الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
-حب عابر للأزرق- كميل أبو حنيش
رائد الحواري
2023 / 9 / 22أوراق كتبت في وعن السجن
رغم هيمنة الرواية على الأجناس الأدبية، إلا أننا ما زلنا نرى من يقدم أدبيا بعيدا عن الرواية، أدبا يجذب القارئ ويمتعه رغم ما فيه من ألم، في الآونة الأخيرة أصدر الأديب "كميل أبو حنيش" الكتابة والسجن، وها هو يتبعه بكتابه الجديد "حب عابر للأزرق" مؤكدا أن الأدب الجيد لا يخضع لجنس بعينه، وهذا ما يجعلنا نقول إن الكاتب الجيد هو الذي يكتب بطريقته، باسلوبه هو، بعيدا عما هو سائد.
الكتاب جاء بسبعة فصول يتناول في كل فصل أشخاص مؤثرين عليه، من هنا نجد فيه تشكيلة أدبية وفكرية، فهناك أكثر من صيغة أدبية، حتى أننا نشعر أننا أمام "ميخائيل نعيمة" جديد، فاللغة الأدبية حاضرة ومتميزة، والتوغل في رؤية الأشياء وتقديم أفكار عنها بطريقة مذهلة، حتى تكاد أن تكون فلسفة، يجعل القارئ يستمتع فيما يقدمه الأديب "كميل أبو حنيش" رغم قسوة الأفكار والمضمون الذي يتناوله.
فالكتاب يتحدث عن السجن، وعن اللون الأزرق الذي يعم المكان، ومع هذا استطاع "كميل" أن يتجاوز تأثير الأزرق عليه ويكتب "حب عابر للأزرق" فالعنوان "حب" بحد ذاته يمثل تحدي للمحتل، فما بالنا بالمادة الأدبية والفكرية التي جاء بها!.
الفصل الأول ولغة المخاطب
هناك أكثر من موضوع وشكل أدبي جاء في الكتاب، لكنها بمجملها لها علاقة بالأديب "كميل أبو حنيش" يفتتح الكتاب "أبي يستنبت الأمل في دفينة الحياة" حيث يتحدث عن والده المزارع البسيط والمتجذر بأرضه: "لم يحظ أبي بنصيبه من التعليم لكن لدية ثقافة بسيطة تشكل خليطا من الأفكار القومية الناصرية والشيوعية الرومنسية، يصارع المحتل بموقفه الوطني العام في تشبثه بأرضه، ويدرك أنه في حال ترك الأغوار سيبتلعها الاستيطان، لذا يصر أبي على الزراعة هو وعشرات الفلاحين البسطاء الذين يتشبثون بالأغوار كأنها قلعة حصينة، رغم خسائرهم في كل عام" ص17، بهذا الفاتحة (العادية) نستنتج أن "كميل" يستخدم لغة عادية تتماثل مع حالة والده، لكن فكرة الصمود والبقاء حاضرة، فبدت لغة المقطع وكأنها موجه لأبيه (العادي) ولفلاحين الأغوار.
رغم هذه اللغة العادية إلا أن هناك مشهد يؤكد حالة التماهي بين الوالد والأرض/الطبيعة: "وحين زارتك أمي صرخت مستنجدة وهي ترى الثعبان يتكوم داخل البيت فأجبتها بهدوء "دعيه وشأنه إنه صديقي" ولفت انتباهي يا أبي أنني كنت كلما تجولت بين أشجار البرتقال فإن الحمام كان يطير من أعشاشه بينما لا يفعل ذلك يا أبي إذا تجولت أنت وسألتك يومها لماذا لا يطير الحمام إذا راك يا أبي؟" ص23، بداية نلاحظ أن المقطع طويل ولا يوجد فيه أي فواصل أو نقاط، وهذا يشير إلى تماهي الكاتب مع ما يكتبه، فهو يستعد أيامه الجميلة في الطبيعة بعيدا عن الجدران واللون الأزرق.
وهنا نتوقف عند الزمن، فالزمن عند الأسير يتوقف في الأسر، وهو يتغذى وينتشي بزمنه الماضي، حيث كان حرا، وبما أن الزمن القادم هو قاتم أيضا ـ خاصة لأصحاب الأحكام العالية التي تصل إلى أكثر من خمسمئة سنة ـ يجعل الأسير يرى ماضيه هو الزمن الذي عاشه ويعشيه، وهذا ما أكده "كميل" حينما كتب هذا المقطع دون أن يتوقف، فبدا وكأنه لا يريد التوقف عن الحديث عن تلك الأيام الجميلة التي عاشها.
هذا على صعيد الشكل الذي قدم به المقطع، لكن على مستوى المضمون هناك فكرة التماهي/التوحد بين الأب والأرض/الطبيعة، من هنا نجده يتعامل مع الثعبان كصديق ومع الحمام، وهذه مفارقة، فالثعبان يحمل فكرة العدوان والحمام فكرة السلام، ومع هذا استطاع الأب المنتمي للأرض أن يطيع الأثنين معا ويكونا صديقين له، وهذا ما يجعلنا نقول إن "كميل" كتب أفكارا/أحداثا وأفكار تتماثل مع تلك التي قدمها "ميخائل نعيمة"
وفي "سيي الغالية" يتحدث عن علاقته الحميمة بها، مبدي امتعاضه من السجن الذي حرمه منها: "ولا ادري كيف اصف لك ذلك الوحش الذي يسمونه السجن المؤبد، إنه وحش خرافي مرعب، وأنا عالق بين أنيابه، لكنني أتشبث وأقاومه بكل لحظة... ولكنني اشتاق أن أرى قرص الشمس الدائري، فأنا منذ سنوات لم أر إلا مربعا من مربعات سقف الفورة" ص32و33، نلاحظ أن "كميل" يتحدث بإسهاب عن معاناته الجدة، بينما كان كتوما مع والده، وهذا له علاقة بعمل الأب المستمر والدائم في الأرض، فبدا وكأنه لم يرد إزعاجه بألمه ومعانته، بينما الجدة التي كانت الأقرب عليه تحدث معها بمشاعره وما فيه من ألم: "آه يا جدتي، أشكو إليك هذه الجدران العالية من حولي، وأنا الذي لم تكن الجبال النائية والسهول الواسعة تتسع لأقدامي" ص36، رغم هذا الواقع، إلا انه يحمل الأمل في التحرر والخلاص من الأسر، لهذا يخاطبها بقوله: "خبئي لي الحاجات الصغيرة من سكاكر وحلويات كما كنت تفعلين في طفولتي، فطعمها ما زال عالق في نفسي، ولا تنسي أن تجففي المزيد من الزعتر الجبلي سأعود لشرب الشاي معك، ولك أن تطمئني فلن أخبئ لديك ممنوعات، فعندما أعود سيكون الزمن قد تغير، وقد زال الاحتلال عن أرضنا وتحررنا من سطوة الإغراب الغادرين" ص37و38، نلاحظ أن "كميل" يؤكد فكرة ارتباطه بالزمن الماضي، من خلال ذكره للشاي والزعتر، ومن خلال الورقة والرصاصات الثلاث التي خبأها عند الجد في بداية الأحداث، لهذا يريد أن يعيش ذلك الماضي في المستقبل بعد أن يتحرر.
أثناء حديثه مع الجدة يستحضر الأرض التي كان يغدو فيها ويمرح بقوله: "آه يا حبيبتي أشتاق لك شوق الأرض الجائعة لمطر الشتاء... آه على مطر الشتاء الذي أعشقه بجنون، منذ سنوات لم يتساقط المطر فوق رأسي...أحن إلى رائحة الأرض بعد الشتوة الأولى، وأتمنى لو تلوث ثيابي بالتراب، وأشتاق لرؤية الربيع في بروزه الأول، وبيت النمل، والعصافير، وزهور النرجس" ص36، هذا الحضور للطبيعة وبهذه اللغة التي بدأت عالية حيث نجد وصف أدبي جميل للطبيعة: "لك شوق الأرض الجائعة لمطر الشتاء" ثم بدأت تتجه نحو (العادية) فبدا الكاتب وكأنه تذكر أنه يخاطب جدته فكان عليه أن يستخدم لعة تفهما، من هنا نجد لغة أدبية وأخرى عادية، لكن فكرة الطبيعة وأثرها حاضرا فيهما.
الفصل الثاني الزمن والحب
الأسرى يعيشون زمنا خاصة بهم، غير الزمن الذي نعيشه نحن، يوضح لنا "كميل" هذا الأمر من خلال "الأسرى المنسيون في زمنهم الموازي" بقوله: "المهم شرح لي وليد عن الزمن الموازي، وهو ببساطة يصف زمن الأسر بأنه زمن مختلف، وأنه لا علاقة له بالزمن الفلسطيني، ولا بزمن البشر العاديين، ...لا يقاس الزمن بالأيام أو السنوات، وإنما بالأحداث الصغيرة أو الكبيرة التي تخص عالم الأسر...يغدو الزمن لا قيمة له، ولا وزن. تتشابه الأيام وتمضي مسرعة في قطار الزمن المؤبد، أما الزمن الآخر فهو زمن البشر في عالم ما خلف الجدران حيث الحياة الحقيقية، وبهذا فإن زمن الأسر لا يتلامس مع الزمن في الخارج إلا وقت زيارة الأهل" ص40، بهذا الرتابة يعيش الأسير زمنه في السجن، فهو معزول عن العالم، ولا يجد زمنه متحركن بل ثابت، كحال الجدران والسجان، من هنا لا نجد أي تغيير يذكر في حياة الأسير سوى تغيير الجسد: "أسألك لماذا يذبل الجسد بينما يتوهج الفؤاد في زماننا الموازي؟" ص45، فالتغييرات متعلقة بالجسد فقط، وهي تغييرات لا يستطع الأسير أو أي كان بشري أن يوقفها، لكن الثابت المتحرك هو الأمل بالتحرر والتقدم من الفرح الذي عاشه في الماضي.
هذا التقديم للزمن يتم كسره من خلال الحب، من خلال المرأة التي قررت الاقتران بأسير محكوم بعشرات السنوات وحتى مئات السنوات، فالمرأة هي من يُحدث الثورة في عالم الأسير وزمنه: "في حالة الحب حين يلتقي مع الزمن الموازي فإنه يصبح حدثا مهما يتداخل فيه الزمنين، زمن الأسر الزمن الطبيعي... وبهذا المعنى يصبح الحب عابرا للزمن في أرقى أشكال عبوره وتجلياته في النفس الإنسانية" ص48، إذن اختراق زمن الأسير يم من خلال المرأة وهنا يدخلنا "كميل" إلى قصة تسرد بطريقة عادية لكنها مشوقة: "أبدأ بحكاية وليد دقة وزوجته سناء، فالأخيرة ربطت مصيرها بمصير وليد قبل أكثر من عشرين عاما... وسيمر عليها وعلى وليد عشرات الإفراجات وصفقات التبادل، وكلما اقتربت بشائر الحرية فوق رأسيهما كلما هبت الريح والعواصف لتبعدهما من جديد... سناء ووليد زوجان منذ أكثر من عشرين عاما لم يتلامسا أبدا... قبل سنوات قليلة هاتف وليد سناء في سجنه ليبلغها بأن لدية فحوصات في المستشفى، لمعت فكرة في رأس سناء بأن المشفى هو المكان الوحيد الذي سيكون بمقدورها أن تراه بلا زجاج... كان حلمها بسيطا أن ترى وليدا بلا زجاج وانتظرت في ممرات المستشفى وأحست بتباطء الوقت ولم تلبث أن أطلت سيارة شرطة السجون وهي تنقل وليد وستراه من بعيد وتشعر وكأن قلبها سيخرج من جسدها، وهي تراه مقيد اليدين والقدمين ومحاطا بحراس السجن، هو الآخر سيراها من بعيد، ...كان يبعد عنها مسافة ذراعين لا أكثر، لم تتمالك نفسها لم تصمد وتهاوت عليه واحتضنته بشوق وانخرطت بالبكاء، ارتبك الحراس أمام هذا المشهد، وهو ما سمح لهما بعناق استمر لحظات اضفى القليل من الشوق الملتهب.
لأول مرة يلامس زمن وليد الموازي مع زمن سناء الطبيعي... وستؤرخ هذا بمقياس زمنها العادي، بينما وليد الذي هطل المطر في صحرائه الجافة ستشرق روحه، وسيؤرخ الحدث في مقياس زمنه الموازي عندما التقى سناء بالمشفى.
سناء جعلت من وليد إنسانا حرا في عالم الأسر، جعلته إنسانا مرحا ودمثا ومبتسما على الدوام، ستكون بمثابة الترياق بالنسبة لوليد الذي غدا كاتبا لا يشق لقلمه عبار، ستغرقه بمئات الكتب التي تحرص على توفيرها في كل زيارة" ص47-54، بهذا القصة الإنسانية الحقيقة قدم "كميل" فكرته عن زمن الأسر الميت، والزمن الطبيعي/العادي الذي يشعر به الناس ويعيشونه، فالمرأة/سناء اقتحمت زمن "وليد" وجعلته يعيش في زمن (طبيعي/عادي) وتخرجه من واقعه فأصبح مبتسما وفاعلا، ما كتابته قصة "سر الزيت" التي سنقف عنده لاحقا، إلا شاهدا حيا على اختراقه لزمن السجن.
وعن إبداع "وليد دقه" وكتابته قصة "سر الزيت" وكيف أنها أحدث هزة في كيان المحتل بعد أن علم بحفل توقيع القصة التي خرجت من خلف الجدران والأبواب العديدة والسميكة: "وقفت الدولة على أصابع قدميها بسبب قصة أطفال، تولى وزير الداخلية المهمة البطولية في إفشال الحفل، ومارس ضغوطه وتهديده وابتزازه للمشاركين من رؤساء وأعضاء البلديات لمنعهم من الحضور، وفي اليوم التالي أوردت الصحف العبرية خبر انتصار "إسرائيل" المدوي على قصة أطفال خرجت من عال القرص المربع، وابتهجت في تقيص عدد المشاركين في الحفل" ص196و197، هذا هو انتصار الدولة الأقوى في المنطقة، التضيق على المشاركين في حفل إشهار قصة للأطفال، فيا لها من دولة عظيمة وديمقراطية!!.
من هنا يستخلص كميل هذه الفكرة عن طبيعة دولة الاحتلال وطريقة تركيبها: "فإن أردت أن تكون صهيونيا جيد عليك أن تتجرد من إنسانيتك" ص97.
وفي قصة أخرى يتحدث عن علام الكعبي ومنار التي قررت الارتباط به، فالأسير إنسان، إنسان نبيل، منتمي، لهذا عندما يطرح موضوع (الزواج) يشعر بأن هناك ظلم سيقع على المرأة: "لهذا ظل يشعر بتأنيب الضمير، كيف له أن يربط فتاة في مقتبل العمر بمصيره الأسود...إنه يرغب ببقائها معه، وفي الوقت ذاته يأنبه ضميره على مستقبلها، من جهتها عاهدته منار في البقاء على العهد مهما كلفها الثمن.
... يتم الإفراج عن "علام" بصفقة "شاليط" ( وهنا يتصل "بكميل" ليخبره عبر الهاتف المهرب) "سأتزوج قريبا... بعد شهرين غادرت منار الضفة في رحلة طويلة ستمر خلالها على الأردن، من ثم إلى مصر ومن هناك على غزة... وكلما حملت منار كانت تضطر للسفر إلى الضفة لإنجاب مولودها هناك لينال مواطنة الضفة" ص55-59، بهذا الشكل كانت المرأة الفلسطينية تعطي، فكانت تختار ما هو مستحيل، وتربط مصيرها بأمل اقرب إلى السراب منه إلى الماء، مع أنها حرة ويمكنها أن تختار ما هو طبيعي/عادي، لكنها تصر على مشاركة الرجل النضال لتوكد أنها صاحبة مشروع وطني تحرري وأنها تدفع حياتها ثمنا لموقفها.
ويحدثنا عن "نادر صدقة" السامري وكيف أن "دانا" بحثت عنه إلى أن استطاعت التحدث معه عبر الهاتف المهرب: "صارحته بحبها منذ المكالمة الأولى...سأنتظر حتى آخر لحظة في العمر..." ص66، يصف كميل أثر "دانا" على "نادر": " لكنها كانت حقيقة لا سرابا، لفحت أنفه بعبيرها من بعيد، وأمطرت على صحرائه ولم يلبث أن تفتح زهورها غب أعماق قلبه" ص68.
الفصل الثالث يتحدث فيه عن صديقه المحامي "حسن عبادي" حيث خصته زوجته "سمير" بكعك العيد، لكن سلطان الاحتلال رفضت إدخالها بحجة أنها من الممنوعات.
الفصل الرابع "أم عسكر، وحنان باكير، وأم إبراهيم"
هناك تلاقي بين أم عسكر وأم إبراهيم، فهما تعيشان في نابلس، الأولى في البلدة القديمة، والثانية في منطقة الطور "جبل جرزيم" أم عسكر تتبنى كل المقاومين وتعاملهم كأولادها، لكن تميز "نادر صدقة" السامري عن بقية رفاقه: "لا تعصبوا كلكم أبنائي، لن نادر له محبة خاصة. وصار لقب نادر الجديد "عسكر" ينادونه رفاقه بهذا الاسم.
توطدت علاقته بأم عسكر، يدخل بيتها ويعانقها ويقبل يدها ورأسها ويساعدها في إعداد الطعام، وتعرف أهله على أم عسكر وباركوا هذه العلاقة.
...استدعه ذات يوم إلى بيتها وكانت قد استدعت ابنتها الوحيدة فداء من بيت زوجها، أجلستها أرضا قبالة نادر، نزعت الغطاء عن رأس ابنتها وسط دهشة وخجل ابنتها وحيرة نادر وتأثره وهتفت قائلة لفداء:
"هذا أخوك نادر، من الآن فصاعدا عليك أن تعامليه كما لو كان أخا لك.
... كانت أم عسكر قد ورثت قطعة أرض من أهلها في ميثلون ولأنها تؤمن بأمومتها لنادر، أصرت أن تسجل الأرض باسمه" ص153-155، هذه صورة عن المرأة الفلسطينية، صورة اجتماعية الفلسطيني الذي يتجاوز الطائفة والدين، فالوطن يوحد كل الناس ويصهرهم اجتماعيا، بحيث يكون جميعا مواطنين في خدمة الوطن.
اللافت في حديث "كميل" عن "أم عسكر" أنه يقدم امرأة من عالم (خرافي) من عالم غير ارضي، عالم سماوي، يعيش فيه الملائكة فقط، وهو بهذا التقديم يؤكد وجود الخير والعطاء في الفلسطيني، وهذا أجمل رد على الواقع (المادي/الواقعي) الذي يريده لنا الأعداء والمتخلفين، الذي يريدون تقسم المجتمع إلى طوائف وممل، والأفضلية عندهم ـ بطبيعة الحال ـ للفئة الناجية التي ينتمون لها، وغيرهم لا يصلح إلا لدفع الجزية!!.
الفصل الخامس السجن والأمل بالتحرر
يتناول "كميل" أثر السجن ولونه الأزرق على الأسرى والهدف من وجوده، لكنهم يواجهون هذا الأمر من خلال تمسكهم بفكرة التحرير، و من خلال إبداعهم الأدبي والفكري، ومن خلال حركتهم العجيبة الغريبة!: "بعض الساعات القليلة التي نمضيها في الدوران في ساحات السجن الضيقة، ندور بعكس عقارب الساعة بصورة لا إرادية وكأننا لا شعوريا نتمرد على الزمن الذي سلب منا حقنا في الحياة الطبيعية" ص181، نلاحظ أن "كميل" يصف هذا حركة الدوران العكسي بأنها لا أرادي، وهذا يقودنا إلى بقية الفصل، حيث يستخدم صيغة "تداعي ضمير المخاطب" حتى يعطي لنفسه هامش ليتحدث بحرية مع نفسه: "ليس بمقدورك التحرر من هذه الطاحونة الجهنمية سوى بالخيال الذي ليس بوسع السجان أن يحتجزه أو يسيطر على إرادته كما تفعل بأجسادنا" ص182، بعدها يهيم محلقا في على الخيال، عالم الفكر، وموجدا لنفسه مكانا متألقا بعيدا عن الجدران والأبواب ولونها الأزرق: "ستعلمك الأبواب الموصدة أن تعبر بوابتك ودلاهيزك السرية في رحلة البحث عن المعنى...عندها ستتسع دائرة الضوء في ذاتك المظلمة...لا تبحث عن الشيء الذي ترغب في العثور عليه بل دعه يبحث عنك" ص183، اللافت في هذا المقطع أن (حركة) الفكر عكسية كحال حركته في الساحة، فهو يدعوا الأشياء/الأفكار/الحاجات أن تأتي له لا أنه يذهب هو إليها، فهل أصبح كميل (مقدس) تحوم حوله الأشياء وترغب في التقرب منه!؟ أم أنها وسيلته للتحرر من جدران السجان والأبواب والعالم الغارق في الزرقة؟
في "الانتظار الجميل" يأخذنا إلى دور التخيل/الأحلام في التحرر وما هي الأحلام التي يريدها: "هنا تستيقظ أحلامنا في النهار وتعود في الليل إلى طفولتها البريئة، فنحن لم نكبر، لا زلنا أطفالكم، تصدقوا بأننا نغدو أطفالا كلما كبرنا" ص187، يعيدنا كميل إلى نظرته للزمن وكيف أن متوقف عمليا، لكنه يعتاش على ماضيه وخاصة طفولته، لكي يبقى حرا محلقا في فضاء، راكضا في السهول وصاعدا الجبال.
بعد هذه الوجبة الفكرية يستعيد كميل دوره كأديب، ويبدأ في استخدام لغة أدبية لكنها تبقى تحوم حول عين فكرة الحرية والتحرر: "تذبل أجسادنا لكن أرواحنا لا تزال خضراء تنضج بالحياة والأفراح القادمة والأعمال المؤجلة... فاستقبلونا حينما يأتي موعدنا مع الحرية كبشر عاديين أعياهم وجع الانتظار، استقبلونا نحن القادمين من وراء الشمس نحن المشتغلون بعشق الحياة...حينما تشرق شمسنا، سنبدأ بتعلم الحياة من جديد ببديهياتها البسيطة والساذجة، وستضحكون من جهلنا وسذاجتنا، فاحتملونا لأننا سنتدرب على النسيان...نسيان ما تركته الجدران فوق أجسادنا ولسعات سيط الزمن فوق جلودنا...انتظرونا...فنحن حتما عائدون" ص188و189، نلاحظ أن لغة الخطاب تغيرت إلى أنتم، فقد اكتفى وأشبع "نفسه" بما حدثها وأعطاها من توجيهات ونصائح، وها هو ينتقل لنا نحن القراء ليؤكد أن الحرية قادمة، وعلينا أن نحسن التعامل مع هؤلاء الأطفال الكبار.
واللافت في هذا المقطع أنه يتناول فكرة الزمن وأثرها على الجسد فقط، فالزمن عند "كميل" ثابت فقد توقف عندما تم أسرة، وهو يعيش/يتغذى على ماضيه قبل الأسر، ويختار فترة الطفولة تحديد لأنها الأجمل: "وستضحكون من جهلنا وسذاجتنا" لكنه مؤثر وفعال على الجسد: "ما تركته الجدران فوق أجسادنا" بهذا المفارقة: جسد هرم/شاخ وأحلام ما زالت تريد الركض في السهول وصعود الجبال.
الفصل السادس والتأمل
يتحدث عن واقعه في السجن وكيف أن أبسط الأشياء/الكائنات يمكنه التعلم والاستفادة منها، فيتحدث عن "النملة" ثم عن "بلاغة الأبواب" بقوله: "الأبواب اخترعت كل تفتح وتغلق غير أن ثمة أبواب قد جرى إحكام إغلاقها، كي لا تفتح أبدا، إلا إذا كسرت أقفالها الثقيلة من الخارج" ص203، فهنا نجد صلادة الأبواب، وقسوة الواقع، لكن على "كميل" أن يخترقها لكي يبقى حاضرا وفاعلا، من هنا يصل إلى هذه الفكرة: "فن الإصغاء لما هو داخلي، أعبر بوابتي الداخلية، فأعثر على أبواب ونوافذ كانت مغلقة...صار بوسعي الولوج بيسر إلى دهاليزي الباطنية مستكشفا أغوارها العميقة...كلما ضاق المكان اتسع الخيال" ص204، نلاحظ أن هناك حركة (عكسية) فالمكان ضيق، ولا يتيح/يسمح بحرية الحركة، لكن في المقابل نجد اتساع حركة الخيال، وهذا يؤكد أن الفعل المقاوم داخل سجون الأسر يبقى موجودا وفاعلا، وما وجود هذا المقطع الأدبي/الفكري إلا صورة من صور تلك المقاومة والمواجهة المتحركة والمؤثرة.
الفصل السابع وعقم الحلم الصهيوني
يتحدث فيه كميل عن "راج" المكسيكي اليهودي وكيف أنه جاء إلى أرض اللبن والعسل" فلم يجد فيها إلا السجن، فمن خلال الحوار معه أثناء رحلتهما في إلى السجن يتبن أن "راج" لا يعرف شيئا عن دولة الاحتلال ولا عن الصراع الدائر في فلسطين، مما يجعله يتخذ قرارا بعودة إلى المكسيك بعد أن ينهي فترة سجنه.
الكتاب من منشورات الأزبكية للطباعة والنشر، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى2023.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أبو عبيدة: ملف الأسرى والتبادل بيد حكومة نتنياهو ونؤكد أن حا
.. انتقاد آخر من ترمب للمهاجرين: -يجلبون جينات سيئة إلى أميركا.
.. معاناة النازحين السودانيين بأوغندا
.. تحرك بالكنيست لمصادرة أموال وممتلكات -الأونروا- في إسرائيل و
.. ألمانيا.. اعتداء على متضامن مع فلسطين من ذوي الاحتياجات الخا