الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ إنجلترا – 10 هنري الخامس والسادس

محمد زكريا توفيق

2023 / 9 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل العشرون

هنري الخامس، من مونماوث، 1413-1423.


كان الملك الشاب هنري مليئا بالأفكار السامية والجيدة. كان تقيا يواظب على الذهاب إلى الكنيسة. حاول حث الأساقفة على مساعدة الفقراء.

كان لطيفا ومرحا في كل كلماته وأعماله، فأحبه الجميع. إلا أنه كان يعتقد، بصواب الحرب مع فرنسا. كان يظن أن فرنسا هي ملك له بالميراث. وكانت في حالة بائسة، يعتقد أنه يستطيع أن يحكمها بشكل جيد.

كانت فرنسا دولة بائسة، وكان الملك الفرنسي، تشارلز السادس، مجنونا، لديه زوجة شريرة. أبناؤه وأعمامه وأبناء عمومته، كانوا يتقاتلون دائما فيما بينهم، حتى باتت شوارع باريس مخضبة حمراء من كثرة الدماء.

كان هنري الخامس، ملك إنجلترا، يأمل في ترتيب الأوضاع وتنظيم الأشياء للفرنسيين. فجمع جيشا، عبر به عباب البحر إلى نورماندي. ودعا الناس إلى رفض الذل والهوان، وقبوله ملكا حقيقيا لهم.

وعد بحماية الفرنسيين، وعدم السماح بإلحاق أي ضرر بهم. وقام بشنق أي جندي إنجليزي يتم القبض عليه وهو يسرق أو يسيء لأي شخص فرنسي.

استولى هنري على بلدة هارفلور، على الساحل النورماندي، لكن بعد حصار طويل. كان معسكره في مكان رطب، مما تسبب في تفشي أمراض كثيرة بين رجاله.

كان مخزون الطعام على وشك الاستهلاك، فاضطر إلى السير بقواته عبر كاليه، التي تعرف أنها تنتمي إلى إنجلترا، للحصول على المزيد.

لكن في الطريق، جاء جيش فرنسي كبير، رائع المنظر، لمقابلة جيشه. بقيادة الابن الأكبر لملك فرنسا، دوفين (وهو لقب يأخذه ولي العرش). تماما كما كان الابن الأكبر للملوك الإنجليز دائما هو أمير ويلز، كان الابن الأكبر للملوك الفرنسيين، يسمى دائما دوفين فيينا.

كان الجيش الفرنسي، ضعف عدد الإنجليز، ولكن بالرغم من أن رجال هنري كانوا مرهقين ونصف جائعين، يتفشى بينهم المرض، إلا أنهم لم يخافوا، بل وثقوا بملكهم، عندما أخبرهم أن هناك ما يكفي من الفرنسيين للقتل والهروب والوقوع في الأسر.

أثناء حلكة الليل، أقام الإنجليز صلاة قصيرة، استعدادا للمعركة. وكان الملك يسير من خيمة إلى خيمة، يتفقد أسلحة رجاله، ويتأكد من أن كل في مكانه.

في الجانب الآخر، كان الفرنسيون يحتفلون ويقيمون الولائم، ويناقشون ما سيفعلونه بالإنجليز عندما يقعون أسرى في أيديهم.

كانوا قريبين من قرية صغيرة، أطلق عليها الإنجليز اسم أجينكورت، وبالرغم من أن هذا ليس اسمها الصحيح تماما، إلا أنه الاسم الذي عرفت به فيما بعد.

الفرنسيون، بسبب حالة البلاد المتردية والعداء بين المقاطعات، لم يكن لديهم نظام ولا ولاء، ولا أحد يطيع أي شخص آخر. وعندما كان الرماة الفرنسيون في الطريق إلى المعركة، بدأ فرسانهم في مهاجمتهم كما لو كانوا هم الأعداء.

قاتل البعض بشجاعة أثناء المعركة، لكن ذلك لم يكن ذا فائدة تذكر. وفي أثناء الليل، تم هزيمة جميع الفرنسيين، وظلت راية الملك هنري الخامس تلوح في الميدان، معلنة النصر المؤزر له.

عاد هنري إلى إنجلترا، بعد إحرازه النصر المبين على الجيش الفرنسي، وخرج جميع أعضاء مجلس محلي مدينة لندن لمقابلته، وهم يرتدون العباءات الحمراء والسلاسل الذهبية. وكان من بينهم السير ريتشارد ويتينجتون، تاجر الحرير المشهور.

سرعان ما عاد هنري إلى فرنسا، واستمر في غزوها إلى أن توصلت الملكة الفرنسية إلى اتفاق معه. بمقتضاه، يتزوج هو من كاثرين، ابنتها وابنة ملك فرنسا المجنون، تشارلز السادس. ثم أخذها بعد الزواج إلى إنجلترا بفرح كبير وأبهة، تاركا شقيقه توماس، دوق كلارنس لقيادة جيشه في فرنسا.

شعر الكثير من الفرنسيين بالظلم وعدم الرضا، بالتخلي عن المملكة الفرنسية للإنجليز، بعيدا عن وريث العرش الفرنسي، دوفين تشارلز.

لم يكن دوفين تشارلز رجلا صالحا. فقد وافق على قتل ابن عمه، دوق بورجندي، مما جعل البعض ينقلب ضده. وكان لا يزال يتعرض لمعاملة سيئة. لكن، لم يستطع أشجع الفرنسيين تحمل رؤية بلادهم تحكم بالإنجليز.

لذلك، بالرغم من أنه لم يبذل أي جهد للقتال بنفسه، إلا أن الفرسان قد قاتلوا من أجله، وحصلوا على مساعدة بعض الاسكتلنديين. وبدأت الأخبار تتوالى إلى هنري الخامس أن جيشه يتعرض للهجوم، وأن شقيقه قد قتل في المارك.

عاد هنري مرة أخرى على عجل إلى فرنسا، مما جعل كل شيء يسير على ما يرام مرة أخرى. لكن طوال فصل الشتاء، كانت بلدة مو، يحاصرها لص شرير للغاية، جعل جميع الطرق المؤدية إلى باريس غير آمنة.

بحلول الوقت الذي أخذ فيه هنري المدينة، كانت صحته قد تدهورت إلى درجة كبيرة. فجاءت إليه ملكته، وكون حكومة كبيرة في باريس، في ويتسونتايد.

لكن بعد فترة وجيزة من انضمام هنري إلى جيشه، وجد نفسه مريضا وضعيفا، مما أجبره على العودة إلى قلعة فينسين، لكنه ازداد سوءا.

دعا جميع أصدقائه، ورجاهم أن يكونوا مخلصين لابنه الصغير، الذي لم يره من قبل. وتحدث بشكل خاص إلى شقيقه جون، دوق بيدفورد، الذي ترك له مسؤولية كل ما كسبه من غزوات.

لقد حاول أن يكون رجلا صالحا، وبالرغم من أن هجومه على فرنسا كان خاطئا حقا، لأن ذلك قد تسبب في بؤس كبير، إلا أن هنري كان يعتقد أنه يفعل الصواب.

لذلك لم يكن خائفا من مواجهة الموت، وتوفي عندما كان عمره أربعة وثلاثين عاما فقط. بينما كان يستمع إلى المزمور 51، حزن الجميع عليه، حتى الفرنسيين.

لم يكن أحد على الإطلاق محبا ومطيعا للملك الفرنسي العجوز تشارلز، الذي جلس في زاوية يبكي على زوج ابنته الطيب هنري الخامس، إلى أن مات بعده بثلاثة أسابيع فقط، ودفن في نفس اليوم، في دير سانت دينيس، بالقرب من باريس، كما دفن هنري الخامس في دير وستمنستر، بالقرب من لندن.


الفصل الحادي والعشرون

هنري السادس، من وندسور، 1423-1461.


كان الطفل الصغير، هنري السادس، يبلغ من العمر تسعة أشهر فقط عندما تم تنصيبه ملكا على فرنسا وإنجلترا. كان تاج إنجلترا فوق رأسه، ولورداته يقسمون اليمين نيابة عنه.

عندما كان في التاسعة من عمره، أرسل إلى باريس، كي يتوج هناك ملكا على فرنسا. لقد كان فتى صغيرا، لطيفا، وديعا ومطيعا قدر الإمكان.

لقد استمرت الحرب في فرنسا طوال الوقت. احتفظ دوق بيدفورد بالشمال، أما الأراضي القديمة في الجنوب الغربي فكانت من نصيب الصغير هنري السادس.

بذل الفرنسيون قصارى جهدهم من أجل ملكهم الشرعي، تشارلز السابع، بالرغم من أنه كان كسولا جدا ومغرما بالمتعة، لدرجة أنه ترك لغيره إدارة شؤون الحكم.

ومع ذلك حدث شيء رائع لصالحه. كان الإنجليز يحاصرون أورليانز، عندما جاءت فتاة قروية شابة، تدعى جان دارك، إلى الملك تشارلز وأخبرته، أنها حصلت على رسالة من السماء لإنقاذ أورليانز، ثم قادته إلى ريمس، حيث كان الملوك الفرنسيون يتوجون دائما.

كانت دائما تتصرف كقديسة تقودها السماء. يتم إخبارها بالعديد من الأشياء الرائعة قبل وقوعها. وفي إحدى المرات، التي تركت فيها انطباعا كبيرا في أذهان الجماهير، تم إحضارها إلى الملك تشارلز، الذي لم تره من قبل، فتعرفت عليه، بالرغم من أنه كان متخفيا في ملابس بسيطة، وكان أحد أفراد الحاشية يرتدي الملابس الملكية.

لم تفعل جان دارك في حياتها أي شيء خاطئ، ولم تقل أية كلمات بذيئة. لم تقاتل بنفسها أبدا، فقط كانت تقود الجنود الفرنسيين. ظنها الإنجليز ساحرة، وكانوا يهربون أمامها مثل الفئران المذعورة.

لكن لا تشارلز ولا النبلاء الفرنسيين أحبوها. فهم لم يسمحوا لها بالعودة إلى قريتها، ولم يقدموا لها أي مساعدة. وذات مرة، عندما كان هناك قتال يدور خارج أسوار المدينة، هرب الفرنسيون جميعا وتركوها في الخارج وحدها، حيث وقعت أسيرة في يد الإنجليز.

بعد ذلك، حكم على جان دارك بمحكمة مختلطة، قضاتها من الإنجليز والفرنسيين، بالحرق حتى الموت في السوق في روان، كساحرة، ولم يحاول الملك تشارلز السابع أبدا إنقاذها.

لكن الروح التي أثارتها لم تمت أبدا. فقد استمر الفرنسيون في استعادة المزيد والمزيد من البلاد من براثن إنجلترا. وكانت هناك الكثير من المشاجرات بين الإنجليز، لدرجة لم تمكنهم من الاحتفاظ بأي شيء تم احتلاله سابقا في فرنسا.

كان عم الملك هنري السادس الأصغر، همفري، دوق جلوستر، يتنازع دائما مع عائلة بوفورت. وكان جون جاونت، دوق لانكستر، قد تزوج في وقت متأخر من حياته من فتاة من عائلة بسيطة.

من ثم، كان أطفالها يطلق عليهم اسم بوفورت، بعد القلعة التي ولدوا فيها، وليس بلانتاجنيت. وبالكاد يعتبرهم الآخرون أمراء. لكنهم كانوا فخورين جدا بأنفسهم، يعتقدون أنهم لا يقلون في المكانة عن أي شخص آخر.

طوال هذا الوقت، أحب الملك هنري السادس عائلة بوفورت أفضل بكثير من عائلة الدوق همفري، واتبع نصيحتهم، ونصيحة صديقهم، إيرل سوفولك، في الزواج من مارجريت أنجو، ابنة أمير فرنسي، كان له الحق في جزء كبير من الأراضي التي يملكها الإنجليز.

كل هذه الأراضي أعيدت إلى والدها، مما جعل دوق جلوستر وجميع الإنجليز غاضبين، كارهين للملكة الشابة مارجريت. التي كانت جريئة وعالية الروح.

كان الملك هنري السادس لطيفا ووديعا، يحب الصلاة وتلاوة التراتيل والقراءة. فعل أشياء عظيمة للبلاد أكثر مما فعله جميع الملوك المقاتلين. أسس كلية إيتون، بالقرب من قلعة وندسور.

هناك، تلقى، العديد من رجال الدين والجنود ورجال الدولة، تعليمهم. بينما كانت الملكة مارجريت تشارك في الدسائس والمشاجرات. وكانت الأمة تكرهها أكثر لتدخلها في الحكم.

ثم اتهم همفري، عم الملك ودوق جلوستر، في اجتماع البرلمان، بالخيانة العظمى وأرسل إلى السجن، حيث عثر عليه ميتا في سريره في غضون أيام قليلة.

لا تزال الأمور تزداد سوءا يوما بعد يوم. لم يترك الدوق همفري أي أطفال، والملك لم يكن لديه أطفال، فكان السؤال هو من يجب أن يحكم إنجلترا؟

بعد موت إدموند بوفورت، تزوجت أخته آن من ابن دوق يورك. وكان ابنها ريتشارد، يشعر بأنه أحق في أن يكون ملكا من أي شخص في عائلة بوفورت.

وكان هناك نبيل إنجليزي عظيم يدعى ريتشارد نيفيل، إيرل وارويك، يحب إدارة كل شيء. وهو بارون من النوع المؤذي إن لم يكن يقاتل في فرنسا.

اعتاد أتباع يورك على ارتداء الورود البيضاء، وأتباع بوفورت الورود الحمراء، واستمر الطرفان في الشعور بالمرارة، كل طرف نحو الآخر.

لكن، لم يكن أحد يرغب في أن يسيء للملك هنري السادس، اللطيف، الذي كان يعاني أحيانا من نوبات من الجنون. لذلك لم يكن يريدون أن يحاربوه في حياته. أخيرا، كان لديه ابن صعير، هو إدوارد.

بعد ذلك، عندما وجد دوق يورك أنه لا فائدة من الانتظار، بدأ في شن الحرب ، بدعم من وارويك، وبعد الكثير من القتال، أسروا الملك هنري السادس، وأجبروه على إبرام اتفاق على أنه يحكم مدى الحياة، ولكن بعد وفاته، يؤول الحكم لريتشارد، دوق يورك.

أما ابن هنري السادس، إدوارد، فيكون دوق لانكستر فقط. هذا جعل الملكة غاضبة بشدة. فهي تريد ألا تتخلى عن حقوق ابنها. فجمعت جيشا عظيما، هجمت به فجأة على دوق يورك بالقرب من ويكفيلد، ودمرت جيشه بالكامل.

قتل دوق يورك في المعركة. وقام اللورد كليفورد بطعن ابنه الثاني، إدموند، على جسر ويكفيلد. ووضعت مارجريت رؤوسهما على أبواب يورك، بينما ذهبت إلى لندن لتحرير زوجها الملك هنري هناك.

لكن إدوارد، الابن الأكبر لدوق يورك، كان قائدا أفضل منه، وأكثر شراسة وقسوة. جعل الحرب أكثر وحشية مما كانت عليه من قبل. وبعد أن هزم أتباع الملكة في صليب مورتيمر، سارع إلى لندن ، حيث استقبله الناس بسرور، الذين كانوا دائما معجبين جدا بوالده، وكرهوا الملكة مارجريت.

كان وسيما حسن المظهر. وعلى الرغم من أنه كان قاسيا حقا عندما يتعرض للإهانة، إلا أنه كان يتمتع بأخلاق طيبة، وكان الجميع في لندن سعداء باستقباله وتنصيبه ملكا.

لكن هنري السادس ومارجريت كانا في الشمال مع العديد من الأتباع، فتبعهم إدوارد إلى توتون مور، حيث بدأت المعركة أثناء عاصفة ثلجية، وكانت هي الأكثر قسوة ووحشية في كل الحروب.

حقق إدوارد النصر، ولم ينج أحد أو تم أسره. لقد قتلوا جميعا قبل أن يتمكنوا من الفرار. كان هنري السادس المسكين مختبئا بين أتباعه. وذهبت مارجريت تطلب المساعدة من اسكتلندا وخارجها، وأخذت ابنها معها.

بعد أن أحضرت جيشا آخر، قاتلت في هيكسهام، لكنها تعرضت للهزيمة مرة أخرى. وسرعان ما اكتشف مخبأ الملك هنري السادس، فحمل إلى لندن، وسجن في البرج. وبذلك، ينتهي عهده في عام 1461.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران