الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أعياد النصيرية -العلويين- بين الأمس واليوم

نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)

2023 / 9 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تحتفل، اليوم، مختلف الأمم والشعوب والجماعات والفرق والعشائر والأعراق والشعوب والإثنيات النصيرية المعروفين باسم "العلويين" بعيد التاسع من ربيع الأول وهو يوم فرح وسعادة عندهم حيث، وكالعادة، وحسب الطقوس المعتادة، تـُنحـَرُ الذبائح ويتم طهوها مع البرغل و الرز، وتوزع على الفقراء والمحتاجين، وكنمط من أنماط التكافل والتعاضد الاجتماعي التي كانت سائدة في المجتمع السوري النصيري، قبل ظهور ما تسمى بـ"الدولة" الوهم التي لم تجلب سوى الفقر والعزاء والشحار، وهنا لا نشمل جميع الشعوب والأمم النصيرية، في أماكن أخرى، وحديثنا، فقط، عما قبل هجمة وغزوة البعث وعساكره المدججين بالاستبداد والديكتاتورية والعقل البوليسي المطعم بالفكر الفاشي العروبي الإقصائي التكفيري على هذا المجتمع وتدميره وتخريبه وتفتتيت عراه والقضاء على كل ذاك التراث والموروث الإنساني النصيري الجميل والعفوي والطيب والعريق حيث ضربت المجاعات والقلة والحرمان أسس وركائز وأنماط الحياة التقليدية وأتت على معظم، إن لم يكن على كل، تلك الطقوس البريئة العفوية والطيبة، التي عشناها وعرفناها في بدايات تفتح الوعي الطفولي ولا زالت مزروعة في ذاكرة ووجدان الكثيرين من ذاك الجيل البائس والمنكوب الحزين والذي عاصر وعايش كابوس وحقبة البعث الظلماء والجاثم على رقاب وصدور البشر للعقد السادس على التوالي.
كم كنا نتلذذ وننتظر بلهفة وشوق حتى ينضج و"يطلع" العيد ونأكل منه، ونحن صغار أيام زمان، ونتذمر ونتأفف ونشكو من طول الصلاة أحياناً التي يقيمها الشيوخ وأصحاب الخير مع أهل القرية والمعازيم، ولم نكن لنعطي فرحتنا لأحد حين يبدأ توزيع الطعام ويغدق وتنتشر رائحته مع اللحم اللذيذ في أرجاء المكان ونبدأ بتناوله بنهم شديد، لكن تنتابك حسرة وألم، وقهر كبير، من نوع آخر، وأنت ترى، اليوم، تلك البحبوحة والكرم والسخاء الحاتمي القديم، أيام زمان، قد اندثرت، وانتهت، أيام اللولو والزمن الجميل، قبل ظهور الفاشية العروبية، حيث كانت كمية الطعام واللحوم التي توزع، أكبر من حاجة المجتمع المحلي، أي القرية التي تجري فيها طقوس المناسبة، وكان زيت الزيت البلدي المنتج محلياً، أو السمن في بعض الحالات، وتحديداً، مع الرز، "يشرشر" من "الغضارة" التي كانت توزّع على الأفراد وأسر القرية بيتاً بيتاً، مع "زكاة" معتبرة وسخية للشيخ الذي قام بالذبح وقراءة القرآن والفاتحة، وتلاوة القرآن وطلب الدعوات بالصحة والعافية للجميع، والترحم على الأموات، أموات "صاحب خير" (أي العيد) وأموات القرية و"صاحب المقام" (الزيارة)، وكان البعض، وكان المال حلالاً زلالاً طيباً، يساهم بما تيسر من الزكاة وحتى بثمن الذبيحة كنوع من المشاركة الروحية الوجدانية ومحبة بعمل الخير، وكانت بعض العائلات الميسورة، وحتى متوسطة الحال، لا تقبل إلا بالذبائح الحيوانية، كالثيران المسمنة والمرباة خصيصاً للمناسبة، أو الخرفان والأكباش الكبيرة التي كانت أيضاً تسمـّن لهذا اليوم العظيم والجليل عند النصيرية، وكان يومها، ينظر، من قبل هؤلاء، بشيء من الشفقة، لمن يقدم ذبائح "رخيصة" كالماعز أو من طيور الدجاج، وكان البعض يأنف حقيقة من تناول لحم الدجاج، في هكذا مناسبات ويصر على "الضأن" رمز "البحبوحة" والفخامة والأبهة والكرم، وكانت تترافق مع هذه المناسبة، طقوس لا بد منها، كالـ"قعدات" والحلقات المسائية، والسهرات، حيث يتناول البعض من شتى أنواع المشروبات المتاحة، وحسب الرغبات الشخصية، مع ترديد بع الأغاني والمواويل الشعبية والأغاني والأهازيج المحلية.
كل ذاك التراث الجميل الرومانسي الزاهي، مات واندثر وأصبح من الماضي عند طائفة وقوم وعرق وعشائر ومجموعة سكانية تعتبر اليوم واحدة من أفقر وأتعس شعوب العالم حالاً وتعيش على حافة الفاقة والفقر والإفلاس والحرمان من أبسط مقومات الحياة العفيفة والاكتفاء، تنتظر وتحت رحمة كرتونة غوتيريش وطائرات الشيخ محمد بن زايد كي تطبخ صحن البرغل، وتعاني البطالة والجوع والحرمان والعوز ونقص المواد وانعدام تام للخدمات، وبدلاً من تلك الحصص "العرمرم" التي كانت تتلقاها الأسرة الواحدة، من العيد، وأحياناً كانت تتلقى أكثر من حصة من غير فاعل خير القرية أو في جوارها، بالكاد تنال، اليوم، حصة" شحيحة خالية الدسم وخالية من اللحم تقريباً، ومن دون "ديمة" تقريباً (أي زيت أو سمن) وناشفة، تسبب فقر الدم والنفخة والآلام المعوية والمغص و"الغصة" وبالكاد يبلعها المرء أو تشبع جائعاً، وتكفيه عن طلب المزيد من الطعام، وحل البخل والقلة والشح والكفاف مكان البحبوحة والكرم والسخاء، لا بل بات كثيرون لا يستلمون تلك الحصة، ولا يذهبون للصلاة بالأعياد، (من كان يصلي كان ينال حصة إضافية ومدعومة)، ومنهم من يرميها كطعام للدجاجات والصيصان، نظراً لأنها ليست صالحة للاستهلاك البشري وشحيحة بكل شيء، ولا تشبع طفلاً صغيراً، ربما، ولم يعد فيها أية بركة وطعم، فيما أقلع كثيرون عن القيام والاحتفال بهذا اليوم وتركوه وشأنه بسبب حالة الإفلاس والعوز وعدم القدرة على الإيفاء بمتطلبات هذا اليوم العظيم، وفي ذلك، وحسب العرف الديني، كفر وضلال ومروق إثم كبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رد فعل لا يصدق لزرافة إثر تقويم طبيب لعظام رقبتها


.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصفه بنى تحتية عسكرية لحزب الله في كفر




.. محاولات طفل جمع بقايا المساعدات الإنسانية في غزة


.. ما أهم ما تناوله الإعلام الإسرائيلي بشأن الحرب على غزة؟




.. 1.3 مليار دولار جائزة يانصيب أمريكية لمهاجر