكرت في الاسلام منذ 1400 عام وكان الاسلام متمثل في القرآن الكريم هو الاصل لكل شئ واي شئ.
وللاسف الشديد الي وقتنا الحالي لايزال برنامجه وكتبه تقدم للناس علي انها حقائق علمية مع ان في واقع الامر كل ما قدم لا يتعدي التدليس والكذب وتحميل العلم ما ليس به لكي يثبت ان نصوص دينية ادبية بلاغية -متلاعبا بمفاتيح اللغة- تمثل مرجع علمي. واستمر الامر في التطور في السنوات الاخيرة حيث ان الثقب الاسود قد ذكر في القرأن الاكوان المتعددة ذكرت في القرأن الكواكب المشابهة لكوكب الارض التي يتم اكتشافها في مجموعات نجمية بعيدة ذكرت في القرأن الحمض النووي ذكر في القرأن وهلم جرا.
السؤال الان هل يوجد حقا معلومات علمية في اي نص ديني؟
الاجابة بشكل قاطع ونهائي لا.
لا يوجد في اي نص ديني حقائق علمية. ولا حتي اشارات. فالنصوص الدينية هي نصوص ادبية فكتب الفيدا و التناخ-الكتاب العبري المقدس والعهد القديم في المسيحية- والكتاب المسيحي المقدس -العهد القديم والعهد الجديد- والقرأن الكريم تحتوي علي نصوص دينية فقط ولا يمكن الاحتكام لها خارج سياق ديني روحي فهي ليست مصدر علمي او تاريخي.
في حقيقة الامر ان افيون الاعجاز العلمي يزيد من كسل المؤمنين بتلك الخرافات حيث انهم ليسوا في حاجة للبحث العلمي لان كل شئ موجود عندهم في كتابهم المقدس هم فقط في انتظار عالم غربي يعلن عن اكتشاف جديد حتي يقولوا انه ذكر في الاسلام منذ اكثر من 1400 سنة.
علينا ان نكون متسقين مع انفسنا فالاسلام دين والقرأن هو كتاب ديني للهداية الروحية فقط وتحميله اكثر من ذلك سوف يضعه في اشكاليات لا يمكن حلها نتيجة كثرة التناقضات الناتجة عن اعتباره مصدر علمي.
ولكي نخرج من تأثير هذا الافيون السام علينا نعيد بناء العقل العربي بشكل سليم.
يجب علي المسلمين ايقان تلك الحقيقة انهم منهزمين حضاريا وان اجدادهم قاموا بترجمة علوم اليونان القديمة وتطويرها ثم قام الغرب بترجمة اعمالهم وتطويرها مرة اخري. يجب عليهم اعادة بناء المناهج الدراسية لاخراج اجيال تعتمد علي الشك والتفكير النقدي يجب تقدير دور البحث العلمي. لنتخيل ان تلك الاموال التي تنفق علي هذا الوهم تم توجيهها الي البحث العلمي، سوف يخرج عدد كبير من الاوراق البحثية في مجالات مختلفة ومع الوقت سوف يزداد انتاجنا العلمي حينها يمكن ان نتقدم ونستطيع ان نقترب من الحضارة الغربية بانتاجنا العلمي وليس بادعاء ان انتاجهم هم موجود عندنا سابقا.
يجب علينا تحطيم تلك الاغلال التي كبلنا بها كهنة الاسلام والمسيحية في الشرق الاوسط يجب ان ندرك دور واهمية العلم الحقيقي ونبتعد عن العلم الزائف و نقلع عن تناول افيون الاعجاز العلمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ