الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولائم الجنازة ما بين التفاخر والتضامن

عائشة التاج

2023 / 9 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أعراف العزاء و"عشاء الميت " ما بين التضامن والتفاخر :
الموت فرصة لجمع الشتات :
لربماكانت الموت ،هي المناسبة الوحيدة التي لا زالت قادرة على جمع شتات العائلة والأحباب مهما كانت المسافات النفسية او الجغرافية .
يجتمع الناس في مناسبات العزاء بكل سهولة وانسيابية لتقديم آيات الدعم والمواساة لأهل الميت ولتوديعه نحو مأواه النهائي إن كانوا من الاقارب .
تختفي الخصومات وأحيانا حتى العداوات أمام رهبة الموت وما قد تخلفه في القلوب ولو لفترات محدودة .
وتحضر المودة والرحمة ،بل تنفجر المشاعر وتصبح لغة القلب بعواطفه وانفعالاته سيدة الموقف ,فتنساب الدموع ليس فقط بكاء على من توفي هنا والآن ،بل أيضا على كل الراحلين والراحلات من أقرباء الحاضرين والحاضرات
و مما لا شك فيه أن البكاء تطهير انفعالي بامتياز داخل تلك الجلسات الجماعية لمن وجد إليه سبيلا ، علما أن الذكور لا ينعمون بهذا المكسب ،فدموع الرجال مستهجنة حسب أعراف تعتبر البكاء عنوان ضعف ليس إلا .
المهم ،داخل المأتم تجد النساء فرصتهن الجماعية لتطهير الوجدان مما علق به من ضغوطات وأوجاع ,
العزاء والدعم النفسي :
هذه الأجواء العاطفية ، تخيم على الفضاء وتحيط أهل الميت بكثير من الاهتمام والدعم ,
من هنا تأتي في نظري اهمية هذه التجمعات البشرية للأهل والأحباب والجيران .
فوظيفتها في تقديم الدعم النفسي لأهل الفقيد ذات اهمية قصوى .
سيل جارف من الود والمشاعر تغمر البيت واهله ،وصفحات الفايسبوك لذويهم وباقي وسائل التواصل الاجتماعي .التي أضحت تشكل أحد واجهات العزاء ذات الطابع العصري ,
وبالتالي فغيابها سيشعر أهل الفقيد بنوع من العزلة وسيبدو البيت الذي غاب منه الراحل او الراحلة موحشا الى ابعد مدى .
هذه الغزارة في التعاطف الاجتماعي التضامني تحضر بشكل خاص في البوادي والقرى ،حيث تكون الروابط جد قوية ،مثل روابط الدم والتصاهر وحيث تكون الجغرافيا عنصرا مساعدا ،فالانتماء لنفس المنطقة المجالية يكثف هذه التفاعلات ويجعل الساكنة تتعامل ككتلة موحدة الى حد ما ,
في الأحياء الشعبية بالمدن ،لازال السكان القدامى بالخصوص يحافظون على نفس العادات وان لم ترق لما يحصل بالقرى .
تقديم الطعام كأسلوب تضامني :
طبعا لا ينحسر التضامن في الكلام الجميل والعناق وذرف الدموع ،فالعادات الأصيلة تفرض على الجيران تقديم الطعام لأهل الميت والمعزين الذين ياتون من بعيد ،
وهنا تأتي أطباق الكسكس و الرغاىف وأنواع الخبز من الدواوير المجاورة او الازقة المجاورة في المدن او بالأحرى بالأحياء الشعبية العريقة
والعادات الأصيلة تفرض إعداد صواني الشاي او أباريق القهوة وما يرافقه من حلويات او تمور او شريحة اي التين المجفف بدار الفقيد كي تقدم للمعزين ،
وان يتعبأ متطوعون ومتطوعات لأداء هذه الخدمة
الى هنا يبدو الامر جميلا ومقبولا ,
فالاشتراك في الأكل يمكن من تجديد العلاقات وتوطيد التماسك الاجتماعي دون منازع .
الى ان نصل الى ما يسميه المغاربة "بعشاء الميت "او "الصدقة "
عشاء الميت :
تسميات أنتجها العقل الجماعي المغربي ، ليضمن لنفسه تجمعات ممتعة حول أطباق لذيذة ،تضاهي أطباق الأعراس من حيث الجودة والتنوع .نحن هنا لا نتكلم عن الأطعمة التي يأتي بها الجيران ،فعشاء الميت كما يسمونه هو "وليمة " تشبه ولائم الأعراس يتم تحضيرها مباشرة بعد أكل ما يجود به كرم الجيران ,
هذه الوليمة تاخذ طابعا يكاد يكون اكراهيا.وليتم قبولها فهي تغطى باسم صدقة ,علما أن الصدقة تعطى للمحتاجين وتكون اختيارية حسب اريحية من يقدمها وجوده ,
فمجرد وضع جثة الميت في القبر ،على أهله المباشرين احضار اللحوم والفواكه وكل المستلزمات او التفاوض مع ممون الحفلات ان توفرت المصاريف اللازمة لأداء هذه المهمة
لا يهم ان جاءت الموت فجائية او حتى بعد مرض طويل استنزف مالية الأسرة وجهدهم وطاقتهم ،لا يهم مستوى الحزن والألم ،لا يهم إن كانت لهم الطاقة النفسية والجسدية للوقوف المستمر والاستقبال و رعاية المعزين الذين قد ييقى بعضهم لأيام وتوفير طعامهم ونومهم ووضوئهم وصلاتهم خمس مرات في اليوم ، وهذا النوع يكون من النساء المسنات اللواتي يجدن في أجواء الجنازة مكاسب تحت بند العزاء حتى وإن كن يقطن بنفس المدينة ، إذ يدعين تقديم الأنس لأهله ، إحدى المعزيات بقيت ببيت الميت ثلاثة أيام ، ودورها أن تذكر بناته بالواجب : قالت لإحداهن لا تنسي حجز حافلة للذهاب إلى المقبرة لزيارة الميت ،ولا تنسي حجز طابلات الغذاء بعد الرجوع حسب عدد من سيزور المقبرة غدا أي اليوم الثالث بعد الوفاة ,
و دورها أيضا أن تعرف بالتفصيل من أتى ومن لم يأت بعد من المعزين ، وتجالس كل من يأتي ،ثم تذكر إحدى البنات بضرورة تهييء ماء الوضوء كي تصلي ,,,
ثم تنزوي في غرفة النوم ، حيث توجد حقائب بناته اللواتي أتين من مدن أخرى ,,,وحاجياتهن الخاصة وتصلي وتصلي وتصلي ,,,سألتها إحدى البنات : فأجابت أصلي النوافل ,,,,هذا في وقت كان على بنات الميت التواجد في قاعة الحفلات واستقبال " المعزيات المدعوات " فلمتجد إلا أن تقول لها : يجب أن أغلق الشقة وأنزل لاستقبال النساء ،يمكنك إكمال نوافلك بقاعة الحفلات ,وهذا ما فعلته ،إذ انزوت بأحد أركانها وبقيت تصلي ،وتصلي وتصلي ,,إلى أن اقترب وقت الأكل ,,,,
وإن كان الميت يقطن في مدينة ساحلية أو جميلة وحتى في قرية جميلة فحتما سيأتي من سيستفيد من السياحة المجانية تحت بند العزاء ,,,,وكرم الاستقبال الخ ,فمثلما هناك نساس طيبون يأتون فعلا لمواساة أهل الميت بصدق فالمجتمع يضم أيضا أنواعا أخرى تتصيد المناسبة لقضاء مآربها ،فكما يوجد من يسرق الأحذية من المسجد كيف لا يوجد من يستغل ظروف العزاء لغاياته الضيقة والخبيثة حتى
وحيث ان شروط التطوع لأداء هذه الخدمات لم تعد متوفرة في المدن ،فإجراء ممول الحفلات ا،وشراء كل الخدمات بالتفاصيل أصبح يفرض ذاته ،بجانب عادات إكراهية تضع شرف العائلة ومكانتها تحت محك الألسن , فالنميمة تشتغل بشكل حازم لتحاسب مستوى القيام بواجب إكرام المعزين حسب الأصول والمستجدات في ثقافة الاستهلاك و أكسسواراتها ،فحتى الجنائز لها بيزنيس خاص بها تم بناؤه لأهداف ربحية و أخرى اجتماعية مغلفة بأسماء جميلة مثل عشاء الميت ،والصدقة والكرم والجود وو
ذلك أن شراء كل الخدمات بالتفاصيل أصبح يفرض ذاته ،بجانب عادات إكراهية تضع شرف العائلة ومكانتها تحت محك الألسن , فالنميمة تشتغل بشكل حازم لتحاسب مستوى القيام بواجب إكرام المعزين حسب الأصول والمستجدات في ثقافة الاستهلاك و أكسسواراتها ،فحتى الجنائز لها بيزنيس خاص بها تم بناؤه لأهداف ربحية و أخرى اجتماعية مغلفة بأسماء جميلة مثل عشاء الميت ،والصدقة والكرم المغربي و الجود والأصول ....
الميت يا ناس يرحل لعالم له مقومات أخرى لا علاقة لها بحاجيات الأكل وتبعاته ،فجسده تحلل ،انتهى ,,,ويجب تقبل ذلك
فبمجرد اعلان الوفاة يتم نصب الخيمة في الزنقة وإحضار الكراسي لضمان الصفقة ، إجراءات يتسابق عليها الممونون الموجودون قرب دار الميت وسماسرتهم ,
وهناك أيضا من سيؤثت بحضوره تلك الكراسي ريثما يعود المعزون من المقبرة من شباب أو كهول ,
أهل الميت سيكونون في قمة التعب والحزن والألم وعدم النوم ، في هكذا شروط سيتفاوضون مع الممون أو يتركون من يتفاوض باسمهم ,
وعليهم أن يسيروا الأمور ويظهروا وفق ما هو واجب ،
وتفرض العادات المستجدة،أن يتم دعوة كل من جاء للعزاء حتى وإن كانوا قد أكلوا الكسكس أو الشاي والحلويات أو الرغايف أو ,,,
طبعا تبدأ الوليمة بقراءة القرآن و الخطب و الأناشيد الدينية وبعدها يبدأ الممون في توزيع أطباق الشاي والحلويات بأنواعها ُمن أطباق اللحوم والدجاج والسفة والفوكه و الماء المعدني ,,,,
أكيد تختلف هذه الأطباق باختلاف الإمكانيات و يسعى أصحابها لتأكيد مكانة اجتماعية تعكس ثراءهم أو وضعيتهم أو تحافظ على المكانة المتوخاة فيحرص البعض على تنفيذها ولو عبر الاقتراض .
وهناك من يعتبر أن مستوى الوليمة يعكس مستوى إكرام الميت فهو عشاء له ، ستصله حسناته في القبر وتخفف عنه العذاب المفترض وحرارة أسئلة الملائكة المتخصصين في الوظيفة الاستنطاقية داخل القبر ،فكمية الدعوات التي تتلو الاكل،أو داخل هذه التجمعات الواقعية أو الافتراضية حتى لها دور في الامتحان الروحي حسب تفسير هؤلاء وهناك من يعتبر حجم الوليمة يعكس حجم الحب والتقدير الذي يكنه اهل الميت للراحل او الراحلة بالاضافة الى المكانة الرمزية للاسرة وما ستلوكه الالسن من ملاحظات
أتذكر أن أحد قياديي أحد أحزاب اليسار المهمة بالمغرب ،أسر لي مفتخرا بأنه مول إطعام المعزين طوال أسبوع بأكمله إثر وفاة أمه ،وأنه لم يتردد في إخراج ذخيرته من البنك لهذه المهمة ،وكان يتفاخر بذلك أيما فخر لنعرف الدور الاجتماعي والنفسي لهذه الولائم التي تقام أحيانا تحت يافطة الدين علما أن الدين لا يقول ذلك إطلاقا .
هل ستصمد هذه الولائم أمام موجات الغلاء ؟
من المؤكد أن موجات الغلاء فرضت ترشيد النفقات الرسمية و حتى الاجتماعية ،فعندما تشتري كيلو لحم بأكثر م0 12ده ، والجزر ب13 ونفس الشيء لباقي الخضار و الطحين والسميدة ووو،اي ان أثمان الموادالغذاىية تضاعف بحوالي ثلاث مرات ونفس الشيء بالنسبة للخدمات
فالأسر أصبحت تفكر جيدا قبل إجراء تلك الاستضافات التي كانت تؤثت الحياة الاجتماعية فبالأحرى الأعراس ,,,وولائم الجنازات ،يوم لك ويوم عليك ،سيفكر الجميع في كيفية التملص منها و التخفيف أو الرجوع إلى العادات الأصلية دون إسراف أو تفاخر زائف .
هذا الصيف لم أسمع في محيطي أي عرس ،فالزيجات تراجعت وإن كانت تتم فهي تنجز في صمت أو فضاء ضيق
وبالتالي فالجنازات وعشاءات الأحياء المتخفين وراء الميت ستقل حتما ,
وحدهم الأغنياء الجدد مثل أغنياء السياسة وأغنياء الأزمات سيستمرون في استعراض نعم الريع الذي حصلوا عليه من خلال السهرات و الولائم وأعراس أبنائهم ,,,,وجنازات مقربيهم إن اقتضى الأمر ،فهذه التجمعات والولائم لها حتما وظائف أخرى غير معلنة يحرص عليها هؤلاء ,,,
طبعا هناك فئات من الطبقة المتوسطة تتشبت بالعادات لإثبات انتمائها المجتمعي ،لكن هناك فئات أكثر عقلانية بدأت تتملص من هكذا أمور تستنزف الجهد والمال والوقت
هذه الولائم الفجائية في الجنازات تكون كلفتها من حيث الطاقة النفسية والصحية جد عالية على أبناء ربما يقطنون في مدن أخرى ولهم أعمال هناك ، ومع ذلك فالعادات الإكراهية لا ترحم ضيقهم النفسي والصحي والمالي ,,,,
فإن كان لا بد من أقامة هذه الولائم لشكر المعزين فحبذا لو يتم تأخيرها واستثمار ذكرى الأاربعين يوما لأجرائها من أجل الاستعداد الضروري وتجاوز شحنات الحزن ولو نسبيا
أنا طبعا لا أتكلم عن الأكل العادي كالكسكس الذي يشكل الطبق الرئيسي لموائد المغاربة في الجنازات ,,,,,فتهييئه ليس بالأمر الصعب وأغلب الطبقات تستطيع ذلك ,بشكل ما ،ومن لا يستطيع فهناك دوما إمكانية التكافل الاجتماعي كما يحدث عادة بشرط عدم الإسراف وفرض عادات مستجدة وكأننا بعرس وليس مأتم
أتكلم عن تلك الولائم الشبيهة بالعرس وأتمنى أن تختفي نهائيا لأنها تثقل كاهل أهل الميت من كل الجوانب ,
ويبقى الزمن كفيل بتغيير العادات كي تتوافق مع المستجدات الحياتية وكي لا يفقد تضامن العزاء مغزاه الأولي ذي البعد الإنساني
أما التفاخر فهو زيغ عن الأهداف وكلفته جد باهظة على المعنيين بالأمر ،الأهل المباشرون للميت ,
إنه المجتمع بكل تقاطعاته الواضحة والكامنة ،وما وراء تلك الخطابات المثالية التي تدغدغ المشاعر ، هناك حقائق أخرى مسكوت عنها ,,
إلى أن ...
وكمثال على تحويل مصاريف العزاء لصدقة فعالة : هناك عائلة ميسورة بأحد الأحياء الغنية بالرباط ،أغلبهم يقطن بأمريكا أو كندا ، توفيت والدتهم
وبعد عملية الدفن وعوض تنظيم الوليمة العزائية، أعطوا للسيدة التي كانت ترعى أمهم قدرا من المال لشراء شقة أو بنائها ،بعدما علموا ـأنها كانت وأسرتها تقطن ببيت قصديري تم هدمه من طرف المخزن ,,,ففرحت السيدة أيما فرح ، وهكذا ذهبت الصدقة إلى حيث يجب وحلت مشكل أسرة بأكملها ,,,الأذكياء يجدون دوما طريقة لصرف الأموال حيث تكون ذات مردودية فعلية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية