الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوية ليليث

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 9 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الثابت اليوم وبعد عدة قرون من الدراسات المقارنة، بأن أغلب إن لم يكن كل أساسيات قصة التكوين في الديانات "السماوية" ترجع إلى ميثولوجيا حضارة ما بين النهرين. إبتداء من فكرة تكوين العالم بداية من الماء، ثم خلق بقية الكون، ثم كيفية خلق الإنسان من الطين والشجرة المقدسة أو شجرة الخلود إلى قصة عقاب الآلهة للبشرية بواسطة الطوفان. وقد تطورت هذه القصص بمر العصور وبواسطة شعوب وقبائل متعددة ليحولها الشعب اليهودي في النهاية إلى سرد ملحمي ديني يحكي قصة تنقلات اليهود وعلاقاتهم ببقية الشعوب في المنطقة. غير أنه هناك العديد من الشخصيات الأسطورية التي كانت حاضرة في التراث البابلي والسومري، ولكنها اختفت بعد ذلك من التراث اليهودي، ولم يبق منها سوى آثار تكاد لا ترى بالعين المجردة. ومن هذه الشخصيات الرمزية "ليليث" المرأة الأولى، المرأة الثائرة والرافضة لسلطة الرجل آدم. السلطات الدينية المتعابقة حولت ليليث إلى ما يمكن إعتباره النقيض الموضوعي لإبليس الذي رفض بدوره السجود للكائن الطيني، رغم أن ليليث كائنة طينية بدورها وليست مخلوقة من النار كإبليس. فوفقا للكابالا اليهودية ، ليليث هي رفيقة آدم الأولى وأول إنسان "آخر" يشاركه حياته في جنة عدن وذلك قبل حواء التي جاءت لتحل محلها، غير أن إسمها أختفى نهائيا بعد ذلك ولم يعد لها أي ذكر لا في الكتاب المقدس المسيحي ولا في القرآن العربي، رغم بقائها حاضرة في الخيال الشعبي تحت صور مختلفة على غرار طائر الموت أو كما يسمى بـ"النعوشة" في بعض الجهات أو "أم الصبيان" أو "أم الذراري" في الجنوب التونسي، وهو طائر يقال إنّه يتربّص بالأطفال حديثي الولادة.
الكلمة العبرية Lilit ، التي تأخذ شكل الأكادية Lilitu، هي إسم مؤنت في اللغة السامية القديمة proto-sémitique أصله الجذر "ليل - LYL" ، والذي يعني حرفياً "امرأة الليل". ومع ذلك، في النقوش المسمارية، يشير الإسم Lilit و Lilitu إلى أرواح الرياح التي تجلب الأمراض. في اللغة الأكادية، وهي من أقدم اللغات السامية "ليل - إيتو"، هي إستعارة لكلمة "ليل" السومرية والتي تعني "الريح"، وبالذات من كلمة "نين- ليل" والتي تعني"سيدة الريح"، إلهة الرياح الجنوبية، والتي تضاف إليها في بعض الحالات كلمة "itud" أي القمر. غير أنه من الواضح أن كل الأصول المختلفة لإسم ليليث، layil ،leila أو lavlah، تشير دائما وبدون شك إلى "الليل".
يعود أول ذكر لليليث إلى الأسطورة السومرية نان وشجرة هولوبو Nanne et l arbre huluppu، المذكورة في اللوحة الثانية عشرة من أسطورة أو ملحمة جلجامش. هذا اللوح الذي يعود تاريخه إلى عام 2000 قبل الميلاد. تم نشر نصه في عام 1930 من قبل C.J. Gadd ، من المتحف البريطاني. إنه أول نص سومري تم العثور عليه يذكر كي سيكيل lil-là - ki-sikil أي "امرأة شابة هوائية"، لأنها عاشت في شجرة huluppu، التي تترجم عادة بشجرة الصفصاف على ضفاف نهر الفرات. وكان الصفصاف يستعمل في الحضارة السومرية في التعاويذ والطقوس الدينية، أما الصفصاف الابيض فقد كان يستعمل عند المرأة وقت الحيض كمطهًر، ولأغراض علاجية اخرى. هذه هي الشجرة التي أنقذتها الإلهة إنانا من المياه عن طريق أخذها وزرعها في حديقتها المقدسة في أوروك. تقول الاسطورة السومرية ان شجرة الصفصاف مقدسة، وكانت تنمو على ضفاف نهر الفرات، ثم اقتلعتها رياح الجنوب ذات يوم، وحملتها مياه الفيضان. وحينها كانت الألهة "إنانا" تتمشى على ضفاف النهر، فالتقطت الشجيرة الصغيرة وحملتها الى مدينتها اورك - الوركاء، وهناك زرعتها في حديقتها واولتها عنايتها الفائقة لتصنع من خشبها بعد ان تكبر سريرا وكرسيا. غير أن إنانا لم تتمكن من تحقيق مشروعها الأثاتي ذلك أنه بعد ان نمت الشجرة وكبرت سكنتها افعى، وبنى طائر الصاعقة المرعب "زو" على اغصانها عشا، وفي أعلى الشجرة كانت تسكن مخلوقة متوحشة تسمى ليليث. إلا ان جلجامش جاء لمساعدة إنانا وتمكن بقوته الخارقة من تطهير الشجرة من هذه الافات، فصنعت له أنانا من خشب هذه الصفصافة آلتين موسيقيتين، سمت الاولى باكو، والثانية ماكو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جلال عمارة يختبر نارين بيوتي في تحدي الثقة ???? سوشي ولا مصا


.. شرطي إسرائيلي يتعرض لعملية طعن في القدس على يد تركي قُتل إثر




.. بلافتة تحمل اسم الطفلة هند.. شاهد كيف اخترق طلاب مبنى بجامعة


.. تعرّف إلى قصة مضيفة الطيران التي أصبحت رئيسة الخطوط الجوية ا




.. أسترازنيكا.. سبب للجلطات الدموية