الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا منظومة التربية أخاطبكم

القرش عبدالله

2023 / 9 / 12
التربية والتعليم والبحث العلمي


في سجلي أزيد من خمسين محاولة إصلاح وأقول هل من مزيد ...أعراض مرضي بينة وشاخصة ،وكل المنتسبين وغير المنتسبين على علم بها، أنا المنظومة التربوية في بلدكم عمري يناهز سبعة وستين سنة بالتمام والكمال. سعت جاهدة كل حكومات الوطن منذ حكومة لهبيل البكاي ووزارة محمد الفاسي الى تخليصي من إرث المرحلة الكولونيالية، إذ كانت بنية جسمي موزعة بين اكثر من صنف تعليمي . وكل صنف موجه لفئة معينة بناء على الوضع الاجتماعي والطبقي القائم زمن الحماية . فكانت كل الأعراض التي اشكو منها تقول بضرورة تناول أربة انواع من العقاقير : عقار التوحيد ينمط منهاجي وبرامجي ،وعقار يعفيني من فرنسية لا تنتسب الي ولا أنا منها ، وإحياء لغتي العربية في كل الاسلاك والشعب والمواد إلا المواد العلمية ،قبل العودة في الآونة الاخيرة الى فرنستها . وعقار التعميم بحيث لم يعد مقبولا أن يحرم فلذة من كبدي من المتعلمين في سن التمدرس من خدماتي في العلم والمعرفة والتعلم ،وعقار المجانية إذ التعليم خدمة تكفلها الدولة وإن كانت موجهة لخدمة التنمية البشرية .
في منتصف الستينيات ،ما كدت أشفى من آلام مخاض المرحلة الاستعمارية حتى أغلق الباب في وجهي، وتم توقيف العمل بالعقاقير الاربعة تحت ذريعة الوضع الاستثنائي الذي يمر منه المغرب إثر أحداث الثالث والعشرين من مارس من عام 1965،ودخلت أنا المنظومة التعليمية في طور الانحسار في خدماتي لقلة الإمكانيات المالية حسب الدكتور بنهيمة . وهكذا وفي كل مرة اعرض على التشخيص، ويتم اكتشاف مسببات الداء، وما اكاد اشرع في تناول عقار الوصفة الاصلاحية حتى انتهي الى خبر ان العقار نفذ من السوق لسبب مجهول.
عرفت أنا المنظومة التربوية بالمدرسة المغربية أن أصل دائي من أين يؤتى به ومن يقف خلفه ، ادركت بوعي أن تدخل السياسة في مثل هكذا خدمات هو اشبه بفيروس بطيء ينهك قدرة المناعة على لعب دورها في التصدي للأعراض البادية . السياسة التربوية ان لم تكن اطرافها على وفاق او توافق حقيقي وليس مزورا ، ان يكن هناك عقد اجتماعي بين المواطن والدولة وبين المكونات المجتمع تدور فصوله بشكل صريح وواضح حول الغايات الكبى والمرتكزات الهيكلية والمبادء الموجهة ومواصفات المردودية الخارجية للمدرسة في نهاية اطوارها واسلاكها ،ان لم يكن هذا العقد فان النمنظومة ستكون اولى ضحايا النزعة الهيمنية للسلطة وتحكمها في ممكنات الاصلاح والاقلاع ،لا سيما واني حملت في جيناتي من المرحلة الاستعمارية جملة من الاعطاب تبدو وتختفي ،واحيانا تحقق طفرات غريبة .
لاشك في ان ما قاله تحليلات وقراءات رواد الانتروبولوجيا والسويولوجيا الغربيين عني هو الى حد كبير صحيح ،فالمدرسي باعتبارها مسكني انا المنظومة التربوية ، جهاز اساسي من اجهزة الدولة تسعى من خلالها الى الهيمنة والترويض والتدجين والتنميط وانتاج لون بشري لا يفكر ومن لا يفكر لن ينجح في ان يدبر فمابالك في اان يقترح ويبادر .
في كل محطة من محطات قطاري ، اتوقف وينتهي الي هدير شعارات تلوح من هنا وهناك تصب كلها في : نريد مدرسة للجميع ،نريد مدرسة رافعة للتنمية والتقدم والرفاهية ،رنيد مدرسة تحقق تكافؤا للفرص كما كان زمن الزخم النضالي . نريد منظومة تربوية جديدة متجددة مواكبة دامجة للاجيال في زمانها وخصوصياتها . شعارات مطلبية وعقولة ودستورية . تتظاهر الوزارة ومن خلفها الدولة بضرورة الاستجابة لنداء الاصلاح . وتشكل لي لجان وطنية وجهوية واقيليمة ومحلية لكن في اتجاه واحد مقلوب من الاعلى الى الاسفل وليس العكس كما هو حال التجارب الاصلاحية الناجعة في الدول التي كان مدخلها الى العالمية والريادة الدولية والحضارية عبر بوابة المدريسة والتعليم .
تخصص لاصلاح اوجاعي انا المنظومة التربوية اغلفة مالية لاباس بها ،ويشرع خبرائي الوطنيين والدوليين في تشخيص اورامي خلية خلية بالاسترشاد بالخبرات والتجارب الدولية الناجحة ،ويؤتى بكل المقترحات وتقعد اللجنة الوطنية تدبج ان الحلو وايسرها واقلها تكلفة لتطويق المتهالك من كينونتي ،وحينما نصل الى التفعيل تبدو التحفظات ،ويترك جسدي في استشفاءه لذوي النيات السيئة فيقل دواءي او يستبدل شعيري وتضعف مناعتي من جديد وتزداد اورامي انتفاخا وجسمة نحافة .ثم يسترك لاحقا بوصفة تحد من ال ولا تعالج مرضي القاتل .
وبعد ان تبين في اواخر عقد التسعينيات ،ان حالتي الصحية ،انا المنظومة التربوية ، متهالكة لن تنفع معها حصص المعالجة بالمواد الكيماوية او بالاشعة السينية ،كان مستعجلا ان انقل وعلى عجل الى العلاج بالبتر عبر الجراحة في مسعى لتطويق انتشار الداء اكثر واحتراما لتعليمات منظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي . اما قرار العلاج بالبتر فقد كان قرار ساميا بضرورة تشكيل لجنة وطنية تحوي في تريبتها كل اطياف المشهد المجتمعي من دولة ونقابات وجمعيات ومقاولات وخبراء وباحثين ومهتمين . المهم انتهى الرغبة التي قيل عنها انها غير مسبوقة هذه المبادرة ،حيث كانت النوايا شاخصة الى علاج حقيقي لاسيما وان الذي يقوى على تفعيل مضامين الميثاق الوطني هي حكومة عبد الرحمان اليوسفي الطبيب السياسي المشهود له بالنزاهة والوطنية ،اون اكن اخر حبة عنب في عنقود الحركة الوطنية رحم الله الجميع .
لا اخفيكم ،وانا المتعطشة الى اصلاح حقيقي ،والى ان ارى فلذات كبدي يتخرجون على يدي مهندسين واطباء وخبراء ورجالات قانون وسياسة وادباء وشعراء ووفلاسفة وشخصيات دببلوماسية ،ان ارى منتوجي وطنيا محضا لا غربيا ولا شرقيا . التمست من اطرافي الساهرة على وظائق جسمي الاستعداد والنفير لانجاح المشروع هذه المرة . لانه لم يعد مقبولا انابقى حبيسة التجريب في التجريب دون طائل يذكرر والعمر يتقدم بي وجهودي في النهضة عرضة للبوار . واكثر ما حز في نفسي . جيراني في الشمال اسبانيا بالامس كانوا فقراء وباتوا الان روادا في الاتحاد الاوربي . صديقاتي في افريقيا الذين كان يضرب بهم المثل في التفاهة والتخلف مثل رواندا واثيوبيا وطانزانيا .اراهم الان وقد قطعوا اشواطا في مسار تنميتهم وتحسنت اوضاع اهاليها .
وبعد مضي ثمان سنوات من عمر التفعيل ، يباغثني المجلس الاعلى للتربية والتكوين في تقريره اقراره بفشل الميثاق من جديد ،وعود على بدء في كل مرة . ساعتها ايقنت ،انا المدرسة المغربية ،انا الممنظومة التربوية ،في هذا الوطن ،لن تثمر شيئا اسمه التنمية او التقدم . بت على يقين تام بان الورم مستفحل وان الموت مسالة وقت ليس الا . نال مني الاحباط واصابني اليأس بان اي محاولة اخرى ولو رفعت من الشعارات ما يبرقها ليلا ونهارا لن تؤتي اكلها ،وهو ما تبين في البرنامج الاستعجالي الذي حملني على عجل في سيارة الاسعاف الى احسن المصحات التربوية الدولية ،فالتشخيص الطبي اكد لي ولمن يسهر على موتي البطيئ بان حالتي ميؤوس منها ،وما يمكن فعله لانقاد ما يمكن انقاده هو تسكين الالام بحقن من الاصلاحات الجزئية مثل حقنة الرؤية الاستراتيجية وحقنة القانون الاطار ،وحقنة خارطة الطريق ورفع شعار مدرسة الجودة والريادة .

الان ،وبعد ان تقدم بي السن ،انا جدتكمن المنظومة التربوية ، وعمري شارف السبعينيات ،عشت ما عشت مثلي مثل اترابي من الانظمة التربوية في دول الجوار الافريقي والعربي حالة من الترقب والانتظار ،لم افقد الامبلل يوما في ياتي الفرج على يد رجل سابق لزمنه ليقدم هدية لهذا الوطن ويجعل مني مدخلا لاسعادكم جميعا . لاجعل منكم رجالات ونساء الغد بامتياز ،لاجعل مني مصدرا ومدخلا لربح كل رهانات التنمية والتقدم ،وان ارقى ببلادي الى مصاف الدول المحترمة لنفسها ، وبعد ان شخت وتاخر حلمي في ان ارى بام عيني فلذات كبدي اطرا ورجالات نشامى في دفاعهم عنن وطنهم غيورين على بلدهم ، شجعان ورواد في كل الازمان والاوطان . لا يسعني الا ان اختم وصيتي اليكم بالقول ما يلي :
+لقد اخذتم ما يكفي من المناعة فيالتصدي لاي اصلاح ،لان الداء لم يكن اختلالات وظائفي بل مرضي كان هو الاصلاح في حد ذاته ،فاوجاعي تزداد بعد كل اصلاح بدل ان تخبو .
سيروا على سجيتكن ابنائي ،دبروا ازمتكم كما تدبرونها الان ، وانتظروا قدوم نبي ليصلح ما بكم اما ان ياتي من بشر امي او حقود ام وتمواطئ او خائن فاقطعوا ياسكم باليقين التام بلا اصلاح لمنظومتكم التربوية ولا لمدرستكم المعغربية الا على يد رسول او نبي .
اكتفوا موظفي الكرام العاملين في قطاعي انا منظومتكم التربوية ، بمحاربة الامية الالفبائية ، ولا تهدروا جهودكم في انتاج العقول او انتاج مفكرين ،العطب قديم والضغينة فعلت فعلها فينا على يد ابنائي الاوائل واخوانكم الكبار . وانصحكم ان تؤدوا ما عليكم انتم ابنائي الصغار ولا تزاحموا اخوانكم الكبار في الفساد واكل الاموال وتهريب الحلال وتبيض الحرام . اكتفوا بالتنابز والتلاسن والتحاسس والتجاسس فيما بينكم لانه يمنعكم ،في ظل الفراغ ،من السقوط في الرويتين والملل القاتلين . دمتم في رضاي ما دمتم خدومين مطواعين لمنظومتكم . وداعا احبتي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تدخلت أمريكا عسكريًا في عملية إسرائيل لإعادة 4 رهائن؟


.. مراسلنا: قتلى وجرحى من جراء استهداف الجيش الإسرائيلي مبنى سك




.. حزب الله يعلن استهداف مبنيين يتمركز فيهما جنود إسرائيليون في


.. الاتفاق الدفاعي بين الرياض وواشنطن يلزم السعودية بتطبيع العل




.. رئيس معهد أبحاث الأمن القومي: الضغط العسكري سيؤدي إلى مقتل ا