الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحطيم التماثيل عبر التاريخ

يوسف نمير علي

2023 / 9 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ان اعلان الحرية بشعارها الكبير الذي يجب ان نحتفي بيومها ، للاسف الشديد لم تعد موجودة ، لذا كان من المفترض ان نخصص يوما لذكراها، اذ اصبحت الحرية لا تطاق حتما ، لانها هي الوحيدة التي بقيت متضايقة من بني البشر الذين صدحوا كذبا بأسمها ليل نهار ، اشخاص كانوا على مشارفها واخرون وقفوا على مشانقها
و لا نعلم هل اصبحنا نحاكم التاريخ ام ان التاريخ هو من يحاكمنا ؟ ، و اظن انني لا اخطأ حين اقول بأن التاريخ هو الذي اصبح من يحاكمنا اليوم ، ولكن هل حقا اصبح التاريخ بهذا الفراغ الهائل الذي لا نستطيع ان نملؤه الا بالعنف ؟ ، لم يكن مفاجئا لنا ان الانسان المعاصر بات منتهيا بسبب تعرضه لأشد الاشياء تأثيرا في حياته ، الا وهو الفن ، حيث أقام الجنس البشري نصبا تذكارية لأغراض رمزية لما لا يقل عن 11000 عام ، يحتوي السجل الأثري على أمثلة من جميع أنحاء العالم وعبر تاريخ البشرية من الشخصيات التي تم إنشاؤها وعرضها ونسيانها وفي كثير من الأحيان دمرت عمدا، هل من المبرر اليوم النظر إلى الشخصيات التاريخية خارج سياقها وتدمير إرث مجموعة معينة لأنه يذكر مجموعة أخرى بمظالم الماضي؟
إن تغيير أو إزالة أو تدميراي نصب تذكاري لا يشكل محوًا للتاريخ. بدلا من ذلك ، فإنه يشير إلى إعادة تقييم لكيفية تذكر تلك الحلقة من الماضي بشكل جماعي. لقد حدثت عمليات اسقاط او تشويه او ازالة التماثيل لنفس الأسباب التي نصبت بها في المقام الأول: لبناء ذاكرة جماعية تتماشى مع المثل السياسية للمجتمع.
تعود فكرة تحطيم المعتقدات التقليدية للتماثيل و غيرها من اشكال الفنون الاخرى إلى السنوات الأولى من الحضارة الغربية. في الإمبراطورية الرومانية تحديدا ، كان الأباطرة يخضعون لتقييم مجلس الشيوخ بعد وفاتهم. كان أعضاء مجلس الشيوخ يمنحون الإمبراطور عبادة خاصة في الدين الروماني ( نوع من انواع التأليه )
إذا قرر مجلس الشيوخ بما يسمى ب"إدانة الذاكرة" لإمبراطور لا يحظى بشعبية أو مثير للانقسام سياسيًا ، فسيتم تدمير جميع المعالم الرسمية التي تحمل صورته.
وفي الامبراطورية البيزنطية وعلى الرغم من معارضة أتباع الكنيسة الأوائل لتصوير يسوع ، بحلول القرن السابع ، اشترك العديد من المسيحيين البيزنطيين في استخدامهم الايقوني الديني. ومع ذلك ، فقد حظر الإمبراطور البيزنطي (ليو الثالث) استخدام الأيقونات في عام 730 م. أدى ذلك إلى اندلاع موجة من تدمير اللوحات والتماثيل والنقوش التي تصور المسيح. كان الدافع المحتمل لهذا التدمير هو أن محاربي الأيقونات كانوا يطمحون إلى الثروة المادية والسلطة السياسية لرجال الدين كما تجلى ذلك في أيقوناتهم. استخدم الإمبراطور (ليو الثالث) قواته لاضطهاد عابدي الأيقونات بصورة دموية. ومع ذلك ، بعد انعقاد المجلس السابع لنيقية في القرن التاسع ، تم حظر تحطيم المعتقدات الايقونية التقليدية. .
غير ان اقدم ما يمكن تقديمه عن حوادث تدمير التماثيل، هو ما حصل في عام 24 قبل الميلاد ، حيث غزا جيش الملكة (أمانيريناس) من مملكة كوش الأراضي الرومانية في مصر، وقطع رأس تمثال ضخم للإمبراطور (أوغسطس) . أعاد الجنود الرأس إلى ما يعرف الآن بالسودان ودفنوه تحت الدرج المؤدي إلى معبد النصر. على مدار الألفي سنة التالية ، قام كل شخص قد دخل المعبد بإهانة رأس أوغسطس من خلال الرفس على وجهه.
مصير رأس أوغسطس هو أحد الأمثلة التي لا حصر لها على التدمير المتعمد للفن في تاريخ البشرية. فأولئك الذين يصلون إلى السلطة يمحون فن أولئك الذين سقطوا من السلطة.
جورج سانتايانا الذي كان فيلسوفًا إسبانيًا ، كتب اقتباسا له على لوحة في مدخل معسكر اعتقال أوشفيتز :"الشخص الذي لا يتذكر التاريخ لا بد أن يعيش من خلاله مرة أخرى" ؛ وقد كرر ونستون تشرشل نوعًا مختلفًا من هذا القول المأثور
:"أولئك الذين يفشلون في التعلم من التاريخ ، محكوم عليهم بتكراره"
حمل التاريخ لنا صورا مشوشة و احيانا مشوهة عن اولئك الذين استطاعوا اسقاط الشخصيات التي لا تليق بالمجتمعات التي تغيرت احواله و تحول الى مجتمع منافس مع السلطة السياسية في سبيل اخضاع ذاكرته الوطنية
ولاتبتعد هذه الظواهر التخريبية للرموز و الشخصيات التاريخية و الحضارية كثيرا عن عالمنا اليوم، فواقعنا المعاصر اكبر شاهد على عمق تأثر الكثيرين بسياسات التحريم و التكفير و الاخذ بالثأر، و ما الى ذلك ، فتلك طالبان قد دمرت اكبر تمثال لبوذا في افغانستنان في عام 2001، وما نتذكره جيدا في الايام الاولى لسقوط نظام صدام في عام 2003، وتدمير جميع رموزه و تماثيله و قصوره، ناهيك عن النبش عن ممتلكاته و سرقتها، وما فعلته داعش في عام 2014، من تدمير الكثير من المعالم الحضارية في كل من سوريا و العراق، وهذه امريكا التي انتفض فيها الالاف من ذوي البشرة السوداء عام 2020، وحطموا و شوهوا من خلالها تماثيل كثيرة كانت تعد رمزا من رموز التاريخ الامريكي واحدى ابشع فصوله العنصرية ابان الحرب الاهلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اختتام مناورات الأسد الإفريقي بسيناريو افتراضي استخدمت فيه م


.. بعد ضربات أمريكية على اليمن.. يمني يعبر عن دعمه لفلسطين




.. فرق الإنقاذ تنتشل جثمانين لمقاومين استشهدوا في جباليا


.. واشنطن: بلينكن دعا نظراءه في السعودية وتركيا والأردن للضغط ع




.. فرق الإسعاف تنتشل جثامين مقاتلين فوق سطح منزل بمخيم جباليا