الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلام العالمي لكانط والرؤية البهائية لمستقبل النظام العالمي- (12-14)

راندا شوقى الحمامصى

2023 / 9 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


6. مسألة الضامن The Guarantor Question
إن أي مناقشة للسلام في العالم تثير حتما التساؤل ’كيف يمكننا التأكد من أن هذا ليس إلا مجرد حلم - أمل غير واقعي أو خيالي pipe-dream؟، إن كانط يظهر إدراكه لهذه المسألة عندما يكتب:
"إن السلام الدائم مؤَمّن عليه (مضمون) من قِبل لا أي شيء أقل من ذلك الفنان العظيم و هى الطبيعة... التي عمليتها الميكانيكية تجعل من غايتها الهادفة تتجلى بوضوح سامحة للتآلف في الظهور بين البشر عند الفتنة و الخلاف، حتى ضد إراداتهم." (Kant 1983, 116)
وبعبارة أخرى، فإن العمليات الطبيعية للتاريخ، بما في ذلك الصراع بين البشر، تؤدي في النهاية إلى الوئام والسلام حتى لو كان ضد رغباتنا. و عن مثل هذه الغاية للطبيعة فإن كانط، كيفما، يذهب إلى أبعد من ذلك مضيفاً:
"إن آلية الطبيعة، التي فيها ميول السعى الذاتي فى تضاد و مواجهة بشكل طبيعي مع بعضها البعض في علاقاتها الخارجية، يمكن إستخدامها بواسطة العقل كوسيلة لتمهيد الطريق لتحقيق غايته، و هى سيادة الحق rule of right، وكذلك لتعزيز وتأمين السلام الداخلي والخارجي للبلاد." (ibid 124)
فكرة كانط، والتي تعود الى ما قبل فكرة هيغل "مكر العقل* cunning of reason" تؤكد أن هذا العقل يستخدم عادة المصلحة الذاتية البشرية المتضاربة كوسيلة لتحقيق السلام على حد سواء محليا وخارجيا. وبعبارة أخرى، فالعقل نفسه يأخذ دوراً نشطاً، كما لو كان شخصية و طابع أخلاقى، في التطور نحو السلام الدائم. وبالتالي فإن العقل يأخذ دوراً لا يختلف عن ذلك الذى لإله متعال، و الذي يوجه البشرية لتعبر من بيداء أخطائها وشرورها بإتجاه أرض الميعاد النهائية. و من خلال مكره ، فالعقل هو قادر على الإستفادة الإيجابية من أخطائنا، أو، كما قال ميلتون في الفردوس المفقود، إن العقل أو مشيئة الله "من شرورنا يسعى لتوليد الخير إيابا."
*[مكر العقل: جاءت فى محاضرات حول فلسفة التاريخ، وهو عمل كبير من قبل جورج فيلهلم فريدريش هيغل ويعرض تاريخ العالم من حيث الفلسفة الهيغلية من أجل إظهار أن التاريخ يتبع ما يمليه العقل و أن هذا التقدم الطبيعي للتاريخ بسبب العمل الظاهري للروح المطلق.]
و كما رأينا أعلاه، أن "سيادة الحق rule of right " مرتبطة إرتباطاً وثيقا بهدف السلام الدائم منذ ذلك الحين، كما رأينا من قبل، ويجب أن تستند السياسة على "سيادة الحق" إذا أُريد للنظام الصحيح أن يستمر مُحَافظاً عليه. و يعتقد كانط حتى أن الحرب في حد ذاتها هى جزء من العملية التاريخية للتطور نحو السلام الدائم لأن "من خلال الحرب فإنها [الطبيعة] قد قيدتهم لإنشاء أكثر أو أقل علاقات قانونية." (المرجع نفسه 121). فإمكانية حدوث الحرب أجبرت البشر على تنظيم أنفسهم، أي إعتمادهم على نحو منهجى التنظيم القانوني في علاقاتهم الوطنية والدولية ( المرجع نفسه 124 )، وبالتالي القضاء على الحرب نفسها. و يعترف كانط أيضا بأهمية "المصالح المتبادلة mutual interest "، ( المرجع نفسه 125 ) وخاصة المصالح الاقتصادية المتبادلة كوسيلة و التي بها "توحّد" الطبيعة الناس ضد العنف والحرب" (المرجع نفسه) ويقول:
"القوة المالية قد تكون الأكثر موثوقية في إجبار الدول على البحث عن الدعوة النبيلة المتمثلة في السلام (وإن لم يكن من دوافع أخلاقية )، و كلما هددت الحرب لتندلع فإنهم سيحاولون منعها من خلال التدبر كما لو كانوا تجمعوا بشكل دائم لهذا الغرض."
يبدو أن كانط أدرك بأن "عصبة السلام league of peace" بموجب المعاهدات السياسية والدبلوماسية وإنشاء "الحق الكزموبوليتانى /العالمي cosmopolitan right" قد تكون غير قادرة على القضاء على الحرب. و هذا الإعتماد الأخير على الاقتصاد هو قبول الأمر الواقع بعدم كفاية بيانه أن "كل السياسة يجب أن تثني ركبتها أمام الأخلاق" (المرجع نفسه 131) أو "الحق". وعلاوة على ذلك، على الرغم من أن كانط يعتقد أن الحرب "تبدو أنها متأصلة في الطبيعة البشرية"، (المرجع نفسه 123) و أنه يؤكد على أن [غريزة] ضرورة البقاء على قيد الحياة سوف تدفع البشر في إتجاه النظام و سيادة الحق و في نهاية المطاف السلام. ولكنه، هنا أيضا، كما يقول يجادل على أساس الضرورة الحيوانية بدلا من الحق العقلاني، وبالتالي يجعل حجته المستندة على الحق لا لزوم لها. أى أن الإنسانية سوف تحقق السلام الدائم بمشاركتنا الواعية و الحرة أو بدونها. و أن الطبيعة سوف تجبرنا على التصرف بطرق و التي من شأنها تحقيق السلام رغم إفتقارنا للإهتمام: و "بهذه الطريقة فإن الطبيعة تضمن السلام الدائم بحكم ميول البشر لبعضهم البعض" ( المرجع نفسه 125 )
فالمشكلة لهذا الموقف واضحة سواء من منظور بهائي وغير بهائي. أن "المصلحة المتبادلة" الطبيعية المشتركة للبشرية كانت موجودة دائما - و حتى الآن لم تكن فعّالة بشكل ملحوظ في القضاء أو حتى الحد من الحرب. و لم تتغير ضرورات بقائنا الشخصية و الإقتصادية لعصور، و ضرورات التجارة والتمويل هي في الأساس نفسها (على الرغم من الوفاء بها الآن بطرق مختلفة) و ما زالت الحرب تتواصل، و فى الحقيقة، هى في حد ذاتها عمل مربح. و حتى أن ولاء الفئة /الطبقة class loyalty لا يمكنه أن يتجاوز و يهيمن على قوى مثل القومية كما هو ظاهر في بداية الحرب العالمية الأولى عندما صوت النواب الإشتراكيين - الذين أقسموا سابقا على معارضة الحرب الدولية بإسم الولاء الفئوى - صوتوا في كل مكان لصالح الحرب كدعم لحكوماتهم في عام 1914. وعلاوة على ذلك، فمن الصعب أن نتصور أن كانط لم يكن ليعرف هذا، بالنظر إلى تاريخ عصره، ناهيك عن تاريخ البشرية السابق. فالإستنتاج الذي لا مفر منه هو أن الدوافع الاقتصادية ليست كافية للقضاء على الحرب. و أنها لا يمكن أن تكون بمثابة بدائل لحسن النية والمحبة، على الرغم من أنها يمكن أن تدعم الجهود المبذولة بدافع من النية الحسنة والمحبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب