الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في رائعة أُم الزين بن شيخة ، قصيدة -أعراس الماء-

معروفي العيد

2023 / 9 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نكادُ نُجـْــزِمْ قائلينَّ؛ إنَّ قصِيدة: "أعراس الماء" للدُكتوراه والفيلسُوفـة أُم الزين بن شيـخة ــ قصيدة فـي غاية الإبداع والتصـوير، ولـنْ نُجانب الصَّواب، إذا ما اعتبرنا أنَّ هذا القصيد يتمخضَّ أساساً فيما يَحْلُو لي نعتُـهُ بالقصيد الفلسفي. لقد وُفقت إلى حدٍ ما، الفيلسُوفة أُمْ الزيـن في المزج بين الخطاب الفلسفي والأدبي، ناهيك عن مُراقبتها الظواهر الحياتية والواقعية بعامة. وتشابكها مع الفرضيات الفلسفيـة، مع اتساع السياق الإبداعي لكل ذلك. تجدُرُ الإشارة؛ أنَّ هذا القصيد قد نشرتهُ في دار الأمينة بالقيرون ــ بتونس ــ ط1 2023، ولقـد وقع تحت 142صفحة.
ولا يخفى على ذِي ناظرٍ، إنَّ الفيلسوفة أُم الزين ــ من الفينة إلى الأُخـرى ــ تُطرب أذاننا بقصائد فلسفيـة في غايـة الإبداع والجمــال، نذكر منها؛ على سبيل المثال لا الحصـر، روايـة جُرحى السماء والتـي كسرت فيها كُلْ الطابوهات ـــ بل هــي رواية تُؤَّثِل لفضـح مآسي الفتاة العربيـة، التي غدَّتْ هذه الأخيرة ليست إلا جاريـة أو عـاهرة حسب المخيال الإسلامي. وهذا ما نلتمسُه في الصفحة 38 "فمرحى بكل من مرّ بها حُباً أمْ ركلاً أم عرساً أمْ دفناً. شهريار في حُلمها مُخصي، وهُـو نجا من الخصــاء واحتفظ بفحولتــه عبر الاختباء بنقاب جاهلـي. "
وفــي قصـيد" طُوفانْ مِن الحَلوى في مَعـَابِد الجَمَاجِمْ". نلتمس نغماً جميلاً، ورُؤيـة فلسفية تتأرجح إن شئنا بين الأمل واليأس، بيـن الحُب والمــوت. وإمكانيـة العيش سوياً بمعزل عن كُل ألم، مرض، موت...الخ. إذْ جاء على لسان الفيلسُوفة القـولة الآتيــة:" طُوفان من الحلوى ترسم خرائط النُفوس المجرُوحة والقلُوب التي سقطت سهواً في أمكنة تخييلية مُصابة بالصداع(...) كُل الشُخُوص مَعْطُوبة ومُخْتَلةُ لكنها تُقاوم جميعاً عالم الموت(...) ميارى بطلة الحكاية والهاربة من قصّة قديمة تجد في صناعة الحلوى مهنة جديدة لها لمقاومة عالم الفيروسات في عصر سيادة كورونا رمز الموت المعاصر... وكوشمار المُنتدب في هذه الرواية من أجل مقاومة الإرهاب بالفن سيظلّ يرسم رؤوس إخوته المذبوحين ويحوّل خبر قتلهم إلى حدث فنّي دائم".
وبِالعــودة إلى، القصـيد الماثــل أمامنا "أعــراسْ الماء"، تُواصل الفيلسُوفـة أُم الزين بنشيخـة
بِكُل ما أُوتيت من جبرُوت فلسـفي، وحزمٍ. مُواصلة نِضالها السديم ضدَّ ما يُعـرف بـ" سيستام، الهـيمنـة الذُكُوريـة." وإن كان هذا القصيــد مُنـذُ البدايـة يُمارس على ذواتنا فلسـفة الابتهاج والشَّوْق والحُبْ فإننا لن نُجَانِب الصَّــوَاب؛ إذا ما قُلنا إنَّ هذا القصيـد في الأصــل، هُو ثورة أو تمـرُد إزاء كُل طاغيـة وإزاء كُل سُلطـة بتلويناتها العقائديـة المختلفة. وإزاء الأخــر المُتملق، الآخـر الذي يسحب هويتنا. هُـو قصيد ضد الأوضاع السائدة، بلُغة شاعريـة، فائقة الجمـال والتعبيـر. إذْ نجدُها في الشذرة التي وقعــتْ تحت عنونة "جِئنا نُطالب الأفقْ". نبـرة الاحتجـاج بِاسترجـاع الحُـريـة المسلُوبـة فـي عوالـم لا تأبـه بأحقيـة الذات في العيش المُحترم. حيث تقول:" يحمل الحجر ظهرهُ وحيداً ... ويمضي في تجاعيد الطريق... لكننا جئنا فجْراً نُطالب الأفُق ... وهـي قلب ينثـر حبهُ على روح تشدُّ السمـاء ... من حاجبها وتُمطـر. ". وبحسب أُم الزيـن، المرأة في مدينــة الله، لا يكــفي أن تمُوت مرةً واحـدةً فحسبْ، لكــي تمحو وتشطـب حزنها، إنها تُموت مرة واثنان وأكثـر. ولا تكــفي قصيدة في رســم تضاريــس القلق، لأنَّ جُغرافيـة الله تتأرجـح بين المعـابد ودِمـاء المـوتى في الليالي الأرق. صحيـح أنَّ للنهار غُروبــه المُشتهي، بيد أنّ لليل ألف قصـة وألف سُكـرة مُستحيلـة ودَمُهُ الضائع على الورق .
وتتساءل أُم الزين من جديد بِلهجة مُؤلمة: منْ نَظم هذه الجنازة؟ الصمت يتردد بين الشُيوخ، أفق أُفقه بلا آلهة، وسيسقط الياسمين على صدر ربيع باكياً، وسَيَعْبر الشارع بلا أشباح. جميعهم رحلُوا بلا وجود ودُون وداعْ، والقصيدة تجلس هُنا على جدار الحرف، واحدة ترمق إلى الغياب وتجهز لـهُ غياباً جديداً. تعبث من ضجيج المعابـد ومن صمـت الآلهة في حُقُول القمح الضائع فينا . يبدو أنّ أُم الزين، إنها في حراك دائم إزاء السلطـة السياسية، وإنْ كُنا نحسب أنَّ عروس العرب ــ القُدس ــ البلد العـربي الوحيد المُستبد، والفاقد لهُويتـه، فهذا مفهـوم شائع. ذلك أنَّ مُجمل الأوطان العـربية ــ غدَّت قُرْبَنًا لحُكامها. ضـفة تحرسها جثامين، وأبواق غدر. هذا واقعنا، وهذه جُروحنا، وهذا إلهنا. إذن، لما يقتل الياسمين بحسبها؟ تُجيب أُم الزيـن:" سرب من النمل ينظم عرساً للصدى وحكومات الدُمى تصلي للشياطين. ولا تخجل من الاحتفال بزواجها في بيوت الدعارة " المواخير". فــي نظرها ــ كُل صمت ـ إزاء الحُكومات المُدمرة يُعد أيضاً طحين للحكومات المُدمرة. والعجيب فـي الأمـر إنَّ أيةُ حُكُومـة ــ بحسبها ــ تسعى جاهدة لتعزيز القتلى. حيث تقول:" وحكومات القُمامـة لم تشــأْ أنْ يمُّرْ النهـار وحيداً بلا مقتولين طحناً قبل مـوتهـم .. لا البحــر يكــفي ولا دُموع السمـك.. بأيّ جسـد سأُقتـل اليــوم؟.. بأيّ جسـد كُنـت قد قٌتلت.. حين طلبتُ اللحاق بدمـي؟ لـم ألتقيه دمـي ..يوم موتـي ! " سياستُنا الرشيدة والعادلة تتعطش جُوعاً إلى قُمامات جديدة، والدولـة تُعلن ما يلي؛ حصيلـة هذا اليـوم من السياسة الرشيدة ومن العادلة الفريدة طحـن شاب يبيـع السمك خلسـة عن عيُونِنا، وقرّرنا سحقــه وعدّه شهيــداً. لذا تقترح أُمْ الزيــنْ، أن نستبدل وزراء العادلـة بوزير القُمامـة أشــد حزماً.
في هذا القـصيد، سجلنا ملحوظـة في غايـة الأهـمية، تتجسد هذه الملحوظـة فيما أسميتُهُ القصيـد البُطُولي ــ ذلك أنّ الفيلسُوفـة أُم الزين، تُحارب من أجـل قضيتها، وهــي في ذلك، لا تخـشى أي كان، لأن القضيـة عادة لا تُؤمن بالحواجز، ولا يستوقفها أي كان. ولنا في التاريـخ البُطـولي نماذج آمنت بقضيتها حتى آخر رمق. حيث يقول في سياق هذا تشي جيفارا الطبيب والثوري الكُوبي 1928- 1967:"لا يُهمني أين ومتى سأموت بقدر ما يهُمني أن يبقى الوطن، وكُل مكان لا يُوجد فيه ظلام، ذلك هُو وطني وإن الطريق مُظلم وحالك، إذا لم تحترق أنت وأنا فمن سيُنير العـالم والثوار يملؤون العـالم ضجيجاً كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء".
إنَّ المدينــة ــ بحسبها ــ تظَّلُ سجنٌ كبيـرٌ، بل مقصـلة تبتسـم لقلـع الرؤوس، طواسين وطيف مُستحيل وأعضاء تشرّدت ضمـن مُدُن، وهدير تُبعثر جُمجمة، وكُل ما بقي وسيظل بقٍ بحسب أُم الزين، صـرخة قلـم التي لنْ تُضـيع صوتها فـي الضجيـجْ، ومهما حلَّ الفراغ، فـي أُفقْ صلاة العار مـرة أُخـرى لـرصد المنجنيق القاتلْ، يمتلأْ الأُفقْ ويتراقـص الغسـق، ومهــما تماطل الله في المجيء، إنَّ الفجـر آتي. والربيـع العربي قادم لا محالـة. بالــرغم بزوغ صيـف الربيـع العاتم بالجياع، والنهار الذي يقفْ عبثاً. ربيـع يأكــل ذاته. ويُصلي إلى قُبلـة تبيـع المدى وخـريف لاحـم يتعطـش للذبـح، إنَّ الربيـع قديم في خضمّ هذا وذاك . بغض النظر، سيشق الفجر، وتتحرك السحابـة والغيوم، عطـب الضُحى وسحر المساء وجُرح المارة، شعب يقف على حافة الألم. وداموس طويل. تقدم إلى الأمام يا داموس تقدم. سوف نعبرك بدماء الراحلين. سنزرع أحلام أطفالنا في زنازينكم، إنَّ الحُلم وحدهُ القادر عـلى خلــق آملاً جديداً. وسيمنحُنا براءة النرجس، وضحكة الأقحوان. ووحدة الليل المُزدحمة بالقصص الثقيلة. وسيُهدينا عاروساً وتفاحة طازجة، وسوف ينحني الزبرجد في العشق. ونُلامس باستمرار أفقًا من الزعتر الوحشي، ثم نُقهقه عالياً بأصوات على الذين رحلُوا غدرًا، ويبقى الجبل شامخاً في ثنايانا. ههُنا الوطن الحزين يرسُم عشاقه وأهدابه ويمحو المعابد. من دفاتر الموت. أيُّها الـرعـد الخامل في دمــي ها أنا حذوك أتعــشى العـدم بين يديك وأصعد .
الحُلــم، هُــو من يُحرّر تلكم الوردة المنسيـة، التـي، كانت دامسـة فـي لحاف الغمــام، وبالحُلـم وحدهُ أيـضاً، تلتحم تلكم الوردة بالسمـاء وتُسافـر بعيداً، وحينما يسألها البحـر عن دمها التـائه تصر عمدا على البقاء ههُنا. فترى أن الأرض حُبلى بسُكان جهـنم. وتُبصِر الجنة مزيجاً بيـن النار والخمرة .وتقف تلكم الوردة إلى جانب الآلهـة، وتُـفرش الفوضى وتبّذر العطـر على قُولبنا المستأجرة. إِنها تلكم الوردة المنسيـة حلّت لتشتّل من أشلائـهم دُولاً وعدماً جديداً. وشعُوباً تتدحـرج نحـو الهاويـة بلا أُفق.
هذه الوردة المنسية هــي في حد ذاتها؛ منْ تُمثل أعراس الماء، وهو ما يرتكز عليه هذا القصيد الشعري، هذه الوردة جاءت لتُمثل فجر الصباح. وفــي البال أُغنيـة لهدهـة الصقيــع، ومدينة بلا أسئلة! يوم طويل وقيامه بلا آلهة. وطوابير وأصوات الراحلين تجري في غبار الزمن مغلفة بالتراتيل. جاءت تــرسُم الفجر باكراً. وفي جُوانيتها طفلة باكيـة من عُمـق الربيـع جاءت ترسُم الفجـر باكياً. وردة ثكلى بيـن نهـرين العاشقين. جاءت ترسُم الفجــر باكياً. تُراود العـطر على الشـذى. والياسمين يرقـص فـي يد ربـّة شرقيـة مزّقت فساتنيها علـى وجـه سفرجـل يتيم. وزغاريـد وأهازيج. وشفـاه ممنوعة من المُستحيـل. ووطـن يهـزم الأُفق، ويعـود إلـى أعراسه القادمـة من الجحيـم. وتُفاحـة تقضـم ابتسامتُها الأولى، كـي تُولد سمـاء من الحلوى فـي ابتسامـة طـفل صغير.
في الأخير، وبعد أن فرغتُ من قراءة هذا القصيد؛ إنَّ هذه القصيدة الشاعريـة سكرتـني ودورتني، وأنا قلما أسكـر إزاء قصيدة أو رواية فلسـفية، ورُبما السبـب يـعُود إلى الشخصـية البُطوليـة التي تجسدت في شاعـرية أُم الزين بن شيخـة، فالحق كُل الحــق هذه القصيـدة أعتبرها إلى حد ما سيمفونيـة جميلة، مُرهقـة مُتعبة مُقلـقة إنسانيـة شهوانيـة، مُتمردة ثوريـة بطلتُها فيلسُوفة تُونسيـة استطاعت بِشكـل أو بأخر قراءة وحـذق الأعراف العربيـة، القابعـة في تأصيـل سديم الهيمنـة الذُكوريـة، نأمل فـي المُحصلة، تحرّر أُمتنا العربيـة من كُل هذه الأشكال الطُقُوسيـة التي سادت ولازالت قابعة في تكـريس ذِهنيـة الفحُولـة الذُكُوريـة على حساب كُل ما هُـو فيمينيزم féminisme أُنثوي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يوم ملتهب في غزة.. قصف إسرائيلي شمالا وجنوبا والهجمات تصل إل


.. مصر تعلن تدخلها لدعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام -العد




.. الاحتلال يهدم منزل الأسير نديم صبارنة في بلدة بيت أمر شمال ا


.. حريق بمنزل لعائلة فياض في وسط مخيم جباليا بعد استهدافه من قو




.. بوتين يقيل وزير الداخلية سيرغي شويغو ويعينه سكرتيرا لمجلس ال