الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


و اصبحت العشوائية منهجا و إسلوب حياة

محمد حسين يونس

2023 / 9 / 2
المجتمع المدني


عندما يصف الأعشي محبوبته بأنها (( غراء فرعاء مصقول عوارضها..تمشي الهوينا كما يمشي الوَجَي الوَحِلُ )) ..أى انها تتحرك ببطء وصعوبة - لضخامة جسدها وثقله - مثل ذلك الذى يخوض في الوحل ويحذر من السقوط فيه.
بينما نجد إمرؤ القيس يصف حصانة بأنه (( مكٍر مفٍر مُقبِل مُدبـِر معا ..كجلمود صخر حطَّه السَّيل من عل ٍ )) مدلـِّلا علي حيوية الحصان وراكبه بحيث يصبح من الصعب تحديد إتجاهه او رصد حركته
فإنهما بذلك يشيران الي مقاييس جمال عصرهِما الجاهلي قبيل إنتشار دعوة الإسلام .. السيدة خاملة قاعدة يخدمها الجوارى والعبيد ولا تتحرك الا بصعوبة ويزداد وزنها من أكوام الطعام المتوفرة، بينما الرجل نشيط متحرك مخادع لا يمكن تحديد خطوته التالية. .
سكون وحركة..خمول ونشاط.. ملل من الانتظار وتحفز من سرعة تطور الاحداث.. سيدة بلهاء لا تتقن حتي الذهاب الي خيمة جارتها ..بينما الرجل منطلق كالسهم يخاطر ويغزو ويغامر ..
لو أن شعراء ذلك الزمن (حول القرن السابع م) بعثوا ليجولوا في شوارعنا اليوم ورأوا آلاف الشابات والسيدات النحيفات يرتدين البنطلون ويتحركن بسرعة (المقبل المدبر معا )، يقدن سياراتهن التي تندفع بخطورة تزيد عن (تدحرج الصخور من عل) فهل سيغير رأيه أم سينشد شعر ذم فيهن علي أساس أنهن من شواذ المتشبهات بالرجال، الفقيرات اللائي يعملن ولا يعولهم رجل مقتدر يوفر لهن خدمة الجوارى والعبيد ..وسيرى أنهن بعيدات كل البعد عن الحسن.
رؤية العين للجمال تختلف من ثقافة لأخرى ،فأسلوب الحياة، علاقات العمل وميكانيزمات توزيع الثروة تفرز آليات ما يسمي بالبناء الفوقي الذى يضم الي جانب قياسات الجمال مفردات العقد الاجتماعي وما يتعارف علي أنه التقاليد والقيم والسلوك القويم أو الشاذ.
عمتي (فتحية ) الاكبر بين أخواتها والتي تأثرت بقياسات الحياة في منزل الجد في بداية القرن العشرين .. كانت ترى أن حسن السيدة أو الانسة هو أن تكون بيضاء بضة وأن ذوات العيون الملونة والشعر البني أو الأصفر المنسدل هن فقط الجميلات
وكانت ( تعاير) إبنتها النحيفة السمراء التي تخرجت بتفوق من كلية الطب بأنها تشبه الصبيان ولن تجد زوجا يرضي بها ..
ورغم أن هذه العجفاء لابسة النظارة الطبية تزوجت من زميل لها ناجحا وكونا عائلة تحكمها قياسات المساواة العصرية الا ان أمها ظلت ( تعايرها) بسمارها ونحافتها حتي يوم وفاتها لا تغير القياسات التي تربت عليها في بيت أبيها .
في بلادنا بسبب تأثير قرون طويلة من الاحتلال التركي والأوروبي الذى جعل من البيض سادة والسمر خدام لهم كانت قياسات الجمال بالنسبة للمرأة هي تلك الشقراء منسدلة الشعر التي تميل الي السمنة .
وكانت الارستقراطية التركية من سيدات (البيوتات) يحرصن علي لبس اليشمك الابيض والحديث بلغة عربية متكسرة تمتلئ بكلمات تركية أو فرنسية، وكان تعليمهن يقتصر علي أساليب ادارة المنزل واللغات الاجنبية والعزف علي البيانو وإتقان القراءة والكتابة .
اما الرجال الذين يلقون الاحترام من أفراد المجتمع فهم نموذج الملك فاروق الرجال البيض ضخام الجسد من الذين يحرصون علي الاهتمام بشارب ضخم مهذب معتني به ووضع طربوش أحمر فوق الرأس وإرتداء الاسموكينج او الفراك اثناء المناسبات الرسمية أو الاحتفالية ..وتزين صورهم الزيتية جدران المنازل دليلا علي أصالة العائلة وإنتماءها الي جذورتركية بيضاء .
بعد إنقلاب العسكر وصعود أبناء الحوارى والريف إلي السلطة ( و كلهم سمر ) تم تدمير صورة الباشا هذه والسخرية منها في الجرائد والاعلام والمسرحيات والافلام السينمائية (الأيدى الناعمة ..وسيدتي الجميلة كنموذج )
ليحل محلها مشهد شباب يرتدون بدل خفيفة تشبه ملابس سفارى القوات المسلحة .. وإختفي غطاء الرأس تماما سواء للرجال أو النساء وتعدلت قياسات الجمال بحيث تربعت علي العرش السيدة السمراء النحيفة العملية التي تعلمت في مدارس الثورة وخرجت لتصبح عضوا في البرلمان وأستاذة في الجامعة وطبيبة ومهندسة ثم مديرة وريِّسة (مراتي مدير عام ..وأنا حرة ) أما نموذج الرجل فكان عبد الحليم حافظ بحجمة الصغير ..و نعومة حواره . . و موهبته .
قياسات جمال البشربعد زمن الصعود الناصرى في الستينيات تعدلت بصورة جذرية حتي ان مصر حكمها بشكل مستمر أبناء الفلاحين السمر حليقي اللحي والشوارب، وسايرت النساء الموضة العالمية ولبسن الميني و الميكرو جيب و استخدمن أحدث مستحضرات التجميل وترتيبات الشعر ( يكفي أن تشاهد تسجيلات حفل من حفلات غناء أم كلثوم لتعرف كيف كان مظهر الرجال والنساء في ذلك الزمن ).
وتغيرت لهجة ومواضيع الافلام والمسرحيات لتطرق حدود العالمية ومدارسها المختلفة وأصبح لمصر أوركسترا سيمفوني و فرقة باليه وأكاديمية فنون تسعي نحو خلق أدوات ولغة الحداثة في المجتمع ولم يخجل أستاذ جامعي أن تصبح ابنته مذهلة الجمال والرقة والتفوق ..راقصة في فرقة رقص شعبي.
السيدة المصرية مع غياب ملامح حريم السلطنة أصبحت أوروبية المزاج والملبس تلعب التنس وتسبح وتتفوق رياضيا وفنيا وعلميا وإنسانيا، تقود حركة النهضة النسوية في مجتمعها والمجتمعات المجاورة ويحتذى بها سيدات الاقطار اللائي ينتفضن للتخلص من قيم حكم التخلف المرتبط بالحكم الإثني المتلفع بعباءة الدين ..
لقد كانت المصرية جميلة وساحرة ،مهتمة وقوية ، متعلمة وتسعي ليصبح لها مكانا في هيكل الانتاج لا يقل عن دور أخيها و جارها وزميلها .
عندما خرج العمال والفلاحون والمهنيون من إسار الحكم العثماني والاحتلال الأوروبي إلي براح المعاصرة .. إختلف شكل المنزل والأثاث المستخدم والملابس والاحتفالات والتعبير عن الحزن أو الفرحة وأصبحت مصر وقد ولدت شعبا ينتج من خلال ألف مصنع ورقعة أرضه الزراعية ما يطعم ساكني الوادى فلا يحتاج الي الاستدانة اوالتسول أوالاستيراد...
ماذا حدث لهؤلاء الناس الذين يهتمون بالاطفال ويحترمون المرأة والشيوخ ..و يتركون لهم مكانهم في الأتوبيس أو الترام.. يعيشون في تحضر لا يفرقون بين الناس بسبب النوع أو الديانات أو اللون أو الأصول الطبقية !!
من يقول لك أنه يعرف لهذا التغير سببا واحدا.. في الغالب لا يضع في إعتباره أن المعادلة متعددة المجاهيل و أن هناك الاف من العوامل الرئيسية و الثانوية التي كان لها الأثر في تغيير سلوك الناس .. مثل طرد الأجانب و اليهود و تحويل القاهرة و الأسكندرية إلي مدن بندرية بعدما كانت متروبوليتانية..تدهور التعليم .. الحروب المتتالية ..غياب الديموقراطية و قرارات الشعب في إسلوب حكمه .. إنكماش الخطابات الدينية المتسامحة أمام خطابات التعصب الإسلامي و المسيحي .. فشل خطة التنمية في رفع مستوى الحياة في الريف بعد تفتت الرقعة الزراعية بين ورثة الجيل الثاني للإصلاح الزراعي ..معادة اوروبا علي أساس أنها وكر إستعمارى .. و حرمان الناس من التطورات المتلاحقة هتاك
من الأسباب الأساسية في راى .. أنه قد لحقت بسكان المدن أضرارا متعددة نتجت عن النمو غير المتحكم فيه للعشوائيات ..(حاليا حول القاهرة فقط 30 منطقة بعضها خطرتضم حوالي ثلث سكان القاهرة 8 مليون مواطن)
فالأخوان المسلمين و تجار المخدرات و مروجي الدعارة و اللصوص و النصابين إفترسوا سكان هذه العشوائيات و سيطروا عليهم و صدروا للمدن سلوكياتهم و أساليبهم وحوارهم و فنهم و رقصهم لتصبح بمرور الوقت نمط بين الشباب ثم تمس جميع الطبقات و الأعمار .. و لم يستطع الضباط بعد 2014 تغيير الوضع بسبب ثقافتهم العسكرية الطابع المهتمة بالهدم أكثر من العلاج .
في الخمسينيات لم تكن مصرتعاني من هذه العشوائيات أو تكدس السكان ...كان تعداد المصريين 18 مليون مواطن و ثلاثة أو أربعة ملايين من الأجانب المقيمين .. أى إجمالي ((21,150,058 )) يعيشون علي الأرض التي يتزاحم عليها اليوم من تجاوزوا المائة و عشرة مليون .
القاهرة التي يسكنها 21 مليون كان عدد سكانها في عام 1947 حوالي 2 مليون يعيشون في يسر .. وكان من الممكن ان تتحرك بسهولة في شوارعها قبل أن تتمدد من كل إتجاه ..فتجد عوالم ثلاثة متجاورة لكل منها طابعه الخاص.
في أحياء الحسين والسيدة زينب والجمالية حيث المساكن قديمة جميلة متصالحة مع البيئة. بمشربياتها و ملاقف الهواء البحرى .. و الحوارى الضيقة الظليلة ..و الأحواش الواسعة .. يمكن أن تنعم بعبق التصوف المصرى و تستمع الي التواشيح والاغاني الدينية والمديح الشعبي لال البيت يعود بك الي زمن احتفالات الفاطميين وحلاوة المولد وعرائس السكر وبخورمنطلق مع صيحات صلي علي النبي تجلجل في المكان، واصوات اذان الفجر وتسابيحه تعطي سكينة للنفس ورضا محبب عن الحياة ..
الشابات يسرن هناك ملتفات بالملاءة اللف السوداء والبرقع والعروسة المذهبة علي الأنف ..أو بالمنديل ابو قويا القطن المزخرف الذى تخرج منه ضفيرتين و جلباب ( كلوش ) بكرانيش و ثنايا كتيرة و شبشب بكعب متوسط ....معجبات بانفسهن .. يشترين من الموسكي والغورية و الصاغة و حارة اليهود بضائع معروضة بوفرة ..و من حول منازلهن اللحوم و الفاكهه و الخضراوات و الفول و الطعمية و البليلة والطرشي و العيش المفقع اللي يتاكل حاف من حلاوته .
والشباب الجالس علي القهاوى يعاكسهن بأدب و خفة دم ..و الباعة الجائلين يدفعون عربات اليد يغنون علي بضائعهم .. و (( يا رايحين الغورية .. هاتوا لحبيبي هدية )) .
في القاهرة الخديوية النظيفة المغسولة التي تشبه قلب باريس تنتقل الي رقي ورقة وتحضر.. تتناول الكابتشينو والمخبوزات الفرنسية في لاباس و كاساتا الأيس كريم في جروبي والتروا بتي كوشون في الامريكين، بعد أن تشاهد الأفلام الأجنبية في سينمات وسط البلد
تشترى أحدث خطوط الموضة المعروضة في فترينات جميلة. بشارع فؤاد .. و تباشر عيادات الأطباء أو تشترى الكتب وتذاكر الطيران .. و.تشم رائحة النظافة والرقي وترى السيدات يتحركن بأمان يضحكن من القلب ولا يوجد من يضايقهن أو يتحرش بهن..رغم إرتدائهن للميني أو الميكرو جيب .
وفي جاردن سيتي والزمالك ومصر الجديدة و المعادى تجد أحدث الطرز المعمارية التي صممها أوروبيون أو شباب الرعيل الاول من خريجي جامعة فؤاد و مدرسة الفنون الجميلة بدرب الجماميز ..أو هؤلاء الذين تعلموا وتدربوا في البوزار الفرنسي في ثلاثينيات و أربعينيات القرن
،شوارع ضيقة نظيفة مغسولة كثيفة الخضرة شديدة الهدوء و الخصوصية ..و وسائل مواصلات متوفرة رخيصة وبشر سعداء يجلسون في الانفيتريون وجروبي مصر الجديدة يدردشون بأمان واستقرار وثقة يتمتعون بشمس الشتاء الدافئة ..
لقد كانت القاهرة - قبل ان تزحف عليها عشوائيات الريف وأهل القرى والكفور الذين ضنت بلادهم عليهم بعيشة انسانية - مدينة متروبولاتينية تضم العديد من الطوائف و الجنسيات .. مرحِّبة بالزوار محترمة لا تفترق عن روما أو باريس أو اثينا.
إستمر (الحلم) الذى تفتح علي ضفاف النيل.. لقرب نهاية الستينيات ثم هزمته قوى الظلام الاسرائيلية المدعومة بأمريكا والسعودية و بدأ الإنهيار بسقوط متتالي يسلمنا لليل طويل لازال يرخي سدولة علي بلدنا في العقد الثالث من القرن الحادى و العشرين ..دون امل في أن ينجلي .
الفترة من 1973 حتي 2023 .. رغم أنها في حدود نصف قرن .. إلا أن التغييرات التي حدثت خلالها لحياة القاهريين .. و ذوقهم و سعادتهم .. و فهمهم لاسس الجمال .. كانت جذرية و عنيفة .. و متضاربة .. و مربكة .
لقد إزدحمت الأحياء الشعبية بالمهاجرين من الريف المجاور.. ثم بنوا لأنفسهم مناطق أصبح من الخطر التحرك فيها مثل (( كابش وفايد والكفراوى رملة بولاق ..عزبة أبو حشيش حدائق القبة... جرجس والعسال وسمعان بشبرا.عزبة الصفيح بروض الفرج...عزبة وهبة وفايق ومحمود شلبى بالساحل. عزبة الورد وحكر السكاكينى القديم والجديد بالشرابية...أكشاك ابو السعود والمدابغ واسطبل عنتر بمصر القديمة..عزبة خير الله بدار السلام...المواردى وقلعة الكبش بالسيدة زينب... الدويقة والرزاز والشهبة وفرعون.في منشية ناصر بالإضافة إلي القصيرين وعزبة الهجانة و الكيلو 4.5 و غيرها))...
ثم طال الزحام الأحياء الأخرى .. و زاد الطلب علي الإسكان فهدمت الفيلات و المساكن ذات الطوابق القليلة .. و بني مكانها أبراج تصل إلي العشرة طوابق .. و بدأ الزحف السكاني في إتجاه الصحراء .. ببناء حي سكني لضباط الجيش بمدينة نصر خلف الإستاد و السوق الدولي الجديد .
في يناير 1968 بعدما عدت من الأسر .. كانت الأمور في مصر لا تبشر بالخير علامات الإنفصام المجتمعي كانت واضحة .. إختلافات حادة بين المصريين بعد الهزيمة... لقد كان هناك
معسكر (اغلبه من الشباب ) مغرقا في الإغتراب .. و تقليد الحياة الجامحة في بلاد الواق الواق تعاطي مخدرات و خمور.. و حياة عاطفية منفلتة .. لهم فرق عزف أوروبية الطابع تلعب في الملاهي الليلية كثيرة الرواد ..و ملابس علي الموضة و طموحات بالهجرة ..
و علي الجانب الأخر كان هناك من يتمثل بإسلوب وهابية السعودية و الخليج .. يرتدى الجلباب و الصندل و يمسك بيدة السبحة .. و يغير لهجته لتصبح أقرب ما يمكن للخليجية .. و يدين كل الفنون بما في ذلك السينما و المسرح ..
و عناصر ثالثة أغلبهم من الممثلات اللائي وقفن يرقبن من أين تأتي المصارى .. فتنضم لمعسكر منهما ثم تعود و تنضم للفسطاط الاخر.
هذا التخبط و الفقد .. كان البداية للتطورات الجذرية الحادة التي حدثت للمصريين فيما بعد إنفتاح السادات علي السوق العالمي .. و إعلانه أن 73 أخر الحروب و أنه رئيس مسلم لشعب مسلم
مع نهاية زمن السادات و بداية حكم مبارك .. تزايدت أعداد المصريين .. و لم يقابلها زيادة في الإنتاج فتضاعفت قوة الزحف العظيم علي البنادر .. من سكان الريف الذين يبحثون علي الفرصة هناك ..
و تكونت عشوائيات ( عزب الصفيح ) حول المدن الرئيسية .. كان أفرادها فريسة سهلة للإسلام السياسي يقدمون لهم خدمات يغطون بها نقص خدمات الحكومة.. و يجمعون المتعاطفين .. و ينشرون فكرهم .. و يبثون دعوة إطلاق اللحي للرجال .. و التحجب و النقاب للنساء .. و تفقد مدن مصر خصوصيتها لصالح أريفة المدن و تعصبها الديني ( مسيحي و مسلم ) .
سكان القرى والكفور والنجوع المنتقلين من الريف لعشوائيات مدن ( القاهرة ، الاسكندرية ، القناة ) أصبحت لهم الكلمة العليا.. لقد توالدوا بمتوالية هندسية .. و كانوا عاجزين عن توفير قوت يومهم ..فأصبح سهل شراؤهم و تجنيدهم لينحازوا بعد 2011 إلي الأخوان المسلمين ، بحيث وقف سكان الحضر عاجزين عن دعم الدولة المدنية وغير قادرين علي الاختيار المناسب لطموح التغييرعبر صناديق الإقتراع
وهكذا عاقب الفلاحون أهل المدن الذين لم يهتموا بتطوير منظومتهم الانسانية ، و انتخبوا لهم من كان على شاكلتهم فى النقوص الفكرى والاجتماعى...
و أنتصر القبح
مقارنة الملاءة اللف والبرقع والعروسة المذهبة علي أنف بنات بحرى التي خلدهن محمود سعيد ..مع إسدالات وكمامات المنقبات ..أو المنديل القطن ابو قويا المزخرف ..مع ربطات المحجبات الرخيصة المصنوعة من أنسجة الألياف الصناعية وينتج عنها روائح لا تسر ..أو طرحة الفلاحة التل مع إختفاء ملامح المنقبات .. أو الحنطور والكارو المزين وعربة الترمس المرصوص فوقها قلل نظيفة مبخرة مع تكاتك الزمن الردىء والنصف نقل الجامح والميكروباس العدواني .. تشير كلها الي حجم التدهور في القيم الجمالية التي احتفظ بها المصرى لعقود عدة ثم فقدها في سنوات بعد تمكن الوهابية .
القبح و الجمال نسبيان وما يجعلنا نتفزز ونتقزز عندما نرى أحدهم يأكل بأصابعه العارية فتمتليء بالدسم ثم يمسحها في أقرب مكان له حتي لو كانت لحيته .. ولا يمثل هذا اندهاشا لعائلته او مع يشاركونه الطعام، يدل علي أن الذوق الذى يشكل البناء الثقافي والجمالي يتغير ..
وعندما يطرد المشرف علي لجنة إستفتاء سيدة من لجنته حتي تزول رائحة عطرها خوفا علي نفسه من الفتنة وعدم قدرته علي السيطرة علي غرائزه.. نندهش ..لقد أصبحت العشوائية منهجا و إسلوب حياة .
في زمن الستينيات إقتربت مصر كثيرا من أسلوب حياة سكان الضفة المقابلة من البحر الابيض في حين أن مع افتتاح العقد الثاني من القرن الحالي إنتشر السلفيون والاخوان المسلمين بملابسهم وهيئتهم المميزة ولحاهم المهملة يملأون صورة الحياة المصرية مستوردين حياة بدوية رافعين أعلام سكان الضفة المقابلة من البحر الاحمر.
بعد 2011 .. عندما إختار الفلاحون والعشوائيون أن يحكم مصر أكثر عناصر المو زاييك السياسي تخلفا، رجعية، بعدا عن العصر وقصر نظر ، طالب المدنيون عجزا منهم القوات المسلحة بإصلاح الخطأ فوضع الضباط أيديهم علي مصادر الثروة وكل معالم الحياة في بلدنا..و قاموا بتطبيق تعليمات صندوق النقد .. و زلزلة الحياة الإقتصادية للمصريين .. و تراكمت الديون ..مما أدى لتغول الضرائب و الجمارك و الرسوم لتغطية الفوائد المستحقة .. و إنهارت شرائح عديدة من الطبقة المتوسطة لتنضم إلي متاهات الفقر و العوز التي تضم أكثر من 70% منهم..
سألوا برنارد شو عن الراسمالية .. فاشار بيده إلي لحيته الممتدة .. و قال غزارة في الإنتاج .. ثم إلي رأسه الصلعاء و قال و سوء في التوزيع ..
الحكومة تنفق المليارات علي طرق لا تستخدم .. و تترك التي تستخدم بدون صيانة أو إصلاح .. فتغيرت قياسات الجمال لتصل الي درجة من التدَّني لم تشهدها البلاد منذ زمن الانكشارية العثمانية ..أصبحت الشوارع قذرة غارقة في مياه الصرف الصحي وأكوام القمامة لا يحتمل رائحتها تتجول القوارض و الحشرات فيها دون رادع .
اليوم نعود للنقطة صفر (الإنفصام ) واضح معسكر (اغلبه من الشباب ) مغرقا في الإغتراب يعيش حياته في الكومباوندات .. و القصور و ملاهي الساحل الشمالي و العلمين يقلد الحياة الجامحة في بلاد الواق الواق ..
و علي الجانب الأخر من يتمثل بإسلوب الوهابية يلعن المخالفين ليل نهار و عناصر ثالثة تائهه ترقب .. و تنضم لمعسكر منهما ثم تعود و تنضم للفسطاط الاخر.
الجمال و الفن .. و الثقافة .. إندحرت و في حالة نادرة من الميوعة و السقوط فالأمل لازال باقبا مع الآنسات المتشبهات بالرجال اللائي يرتدين البنطلون الجينز و الحذاء الرياضي ويطلقن الشعر الغجرى المجنون ليسافر في كل الدنيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صارت
عدلي جندي ( 2023 / 9 / 2 - 23:45 )
مصر
وطن منقسم
دولة سلفية بشقيها البدوي والقبطي غارق شعبها في الخرافة ويعاني العوز والجهل قليل الثقافة أو منعدم أغلبية فقير يحلم بخرافة جنات النعيم أو فردوس
ودولة شعبها يعيش بحبوحة الحياة يمتلك الثروة وسلطة رأس المال ولا يهتم كثيرا والخرافات حتى لو كان مؤمن المهم البزنس دون إحساس أو مشاركة في حل مشاكل النصف السلفي
مأساة
شكرا ع السرد الممتع والتاريخي
دمتم بكل خير وصحة وسلام
تحياتي

اخر الافلام

.. مصادر إسرائيلية: نتنياهو خائف جدا من احتمال صدور مذكرة اعتقا


.. لحظة اعتقال الشرطة الأمريكية طلابا مؤيدين للفلسطينيين في جام




.. مراسل الجزيرة يرصد معاناة النازحين مع ارتفاع درجات الحرارة ف


.. اعتقال مرشحة رئاسية في أميركا لمشاركتها في تظاهرة مؤيدة لغزة




.. بالحبر الجديد | نتنياهو يخشى مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة ال