الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بشر لا آلهة: تجسيد الآلهة في اليمن القديم

فكري آل هير
كاتب وباحث من اليمن

(Fekri Al Heer)

2023 / 9 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


طرح الباحث المتميز محمد عطبوش سؤالاً مهماً، وجهه للدكتور مرقطن، أعيد طرحه بالصيغة التالية:
يرى عالم الآثار الإيطالي (جاربيني) أن التماثيل البشرية تصور ألمقه وليس لمجرد أشخاص متعبدين. ما مدى قبول هذا الرأي اليوم؟ هل هناك أي تمثيل بشري لـ (ألمقه) غير بنات عاد؟
**
إزاء هذا، يمكنني استغلال الأمر لقول شيء ما..
(1)
أعتقد أن اليمنيين القدماء لم يعرفوا أو بالأصح لم يتقبلوا فكرة تجسيد الإله، واكتفوا بالترميز الطوطمي له كالقمر والشمس والوعل والثور والزهرة وغيرها (طواطم فلكية وأخرى حيوانية)، والطواطم ليست تجسيدات وليست هي الآلهة نفسها، خاصة وأن هناك مؤشرات وقرائن أثرية تدل على أن قدماء اليمنيين كانوا يميزون بين الألوهية والربوبية، فجعلوا الطواطم في مقام الأرباب (كيانات ذات قدسية رمزية باعتبارها من آثار الإله أو مخلوقاته تنوب عنه وتدل عليه).
أما التماثيل البشرية فهي لأشخاص (متعبدين) بالاجمال، وهذا أمر ظاهر أثرياً، ناهيكم وأنه لا يوجد أي رواسب انثروبولوجية أو اثنولوجية أو ثيوغونية تعطي ولو مجرد ايحاء بأن اليمنيين القدماء جسدوا آلهتهم بالمعنى الحرفي للتجسيد وهو (التمثيل) المادي المشخصن، ولا أعرف بشأن بنات عاد المشار إليها في السؤال..؟!
(2)
ما أظنني واثق منه، هو أن النقوش المسندية خلت تماماً من أي معاني تجسيدية، أو حتى تصورات لاهوتية ذات طابع فلسفي، وأرى أن ذلك يعود الى امتناع قدماء اليمنيين عن الخوض في الذوات الإلهية، لإيمانهم برفعتها وصعوبة إدراكها أو إعطاء مُثل لها، ولهذا اكتفوا بالرموز الطوطمية.

الطواطم موجودة حتى في الأديان السماوية كالهلال والنجمة والكعبة في الاسلام، والنجمة السداسية في اليهودية، والصليب في المسيحية- مع مراعاة أن المسيحية انغمست في لاهوت التجسيد وبالتالي تجاوزت نموذج الفكر الطوطمي- فكل خوض في الذوات الإلهية هو فكر لاهوتي؛ والنصوص المسندية بالآلاف لم تتضمن أي فكر لاهوتي بأي شكل- على الأقل في حدود ما أعرفه-.
(3)
خلاصة ما أراه هنا، هو أن الأثريين الغربيين أخفقوا كثيراً في فهم وتفسير الآثار اليمنية، عندما جعلوا من كل الطواطم الفلكية والحيوانية آلهة، حتى صار لدى القدماء اليمنيين عشرات بل ومئات الآلهة (مركزية ومحلية وعشائرية) وهذا أمر لا يمكن تقبله منطقياً، لأنه لا يوجد أي تصورات ثيوغونية لـ (سلالات أو أنساب إلهية) في ثقافة اليمنيين القدماء، وبالتالي، فقد كانت أكثر الآراء الغربية في هذا الشأن ناتجة عن عمليات اسقاطية (مستمدة من معارف وافتراضات ذاتية مسبقة) لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بثقافة اليمنيين القدماء إطلاقاً.
البعض قد يفسر ما قدمته بأنه نوع من التقريب أو التوفيق بين الديانات اليمنية القديمة والعقائد التوحيدية السماوية، رغم إني أعطيت مفاتيحاً للاستدلالات الأثرية التي أستند إليها؛ ولا ننسى أن التوحيد وجد في كل الثقافات القديمة. لذا لا أرى مشكلة في مقاربته فكراً مع ما كان وتدل عليه المعطيات الأثرية والسجلات التاريخية.
(4)
هناك إخفاق كبير للأثريين الغربيين ومن سار سيرتهم، ولابد من الإعتراف بذلك، والقيام بانعطافة منهجية جديدة لإعادة قراءة آثارنا القديمة، فنحن اليوم في عصر المعرفة الموسوعية والدراسات البينية العابرة للاختصاص، التي أثبتت قدرتها على تفسير الظاهرة الإنسانية بشكل أكثر دقة وعمقًا وشمولاً، بل وجعلت أصحاب الاختصاص الواحد يبدون كالبلهاء في طروحاتهم الجزئية والأحادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان