الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تهجير المسيحيين هو الحل؟!

جورج كتن

2006 / 11 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تكاد المجزرة اليومية في بغداد ومدن عراقية تصبح أخباراً اعتيادية لا تستتبع اهتماماً, وقد ارتاح البعض لارتفاع أرقام القتلى دون السؤال عن المتسبب بمعظمها, فالمهم أنها تجاوزت أرقام ضحايا النظام السابق, والمجزرة هي الطريق لإعادة السلطة لأصحابها السابقين, "ليتمتع" الشعب العراقي بقتل أقل مما يتعرض له حالياً على يد المنظمات الإرهابية!.
الولوغ بدم العراقيين للركب وسيلة الصداميين والسلفيين, لإقناع الآخرين بقبول الأنظمة الشمولية والتخلي عن التفكير بتحديث أو إصلاح أو حريات أو تحسين للأوضاع المعيشية أو تنمية أو انفتاح على الحضارة الإنسانية.. المزيد من الدم رسالة إلى المنطقة المنكوبة بالقمع والتطرف والحقد على الآخر: السجون وحجز الحريات والفساد المعمم أفضل لكم من مستنقع الدم من النموذج العراقي, كونوا عقلاء واقبلوا مجزرة كل بضعة أعوام بدل مجازر يومية لا توفر أحداً!
المتحسرون عند سقوط النظام عبروا عن تفجعهم بمصيره مع "ولكن نحن لسنا مع استبداده", أما الرافضون لإعدام صدام مؤخراً فيفعلون ذلك بإصرار ونموذجهم الأبجح: "عطوان" المدافع عن بطله والمصارع للإنكليز والفرنسيس والاميركان.
الإرهابيون العراقيون عملوا بدأب منذ البداية لإشعال نار الفتنة بتفجيرات في الجوامع والحسينيات ودور العزاء بعد تكفير أصحابها كروافض, ولم يتأخر الرد من الجانب الآخر بالقتل على الهوية والتهجير, ونجاحهم الأكبر عند تمكنهم من تحويل الفتنة الطائفية إلى صراع شامل, والتفسير الجاهز إن طرفي النزاع أحدهما "مقاوم" والآخر "عميل", ثم من قال أن الحرب الأهلية من منتجاتنا المحلية فحراس التراث واثقون أن الاستعمار والصهيونية سبب كل "البلاوي"!!
إن اندفاع الإرهابيون من لون طائفي للحرب الأهلية كوسيلة لاستعادة السلطة أو لإنشاء إمارة إسلامية طالبانية, أدى لانجرار الطرف الطائفي الآخر للفتنة, بدل حل الميليشيات المسلحة, وتعزيز سلطة الدولة وقوانينها ومؤسساتها المنتخبة كقوة وحيدة لمواجهة الخارجين عليها وتوفير الأمن والحريات للجميع بلا انحياز, فتركيبة القوى السياسية التي يغلب عليها طابع الإسلام السياسي – 70 % من المجلس النيابي-, تساهم في تدهور الأوضاع باتجاه الحرب الطائفية الشاملة.
الإرهابيون لم يكتفوا بدفع الأمور نحو الصراع بين الطائفتين الأكبر إذ لم تسلم من عملياتهم الطائفة المسيحية, فكانت آخر جرائم ما يسمى بالجيش الإسلامي, خطف القس بولس اسكندر راعي كنيسة السريان الأرثوذكس بالموصل وتعذيبه بوحشية بقطع أطرافه ثم قطع رأسه لرفضه اعتناق الإسلام ولعدم تمكن الكنيسة من جمع الفدية المطلوبة, ورغم تلبيتها لطلب الخاطفين برفع لافتات تستنكر أقوال البابا.
اضطهاد الإرهابيون للمسيحيين في العراق مستمر منذ ثلاث سنوات, وأهم عملياتهم تفجيرات في يوم أحد واحد لسبع كنائس, وأعمال يومية منها قتل طالبة مسيحية غير محجبة في جامعة الموصل, وتهديدات بالقتل للعائلات المسيحية لدفعها للهجرة, أو لتغيير ديانتها, أو لإجبارها على دفع أموال للإرهابيين, رغم أن المسيحيين لم ينحازوا لأي طرف في الفتنة المندلعة. هذه الأعمال لم تلق من يردعها, وكان نتيجتها هجرة نصف مسيحيي العراق للأردن وسوريا وتركيا وكردستان العراق كتمهيد للهجرة لبلدان أبعد.
تفريغ المنطقة من المسيحيين يجري في المشرق بعد أن تم تاريخياً في شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا, ويساهم في العملية حالياً إرهابيو العراق، أما في فلسطين التي كان يضرب بها المثل في التآخي الوطني فلم يفوت المتأسلمون فرصة أقوال البابا لشن هجمات بقنابل حارقة على كنائس في الضفة وغزة. ففي ظل حكومة حماس التي جعلت فلسطين "وقفاً إسلامياً", أعلنت "جماعة سيف الحق الإسلامية" مسؤوليتها عن مهاجمة الكنائس, وهددت "جماعة جيش المهدي" بأنها: "ستضرب كل صليبي كافر على أرض فلسطين الطاهرة إذا لم يعتذر البابا عن أقواله", فمسيحيو فلسطين "الكفار" رهائن لدى المتأسلمين.
ولم يتعد تصريح وزير الداخلية عن حق المواطنة والحماية للمسيحيين الأقوال، فالفلتان الأمني للعصابات المسلحة هو من نتاج العسكرة التي قادت إليها الفصائل الإسلامية, حتى أن الآلاف من أنصار حماس خرجوا في تظاهرات تدعوا لقتل البابا وترفع شعار "فتح روما هو الحل!" على وزن "الإسلام هو الحل".
إن جوهر أقوال البابا رفض كل أشكال العنف المرتكبة باسم الدين, وجاءت الردود لتثبت اتهاماته وليس لدحضها, وهي تتمة لردود الفعل على الرسوم الدانمركية أوائل العام ومنها: إحراق كنائس وسفارات وممتلكات للمسيحيين في العالم الإسلامي، ومظاهرة في لندن بشعار "أبيدوا الكفرة"!! وقد أشار الكاتب "مجدي خليل" في مقاله الهام عن المسألة, إلى فتوى لابن تيمية يستند إليها مرتكبوا هذه الأعمال الغوغائية: " من اعتقد أن الكنائس بيوت الله, وأن الله يعبد فيها, وأن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله, فهو كافر".
هل سيتوقف التدمير الذاتي عند مجتمعات نقية خالية من المسيحيين, أم سيستمر للوصول لمجتمعات سنية خالية من الشيعة, وشيعية خالية من السنة, وربما حنفية نقية وحنبلية نقية...إلى آخر السلسلة...؟؟
نشر الدين واستئصال الآخر بحد السيف كان متلائماً مع مفاهيم العصور القديمة ومارسه مسيحيون ومسلمون, أما حالياً بعد انتشار مفاهيم حقوق الإنسان وحرية الخيارات الدينية، فإن القناعة العقلية هي الطريق الوحيد للإيمان أو الإلحاد أو تغيير الدين. والعنف الهمجي لا يمكن أن ينسب للدين, بل ينسب لإسلام سياسي متستر بالدين، أو لجاهلين بحقيقة الرسالة الإنسانية للأديان.
عدم تمييز الإسلام السياسي المعتدل بين الغرب والمسيحية التي فصلت عن الأنظمة السياسية في دول الغرب منذ قرون, جعل أطرافه المختلفة بمناسبة وبلا مناسبة تدعي أن حرباً دينية تشن على العالم الإسلامي, والترويج لذلك هو وباء انتقل إليها من بن لادن أول من أعاد للتداول مفهوم فسطاطي الإيمان والكفر, وهي لن تستطيع أن تنأى بنفسها عن التطرف الذي ينتشر كالجائحة في أجواء توفرها الدعوة لخلط الدين بالسياسة, فحفاظها على شعبويتها سيضطرها للرضوخ لابتزاز المتطرفين وتبني مفاهيمهم.
إن الانقسام العالمي الراهن ليس بين أديان, ولكن بين عالم حداثي إنساني ديمقراطي وعلماني يواكب العلم ويقبل الآخر المختلف, وعالم قديم استبدادي ومتخلف وأحياناً إرهابي وهمجي يعمل للرجوع لمفاهيم القرون الوسطى المتعارضة مع العصر. علماً بأن الحداثة ليست بديلاً عن الدين, وهي في جانب منها إصلاحاً وتجديداً وتطهيراً له من شوائب القرون السابقة, فيما شعارات "الممانعة" الرائجة هي في جوهرها مقاومة للحداثة والتطوير.
إن عدم الاهتمام الكافي للإعلام المحلي هو المؤشر على أن ما يحدث في منطقتنا يمكن أن يتحول إلى كارثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -نفقد هويتنا كيهود وبشر-.. عامي أيالون يعلق على صور -سيلفي-


.. الجنايات الكويتية تقضي بحبس نائب مقرب من الإخوان بتهمة التدخ




.. استهدفت مركز شرطة وكنيسة أرثوذكسية ومعبد يهودي.. من يقف وراء


.. 122-An-Nisa




.. مشاهد تظهر آثار الدمار في معبد يهودي وكنيسة في داغستان الروس