الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب تحرير وعي الفرد العراقي

مصطفى العمري
(Mustafa Alaumari)

2023 / 9 / 19
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تحرير وعي الفرد العراقي، كتاب انبثق من عقل و ثقافة و وطنية الأستاذ سلمان عبد مهوس وقد طلب مني كتابة مقدمة للكتاب فكانت سانحة مهمة ان يدون إسمي بهذا الكتاب المهم.

المقدمة:

تحتل الثقافة بالدول المتطورة والناهضة مركزاً ريادياً مرموقاً, ويكون دور الكتابة التجريدية الواقعية غاية بالأهمية لما يحتويه هذا النوع من وضوح وجرأة ودقة, ويكون هذا النمط الكتابي عاملاً مهماً في نهضة وارتقاء المؤسسات والمجتمع بشكل عام. وإذا ما أفرزنا أنواع الكتابة فيمكننا القول ان هناك نوعان من الكتابة:
1- الكتابة الواقعية.
-2الكتابة الرمزية.
بين الكتابة الواقعية والكتابة الرمزية شُقة وبون كبير, فبالوقت الذي تحاول الكتابة الرمزية التواري والاختباء والتخفي خلف بعض المصطلحات والمفردات ولافتة العلوم التقليدية, يُبلج ضوء الكتابة الواقعية وينهال على عقول قرائه بالصدمات واللمحات التنويرية النوعية التي تتيح للعقل فسحة واسعة من التأمل والتفكر والانزياح نحو القوانين الكونية التي تطلب الرخاء والجمال والعمل الجاد والتفكير المنعزل عن صخب الجماهير وأديد العامة.
الكتابة الواقعية هي بوح مفضوح وفاضح يبغي أصول الواقعة وينابيع الحقيقة.
في بلد كالعراق متلبد بالضغائنية والاصطفافات الطائفية والعرقية, أكيد سيكون متعسراً مثل هكذا نوع من الكتابة, والتعسر هنا لا يعني العدمية التأبيدية بل الشحة والنزر اليسير. وملازمة لهذه النزرية يتوهج هذا الكتاب رغم معالم التعسف وشناعة الاستحواذ الديني والمذهبي والسياسي.
الكتابة الواقعية هي التي تحاول توضيح الصورة بدون مكيجة أو إضافة متعسفة أو تزوير مسُف.
الكتابة الواقعية هي التي تنتشل القارئ من وهن التفكير النمطي واعتلال المراجعة المنصفة, وبدل ان تشرح لك عن جمال الورد وعبقه فهي تهدي لك باقة منه لتضوع مع الورد لا لتعيش خيالات واهمة.
نحن أمام كاتب يحمل شعلة التنوير الإدراكي الواعي بعيداً عن ضوضاء النزعة. يتحرّق ألماً لمآلات الواقع المنتكس بسبب الانهيارات العظيمة التي مرت على الأمة بشكل عام وعلى الشعب العراقي بشكل خاص. ولذلك ستجدونه مقداماً في كتابته وجسوراً في تشخيص الخلل دون الاكتراث لما تفكر به العامة من الناس.
ذات مرة وأنا أقرأ مقالاً محبكاً ومكتظاً بالمعلومات المغايرة والاستدلالات الصلدة, اكتشفت ان المقال هو عبارة عن سلسلة قادها وصاغها الأستاذ سلمان عبد مهوس, بطريقة حرفية ومهنية عالية, وفيها ولوج جلي من نهج الكتابة الواقعية وعند الغور والتعمق بهكذا مقالات بحثية, لا يجد القارئ مناصاً من المواكبة باستكمال القراءة بشغف وجدية. وخشية مني ان تضيع هذه المقالات الواقعية في أتون الكتابات الرمزية المُسرفة. كتبت أتوسله وأدعوه واطلب منه ان يدون هذه المقالات بكتاب خاص, لأنها كتابات مغايرة للسائد وغير منتمية لجهة. وبناءً على طلبي لبى مشكوراً الأستاذ والصديق سلمان عبد مهوس ما رمتُ له. وها هو الكتاب بين يديك ويمكنك قراءته بروية وبعقل خالٍ من اشتراطات وهيمنة البيئة, بعدها يتسنى لك الحكم والنقد والإصلاح. وعلينا ان ندرك ان مهمة الكاتب الحاذق هي ردم الهوة التي يرسمها الجهل والتطرف على حساب العقل. وتهديم المعارف التلقينية التي ورثناها من البيئة والاختزال المتعسف لعقول الناس, فطريقة تفكير الفرد عوضاً عن الجماعة هو تفكير فيه إجحاف وإماتة لعقول الأغلبية, نحن نشترك بالتفكير لمعالجة واقع مدنف, وربما يختلف الواقع باختلاف المجتمع فإسقاط الحل على مجتمعات متباينة ومختلفة ربما سيعُّسر الانعتاق من ذلك الدنف المتوارث.
يقول بالصفحة الرابعة من كتابه: (هناك الكثير من الكتابات والكتب كتبت بميولات ودوافع وتأثيرات، تجعل النصوص غير موضوعية وبعيدة عن الحقيقة هذا هو فخ القراء، الذي يقعون فيه دائما، أما لقلة خبرتهم وعدم مقدرتهم الكشف عن ما تخفيه هذه النصوص من أفخاخ وزيف أو لانجذابهم إليها بفعل العواطف والانحيازات. وهنا لا بد ان تقرأ بعين نقدية مبصرة وواعية لما تخفيه السطور من مواربات ومخاتلات قد تضلل وعيك).
إذن هي دعوة عامة للاستيقاظ والتنبه والحذر من الكتابات التي تُطيح بوعي القارئ وتختزل رؤاه وفكرته وعقله. ولا أُبرّئ هذا الكتاب من هذا الحذر والتنبه فغاية الكاتب هي تحريك العقل وذلك من خلال تقديم أحداث ومواضيع مختلف بها وعليها, ولا يمكن القطع والتأكد من صحتها مالم ينهض العقل من سباته ويغادر التفكير المحلي التلقيني السائد.
وجدتُ ان مواضيع الكتاب متنوعة وفيها استشراف واستهلال, فيها تشخيص وتحليل وتنقيب وبحث ونقد, وجدتُ الكاتب يجأر مراراً مشخصاً مواطن الخلل الذي ساق مجتمعاتنا إلى الانحدار في سفح الجهالة والتردي والانحطاط, وكأني أشاهده وهو يجاهر الناس بقوله:
(إلى هذه اللحظة التي ما زلنا فيها عاجزين وحائرين، أمام الخطاب الديني الطائفي الذي ملأ الفضاء العام، والذي كرس وما زال يكرس روح الكراهية والفرقة بين العرب والمسلمين بوجه عام والعراقيين بوجه خاص، ودعوته لإيهام الناس للنكوص والرجوع للماضي، والعيش في صراعاته وأحداثه ووقائعه، التي لم تعد في الحاضر والواقع المعاش..
رجعوا للماضي لبحثوا عن حلول لمشكلاتهم، وأزماتهم وهي كثيرة جدا، دون أن يفكروا ولو للحظة تاريخية، أن الماضي لم يعد موجودا وانتهت مرحلته التاريخية، وعليهم مغادرته إلى الأبد بعقل مفتوح على الحاضر والمستقبل).
ولم يكن المثقف "المخاتل" صاحب الكتابة الرمزية بمنأى عن الرصد عند الأستاذ سلمان فقد أدرك ان عربة الثقافة المثقلة بهكذا نماذج, يجب الإشارة لهم والتحذير منهم فيقول:
(ولنعترف إذن أن المثقفين لهم نصيب كبير في فعل الثقافة، بشكلها المتواطئ على اختلاف التوجهات، بين من يبارك ومن يتجاهل أو مخاتل لتزييف الواقع، للدفاع عن النظام وتجميل صورته القبيحة بعيون الناس).
أدركت الآن وجوب عدم الاسترسال بالكتابة عن الكتاب لكي لا أفسد متعة القارئ النهم ولكي لا اختزله بطريقة تعسفية, فالمواضيع التي يكتنفها كثيرة وجديرة بالقراءة والمراجعة والتأمل.
لكني ومعي رهط من المثقفين نود تقديم الشكر والعرفان والثناء للأستاذ المهندس سلمان عبد مهوس لما نهد ونهض واجترح في هذا الكتاب القيم. وكلنا أمل ان ينتعش العقل العراقي والعربي بالغزير من الكتب المغايرة للسائد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا