الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجموعة مراكش 1984

حسن أحراث

2023 / 8 / 28
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


يوميات الشوط الأول من معركة الشهيدين الدريدي وبلهواري..

بعد صدور الأحكام ليلة 25/26 ماي 1984، احتدم النقاش في صفوف مجموعة مراكش 1984 حول الصيغة النضالية المطلوبة لمواجهة ظروف الاعتقال القاسية داخل سجن بولمهارز وعناصر الملف المطلبي. وقرّر مجموعةٌ من الرفاق في الأخير خوض إضراب لا محدود عن الطعام من أجل تحقيق ملف مطلبي شامل.
فيما يلي أسماء الرفاق المعنيين والأحكام الصادرة في حقهم:
- أحمد (جمال) البوزياني : 4 سنوات؛
- الشهيد بوبكر الدريدي: 5 سنوات؛
- كمال سقيتي (SKITI): 5 سنوات؛
- الحسين باري: 5 سنوات؛
- نور الدين جوهاري: 8 سنوات؛
- الشهيد مصطفى بلهواري: 10 سنوات؛
- عبد الرحيم سايف: 10 سنوات؛
- الطاهر الدريدي: 10 سنوات؛
- الفقيد الحبيب لقدور: 12 سنة؛
- حسن أحراث: 15 سنة.
أما الملف المطلبي، فنقطه الأساسية كانت كالتالي:
- الزيارة المباشرة لكافة أفراد العائلة وكذلك الأصدقاء؛
- وسائل الإعلام والتثقيف: الجرائد والمجلات والكتب والراديو والتلفزيون؛
- اجتياز الامتحانات (مُنع المعتقلون السياسيون في صيف 1984 من اجتياز امتحاناتهم على الصعيد الوطني)؛
- الإقامة في جناح ملائم وفي ظل شروط مقبولة (التغذية والفسحة والنظافة والتطبيب...).
واستقر رأي مجموعتنا (مجموعة العشرة) على يوم الأربعاء 4 يوليوز 1984 تاريخا لانطلاق المعركة؛ علما أننا قمنا بإخبار عائلاتنا وتأكيد خوضنا للإضراب اللامحدود عن الطعام. كان الإخبار مباشرا إبان الزيارة وعبر بيانٍ استطعنا إيصاله إلى العائلات والمناضلين خارج السجن بطُرقنا الخاصة رغم الحراسة المشددة والخانقة، هذه الأخيرة التي لم تكن مدتها تتجاوز حوالي خمس دقائق وعبر حاجزين حديديين يتوسّطهما مَمرٌّ يعبره الحراس دون توقف.
كان عشاؤنا الأخير مُمْتعا، وحاولنا تناول بعض المأكولات المُسبّبة للإسهال تفاديا لمشاكل الإمساك. وأقولها بحُرقة، كان آخر عشاء بالنسبة لرفيقينا الشهيدين بوبكر ومصطفى. ولن أنسى إذا نسيت أن الرفيق الشهيد مصطفى كان يردّد على مسامعنا باستمرار وبابتسامته المُحتشمة تعلّقه بفك الإضراب عن الطعام بعد انتصار المعركة بتناول وجبة سمك لذيذة.
سلمنا رسالة إلى إدارة السجن تتضمن الملف المطلبي وتوقيعاتنا، ولم تمُرّ غير ساعات قليلة حتى أتى فِرعوْن بولْمْهارز آنذاك "الهْراوي" فألقى برسالتنا أرضاً وأمام الجميع. وبسرعة فائقة، التقط الشهيد الرسالة والتحقنا بمقر خليتنا، أي الزنزانة (رقم 1)، لنؤكّد مرة أخرى على أن المعركة ستكون بدون شك ضارية وتتطلب تضحيات جسيمة.
ورغم إخبارنا إدارة السجن بالإضراب، تجاهلت الإخبار واستمرت في توفير نفس الوجبات لفائدة المجموعة ككل، هذه الأخيرة المُجَمّعة في "حيّ" واحدٍ معروف بحي العزلة أو "الجَرْبَة" (LA GALLE). وقد سُمِّي كذلك سابقاً بسبب عزْل المُصابين بالجربة في صفوف المعتقلين هناك.
لم يكن أمامنا غير الاستمرار في الإضراب ومقاطعة الزيارة، وطبعا مراقبة الوجبات الرديئة المُقدَّمة والخروج إلى الفسحة المُقيَّدة.
كان الأمر صعبا، حيث لم نكن نتناول غير الماء والسكر. ويوما بعد يوم، كان صمودنا يكبُر واقتناعنا بانتصار معركتنا يترسخ..
وتجدر الإشارة الى أنه بعد حوالي أسبوع من انطلاق معركتنا أعلن بعض الرفاق عن خوض إضراب عن الطعام وقدموا رسالتهم الى إدارة السجن، ولقيت بدورها نفس مصير رسالتنا.
استمر الوضع على ما هو عليه وفي تجاهل تام لإضرابنا/إضرابينا حتى الصباح الباكر من يوم الجمعة 20 يوليوز.
استفقنا جميعا مذعورين على جلبة فتح الزنازين بعد اقتحام جيش من الحراس لحينا. طُلِب منا "توضيب" أمتعتنا داخل العلب الكارتونية التي عملوا على توفيرها بسخاء ثم انتظار النداء علينا بأسمائنا.
نودي على الرفاق المحكومين ب 7 سنوات إلى 15 سنة (مضربين وغير مضربين)، وكان من ضمنهم الرفاق جوهاري والشهيد بلهواري وسايف والدريدي والفقيد لقدور وأحراث. وقيل لنا أن باقي الرفاق سيلتحقون بنا بسجن آسفي. وعكس ذلك تم ترحيل الرفاق المحكومين ب 3 سنوات إلى 6 سنوات إلى سجن الصويرة، وكان من ضمنهم البوزياني والشهيد الدريدي وسقيتي وباري. أما المحكومين بسنة واحدة وعددهم 5 (غير مضربين عن الطعام)، فقد أكملوا مدة سجنهم بسجن بولمهارز بمراكش.
سأحكي في هذه الإطلالة فقط عن رحلة اسفي، لأني كنت واحدا من "المستمتعين" بها. فطيلة الرحلة لم تتوقف شعاراتنا وأغانينا، بل لم تتوقف حتى باحة السجن باسفي. وكم كانت المناظر الطبيعية خلابة بعد شروق الشمس وكم كان الحماس فائقا..
تعرضنا للتضييق والاستفزاز مباشرة بعد وضع أرجلنا على أرضية سجن "مول البركي" (السب والقذف والتحقير...)، وبقي الأمر في حدود ذلك.. وكان أكبر تضييق هو محاولة فرض ارتداء بدلة السجن المُتّسِخة والمُمزّقة. أُعْفِي من ارتدائها بعض الرفاق بدعوى انتظارهم نتيجة "النقض والإبرام". أما نحن الذين رفضوا اللجوء إلى النقض والإبرام ورفيقان آخران، فقد أرادوا إجبارنا على ارتداء "البدلة". بمسؤولية نضالية، فرفضنا اللجوء إلى مسطرة "النقض والإبرام" كان موقفا سياسيا، لأننا لم نكن نعتبر، وحتى الآن لا أعتبر، القضاء مستقلا أو نزيها حتى ننتظر "الإنصاف". وكذلك ارتداء "زي" السجن؛ فحتى لو كان جديدا وأنيقا، كنا سنرفض ارتداءه..
وأمام رفضنا القاطع الواحد تلو الآخر وبعد تمزيق ملابسنا، اضطر عناصر الحراسة "المُجيّشين" إلى غضّ الطرف تحت أنظار مدير السجن وبأمر منه. وبذلك التحقنا عُراةً بباقي الرفاق في جناح خاص. وقُمنا والشموخ يغمرنا بارتداء ملابسنا أو ملابس بعضنا البعض.
اجتمعنا نحن المضربين، رفاق الشهيدين، بزنزانة واحدة. ولم يفُتنا خلسة مراقبة الوجبة المقدَّمة لرفاقنا غير المضربين. وكل مرة نطّلع فيها على هذه الوجبات يتأكد لنا صواب قرارنا. ولأن العائلات قد علمت بترحيلنا الى سجن اسفي، تنقلت في نفس اليوم لتقوم بالزيارة. وفعلا سمحت لها إدارة السجن بذلك. أما نحن، فقد رفضنا الزيارة كما حصل سابقا بمراكش. وهنا يمكن أن نستشف الدعم الكبير للعائلات وسخاء تضحياتها الى جانب فلذات أكبادها.
بعد نقاشات مطولة وباقتراح من الرفاق الذين أضربوا عن الطعام فيما بعد، تم الاتفاق على توحيد الإضرابين مع تحفظ واحد في صفوفنا.
مرت نهاية الأسبوع في "سلام"/هدنة حذر/ة..
لكن صبيحة يوم الاثنين، 23 يوليوز 1984، كانت صبيحة استثنائية ومشؤومة. انفرد جيشٌ حاقد من الحراس بالمضربين، كافة المضربين، وفقط المضربين؛ وزجّوا بنا في زنازين انفرادية (كاشو) وأشبعونا الواحد بعد الآخر وبعد تجريدنا من ملابسنا سبّا وركلا ورفسا وضربا بالسوط تحت أعين كبير السجانين، مدير السجن "المُوقّر"..
حينذاك نعَتني أحد الحراس المُتَشَفّين بالغوريلاّ (GORILLE). وقبل أن ينسحبوا، تركوا لنا "حق" أو "حرية" اختيار ارتداء "زي" السجن أو البقاء عُراة.. إنها "ديمقراطية" السّجّان..": أن تموت أو تموت..
بقينا على تلك الحال، كلٌّ بمفرده وكوابيسه وبدون سكر. أما الماء، فكنا ننتظر قطرات الصنبور كل مساء..!!
كنا نستعمل طيلة إضرابنا الماء والسكر فقط، وليس غير الماء والسكر وتحت أعين عناصر الحراسة التي لا تنام. وبعد مرور ما يزيد عن أربعين يوما من الإضراب عن الطعام، صارت أجسادنا لا تقبل سواء الماء أو السكر. وكان القيء (VOMISSEMENTS) مستمرا كلما استعملنا الماء أو السكر..
بعد تدهور حالتنا الصحية وحسب "التقييم الطبي" لكل واحد منا، تم نقلنا فرادى وجماعات وعلى التوالي الى مستشفى محمد الخامس باسفي. تم وضعنا بقاعة واحدة مقيدين مثنى مثنى..
كم كان مؤلما أن يُصاب بالقيء في نفس الوقت المضربان المُقيّدان الى بعضهما البعض، وترى الواحد يتّكِئ يمينا والآخر شِمالا!! والنتيجة، يتلطّخان معاً بقيئهما..
كان يتم ذلك أمام مرأى عناصر الحراسة ومرؤوسيهم وبعلم الطاقم "الطبي" المشرف..
معاناة وألم..
وبالمقابل، صمود وتحدي..
يوما، تفاجأنا باهتمام غير مسبوق؛ نظافة ولطافة..
وفي منتصف النهار، كانت زيارة عائلاتنا، ليست كل العائلات؛ وذلك من أجل الضغط علينا لتوقيف الإضراب..
لم تفارقنا الأم السعدية الدريدي. لقد كانت عائلتنا جميعا..
كانت لحظة عابرة. كانت لحظة اطمئنان. كانت لحظة وداع..
بعد الزيارة، كان النقاش..
بعد الزيارة كان احتضار الرفيق مصطفى بلهواري..
بعد الزيارة، كان تشبثنا بقرارنا الأول..
تم بعد ذلك عزلنا الواحد عن الآخر..
وفي 27 غشت 1984، علمت بواسطة أحد الأعوان المتعاطفين باستشهاد الرفيق مصطفى.
وليعلم الجميع، وللتاريخ والحقيقة، فعندما كنا نحتضر بمستشفى اسفي ورفاقنا بمستشفى الصويرة، كانت الحملة الانتخابية (الانتخابات التشريعية، صيف 1984) في أوجها. فأي ديمقراطية كان "اليسار" يناضل من أجلها؟!!
كانت السجون مكتظة بالمعتقلين السياسيين والإضرابات عن الطعام بمختلف السجون، وهناك شهداء (الشهيد عبد الحكيم المسكيني بسجن بني ملال شهر يوليوز، والشهيدان الدريدي وبلهواري شهر غشت) والحملة الانتخابية غير معنية بذلك!!
"اليسار" المعني آنذاك (رغما عنا) هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي.. وهو "اليسار" الذي كانت تُشنّف أسماعنا حتى بعد مغادرتنا السجن بوصفه "القوى الوطنية والديمقراطية" التي بدونها لا يُقام فعل نضالي دون إشراكها..
عودة الى موضوعنا/معاناتنا، كنت في طريقي عبر كرسي متحرك وإذا بي أرمق أمي وأبي في بهو المستشفى. كانت الرؤية مُضبّبة، لكنها الحقيقة.. لم أملك لحظته غير التعبير بشارة نصر..
وبعد الاستقرار بغرفة انفرادية قرب غرفة الرفيق محمد فخر الدين غندي، علمت من خلاله باستشهاد الرفيق بوبكر الدريدي بالصويرة في 26 غشت 1984.
كنت بين الحياة والموت..
كان موقفي قاطعا..
هل بعد استشهاد رفيقين، يُسمح بنقاش توقيف الإضراب؟!!
علمت في خضم ذلك أن الرفاق في حالة خطيرة بعد استشهاد رفيقينا تم نقلهم الى مستشفى ابن زهر (المامونية) بمراكش. وكان ضمنهم الرفاق جوهاري والدريدي وسايف (من اسفي) والبوزياني وسقيتي (من الصويرة).
لحظة، كان أمامي الرفيق عثمان حاجي محاورا باسم المجموعة المضربة الثانية ومسؤولون عن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في شخص رئيسها علي أمليل وعن جمعية المحامين الشباب وطبيب قادم من المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء الحسين بارو.
أخبروني باعتباري محاورا باسم المجموعة المضربة الأولى بتحقيق كافة مطالبنا وبالتالي توقيف الإضراب عن الطعام بمراكش. وفي حالة توقيف الإضراب باسفي سيلتحقون بالصويرة لإخبار رفاقنا هناك.
وحينذاك، أي بعد الالتزام بتحقيق كافة مطالبنا وتوقيف الإضراب بمراكش والى جانب الحضور المذكور، التزمنا بتوقيف الإضراب باسفي، وهو ما تم أيضا بالصويرة.
حتى ذلك الحين انتصرت معركة الشهيدين. لكن ماذا بعد؟
بعد العودة الى السجن باسفي، لم نر على أرض الواقع كافة مطالبنا..
فكان الشوط الثاني، ولم تنتصر المعركة نهائيا حتى 16 غشت 1991..
"لّي قال العْصيدة بارْدة، يْدير يْدو فيها"..
أعرف الشهيدين بوبكر ومصطفى قبل الاعتقال وإبانه..
ومن يعرف الشهيدين، كيف لا يعرف أن الشعارين "النظام لاوطني لاديمقراطي لاشعبي" و"الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" بوصلتهما التي تنير طريقهما؟!!
ومن لا يتبنى الشعارين المذكورين وبالبنط العريض، قولا وفعلا، ما علاقته السياسية يا ترى بالشهيدين وبطريقهما الثوري، كماركسيين لينينيين؟!!
أي انتماء سياسي للشهيدين دون الالتزام بطريقهما؟!!
أي تخليد لذكرى استشهادهما دون استحضار بوصلتهما، على الأقل من باب الأمانة للحقيقة والتاريخ؟!!
إن بوبكر الدريدي أصغر شهيد ماركسي لينيني مغربي، استشهد عن سن 19 سنة..
إنه شرف للشهيد ولمرجعيته العلمية الماركسية اللينينية. إنه رمزنا والشهيد مصطفى بلهواري بالأمس واليوم وغدا..
وإنا على العهد باقون...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية