الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورة تحديث الخطاب العام مع الجمهور الفلسطيني

محمد زهدي شاهين

2023 / 9 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


للخطاب تأثير قوي على الجمهور ومن هنا بالذات تنبع اهميته، فهو ليس مجرد الفاظ او تراكيب لغوية، بل هو رؤية استراتيجية ومخطط سياسي واجتماعي ووطني، وهو جزء ومكون رئيس من البصمة الفكرية والثقافية لأي مجموعة، والبصمة الفكرية والثقافية لا تقل أهمية عن السيادة والسلطة السياسية على سبيل المثال بل تسير جنبا الى جنب بموازاتهما لما لها من تأثير مباشر على الاستقرار الداخلي الذي تبحث عنه الانظمة.
إن الجمهور المستهدف هم قطعا جمهور واسع يتكون من عدة شرائح وفئات مختلفة من ناحية فوارق الأعمار، وهو متفاوت في الدرجات العلمية والمستويات الثقافية و يمتلك نسبا متفاوتة من الادراك والوعي ايضا، لهذا فالخطاب بحاجة الى مهارة عالية جدا لصياغته، فاختيار الكلمات والمفردات والالفاظ بشكل عام له أهميته من اجل الوصول الى جمل بليغة ومقبولة هذا من باب، ومن باب أخر فطريقة الالقاء أو الاسلوب المتبع _الاداء_ بمثابة فن يؤثر سلبا أو ايجابا في فعالية الخطاب ووصول رسالتنا التي نريد ايصالها لهذا الجمهور. لو افترضنا مثلا باننا قمنا باختيار موضوع معين يحمل فكرة جيدة ولم نحسن اختيار الالفاظ والكلمات، ولم نوفق في كيفية طرح المادة أو بمعنى أخر بأننا قد اخفقنا في الاداء، فحتماً سيكون مردود ذلك الخطاب سلبياً على العكس مما نتطلع اليه تماما.
وفي حال ما اردنا مخاطبة مجتمعٍ فتيّ متّقد كالبركان ومتوهجٍ كالشمس ونحن نقف في احدى القطبين، فلا شك بأننا قد احدثنا خللا معينا يستدعي تصويب هذه الحالة المتناقضة من اجل أن نستطيع ايصال رسالتنا للجهات المختلفة بكل سلاسة وبدون احداث ضجيج من خلال العمل على تقليل هامش الخطأ الى ادنى حد.
قد يرى البعض بأن هذه التفاصيل غير مهمة، ولكنها هي اللب والجوهر الذي نبحث عنها في كونها تسهم بشكل مباشر في الاستقرار الداخلي الذي يتوجب علينا أن نعمل جاهدين من اجل الوصول اليه، حتى يتسنى لنا التركيز على قضايا حيوية اخرى، وهنا يأتي دور التوجيه المعنوي أو السياسي بالدرجة الأولى من اجل تغطية هذه المساحة شبه الفارغة،
عندما نقول بأن عملية تحديث الخطاب مع الجمهور الفلسطيني ضرورة لا بد منها يأتي ذلك لعدة اعتبارات مختلفة منها ايضا مراعاة الحساسية الاجتماعية للإنسان ذات البعدين المادي الافقي التي من ضمنها العلاقات الاجتماعية وما شاكل ذلك، والبعد المعنوي الروحاني العمودي الذي يتلخص في علاقة المخلوق مع خالقه والذي يجب أن يكون مؤثرا في كافة العلاقات الافقية للإنسان، وما يعنينا هنا هو التركيز على هذا الجانب الروحاني المعنوي واخذه بعين الاعتبار اكثر مما هو معمول به الآن، فهذان البعدان يشكلان النفس البشرية التي يجب أن تكون في حالة متوازنة على الدوام، من خلال الاهتمام بالجسد المادي والجانب الروحي، والحكمة تقتضي بأن يتم العمل على أن لا يطغى احداهما على الأخر، لهذا فالجانب الروحاني بمثابة الرئة الثانية للنفس البشرية لذلك لا بد من اجراء عملية تحديث للخطاب الذي يعتبر احد اركان العملية التربوية المهمة في بناء الفرد والمجتمع، وهو ايضا وسيلة اساسية من اجل وصول رسائلنا بشكل فعال وايجابي لجمهورنا المستهدف.
إن عملية تحديث الخطاب هنا لا تعني بأننا سنقوم بعملية اعدام للخطاب القديم او حذفه من الذاكرة عبر عملية تجديده، فعملية التحديث تحمل في طياتها الكثير من دلالات التجديد، ولكنها توحي ايضاً بأن الخطاب القديم بحاجة لإعادة نظر، فهو باقٍ على الرغم من هذا ولكن لا بد من أن تتم تنقيته مما علق به من الشوائب.
في مقالة سابقة نشرت لي تحت عنوان فتح واسلمة الخطاب تناولت هذا الجانب المهم الذي يعنى بأسلمة الخطاب الفتحاوي لكوننا نرى بأن هذا التوجه ضروري وغاية في الأهمية للحركة في خطابها مع جمهورها الفلسطيني، وبالطبع هي تمثل طليعة الحركات الوطنية الفلسطينية التي ومنذ نشأتها راعت تركيبة مجتمعنا التي اثرت على هذا البناء الوطني المتميز الذي كان بمثابة بناء للكل الفلسطيني المتعدد والمتنوع، مما أهلها بأن تمتلك ثراء وتعدد وتنوع فكري وثقافي وسياسي. لذا فأن أَخذ هذا الجانب بالحسبان في ظل تنامي الخطاب الديني هو أمر مهم جدا. وفي حال ما تبنت الجهات الرسمية والحركية هذا النهج واللون الخطابي ، فلا بد من أن يتضمن الخطاب الموجه للجمهور زيادة ملحوظة في استخدام الآيات والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على مكارم الاخلاق، والمواعظ والحكم للديانات المختلفة التي تحث على المحبة والتسامح بين الاديان والطوائف والنحل، واحترام المعتقدات والتوجهات الفكرية للآخرين بحدودها الشرعية طبعا. بالتأكيد هذا يأتي من باب احترام التعددية والتنوع في التركيبة الوطنية الفلسطينية، والخطاب يجب أن يكون منسجما مع هذا التعدد والتنوع مع مراعاة الخلفية الثقافية الإسلامية التي ينتمي إليها اغلبية مجتمعنا الفلسطيني.
إن الأخذ والسير بهذا النهج واللون الخطابي لا يضير احد، ومن الخطأ اغفاله، وهو ايضا لا يتعارض بتاتا مع الأدبيات الفلسطينية والحركية التي تزخر بهذا اللون الخطابي.
عندما يتم اضفاء وتعزيز الخطاب بمصطلحات واقتباسات دينية في مرحلة التوجيه المعنوي المتواصلة والمستمرة على الدوام فهذا الاسلوب المتبع بهذا الشكل والطرح الخطابي المتوازن له دلالاته كما وأنه يترك اثراً في وجدان الجمهور المخاطب من حيث سمو الروح الايمانية التي يتشارك فيها المواطنون الفلسطينيون ابناء مجتمعنا المسلمين باختلاف مذاهبهم واخواننا المسيحيين باختلاف طوائفهم واخواننا السمرة، واصحاب المعتقدات ومن يتبنون توجهات فكرية مختلفة، فكل منا يؤمن بما قد آمن به، وعندما يتم توجيه خطاب للمواطنين بِ يا أيها المواطنون المؤمنين مثلا ، فهي منسجمة ايضا مع المادة الأولى في النظام الداخلي لحركة فتح فقرة (أ) من ناحية الأيمان بعدالة القضية الفلسطينية، ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار بأن سمة مجتمعنا الفلسطيني هي سمة مؤمنة بمسلميه ومسيحييه وبمختلف تكويناته، لذلك نرجو بأن يتم التنبه لهذا الأمر المهم وبالغ الحساسية في البناء المجتمعي من قبل الساسة وصناع القرار لكونه يعالج رزمة من القضايا في آن واحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة يدعو الدول العربية لاتخاذ موقف كالجامعات الأمريك


.. 3 مراحل خلال 10 سنوات.. خطة نتنياهو لما بعد حرب غزة




.. جامعة كاليفورنيا: بدء تطبيق إجراءات عقابية ضد مرتكبي أعمال ا


.. حملة بايدن تنتهج استراتيجية جديدة وتقلل من ظهوره العلني




.. إسرائيل تعلن مقتل أحد قادة لواء رفح بحركة الجهاد