الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضور باهت وسط صراع محتدم

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2023 / 8 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عن التيارات الدينية المتطرفة في الضفة
نهاد أبو غوش
يصعب اعتماد مسطرة موحدة لقياس مدى التطرف الديني أو العلماني، فالأمر يعتمد على من يقوم بالتصنيف، وعلى السياق الذي تجري فيه أعمال هذا التنظيم وهل هي موجهة ضد قوى خارجية أو محلية، أم أنها جزء من نضال وطني ضد الاستعمار. كما يجدر التمييز بين "الفكر المتزمت" المعادي نظريا لأفكار الغير ومعتقداتهم، وبين انتقال هذا الفكر إلى الميدان بتبني العنف وتشجيعه.
في فلسطين يبدو الوضع مركبا ومتداخلا، فهو بسيط نظرا للصراع المفتوح ضد الاحتلال منذ مطلع القرن العشرين، لذلك يمكن إدراج اي فعل مقاوم للاحتلال كجزء من النضال الوطني بصرف النظر عن الخلفيات الأيديولوجية. كما يتعذر الفصل بشكل حاسم بين التنظيمات الوطنية والدينية، لاستحالة فصل "الدين" عن سائر العوامل الثقافية والوطنية بكونه محفزا للنضال التحرري.
اعتادت إسرائيل وماكينتها الدعائية وصف النضال الفلسطيني بالإرهاب، ودأبت خلال العقود الأخيرة على محاولة ربط النضال الفلسطيني بما تسميه الإرهاب الأصولي، لا فرق عندها بين فتح والجبهة الشعبية وحماس ولا بين هذه التنظيمات وبين القاعدة وبوكو حرام، فإسرائيل تقدم نفسها بوصفها قاعدة للأمن والاستقرار في المنطقة وحليفا يُعتمد عليه في وجه التنظيمات المتطرفة.
الضفة الغربية هي الجزء الأكبر من الأراضي المحتلة عام 1967 (94% مقابل 6% لقطاع غزة) وهي محط أطماع الاحتلال في التوسع والاستيطان، ومفتوحة لشتى التأثيرات الخارجية بسبب سياسة الجسور المفتوحة وتأثيرات وسائل الإعلام والاتصال. ومع أن الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني هي نفسها في الضفة وقطاع غزة كما الشتات، مع تباينات نسبية في الأحجام، إلا أن الضفة لم تشهد اي وجود منظم للتيارات الدينية المتطرفة على شاكلة تنظيمات السلفية الجهادية كما عرفت في بلدان المشرق العربي والإسلامي. في حين عرف قطاع غزة وجودا محدودا لهذا التيار ممثلا بمجموعة جند أنصار الله بزعامة الشيخ عبد اللطيف موسى الذي قتل مع نحو عشرين من أنصاره على أيدي القوى الأمنية التابعة لحركة حماس، عقب إعلان الشيخ المذكور إمارة إسلامية في مدينة رفح في الواقعة المعروفة بحادثة مسجد ابن تيمية، حماس وصفت قائد هذه الجماعة بأنه عانى من "انزلاق فكري" دفعه لإعلان العصيان المسلح ومحاولة أخذ القانون باليد، في حين أن معارضي حماس اتهموها بارتكاب مجزرة في رفح.
ساهم التواصل الجغرافي والسكاني بين قطاع غزة وسيناء، وانتشار التهريب عبر الحدود، في نشوء صلات تنظيمية بين بعض الأنوية السلفية الجهادية في القطاع وبين تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء، وظلت هذه الصلات محل شكوك وتوجس الأجهزة الأمنية المصرية، كما خضعت لمتابعة مكثفة من أجهزة حماس.
لم ينتقل تأثير الانتشار المحدود للتنظيمات الدينية المتطرفة في غزة إلى الضفة الغربية. ولا سجلت وقائع انتشار السلفية الجهادية العاملة في بلدان المشرق العربي إلى الضفة، مع أن أبرز منظري هذا التيار أمثال عبد الله عزام، وأبو محمد المقدسي، ينحدرون من الضفة لكن تأثير هذا التيار ظل محدودا، ربما بسبب وفرة التنظيمات العاملة في الضفة التي تتشكل من مختلف الوان الطيف السياسي، بمرجعيات دينية ووطنية وقومية يوسارية ماركسية وليبرالية. هذا الزحام في انتشار التنظيمات رافقته حدة ملحوظة في الصراع ضد الاحتلال، وبالتالي فإن اي تنظيم جديد مطالب بتقديم ما لديه والانخراط في جهود مقاومة الاحتلال.
حالات فردية
تحدثت تقارير إسرائيلية عديدة عن حالات فردية متفرقة لشبان من فلسطينيي الداخل ارتبطوا بتنظيم داعش، أو قاتلوا في صفوفه بعد سفرهم للعراق أو سوريا، وقد نشر موقع (واي نيت) في 29/مارس/2022 تقريرا للباحثة اليزابيث تسوركوف (المحتجزة في العراق حاليا) أن عددا من المواطنين الفلسطينيين تمكنوا من الانضمام لصفوف تنظيم داعش، لكن التحاقهم تم بمبادرات شخصية. ويذهب الخبيبر في معهد دراسات الأمن القومي يورام شفايتسر في ذات الاتجاه مؤكدا أن إسرائيل ليست ضمن أولويات داعش، وتدّعي الصفحة الرسمية لجهاز المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) أن عيونها لم تكن غافلة عن العناصر المؤيدة لتنظيم داعش حين سافروا للخارج.
لم تسجل سوى عمليات محدودة نسبت للتنظيم من بينها عملية الخضيرة التي نفذها الشابان ابراهيم وأيمن اغبارية من أم الفحم، وقتل فيها شرطيان إسرائيليان، وقد أعلن تنظيم داعش بشكل رسمي مسؤوليته عن هذه العملية عبر بيان بثته وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم. وأثيرت تقديرات مشابهة عن عملية ابراهيم أبو القيعان في بئر السبع في مارس 2022 وقتل فيها أربعة إسرائيليين، وقد تلا ذلك تنفيذ حملة اعتقالات شملت نحو 50 شخصا في نيسان 2022 ومعظم المعتقلين كانوا من منطقة المثلث الفلسطيني.
وادعت السلطات الإسرائيلية وجود علاقة بين الشاب اسلام الفروخ من سكان رام الله، المتهم بتنفيذ عمليتي التنفيذ المزدوج في القدس في ديسمبر 2022 وتنظيم داعش، لكن الفروخ نفى ذلك وقال أن الاعترافات انتزعت منه تحت التعذيب.
مصادر السلطة الفلسطينية تنفي هي الأخرى وجود أي بنية تنظيمية لداعش في الضفة، على الرغم من تقارير إسرائيلية أن الأجهزة الفلسطينية نفذت حملة اعتقالات لأفراد يشتبه وجود علاقة لهم بتنظيم داعش، أبرز الحالات كانت اعتقال الشابة آلاء بشير حيث قال بيان للأمن الفلسطيني أن جهات "خارجة عن الإجماع الوطني" قامت بتضليل الفتاة المذكورة وتجنيدها للإضرار بالأمن الفلسطيني.
ويمكن أن نضيف إلى القوى السياسية الفائقة التنوع في الضفة، حزب التحرير الإسلامي الذي يوصف بالتزمت الديني والاجتماعي، لكنه مهادن على المستوى الوطني. حيث لم تسجل في تاريخ هذا الحزب العريق (تأسس في القدس عام 1953) أية عملية مقاومة ضد الاحتلال، ولم يتعرض لاعتقالات من قبل الاحتلال، وهو ينشط بشكل ملحوظ في مدينتي الخليل والقدس، واعتاد تنظيم مسيرة جماهيرية حاشدة في ذكرى سقوط الخلافة العثمانية للمطالبة بعودة الخلافة التي يرى أنها الهدف المركزي الأهم لنشاطاته، وإزاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يكتفي الحزب بالمطالبة بتحريك الجيوش الإسلامية لتحرير فلسطين، مع ذلك اتخذ موقفا صارما ضد الخلافة التي أعلنها تنظيم داعش في العراق والشام معتبرا أنها "لغو لا قيمة له". اللافت في نشاطات هذا الحزب هو تحركاته في قضايا اجتماعية مثيرة للجدل كمعارضته الشديدة لاتفاقية (سيداو) والموقف من الأطر النسوية حيث قاد الحزب حملة شعبية لمواجهة هذه الاتفاقية والتحريض عليها.
يشير كثير من الباحثين إلى ارتباط نشوء التنظيمات الدينية المتطرفة إلى فشل تجارب الدول الوطنية العربية في التنمية وإنجاز الاستقلال الفعلي المقترن بالرفاهية والعدالة والديمقراطية، ويمكن أن تقال خلاصات مشابهة عن أزمة وفشل حركة التحرر الوطني الفلسطيني في قيادة شعبها للحرية والاستنقلال، وهذه الأزمة عوضتها جزئيا حركات المقاومة ذات الخلفية الإسلامية وبخاصة حماس والجهاد، ومع استمرار الأزمة وشمولها لكل الفصائل والتنظيمات، بدأت تتشكل ظواهر وتشكيلات جديدة لمقاومة فردية وجماعية مثل عرين الأسود وكتائب مدن شمال الضفة، ولا يبدو في هذه التجارب أي أثر جدي للتنظيمات الدينية المتطرفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah