الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراويش الكسنزان قِباجٌ حرة تنثر ال كولاله الحمراء فوق جبال السليمانية

احمد حسن العطية

2023 / 9 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا أظن أن سكينة قد غشت روحي وتلبستني وسكنتني منذ سنين طويلة تعادل السكينة التي عشتها وأنا أتجول داخل التكية العلية القادرية الكسنزانية في مدينة السليمانية .
فرح لا مثيل له تغلغل في روحي لاغياً كل ما سواه , لم أعرف سره لحد اللحظة.
قد تكون الصور النابضة بالحياة المتدفقة بالوجود الإنساني التي كنت أفتقدها منذ زمان طويل هي التي سببت هذا الفرح , لأنها مرسومة بعناية, منتقاة بدقة ربانية, صافية لدرجة لم أعهدها في وجوه الناس في باقي الأمكنة, وكأنها مُعاد ترتيبها بشكل يتناسب وقدسية وروحانية المكان وبهاءه.
تخيلت للحظة كأني في قافلة من طيور القبج الحرة والمحلقة فوق جبال كردستان العراق , طيور كأنها تحلق في عرس سماوي يليق بأرض الأولياء بأجنحة غير مرئية في فضاء من الفرحة والبهجة تحاول أن تنسف الواقع المرير الذي بناه الطغاة والأشرار المليء برائحة الدم والدخان والبارود والمرض والهموم والحرائق , لتبني عالماً قائماً على المحبة , والمحبة فقط .
كأن التكية طائر كبير يضم تحت جناحية روح الدنيا كلها.
إنها عالم الإنسان الحقيقي الذي يدور في فُلك المحبة.
إنطلاقٌ للروح في فردوس الرب وتدفق للخيال , وشلال من الصور الحية , وسمو الغاية والهدف , واقتحام للمجهول , وكشوفات جديدة , تلك هي أحاسيسي وأنا أتجول في أرجاء التكية .
الأنوار والإشعاعات هناك تجتاح الروح وتخترق الضمير. والدراويش هناك كما القصائد , كما الهواء النقي. والمديح إلقاء نشوان رائع بنبرات موسيقية غنائية أخاذة يمتزج فيها الأرضي بالسماوي, حيث تتحول القصيدة إلى كائن حي مستقل بذاته , كائن ملائكي , أو هي لوحة فائقة الجمال , أو منحوتة تتنفس خمراً سماوياً وأشواق شاعر عاشق .
التصوف عِطر, انتماء لما هو خارج عن الدنيا . فكل مذهب مرتبط بالعقل , لكن المذهب الصوفي الروحاني الذي يوازي علم اليقين هو استدعاء للعقل أن يستجمع قواه ويسمو فوق نفسه .
لاحظت أن باب التكية الكسنزانية صغير نسبياً مقارنة بأبواب قصور السلاطين والجبابرة من رجالات الحكومة وأصحاب المعالي والضخامة والفخامة والسمو, لكنه باب مختلف , باب يفتح محطات للنفوس والأرواح النقية للولوج إلى عوالم الصفاء والحرية والإلهية.
باب يفتح إلى الأصل المتعالي المطلق اللامتناهي الأبدي. باب يؤدي إلى الله.باب يؤدي إلى فناء المخلوق في غير المخلوق, الدنيوي في الأبدي ,المحدود في اللانهائي , باب يؤدي إلى جزر النفس الزائلة في إتجاه مُبدئِها الإلهي.
باب يؤدي إلى زواج بين الجنة والأرض .
التكية بستان لرحمة الله ومحبته وتوحيده مزروع بألوان الرياحيين والورود من تسبيح وتحميد وتمجيد وذِكر ويقين.
غُرست شجرة المحبة والتوحيد والمعرفة في قلب التكية , أصلها في قلوب الدراويش وفرعها في السماء تحت عرش الرحمن.
إنها بكل بساطة خزانة الله في الأرض.
لذلك ووسط الخراب الفكري والديني والإنساني الذي يعيشه مجتمعنا , أدعو لأن يكون التصوف الكسنزاني مرجعية ثقافية في المجتمع الإسلامي لأنه هو الوحيد الضامن والجامع لكل المختلفين والفرقاء فهو لا يعرف معنى الطائفية( سنة وشيعة ) فهو للجميع ويستقطب الجميع.
مرجعية تضع يدها على فتيل القنبلة المخفية والمعدة للإنفجار في أي لحظة لتمزق مجتمعنا العراقي أولاً والإسلامي ثانياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا