الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوانب من تاريخ مكناسة تازة

عبد الإله بسكمار

2023 / 9 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من أهم الحقائق التاريخية التي سجلتها حوليات القرون الوسطى الإسلامية، إلى حدود عصر دولة الموحدين على الأقل، ارتباط مدينة تازة بقبيلة مكناسة البربرية الزناتية، فهذا المؤرخ المجهول صاحب " الاستبصار في عجائب الأمصار " ( عاش خلال القرن السادس الهجري ) ينص على هذا الارتباط بقوله " وشيدت سنة 568 هــ( 1172 م – 1173) مدينة الرباط ( تازة ) على الطريق المار من بلاد المغرب إلى بلاد المشرق وتسمى مكناسة تازا وهو يقصد تحول تازة إلى رباط في عهد الموحدين، أما التأسيس والبناء فيعودان إلى قرون قبل ذلك، كما أكده العديد من المؤرخين والباحثين . ويصف المجهول مكناسة بأنها " قبيلة كثيرة من البربر سكنوا هناك، يسمى الموضع باسمهم "، أكثر من ذلك، اعتبر عبد الوهاب بن منصورتازة هي" أم قرى قبيلة مكناسة " ولعله يقصد هذه القبيلة البربرية بالضبط، حينما يفيد بأن تازة من تأسيس البربر في القديم، ولانعرف قوى اجنبية سيطرت على المنطقة .
ارتباطا بما سبق، يعتبر استيطان مكناسة لمنطقة تازة مسارا ضاربا في القدم والمعروف أن الموطن الأصلي لقبائل زناتة ومنها مكناسة هو المغرب الأوسط وذهب بعضهم إلى أنه منطقة طرابلس الغرب ومن ثمة، وقعت هجرات متتالية لتلك القبائل، تبعا لتقلبات الأحداث التاريخية، وعلى فترات متقطعة من تاريخ المنطقة، حتى أصبحت زناتة شبه مستقرة بين ملوية وفجيج و جزء من الريف، فضلا عن حيزكبير من المغرب الأوسط، أي الجزائر الحالية وظلت عبارة عن قبائل شبه رعوية، تتنقل بين تلك المناطق، حتى إذا توفرت لها الشروط الذاتية والموضوعية نهضت من جبال تازا ومواقع ملوية لتأسيس إمارات أو حتى دول جامعة ( مغرواة – بني يفرن – بني خزر بسجلماسة – إمارة تاهرت – مكناسة بنو العافية – بنومرين والوطاسيون ) وفي المقابل، فإنها تنكمش وتتقوقع على ذاتها خلال فترات الضعف أو أثناء استقواء عصبيات أخرى منافسة كالعصبيتين المصمودية والصنهاجية .
يُعتبر الجغرافي الأندلسي أبو عبيد البكري ( القرن الخامس الهجري ) في طليعة من تحدثوا عن تازا منذ بداية الدولة الإدريسية " وخرج ( يقصد ادريس الأول) إلى ماسنة (؟؟) في شعبان سنة ثلاث وسبعين ومائة، وخرج أيضا إلى تازا وهو موضع من أعمال بني العافية " في حين أن ابن أبي زرع صاحب القرطاس والذي عاش خلال القرن الثامن الهجري، يفيد بأن إدريس الأول أخذ البيعة من قبائل أوربة أولا ثم زناتة " وبعد ذلك أتته قبائل زناتة وأصناف قبائل البربرمن أهل المغرب ، منهم: زواغة وزواوة ولماية وسدراتة وغياثة ونفزة ومكناسة وغمارة " يهمنا من هذين النصين التارريخيين أمران :
أولهما : تنصيص البكري على أن تازة هي من أعمال بني العافية والمقصود هنا التقسيم المجالي في تلك الفترة القديمة، أي أن تازة ظلت مرتبطة بمكناسة وبفرع بني العافية على وجه الخصوص، ولما كان البكري قد عاش خلال العصر المرابطي حيث قضى يوسف بن تاشفين على النفوذ السياسي لمكناسة، فإننا نحتمل أنه يقصد الفترة السابقة على هذا المصيرأي القرن الرابع الهجري، إذ وقع المغرب تحت نفوذ إمارات زناتة كمغراوة وبني يفرن وبني خزرون ومكناسة .
ثانيهما : ذكر غياثة إلى جانب مكناسة من ضمن قبائل المغرب التي قدمت البيعة لإدريس الأول، وإذا كان وجود غياثة قديم فعلا بالمنطقة، فإن افتراض تبعيتها لمكناسة أيام قوتها قائم أيضا، كما أن توسع غياثة فيما بعد على حساب مكناسة توضحه مؤشرات تاريخية متعددة، علاوة على بعض الروايات الشفوية، مثلما يؤكد ذلك المرحوم عبد الرحمان المودن .
يرجع عدد من مؤرخي الفترة الوسيطية وأبرزهم عبد الرحمان ابن خلدون إسم مكناسة إلى جدهم الأول مكناس بن وسطيف البربري، فهنا الالتحام على أساس النسب الدموي كما لا يخفى، وكشأن كثير من العلامات الطوبونيمية في الغرب الإسلامي أو شمال إفريقيا كمغراوة ومطماطة والمهدية فإن لمكناسة توائم إسمية، نذكر أبرزها مكناسة الأندلس أو قلعة مكناسة والتي وصفها الإدريسي في رحلته بمنطقة الثغر الأعلى، حيث مجال سرقسطة ولا زال مكانها يعرف لحد الآن باسم مكناسة ، Maqunero ، الشيء الذي يدل على وجود قوي لهذه القبيلة المغربية بالأندلس، وبالطبع هناك مكناسة الزيتون بالمغرب الأقصى وهي المدينة المعروفة بالعاصمة الإسماعيلية، وتذهب أكثر المصادر إلى أن قبيلة مكناسة توزعت عبرعدة فروع، فاتجه قسم منهم إلى ناحية مكناس الحالية وأسس المدينة المعلومة، بينما التجأ قسم ثان إلى جبال تازة، حيث ارتبطت المدينة بها بعد ذلك لفترات محددة فيقال " مكناسة تازة "، وهناك وادي مكناس بمنطقة الشلف غرب العاصمة الجزائرية ويعتقد أن هذه المنطقة شكلت منطلق تحركات زناتة نحو المغرب الأقصى والأندلس أيضا .
ويشير بعض المؤرخين إلى أن مكناسة خلال الثورة البربرية الخارجية بزعامة ميسرة المطغري (دامت من 121 – إلى 123 هــ) اعتنقت المذهب الخارجي الصفري وهذا يؤكد مشاركتها في تلك الثورة التي كانت تهدف إلى رفع المظالم المسلطة من قبل ولاة بني أمية على ساكنة المغرب، ومن ثمة تحقيق استقلاله السياسي عن المشرق ووصلت تلك المظالم إلى حد تخميس البربر، مثلما يرد ذلك في الحوليات وكتب الفتوح، وإذا انتقلنا إلى مؤرخي العصر المريني، نجد كلا من ابن عذارى في البيان المعرب وابن أبي زرع في القرطاس، علاوة على ابن خلدون في تاريخ العبريتعرضون لأحداث القرن الرابع الهجري والتي تميزت بالضعف العام لدولة الأدارسة وتجزئة المغرب إلى إمارات زناتية تتبع الدولة العبيدية الفاطمية تارة ودولة الأمويين المروانية بالأندلس تارة أخرى، إلى أن انتهى الأمر بمكناسة وزناتة إلى الهزيمة على يد يوسف بن تاشفين المرابطي سنة 463 هــ " فهزمهم – يقول ابن خلدون وهو يقصد معنصرة المغراوي الذي أوقع بالمرابطين في أول الأمر – وزحف إليه يوسف بن تاشفين من مكانه فحاصر قلعة فازاز فهزم القاسم بن محمد وجموع مكناسة فاقتحم الحصن وقتل القاسم " إلى أن يقول " وانقرض ملك مكناسة من المغرب بانقراض ملك مغراوة والأمر لله وحده " ولا ينس ابن خلدون التذكير ببعض خصال ومزايا قبيلة مكناسة، حيث سجل بقية منهم عبارة عن أفاريق بجبال تازا " بعد أن تمرست بهم الدول وأناخت بساحتهم الأمم وهم موصوفون بوفور الجباية وقوة الشكيمة ولهم عناء في مظاهرة الدولة وحقوق عند الحشد والعسكرة، وفيهم مؤن من الخيالة " .
وحول مكناسة يقول ابن خلدون أيضا " كان مكناسة الظواعن من أهل مواطن ملوية وكرسيف ومليلة وما إليها من التلول بنواحي تازا وتسول، والكل يرجعون في رئاستهم إلى أبي باسل بن أبي الضحاك بن أبي يزول " ويقع ابن خلدون في التباس تاريخي، حينما ينسب تأسيس رباط تازا وبلد كرسيف إليهم، والسبب في هذا الالتباس هو اقتران كلمة تازة بالرباط، لأنها لم تصبح كذلك إلا في عهد الموحدين، أما وجود المدينة في حد ذاته فأقدم من ذلك بكثير، يضيف صاحب العبر " وكانت رئاستهم في المائة الثالثة لمصالة بن حبوس وموسى بن أبي العافية بن أبي باسل، واستفحل أمرهم في أيامه وعظم سلطانهم وتغلبوا على قبائل البربر بأنحاء تازا إلى الكائي وكانت بينهم وبين الأدارسة ملوك المغرب لذلك العهد فتن وحروب ".
لعل أبرز فترات التاريخ بالنسبة لقبيلة مكناسة، إذا استثنينا زحف زناتة وقيام دولة بني مرين ثم الوطاسيين، كانت هي النصف الأول من القرن الرابع الهجري اعتبارا من سنة 305 هــ، حينما حل مصالة بن حبوس المكناسي، صاحب تاهرت بالمنطقة قائدا للجيش عن فاطميي القيروان، كما تذهب إلى ذلك مختلف حوليات ومصادر الفترة الوسيطية ك" روض القرطاس " لابن أبي زرع و" البيان المعرب " لابن عذارى و" مفاخر البربر" لسابق المطماطي و" أعمال الأعلام " لابن الخطيب و " زهرة الآس " للجزنائي و" تاريخ العبر " لابن خلدون وكذا " المقتبس " لابن حيان الأندلسي ومن المتأخرين " الإتحاف " لعبد الرحمان بن زيدان و " الاستقصا " للناصري و" قبائل المغرب " لعبد الوهاب بن منصور، وقد حذا حذوهم تقريبا كل الباحثين الأجانب، سواء كانوا من العسكريين أو الجواسيس أو العلماء أو رجال الإدارة الفرنسية كليفي بروفنسال وفوانو وهنري تيراس و ش أندري جوليان وهنري باسي وج مارسي وغيرهم والغريب أن مصادر العصر الموحدي السابق على المريني ك" المعجب " للمراكشي و" أخبار المهدي بن تومرت " و" نظم الجمان " و" المن بالإمامة على المستضعيفين " وكلها موالية للسلطة الموحدية، لم تذكر هذه الفترة نهائيا واكتفت بالإشارة إلى مكناسة في سياق غزوات عبد المومن الموحدي، أو على عهد من جاؤوا بعده، ولعل التفسير المفترض لذلك هو ارتباط المؤرخين أنفسهم بالدولة الموحدية، مما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول تواريخهم، أما الانتماء الزناتي لكل من مكناسة وبني مرين، فيضعف كعنصر تاريخي أمام انتماء عبد المومن مؤسس الدولة نفسه إلى مجال ندرومة الزناتي، رغم التفاف قبائل مصمودة حوله وذهب البعض إلى أن مكناسة هم بنو عمومة الزناتيين فقط .
ووردت مكناسة في العديد من المصادر المتقدمة والمتأخرة على السواء فهذا صاحب " الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون " عبرتعريفه بمكناسة الزيتون يقول " وإنما عرف هذا ( يقصد مدينة مكناسة الزيتون ) بهذه الإضافة ليمتازعن مكناسة تازا وذلك أن من قبائل زناتة قبيلا يقال له مكناسة منهم فخذ بتازا شرقا من مدينة فاس"، ويفيد محققا الكتاب في الهامش بأن المكناسيين كانت لهم مقامات صدق في الجهاد بالأندلسن أي أنهم شاركوا في الفتوحات أولا ثم في رد غزوات المملك المسيحية في الشمال ثانيا.....
قلنا: إن أبرز فترة تاريخية ارتبطت بقبيلة مكناسة تازا هي الممتدة من بداية القرن الرابع إلى النصف الأول من الخامس الهجريين تقريبا، وتبدأ الفترة المعنية سنة 305 هـ كما سبق القول، وهي التي اتسمت باضطراب سياسي مستمر وتجزئة للبلاد بعد الضعف الذي شمل دولة الأدارسة بفاس، نتيجة الصراع على السلطة بين أفراد الأسرة الإدريسية ووقوع المغرب تحت حسابات دولتين قويتين خلال هذه الفترة هما : دولة الفاطميين بإفريقية ودولة الأمويين من بني مروان بالأندلس، ثم قيام إمارات زناتية هنا وهناك، كإمارة تاهرت وإمارة بني مدرار وبني واسول بن مصلان وخزرون بسجلماسة وإمارتا مغراوة بفاس وبني يفرن بسلا ثم إمارة مكناسة بتازة وتسول وحوض ملوية، وتخللت هذه الفترة اعتبارا من سنة 311 هجرية اسئصال الأدارسة من فاس على يد موسى بن أبي العافية، ومن بقي منهم نفي إلى قلعة حجر النسر بالريف وهنا أصبحت العاصمة الإدريسية معقلا لزناتة ومكناسة ثم مغراوة، إلى أن عاد بعضهم إلى مواقعهم الأصلية بعد ضعف المكناسيين، بسبب التدخل الفاطمي، كما استفحل صراع مكناسة ضد العبيديين، يعلق هنري تيراس " وقد وصل أحد قوادهم وهو موسى بن أبي العافية – بعد أن حكم فاس وشمال المغرب باسم الفاطميين – إلى القيام بدور مهم لعاهل مستقل " ثم ما لبث أن انقلب على الفاطميين، بعيد سيطرته على فاس بتزامن مع بطشه بالأدارسة ، إلى أن بعث هؤلاء ميسور الخصي وفي رواية أخرى ميسور الصقلي وتضاربت الروايات حول من خرج منتصرا في هذه المنازلات، كما اختلف المؤرخون وأصحاب الحوليات في تاريخ وفاة موسى ( سنوات 326 – 328 أو 341 هــ ) وقد عمل ابن أبي العافية وكذا من خلفه لصالح أمويي الأندلس، الذين هبوا لنجدته فأقاموا مراكز بحرية لهم في شمال المغرب، حتى يحتووا المد الفاطمي الشيعي، الذي تراجع في الأخير رغم رد الفعل التاريخي المتمثل في قيادة جوهر الصقلي لجيش غزا به المغرب دون نتيجة حاسمة، وإثر استقلال المعز بن باديس بعد ذلك بقرن من الزمان بعث الفاطميون قبائل بنوسليم و بنوهلال فعاثوا في الغرب الإسلامي مما خلف فراغا سياسيا خاصة في المغربين الأوسط والأدنى ملأه المرابطون .
استمرت سلالة بني العافية المكناسيين زهاء 140 سنة، تناوب خلالها على الإمارة عشرة من أبناء وأحفاد موسى ابن أبي العافية ، كانت أبرز مراحلها سيطرة موسى على تلمسان وفاس والريف وحوض ملوية، فضلا عن تازة وتسول، كان آخرهم القاسم بن محمد، الذي قتل من طرف جيش يوسف بن تاشفين سنة 463 هجرية / 1071 م ولاشك أن بقايا مكناسة قد استمروا في المنطقة وقاموا بدور ما في الدفاع عن تازة ضد المرابطين كما فعلوا في حالة فاس، رغم أن الدور الأساس في هذا الدفاع كان يعود إلى مغراوة وفي هذه الفترة، تجزأ الغرب الإسلامي بعد قيام ملوك الطوائف بالأندلس وتوجه اهتمام الدولة الفاطمية عموما نحو الشرق، ثم قيام دولة المرابطين .
بعد تراجع الدور السياسي لزناتة ومكناسة خلال القرنين الخامس والسادس الهجريين، عادت زناتة للظهورمن جديد مع بني مرين، غير أن مؤرخي الفترة قصروا دور مكناسة على تقديم البيعة للسلاطين من بني مرين، بدءا من أبي يحيى ثم أبي سعيد عثمان وأبي يوسف يعقوب وتوالى دعمهم لبني عمومتهم فيما يبدو، وفي المقابل، لم تستطع مكناسة استرجاع أمجادها السياسية السابقة، بل تقلص مجالها الحيوي تدريجيا لصالح غياثة، مما طبع العلاقة بين القبيلتين بنوع من الالتباس والصراع أساسه المياه والأرض والرعي، علاوة على عوامل أخرى لا تقل تعقيدا، كالموقف من الشرفاء الأدارسة، فالمعروف أن غياثة مالت منذ البداية لتبني قضية هؤلاء، تدل على ذلك العديد من الشواهد بل والروايات الشفوية كالمقولتين الشهيرتين " غياثة أو تازة - حسب الروايات - حبس مولاي ادريس " أي منطقة محبسة على الأدارسة " وخطاب المولى ادريس الأكبرفي حقهم " أنت تغيثون ولا تغاثون " ولا عجب، حينما فتحت مجالها أمام الشرفاء الوزانيين أساسا، يقومون بالوساطات ويصلحون بين الأطراف المتناحرة ويزكون العقود ويحتفون بالمناسبات المحلية ويشرفون على ختم القرآن وغير ذلك، على عكس قبيلة مكناسة التي لاحظنا موقفها العدائي من هؤلاء الشرفاء منذ القرن الرابع الهجري، رغم أن أصحاب الحوليات القروسطية أشاروا إلى إسم مكناسة من بين المجموعات القبلية البربرية التي سارعت إلى تأييد دعوة ادريس بن عبد الله في بداياته .
أيدت مكناسة جل سلاطين الدولة العلوية وقدمت بيعتها مع باقي القبائل، فيما أصبحت مكناسة الزيتون تدل شيئا فشيئا على المدينة المعروفة أكثر من الفرع القبلي المكناسي، وتعززت هذه الحاضرة وتوسعت حينما اتخذها السلطان العلوي مولاي اسماعيل مقرا وعاصمة له، ولذا وصفت بالعاصمة الإسماعيلية .
غير أن قيام الجيلالي بن ادريس الزرهوني باسم مولاي امحمد في خريف 1902 خلط الأوراق من جديد، فبايعته مكناسة في البداية وعلى مضض، لكن سرعان ما تراجعت أكثرية القبيلة حينما وجه المخزن الشرعي ( م عبد العزيز) جيشا جرارا بقيادة العلاف الكبير وزير الحربية والغريم السابق للجيلالي ونقصد المهدي المنبهي، الذي استطاع بعد معارك استمرت شهرين من دخول تازة وقد كانت الموقع المتقدم للروغي، ولن نتحدث عن الفظاعات التي تعرضت لها الساكنة البريئة من طرف الجيش المخزني، ولكن السياق يشير إلى دور أساسي لمكناسة في إعادة بسط النفوذ المخزني على تازة ومحيطها فانطلاقا من أراضيها شمال المدينة، عبر الجيش نحو تازة التي دخلها من باب الجمعة، وبتنسيق مع الشيخ المدني السملالي النافذ الكلمة لدى قبائلها كما يفيد الحجوي في مذكراته وكذا ع الوهاب بن منصور في كتابه " أعلام المغرب العربي "، فيما يمكن نعته بأول وأهم نكسة تعرض لها الروغي أو الدعي الجيلالي اليوسفي باسم مولاي امحمد، حدث ذلك يوم 07 يوليوز 1903، وأسقط الأمر في يد الروغي، الذي كان مقيما في وجدة وقتذاك وسرعان ما عاد بجيشه للسيطرة على تازة مرة أخرى فسوى قصبتي مكناسة بالأرض، وهذا يدل على وجود معلمتين تاريخيتين بالمنطقة أتت عليهما هذه الفتنة الهوجاء للأسف الشديد، ومن مظاهر الفتنة هذه أن منعت مكناسة ضريح القطب ابن يجبش التازي عن غياثة فيما يبدو أنه صراع حول البعد الرمزي، يتداخل ضمنه السياسي بالقبلي، حيث كان تأييد غياثة للدعي لا غبار عليه، في حين مالت قبيلة مكناسة إلى المخزن الشرعي والسلطان مولاي عبد العزيز .
لما وصل الجيش الفرنسي إلى مشارف تازة عن طريق قوات الشرق بقيادة الجنرال بومغارتن دخل إلى تازة يوم 10 ماي، ثم التقى بالقوات القادمة من فاس يوم 16 ماي 1914 تحت قيادة الجنرال غورو عبر تيسة والزرارقة والتسول ثم مكناسة التحتية، التي التقت فيها القوتان عند" باب حمامة " أو " باب عمامة " فيما تم الاحتلال الرسمي لتازة بحضور الجنرال ليوطي في 17 ماي وقد وصف الاحتلال بأنه محطة تاريخية رائعة لدى الأوساط الاستعمارية والصحافة الفرنسية،عن طريق خطة الكماشة jonction والتوسع الخطي بدل بقعة الزيت، لأن العملية أتاحت ولأول مرة الربط بين شمال إفريقيا المستعمرة من تونس إلى الدار البيضاء .
أصبحت مكناسة بعد الاستقلال مجالا ترابيا أكثر من كونه قبليا وهي تنقسم إداريا إلى مكناسة الشرقية ومكناسة الغربية، فيما ألحقت مدينة مكناس بفاس ضمن الجهة التي تحمل نفس الإسم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف